توار سوريون يستعدون لإطلاق قذيفة هاون أثناء الاشتباكات مع قوات النظام في حلب (الفرنسية-أرشيف) |
لم يكن خافيًا في نهاية مؤتمر أصدقاء سورية، الدول الإحدى عشرة، التي التقت في الدوحة في 22 يونيو/حزيران 2013، أن قرارًا برفع وتيرة، وتحسين مستوى، تسليح الثوار قد اتُّخذ؛ فرئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، في مؤتمره الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أشار ضمنيًا، ولكن بما يكفي، إلى أن تسع دول توافقت على التسليح بصورة منفردة، أي بالطريقة ومن خلال الإجراءات التي تراها مناسبة لنظامها السياسي؛ وأن دولتين فقط اختارتا أن تساهما بوسائل أخرى، مثل التدريب على الحكم، والعون الاقتصادي والإغاثي، والمعدات غير الحربية، وما شابه.
فلماذا خطت مجموعة أصدقاء سورية، بعد تردد طويل، مثل هذه الخطوة؟ وما هو الهدف الذي تتوخاه؟ كيف تنعكس هذه الخطوة على أوضاع المعارضة السورية؟ وهل ثمة وحدة هدف أصلاً بين دول مجموعة أصدقاء سورية، التي تضم كافة القوى الدولية الرئيسة، ما عدا روسيا، وكافة القوى المشرقية الإقليمية الرئيسة، ما عدا إيران؟
التسليح: الجديد في قرار قديم
لم يكن ممكنًا صدور قرار التسليح عن لقاء أصدقاء سورية بدون تغيير في الموقف الأميركي؛ فعدد من الدول المشاركة في المؤتمر، مثل السعودية وقطر وتركيا، تساهم في التسليح منذ ربيع العام الماضي (2012)، وعدد آخر، مثل بريطانيا وفرنسا، أعلنت منذ شهور عزمها على تقديم السلاح للثوار السوريين، بدون أن تتخذ خطوات عملية. كان الموقف الأميركي هو العقدة باستمرار، ليس في تعطيل الخطوات البريطانية والفرنسية وحسب، ولكن أيضًا في وضع سقف لنوعية السلاح المقدم للثوار من الدول المشاركة في تسليحهم. ولكن الموقف الأميركي لم يتغير في لقاء أصدقاء سورية، بل قبل ذلك.
المرة الأولى التي يعلن فيها البيت الأبيض عزم واشنطن على تسليح الثوار، كانت مساء الخميس 14 يونيو/حزيران 2013، في نهاية بيان قصير، حمل توكيدًا من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على أن تحقيقات الجهات الأميركية المختصة وصلت إلى نتيجة تؤكد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، سيما غاز السارين، ضد شعبه. ولأن السلاح الكيماوي اعتُبر دائمًا، من وجهة نظر إدارة أوباما، خطًا أحمر، كان طبيعيًا ومبررًا أن تأخذ إدارة أوباما خطوة ملموسة في مواجهة النظام، تمثلت في الإعلان عن نية البدء بتسليح المعارضة، على الأقل إن أرادت الإدارة كسب الرأي العام. الحقيقة، أن الأدلة على استخدام السلاح الكيماوي توفرت لواشنطن، مثل لندن وباريس وأنقرة، قبل أسابيع طويلة من بيان التسليح؛ وأن التطرق لمسألة استخدام السلاح الكيماوي في هذا الوقت بالذات كان مسوغًا للقرار الجديد. الأصل هو التغيير في السياسة الأميركية من تجنب التدخل، والامتناع عن تسليح الثوار، إلى العزم على التسليح.
وقع هذا التغيير في الموقف الأميركي أثناء زيارة رئيس الحكومة التركية، الطيب رجب أردوغان، لواشنطن، 16–17 مايو/أيار 2013، ليس فقط نتيجة للضغوط التركية أثناء المباحثات الطويلة بين أردوغان وأوباما، ولكن أيضًا على خلفية من ضغوط أميركية داخلية وغربية وعربية مشابهة، من جهة، وتحولات ملموسة في خارطة القوى على الساحة السورية نفسها، من جهة أخرى.
