تبادل طرفا السلطة الانتقالية في السودان المسؤولية عن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها ضباط في سلاح المدرعات، واعتبرها الجناح المدني في السُّلطة خطوة أخرى من الشريك العسكري للتملص من التزاماته المتفق عليها في إدارة المرحلة الانتقالية، بينما اعتبرها الشريك العسكري دليلًا جديدًا على تآكل أهلية الطرف المدني لأن يظل شريكًا في إدارة المرحلة الانتقالية. وقد وضع هذا الخلاف المتصاعد توافق الطرفين على المحك في تنافسهما على إدارة المرحلة الانتقالية وصياغة مخرجاتها، وعزز احتمالات انهيار اتفاق الشراكة بالكامل أو إعادة صياغته ليعبِّر عن توازن القوى الجديد.
محاولة انقلابية بخلاف المعتاد
أعلنت الحكومة السودانية عن وقوع محاولة انقلابية فاشلة صباح الثلاثاء، 21 سبتمبر/أيلول، وقد ذكرت التقارير أن قائد المحاولة هو اللواء الركن عبد الباقي بكراوي، قائد ثاني سلاح المدرعات، مع عدد من الضباط، بلغ عدد الموقوفين منهم 21 ضابطًا، ولا يُعرف لهؤلاء انتماء سياسي. والملاحظ أن هذه المحاولة الانقلابية اختلفت في شكلها وفي طريقة تعامل السلطات السودانية معها عن المحاولات الانقلابية المعتادة. لم تسيطر قيادة الانقلاب على مراكز البلاد الحساسة، مثل التليفزيون والإذاعة والمطار والطرق الرئيسية، مع أنها تتحكم في أهم سلاح بالجيش وهو سلاح المدرعات، بل ظلت رابضة داخل ثكنة سلاح المدرعات، ولم تُلقِ بيانًا كما جرت العادة تعلن فيه عن نفسها وعن أهدافها. وقد استمرت المحاولة الانقلابية خمس ساعات لم تتحرك أثناءها القوات العسكرية والأمنية التابعة لرئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ونائبه، محمد دقلو (حميدتي)، للتصدي لها. أما تعامل السلطات مع المحاولة الانقلابية فلقد كان أيضًا غير مألوف، فلقد أعلنت عنه في البداية الحكومة المدنية، ثم جاء إعلان القيادة العسكرية عن وقوع المحاولة الانقلابية وإفشالها، مع أن من المفترض أنها المسؤول عن الشق الأمني وعن الوحدات التابعة له، علاوة على أنها أعلنت أنها كانت على علم مسبق بوقوع المحاولة الانقلابية، أعقب ذلك ذهاب البرهان في يوم الانقلاب نفسه إلى سلاح المدرعات والتقى بقيادته وضباطه لشكرهم على ما وصفه بحكمتهم في التعامل مع الأحداث، من دون انتظار انتهاء التحقيقات وتأمين الوضع بالكامل. ن قائد المحاولة
تدل مجمل الوقائع على أن المحاولة الانقلابية لم تمثل بذاتها خطرًا جديًّا على النظام القائم، لكن المكوِّنيْن، المدني والعسكري، في السلطة السودانية وظَّفاها في تنافسهما السياسي، لتحقيق مكاسب تعزز تحكمهما في مسار المرحلة الانتقالية ونتائجه النهائية.
تقاذف الإخفاق
اتهمت الحكومة السودانية القيادات العسكرية التي قادت المحاولة الانقلابية الفاشلة بالانتماء لنظام عمر البشير المطاح به لتقويض النظام الديمقراطي، وأشارت إلى أن هذه المحاولة هي جزء من حوادث انفلات، كما يجري حاليًّا في منطقة شرق السودان، لخلق حالة اضطراب تبرر تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي، وقد اتهم محمد الفكي، الجمعة 14 سبتمبر/أيلول 2021، وهو أحد ممثلي الشق المدني في مجلس السيادة، المكون العسكري في السلطة الانتقالية بالسعي إلى السيطرة على الأوضاع السياسية.