من جنيف2 إلى قرار التسليح
يقول كينيث والتز، الأستاذ السابق بجامعة كولومبيا، وصاحب نظرية الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية: إن "الفوضى" لا يقابلها "الاستقرار"، بل "التراتبية". بمعنى أن تراتبية القوى في النظام العالمي، وبروز قوة مهيمنة، واعتراف دول العالم بهذه التراتبية، هو الذي يحقق الاستقرار. عندما تهدد دولة ما النظام المتوافق عليه، يفترض أن تقوم القوة المهيمنة بإعادتها إلى موقعها، وتؤمّن بالتالي مناخ السلم والاستقرار. وما ينطبق على النظام العالمي، ينطبق أيضًا على الأنظمة الإقليمية. يسيطر هذا التصور للعالم والعلاقات الدولية، إلى حد كبير، على دوائر القرار في العاصمة الأميركية؛ حيث يرى قطاع كبير من صانعي السياسة الأميركيين أن على القوة المهيمنة أن تقود، وأن تخليها عن القيادة يعني التصرف بطريقة غير مسؤولة. وهذه، على وجه الخصوص، هي القناعات التي تصنع مناخ الجدل حول سورية في العاصمة الأميركية.
يدرك كبار أعضاء الكونغرس الأميركي، من أمثال جون ماكين، ورجال الأمن القومي السابقين، وكبار الكتاب والمحللين، الذين يتناولون الأزمة السورية، أن أولويات بلادهم الاستراتيجية قد تغيرت، وأن الشرق الأوسط لم يعد، ولا يجب أن يحتل صدارة الأولويات الأميركية، في حين تواجه الولايات المتحدة عملاقًا اقتصاديًا صينيًا في حوض الباسيفيك، يوشك أن يتحول إلى عملاق عسكري أيضًا. وليس بين هؤلاء الأميركيين المؤثرين، على الأرجح، من يحمل تعاطفًا خاصًا مع الشعب السوري، أو مع العرب بصورة عامة؛ ولا هو ينظر إلى المسألة السورية نظرة أخلاقية إنسانية. ما يقولونه، إن هناك أزمة كبيرة في الشرق الأوسط، وإن التدخل الإيراني والروسي، من جهة، وتدخل دول عربية وتركيا، من جهة أخرى، يوشك أن ينقل الحدث السوري من المستوى المحلي والإقليمي إلى المستوى الدولي، وأن يغرق الشرق الأوسط في مناخ من الفوضى؛ وأن على أميركا، بوصفها الدولة الرئيسة في العالم، أن تقود، أو أن العالم سينظر إليها كقوة غير مسؤولة.
هذا الجدل، الذي تساهم فيه دول أوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا، وغير أوروبية، مثل تركيا والسعودية وقطر وعدد آخر من الدول العربية، هو الذي دفع كيري إلى التحرك باتجاه روسيا في 7 مايو/أيار 2013، عندما أعلن الطرفان اتفاقهما على عقد مؤتمر جنيف2. والأرجح أن فكرة تنشيط إعلان جنيف، التي توصلت إليها الدولتان في 30 يونيو/حزيران 2012، وعقد مؤتمر سوري-دولي بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، جاءت من كيري، وليس من لافروف. لا تريد إدارة اوباما التدخل في سورية، بأية صورة فعلية؛ وهذه هي السياسة الأميركية منذ بدأ النظام السوري في مواجهة شعبه الأعزل بالاجتياحات العسكرية المدرعة في صيف 2011. تصريحات فقدان الشرعية والتنحي، التي صدرت عن الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون خلال 2011 و2012، لم تكن سوى محاولات للضغط المعنوي على الرئيس السوري وحلفائه، ولم يُقصد بها التمهيد للتدخل. لاعتبارات استراتيجية دولية، ولحجم التراجع الأميركي لدى الرأي العام العربي والإسلامي خلال العقد الأول من هذا القرن، ولتعقيدات الوضع السوري نفسه، ولأن المسألة السورية فوق ذلك لا تشكّل تهديدًا ملحًا للمصالح الأميركية، اختارت إدارة أوباما تجنب التدخل المباشر، وترك المسألة للحلفاء الإقليميين ورؤيتهم لمصالحهم وتقديرهم لدورهم.
بيد أن الضغوط، داخل الولايات المتحدة ومن الحلفاء الأوروبيين وشرق الأوسطيين، للتدخل، تصاعدت؛ وكان لابد بالتالي من الاستجابة لهذه الضغوط، وتقديم رد مقنع، يتضمن الاعتراف بالتخلي عن موقع الدولة الأقوى في العالم، أو القيام بعمل ما. فكانت الاجابة في فكرة تنشيط جنيف وعقد المؤتمر السوري-الدولي. وإن كان في مؤتمر كيري الصحفي في موسكو، بالاشتراك مع لافروف، ما يستدعي الانتباه، حين قال: إن الاتفاق على المؤتمر يعني أن ليس لواشنطن أن تتخذ إجراء سريعًا بصدد تسليح المعارضة السورية.
سورية، من المنظار الروسي، هي أمر مختلف تمامًا؛ خسرت روسيا الحرب الباردة، وخسرت معها إمبراطورية أوروبية-آسيوية مترامية الأطراف؛ ولكنها لم تخسر الحرب بالضربة القاضية، ولم تفقد بالتالي مقوماتها العسكرية النووية الهائلة. وبعد سنوات التسعينيات المهينة، ساعدت عائدات النفط، وسياسة بوتين الحازمة لتعزيز قبضة الدولة، في استعادة روسيا لثقتها بذاتها، ولكن القوى الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، لم تأخذ متغيرات القوة الروسية في الاعتبار، ولا حتى بعد الحرب الغاضبة التي شنتها روسيا ضد جورجيا في صيف 2008. ترفض الولايات المتحدة الاعتراف بمصالح روسيا الخاصة في شمال القوقاز، وترفض التفاوض حول الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ، وتُحجم عن مد يد المساعدة لجهود تحديث البنية الصناعية الروسية. وتجد روسيا نفسها اليوم في وضع أضعف نسبيًا في سوق الطاقة، بينما تعمل الدول الأوروبية والولايات المتحدة على تنويع مصادر النفط والغاز. سورية، لهذه الأسباب مجتمعة، هي أول مناسبة، على المستوى الدولي، منذ نهاية الحرب الباردة، تجد فيها روسيا أن العالم يأخذها مأخذ الجد، وأنها تستعيد دورها في صنع القرار العالمي.
المشكلة أن الأميركيين والروس لم يتفقا في موسكو على حل للأزمة السورية، بل على مجرد عملية للحل (process)، تُرك الكثير من تفاصيلها غامضًا ومادة لمفاوضات لاحقة. لم يتفق كيري ولافروف، مثلاً، على الكيفية التي سيضعان فيها إعلان جنيف 2012 موضع التنفيذ. ففوق أن من الصعوبة بمكان فرض وقف لإطلاق النار، وإقناع النظام بسحب قوات الجيش من المدن والبلدات (الأمر الذي سيشجع السوريين على الخروج إلى الشوارع بمئات الألوف، من جديد)؛ فإن هناك صعوبة فائقة أخرى تحيط باحتمال توصل ممثلي المعارضة والنظام إلى اتفاق على حكومة انتقالية. الأصعب من هذا كله، هو إقناع الرئيس السوري بتسليم سلطاته لهذه الحكومة؛ إذ حتى بعد قبولهم بالنص الغامض حول وضع الرئيس السوري أثناء المرحلة الانتقالية، ليس ثمة خلاف حول أن الأميركيين، وتركيا، وأغلب العرب، يريدون عملية انتقالية تفضي إلى خروج الأسد من المشهد.