في المقابل، اتهم رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه، الفريق أول محمد حميدتي، القوى السياسية بالمسؤولية عن وقوع المحاولة الانقلابية؛ لأن انشغالها، حسبهما، بالصراعات على المناصب السياسية جعلها تهمل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وسط هذه السجالات بين شركاء السلطة الانتقالية، تبرز عدة تطورات في خطاب البرهان، وهي: أولًا: الجيش هو الوصي على السودان وشعبه، وهو الحامي للثورة. ثانيًا: لن تسلِّم القوات المسلحة الحكم إلا لسلطة منتخبة؛ ما يثير التساؤل عمَّا إذا كان المقصود رفض تسليم السلطة للشريك المدني في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؛ لأنه غير منتخب، أو المقصود عودة القوات المسلحة للثكنات غداة استلام سلطة منتخبة حكم البلاد في 2024. ثالثًا: اشتراطه توحد قوى ائتلاف الحرية والتغيير حتى يلتزم باتفاق الشراكة ورفضه المضي مع فئة صغيرة اختطفت –حسبه- الثورة. إجمالًا، يعتبر البرهان الشريك المدني عاجزًا ومنقسمًا ولم يعد يستوفي مؤهلات الشراكة.
تصدعات وحشود
منذ الإعلان عن المحاولة الانقلابية، سعى الشريك المدني في السلطة الانتقالية إلى عرض قوته المستمدة من قدرته على حشد الشارع، وانتهاز الفرصة للتحكم في المؤسسات الأمنية والعسكرية. في الجانب الأول، صدرت دعوات من قيادات مدنية، أثناء حدوث العملية الانقلابية إلى الشعب السوداني للتصدي لها لحماية الانتقال الديمقراطي، لكن لم يُجب الشارع الدعوة، ثم تجددت الدعوة للاحتشاد في 30 سبتمبر/أيلول 2021، وأجابها نحو عشرين ألفًا يؤيدون الحكم المدني وينددون بالحكم العسكري، ما يدل على أن القوى المدنية لا تزال قادرة على الاستعانة بالشارع للضغط على العسكريين لكن لم يكن في حجم الاحتجاجات الذي كان إبَّان الثورة التي أسقطت البشير، ولم تستفد قيادتها المدنية منه في الحفاظ على تماسكها الذي يحافظ بدوره على تماسك الحراك الثوري.
حاول رئيس الحكومة، حمدوك، انتهاز هذه المحاولة الانقلابية لترجيح كفة المدنيين على المؤسسات العسكرية والأمنية، فاعتبر وقوعها دليلًا على أن فلول النظام السابق لا تزال موجودة في المؤسسة العسكرية، وبالتعاون مع امتداداتهم المدنية التي مهدت للانقلاب بإثارة الاضطرابات في المناطق الشرقية بالسودان، وأن ما وقع يؤكد الحاجة إلى تنفيذ مبادرته الرامية إلى إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والمدنية.
تباين ردُّ القيادة العسكرية على طلب حمدوك، فقد أكد العميد الطاهر أبو هاجة، مستشار رئيس مجلس السيادة البرهان، أن الدعوة إلى هيكلة قطاعي الجيش والأمن تهدف إلى ترك السودان بلا مخالب ليسهل اقتسامه وابتلاعه، وكان يرد على قوى الإجماع الوطني، وهي أحد مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير الذي قاد الثورة السودانية، لكن هو في ذات الوقت يرد على دعوة رئيس الحكومة حمدوك، أما البرهان فأخلى قضية هيكلة القوات العسكرية والأمنية من الاعتبارات السياسية وجدَّد التزام القيادة العسكرية بإجراء الهيكلة العسكرية المتفق عليهما مع الحكومة لكنه اشترط توافر الأموال اللازمة لذلك، وهي إشارة منه إلى أن الحكومة مطالبة أولًا بتحسين الأوضاع الاقتصادية قبل الشروع في تنفيذ بند هيكلة القوات العسكرية والأمنية؛ ما يعني تأجيل الهيكلة من دون تحديد سقف زمني، فيسد بذلك المنافذ أمام تدخل المدنيين في الأجهزة العسكرية والأمنية.