أما الدائرة الثانية من العقبات، فتتعلق بالإطار المفترض لمؤتمر جنيف2: من سيمثل النظام؟ وهل سيكون مفوضًا بالفعل لاتخاذ قرارات رئيسية؟ من سيمثل المعارضة والشعب، سواء القوى السياسية أو القوى المسلحة؟ وهل سيمتلك من القوة والنفوذ ما يجعل ما يوافق عليه شرعيًا في أعين الجماعات والشخصيات السياسية والعسكرية المختلفة؟ وما الدول التي سيُسمح لها بالالتحاق بالمؤتمر، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا؟ سيما أن هناك خلافًا كبيرًا حول ما إن كانت إيران ستُدعى للمشاركة أم لا؛ وماذا سيعني أي اتفاق يتم التوصل إليه، على صعيد القانون الدولي وقدرة مجلس الأمن الدولي على الفعل؟
خلال الأسابيع القليلة التي تلت اتفاق موسكو بين كيري ولافروف، بدا واضحًا أن واشنطن أوباما، وإن أحجمت عن التدخل، لم تتراجع عن هدف الإطاحة ببشار الأسد، بصورة أو أخرى. وفي المقابل، وفي ضوء استمرار إمدادات السلاح الروسية لنظام الأسد، بدا أن الروس ليسوا في طريقهم لتغيير سياساتهم في سورية، المستمرة، كما هي، وبدون أدنى تغيير، منذ تحول الثورة السورية إلى أزمة إقليمية ودولية. وقد بدا واضحًا في لقاءات المسؤولين الأميركيين والروس بعد اتفاق موسكو أن ليس ثمة مؤشرًا على استعداد الجانب الروسي لتقديم تنازلات ملموسة للمساعدة على انعقاد المؤتمر. وهكذا، تأجل موعد جنيف2 من 20 يونيو/حزيران 2013 إلى وقت ما في يوليو/تموز 2013؛ ثم سرعان ما توالت التصريحات بأن لا أحد يعرف على وجه اليقين متى سيعقد. قوى المعارضة السورية، سواء في الائتلاف الوطني أو في قيادة الجيش الحر وأوساط قادة ألوية الثوار، مدعومة من تركيا والدول العربية المؤيدة للثورة، أعادت التوكيد على شروطها السابقة الخاصة بالمفاوضات مع ممثلين للنظام غير ملوثي الأيدي بدم السوريين، وعلى رفض أي دور لقيادة النظام في المرحلة الانتقالية.
ولأن قادة النظام، وحلفاءه في إيران وحزب الله، لم يروا التعقيدات المحيطة بعقد جنيف2، سارعوا، وبتأييد روسي، إلى محاولة توكيد سيطرة النظام وتحكمه في سير المعركة، قبل الذهاب إلى جنيف. على الأرض، لم يعد خافيًا أن انخراط حزب الله وإيران يزداد عمقًا وانتشارًا في أنحاء سورية. معركة القصير، كما هو معروف لم تبدأ يوم انسحاب الثوار منها وسقوطها في أيدي قوات النظام والحزب، بل قبل ذلك بزهاء الشهر، ووسط اعتراف واضح من قادة الحزب بتورطه في سورية. كما أن التقارير حول تجنيد الشبان الشيعة في العراق ودول عربية أخرى، إضافة إلى باكستان وأفغانستان، للقتال في سورية، تواترت منذ نهاية العام الماضي.
باختصار، على خلفية من انحسار التفاؤل بانعقاد قريب لمؤتمر جنيف2، وتزايد المؤشرات على اتساع نطاق التدخل الإيراني/حزب الله في الأزمة، ورفض الروس التزحزح عن مواقفهم السابقة، وظهور مؤشرات على سعي النظام وحلفائه إلى تغيير خارطة المعركة، عادت الضغوط من جديد على إدارة أوباما، داخليًا وخارجيًا، وأصبح على الرئيس الأميركي اتخاذ خطوة ذات دلالة سياسية ملموسة، حتى وإن تمثلت في قرار التسليح.
المعارضة: خلافات متعددة
كان تشكيل قيادة موحدة للجيش الحر، وانتساب قطاع ملموس من ألوية وكتائب الثوار إلى هذه القيادة، واختيار الجنرال سليم إدريس، أحد الضباط المحترفين في صفوف العسكريين المنشقين، لرئاسة أركان الجيش الحر، عاملاً مهمًا في إقناع الدول الغربية والولايات المتحدة باتخاذ قرار التسليح. تتخوف القوى الغربية والعربية من الدور الذي تلعبه جماعات مسلحة مرتبطة بالقاعدة في مسيرة الثورة، ومن وصول سلاح نوعي لهذه القوى. وربما استطاع إدريس وقيادته توفير تطمينات كافية، نسبيًا، بأن مثل هذا السيناريو لن يقع، وأنه طالما كان السلاح يمر عبر قيادة أركان الجيش الحر، فعلى القوى المساندة للثورة أن تطمئن إلى أنه لن يصل إلى أيدٍ غير مرغوب فيها.