ومن منظور أوسع، يبدو أن القوى المدنية تتراجع قدراتها في فرض أجندتها على الشريك العسكري، وإلزامه بتنفيذ تعهداته المتفق عليها، وقد توالت مؤشرات ذلك في التصدعات بين مكونات قوى الحرية والتغيير، وخلافاتها التي حالت دون إيفائها هي أيضًا بالتزاماتها. فلقد جمَّد "نداء السودان"، في يونيو/حزيران 2021، عضويته في المجلس المركزي لائتلاف الحرية والتغيير، ويضم "نداء السودان" أكبر القوى السياسية في الائتلاف، وأبرزها: حزب "الأمة القومي"، وحزب "المؤتمر السوداني"، و"الحركة الشعبية/شمال" بقيادة مالك عقار، و"حركة تحرير السودان"، بقيادة مِني أركو مناوي، وحركة "العدل والمساواة"، بزعامة جبريل إبراهيم، ومبادرة "المجتمع المدني"، إلى جانب قوى أخرى. وقد شلَّت هذه الخلافات قدرة الائتلاف على إدارة خلافاتها وتنفيذ تعهداتها، فلقد توقفت اجتماعاتهم منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ولم يشكِّلوا المجلس التشريعي الانتقالي، ولا المحكمة الدستورية، ولا المجلس الأعلى للقضاء، ولا النيابة، ولم يتفقوا على خليفة رئيسة القضاء المستقيلة، في مايو/أيار 2021، بل أخفقوا حتى في التوافق على شخصية تتولى وزارة التعليم.
رغم هذه التصدعات الداخلية، تظل حكومة حمدوك والطرف المدني في السلطة الانتقالية تحظى بدعم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية، فلقد وصل المبعوث الأميركي للسودان، جيفري فلتمان، إلى الخرطوم عقب المحاولة الانقلابية بأيام، ليجدد دعم بلاده لتنفيذ اتفاق الشراكة والطرف المدني، فالتقى برئيس الحكومة حمدوك، وحذَّر من أنَّ توالي الانقلابات سيوقف المعونة الأميركية، وهي إشارة إلى أن هذه الانقلابات المتتالية، تعد في نظر الإدارة الأميركية، مفتعلة ويمكن السيطرة عليها والقصد من ورائها إفشال عملية التحول الديمقراطي المتفق عليها. ويتفق في هذا التقييم مع رئيس الوزراء، حمدوك، الذي اعتبر هو أيضًا هذا الانقلاب افتعالًا لأزمة تضاف إلى أزمة شرق السودان لإفشال عملية الانتقال الديمقراطي.
أدان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، المحاولة الانقلابية الفاشلة، وجدَّد الدعم لحكومة حمدوك، ودعت من جانبها البعثة الأممية بالسودان "يونيتامس" شريكي الحكم للالتزام باتفاق المرحلة الانتقالية، وزار السودان مدير البنك الدولي، ديفيد مالباس، لأول مرة منذ 50 سنة، والتقى حمدوك وأبلغه استعداد البنك للمساهمة في تنمية السودان. كل هذا الدعم الدولي يقوِّي موقف حمدوك، ويقدم تحفيزات سياسية كالاعتراف واقتصادية كالقروض والمشروعات، لحث شريكي الحكم في السودان على الالتزام باتفاق المرحلة الانتقالية.
معسكر تأجيل الخلافات البينية
عقب فشل المحاولة الانقلابية، زادت القيادة العسكرية ضغطها على الشريك المدني، فلقد وردت أنباء عن رفع الجيش الحماية عن لجنة تفكيك نظام عمر البشير. صرَّح بعد ذلك، صلاح مناع، أحد أعضاء لجنة إزالة التمكين، أن هناك قرارًا صدر للقوات المشتركة بالانسحاب من مواقع تأمين لجنة إزالة التمكين لكن الشرطة لم تنسحب فعليًّا من المواقع وظلَّت تؤمِّنها. وقد قال البرهان من قبل إنه لن يجلس مع بعض أعضاء اللجنة أبدًا. قد تدل كل هذه التطورات على أن الشقاق بين الشريكين يتسع لكن اتفاقهما لم ينهر بالكامل.