عزز الدور الذي بات يلعبه الجنرال إدريس وقيادة أركان الجيش الحر، بغض النظر عن حجم الدعم الذي قُدم للثوار حتى الآن، والثقة التي يبدو أن الدول العربية والغربية توليها لإدريس وقيادته، موقع العسكريين في قيادة الثورة السورية. ومن الملاحظ أن قيادة الأركان، وليس رئاسة الائتلاف الوطني، كان من دُعي للقاء أصدقاء سورية في الدوحة.
لأسباب عديدة، موضوعية وذاتية، ولفقر التجربة السياسية السورية خلال العقود الأربعة الماضية، لم يستطع الائتلاف توكيد قيادته للثورة السورية. وقد تعرضت صورة الائتلاف لمزيد من الاهتزاز عند استقالة رئيسه الأول، الشيخ أحمد معاذ الخطيب. وفي محاولة للحاق بالأحداث، عقد الائتلاف لقاءً ماراثونيًا في إسطنبول، استمر لأكثر من أسبوع، 23–31 مايو/أيار 2013. شاب اللقاء خلافات، تعود في معظمها إلى الطبيعة التعددية البالغة للائتلاف، ولتدخلات الدول العربية المساندة للثورة. ولكن الائتلاف نجح في النهاية في الاتفاق على ضم 51 من ممثلي قوى وفئات جديدة: 8 للكتلة الليبرالية التي يقودها المعارض ميشيل كيلو، 14 ممثلاً للحراك الثوري في الداخل، 15 للجيش الحر، و14 آخرين من اتجاهات مختلفة. هذه، بالطبع، أكبر قفزة في مسيرة الائتلاف منذ تأسيسه، وستعيد بالتأكيد حساب التوازنات في هيئة الائتلاف العامة.
بيد أن توسيع الائتلاف جعل من الصعب المضي نحو انتخاب هيئة رئاسية جديدة، قبل أن تسمي قوى الحراك والجيش الحر ممثليها؛ وهذا ما أدى إلى تأجيل انتخابات رئاسة جديدة لعدة أسابيع أخرى. كما وجدت قيادة الائتلاف المؤقتة أن من الضروري الانتظار حتى اكتمال البنية الجديدة، قبل أن يقرر الائتلاف موقفه من جنيف2، ويسمي وفده للمؤتمر في حال وافق على المشاركة فيه. والمفترض، الآن، أن يلتقي الائتلاف في 5–6 يوليو/تموز 2013 لانتخاب الهيئة الرئاسية وحسم الموقف من المسار السياسي للأزمة. وربما تعتبر أشهر الصيف الحالي فرصة الائتلاف الأخيرة لتوكيد قيادته للثورة، وتمثيله للحراك الثوري، وللقطاع الأوسع من أطياف السياسة السورية المعارضة، وللجيش الحر والجماعات المسلحة التي تعمل تحت مظلته.
صراع طويل في الأفق
يجب عدم توقع إمدادات عسكرية كبيرة للثوار من الولايات المتحدة، ويجب عدم توقع وصول هذه الإمدادات سريعًا؛ والمؤكد أن هذه الإمدادات، إن تحققت، لن تصل إلى كافة الجماعات السورية المسلحة، بل لتلك التي تحوز ثقة الأميركيين. قرار لقاء الدوحة كان واضحًا في إعطاء كل دولة ترغب في دعم الثوار الحرية في تقرير ما تقدمه، وكيف، ولمن. ولكن أهمية قرار التسليح تنبع من أنه يرفع السقف النوعي للسلاح الذي يقدم فعلاً من الداعمين الرئيسيين، الذين يقومون بدور فعال في دعم الثوار منذ عام على الأقل، مثل تركيا والسعودية وقطر. وكان واضحًا خلال الأسابيع الأخيرة من يونيو/حزيران 2013 أن مسلحي الثورة السورية، سيما في حلب وإدلب في الشمال ودرعا في الجنوب، أصبحوا أكثر قدرة على مواجهة هجمات قوات النظام وحلفائه، بل وفي المبادرة إلى شن هجمات ملموسة على مواقع قوات النظام المتبقية. وربما ساعد إمداد الثوار بسلاح أفضل في إجهاض ما كان النظام يخطط له من هجوم واسع على مدينة حلب وريفها.
بيد أن المؤكد الآن، في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية المتزايدة، أن المعركة على سورية ستكون طويلة ومريرة وباهظة التكاليف. من المشكوك فيه، حتى بعد قرار لقاء الدوحة، أن سلاحًا كافيًا، نوعًا وكمًا، سيتوفر للثوار السوريين لحسم المعركة عسكريًا وخلال فترة قصيرة نسبيًا. في المقابل، تعهدت إيران وروسيا خلال العامين الماضيين بالاستجابة لحاجات النظام العسكرية؛ وليس ثمة مؤشر على أي تراجع في هذه الإمدادات. ويساعد دخول حزب الله وآلاف المتطوعين الشيعة ساحة المعركة قيادةَ النظام في احتواء مؤشرات الإنهاك، التي بدأت في الظهور في قوى النظام العسكرية. المتوقع، بصورة عامة، خلال الفترة القصيرة المقبلة، أن يستطيع الثوار إحراز تقدم ملموس في محافظات الشمال والشرق والجنوب، وأن تستطيع قوات النظام المحافظة على مواقعها في دمشق وريفها ومحافظات الوسط والساحل، وربما إحراز بعض التقدم غير الكبير في هذه المناطق.
في هذه المعركة الطويلة، لا يبدو أن هناك توافقًا كاملاً بين مجموعة أصدقاء سورية حول كيفية معالجة الأزمة. ثمة دول تعتقد أن بالإمكان تحقيق حسم عسكري، وأخرى ترى أن الحل في النهاية سياسي، وأن الحسم العسكري غير ممكن، وأن دعم قوى الثورة هو وسيلة لتحسين الشروط السياسية وليس الحسم. ما توافقت عليه هذه الدول مجتمعة في هذه المرحلة هو منع النظام وحلفائه في إيران وروسيا وحزب الله من تغيير ميزان القوى على الأرض، ومساعدة الثوار للضغط على النظام عسكريًا، ولو قليلاً، لإقناعه وحلفائه بضرورة التوجه الجاد لمفاوضات سياسية، تؤدي إلى تغيير جوهري في نظام الحكم. وفي المقابل، لن يكون هناك في المدى المنظور تدخل عسكري مباشر، ولا حظر جوي. هذا، بكلمة أخرى، أقصى ما ستستطيع قوى الثورة الحصول عليه في هذه المرحلة؛ وهو ما يتطلب أن تقيِّم قيادة الائتلاف وقيادة الجيش الحر حساباتها على هذا الأساس.
لن يتمكن الائتلاف من الاستفادة الناجعة من هذه الفرصة وخوض معركة طويلة إلا بمعالجة البطء في أعماله، والقطيعة النسبية بين الائتلاف والقوى الثورية بالداخل. وبالمثل، فإن التشظي البالغ في صفوف الجماعات المسلحة، سواء تلك المنضوية تحت مظلة الجيش الحر، أو التي تقف خارج هذه المظلة، لن يساعد السوريين كثيرًا على أرض المعركة؛ فالطرفان يواجهان تحدي إنجاح خطوة توسيع إطار الائتلاف، والتحاق قيادة الجيش الحر بهذا الإطار، والعمل على أساس أن قرار الثورة في النهاية هو القرار السياسي. إن كانت معركة سورية ستطول، فإن استمرار أحوال الائتلاف والقوى المسلحة للثورة على ماهي عليه سيجعل هذه المعركة أطول بكثير. بمعنى أن إطالة أمد هذه المعركة لا يقتصر على تعنت الروس والتدخل العلني لإيران وحزب الله، ولكن أيضًا إخفاق قوى الثورة في الارتفاع إلى مستوى التحديات التي باتت هذه المعركة تفرضها.