تضافرت وقائع سابقة على أن القوات العسكرية والأمنية أكثر تماسكًا وأقدر على فرض خياراتها وإن كانت تعاني من تباينات تجعل أولوياتها متضاربة، فهناك تباينات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية حول الفئات التي لا تزال موالية لنظام البشير، وهناك تباينات بين المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، نائب البرهان في مجلس السيادة، فقد أبعد قائد المحاولة الانقلابية، اللواء ركن عبد الباقي بكراوي، قوات حميدتي لما تمركزت في 2019 بالقرب من مقرات سلاح المدرعات، وقد عرَّضه هذا القرار للمحاكمة، ثم أُلحق بإدارة شؤون الضباط وظل من دون مهام. وهناك أيضًا تباينات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من جهة وفصائل القوات المسلحة التي وقَّعت اتفاق السلام في أبوجا، فلقد نصَّ الاتفاق على أن تُدمج قوات هذا الفصائل في القوات العسكرية والأمنية، مع أن الطرفين تقاتلا لسنوات طويلة، أفقدت بعضهم الثقة في بعض. وقد برزت من قبل مؤشرات الاختلاف بين قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع، في يونيو/حزيران 2021، لما اعترض حميدتي على دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وقال بأن مثل هذ الدعوة قد تفكِّك البلاد، وأن هذه القوات كبيرة ومجازة بقانون صادق عليه البرلمان، ولا يمكن التعامل معها ككتيبة أو سرية. ومن المحتمل أن هذا الموقف قد يبرر رفض قادة الفصائل المسلحة، الذين وقَّعوا اتفاق أبوجا للسلام، دمج قواتهم في قوات الجيش والأمن حتى تظل تابعة لهم تحمي سلطتهم وتضمن أمنهم وتكون خيارًا جاهزًا للعودة إلى العمل المسلح إذا أخفقت عملية السلام.
رغم هذه التباينات إلا أن هؤلاء كانوا أكثر تماسكًا من القوى المدنية، فلقد سارع البرهان إلى نفي أخبار الخلاف مع الدعم السريع، ويتمتع بعض قادة الفصائل المسلحة بامتيازات حكم أقاليمهم، فلقد تولى مناوي إدارة شؤون إقليم دارفور، وتلتقي مصلحتهم جميعًا في تأجيل دمج مختلف القوات في كيان واحد لأنه ليس قضية عاجلة، وقد يفقدهم النزاع حوله السيطرة على عملية انتقال السلطة، وأن أولويتهم هي تكوين جبهة موحدة في مواجهة ائتلاف الحرية والتغيير.
يضاف إلى ذلك أن البرهان يعمل على توسيع قاعدة ارتكازه السياسية، فكما بادر إلى دمج الفصائل المسلحة إلى المرحلة الانتقالية، يعبِّر مرارًا عن رفضه للإقصاء ويعتبر ائتلاف الحرية والتغيير بهيئته الحالية أقلية اختطفت الثورة، وقد يكون قرار سحب قوات المشتركة الحماية عن لجنة إزالة التمكين رسالة طمأنة للقوى السياسية التي كانت مشاركة في الحكم خلال عهد عمر البشير بأن قيادة الجيش لم تعد طرفًا في ملاحقتهم، ولم يتصدَّ بالقوة للاحتجاجات بشرق السودان، التي أغلقت الموانئ ومنعت تصدير البترول وأغلقت المطار بل اعتبرها شأنًا سياسيًّا، وامتنع عن اعتبارها اضطرابات يفتعلها فلول نظام عمر البشير بخلاف رئيس الحكومة، حمدوك، وكلَّف عضو مجلس السيادة، الفريق ركن شمس الدين كباشي، بالاجتماع مع قادة المحتجين، وقد أفضى ذلك إلى التوصل إلى تسوية مبدئية تقضي باستئناف تصدير البترول وفتح المطار.
قد تجذب هذه الدينامية قوى سياسية أخرى إلى التحالف مع القيادة العسكرية، مثل قاعدة حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقًا، وحزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الترابي وأحزاب أخرى تُصنَّف ذات مرجعية إسلامية، حتى تحتمي من ملاحقات ائتلاف الحرية والتغيير وتخرج من وضع الإقصاء الذي فُرض عليها عقب الإطاحة بعمر البشير. وفي المقابل، يوسِّع البرهان من قاعدة الذي يجدون مصلحتهم في بقائه في الحكم.
البحث عن الشريك المقبول
ترتسم ثلاثة سيناريوهات عن سعي شريكي السلطة الانتقالية السودانية للتحكم في مجريات عملية الانتقال الديمقراطي المتفق عليها، تتمايز حسب أهداف الطرفين وموازين القوة بينهما داخليًّا وخارجيًّا. يهدف الشريك العسكري إلى تعديل الشريك المدني أو تغييره، وتميل موازين القوى الداخلية لصالحه نسبيًّا، ويهدف الشريك المدني إلى إلزام الشريك العسكري بتسليم السلطة في موعدها وعدم التدخل في تحديد أهلية أو تمثيلية الشريك المدني للثورة، وتميل موازين القوى الخارجية إلى صالحه.
سيناريو تنفيذ الاتفاق المبدئي: يستمر الشريكان، العسكري والمدني، في تنفيذ التزاماتهما المبدئية، حسب الآجال الزمنية، إلى تنظيم الانتخابات في 2024، لكن هذا السيناريو يواجه عدة عقبات تخفض احتمالات تحققه، فلقد سبق أن خرق الجانبان التزاماتهما، وبات الاتفاق يلقى حاليًّا معارضة متزايدة من الشريك العسكري، ولم يعد يحظى بموقف موحد من ائتلاف الحرية والتغيير، وانضمت إلى اتفاق السلطة الانتقالية بعض الجماعات المسلحة التي لا يمكن مستقبلًا إغفال مواقفها. كل ذلك يجعل قاعدة هذا السيناريو غير متوازنة بين الحكومة التي تريد تحقيقه والقوى المناوئة له التي تريد تغييره.
سيناريو الحكم العسكري: يتصاعد الصراع بين شريكي السلطة الانتقالية، فيقرر البرهان وقف التعاون نهائيًّا مع حمدوك وكل الهيئات التي تشكَّلت بناء على اتفاق الشراكة، ويعلن تولي الجيش حكم البلاد إلى حين تسليمه لسلطة منتخبة، وقد يعلن أثناء ذلك ترشحه لرئاسة البلاد. على أن هذا السيناريو يفتقد الشروط الكافية للنجاح؛ إذ إنه سيواجَه بمعارضة خارجية تقودها الولايات المتحدة، وقد تقع البلاد في عزلة دولية جديدة لن تخرج منها إلا بتكلفة هائلة، وقد تدفع هذه التطورات ائتلاف الحرية والتغيير إلى التضامن مجددًا لمواجهة الحكم العسكري، وتسيطر الحشود الشعبية على الشارع مجددًا، وقد يتحول البرهان إلى عبء على المؤسسة العسكرية فتضطر مجددًا لإطاحته حتى تفك العزلة الخارجية والداخلية عن نفسها. لا يستند هذا السيناريو إلى توازن مستقر بين تكلفة تنفيذه والعائد منها؛ ما يقلِّل من احتمالات تحققه.
سيناريو تعديل الشريك: يسعى الشريك العسكري إلى أن يضمن تحكمه في المرحلة الانتقالية بإدخال تعديلات عملية على اتفاق الشراكة، قد بدأ جزءًا منها بالفعل لما ضمَّ إليه الجماعات المسلحة، وانتقاء المكونات المدنية التي يقبل بالتعامل معها، مستفيدًا في ذلك من التشققات في ائتلاف الحرية والتغيير، وقد يستغل حالة الإقصاء التي يمارسها ائتلاف الحرية والتغيير ضد قوى سياسية فيتصدر الدفاع عنها بدعوى رفض الإقصاء ويشكِّل معها تحالفًا ضمنيًّا لمواجهة الشريك المدني، وقد يدفع إلى دمجها في تشكيل حكومة جديدة يظل حمدوك رئيسها، أو يتفق معها على مساندته في الترشح في الانتخابات القادمة لحكم البلاد؛ لأنه سيكون أفضل لها من حكم ائتلاف الحرية والتغيير الذي يريد إقصاءها نهائيًّا من العمل السياسي. يحظى هذا السيناريو بميزات تجعل تحققه أرجح من السيناريوهين السابقين، فلقد تحقق سابقًا جزء منه، وقد تضطر الحكومة لقبول التعديلات الجديدة؛ لأنها ليست قادرة على التصدي لها، ويتفادى البرهان في ذات الوقت العزلة الخارجية؛ لأنه ملتزم عمومًا باتفاق الانتقال الديمقراطي.