طهران تعزز الرهان على التوجه شرقًا بالتزامن مع محادثات فيينا

يأتي الرهان الإيراني على التوجه شرقًا بعد فشل الرهان الذي عقده تيار الاعتدال وحكومة روحاني على العلاقة مع الغرب، وهو الرهان الذي لم يفلح في حماية الاتفاق النووي وتجاوز تبعات انسحاب حكومة ترامب منه عام 2018.
19 يناير 2022
رئيسي صرَّح في بأن زيارته إلى روسيا ستمثل "نقطة تحول" في العلاقات الثنائية.(المصدر وكالة ارنا)

بينما تواصل إيران مفاوضاتها بشأن برنامجها النووي تتحرك بصورة حثيثة في اتجاه تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا. وبعد الإعلان عن أن اتفاقية التعاون الإستراتيجي مع الصين ستدخل حيز التنفيذ قريبًا، تتحدث أنباء عن اتفاقية مماثلة مع روسيا. وكان وزير الخارجية الصيني، وانغ، ونظيره الإيراني آنذاك، جواد ظريف، قد وقَّعا، في 27 مارس/آذار 2021، اتفاق تعاون شامل قيل: إنه يتضمن أن تستثمر الصين 400 مليار دولار في قطاعات إيرانية مختلفة في مقدمتها قطاعات الطاقة والموانئ.

وتشير التوقعات إلى أن هذا الاتفاق سيُدخل إيران دولة مهمة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي خطة اقتصادية أطلقتها الصين تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات، وتسعى من خلالها لبناء شبكة واسعة من طرق التجارة ومشاريع الاستثمار من شرق آسيا إلى أوروبا.

وشهدت الأسابيع الأخيرة محادثات وزيارات رسمية إيرانية صينية. ومؤخرًا، افتتحت الصين قنصلية عامة لها في مدينة بندر عباس الإيرانية، في مؤشر على مزيد من تعميق العلاقات مع إيران. ووفقًا لمصادر إيرانية، بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والصين في عام 1399 (مارس/آذار 2020 إلى مارس/آذار 2021) 18.715 مليار دولار، وهو رقم مرتفع بالنظر إلى العقوبات الأميركية.

وتحدث وزير الخارجية الإيراني بعد زيارته إلى الصين عن خطط لتوسيع مجالات التعاون لتشمل "أمن الشبكات" وقطاعات أخرى. وأعلن عبد اللهيان عن بدء تنفيذ وثيقة التعاون الشامل الاستراتيجية مع الصين ومدتها لـ25 عامًا، وقال: إن الطرفين أجريا "محادثات تفصيلية بشأن المحادثات الجارية بفيينا".

وتواصل حكومة رئيسي خطوات تعميق العلاقة مع الصين على الرغم من تصاعد الانتقادات داخل إيران تجاه الرهان على الصين وسياسة التوجه شرقًا. وارتفعت وتيرة النقد مع أنباء عن أن الصين تساعد السعودية في بناء برنامج صواريخ باليستية. تضاف هذه الانتقادات إلى انتقادات سابقة للاتفاق الاستراتيجي المشار إليه، ويعد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من أبرز منتقدي هذا الاتفاق، كما أن رموزًا إصلاحية عديدة وكذلك تيار الاعتدال لا يُبدون ميلًا إلى التوجه نحو الصين. فقد انتقدت افتتاحية صحيفة "جمهوري إسلامي" توجه ايران نحو الصين وروسيا وقالت: إنهما يسعيان فقط وراء مصالحهما كالولايات المتحدة وإنها سياسة تحتاج إلى الحذر.

يوم الأربعاء، 19 يناير/كانون الثاني 2022، توجه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى روسيا للقاء فلاديمير بوتين، وصرَّح في طهران قبل مغادرته بأن هذه الزيارة ستمثل "نقطة تحول" في العلاقات الثنائية.

وفي وقت يُظهر كثيرون في إيران قلقهم من مستقبل وتبعات الرهان الإيراني على العلاقة مع الصين وروسيا، يرى المؤيدون أن ذلك يفتح صفحة جديدة في غرب آسيا ويقلِّل من قدرة الولايات المتحدة الأميركية على محاصرة إيران اقتصاديًّا، ويشيرون إلى أن انضمام إيران إلى اتفاقية شنغهاي في الأيام الأولى لحكومة آية الله رئيسي تمثل ملمحًا  في هذا التحول، مع رهان أن تكون إيران مركزًا اقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا جديدًا في المنطقة.

وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، محمود عباس زاده مشکینی: إن روسيا والصين تدعمان إيران جيدًا في مواجهة الغرب في المحادثات النووية في فيينا. وأشار إلى أن الرئيسين، الإيراني والروسي، سيناقشان اتفاقية للتعاون الاستراتيجي، والتي اكتمل عمل الخبراء عليها في مجالات الاقتصاد والأمن والجيش والسياسة.

ويرى مشكيني أن إيران وروسيا لديهما الكثير من القواسم المشتركة حول مختلف القضايا: كيفية التفاعل مع أوروبا، والقضايا النووية والطاقة، وقضية القوقاز، ومحادثات فيينا، والتبادلات الاقتصادية وتعليم شنغهاي، والاتفاق، وهو ما سيجري بحثه وتقييمه في زيارة روحاني إلى موسكو.

يتحدث السفير الروسي في طهران، ليفان جاكاريان، عن طيف واسع من القضايا التي ستتناولها مباحثات رئيسي-بوتين، ومن أهمها: القضايا الاقتصادية والإقليمية.

المصالح والحاجات المتبادلة

لا يمكن التغاضي عن منعطفات وأرضية تاريخية في العلاقات الإيرانية-الروسية منذ العهد القاجاري وإلى اليوم، لكن العلاقة ومنذ العام 2010 وما شهدته منطقة الشرق الأوسط أوجدت تحولًا في شكل العلاقة وأولوياتها. فقد سعت روسيا، التي عقدت العزم على العودة إلى الشرق الأوسط، إلى مساعدة إيران، ويعتقد منتقدو العلاقة في طهران أنها تسعى إلى حدٍّ كبير لجعل العلاقة مع طهران ورقة مساومة مع الغرب.

لا تستطيع موسكو الاعتماد على التكتيكات الاقتصادية مثل الصين لتعزيز سياستها في الشرق الأوسط بسبب اقتصادها الضعيف. وقد مهدت هيمنة الأولويات الجيوسياسية على سياسة إيران وروسيا في الشرق الأوسط الطريق للتعاون بين البلدين وهو ما تمثَّلَ في الملف السوري بصورة جليَّة.

ولا يمكن تجاهل مستوى العلاقات الروسية-الإسرائيلية بحيث تتغاضى موسكو عن القصف الإسرائيلي المتواصل لمواقع في سوريا كما لا يمكن التغاضي عن الحاجة الروسية إلى التعاون مع مجلس التعاون الخليجي لضبط سوق النفط واجتذاب رؤوس الأموال وبيع الأسلحة. ومع ذلك، تحتاج روسيا إيران في الشرق الأوسط أكثر مما تحتاجها إيران.

يضاف إلى ذلك محاججة أخرى تتعلق بالأولويات الدفاعية لروسيا اليوم، فهي الآن في موقف دفاعي في جوارها القريب، فالجمهوريات السوفيتية الخمس عشرة السابقة من بينها ثلاث انضمت بالفعل إلى الناتو، والستة الآخرون يتقاربون مع الغرب بشكل ملحوظ. واجهت الحكومات التابعة لموسكو في الجمهوريات الستة المتبقية أيضًا احتجاجات شعبية، بما في ذلك الشهر الماضي عندما أُجبرت روسيا على إرسال قوات للحفاظ على الوضع الراهن في كازاخستان. لذلك، فإن أولوية السياسة الخارجية لموسكو خلال هذه الفترة هي منع الجمهوريات الست من الانضمام إلى الناتو (إلى حدِّ إرسال 100.000 جندي إلى الحدود الأوكرانية). نتيجة لذلك، تشكَّلت السياسة الخارجية لروسيا إلى حدٍّ كبير من خلال هذه الأولوية. واقتصاديًّا، لم تتمكن روسيا بعد من تحرير نفسها من بيع الطاقة والأسلحة كعناصر تصدير رئيسية لها وبناء اقتصاد متنوع وحديث. لكن لا يزال لدى روسيا ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية والصاروخية مما يجعلها قوة مؤثرة في صناعة القرار الدولي ورسم خرائط المنطقة.

خلاصة

  • يأتي توجه حكومة إبراهيم رئيسي لمضاعفة مستوى العلاقات مع الصين وروسيا ضمن خطة استراتيجية يتحرك فريقه بصورة حثيثة وعملية لتنفيذها بغية إبطال تأثير العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني، أو تحييد تأثيرها على الأقل.
  • يأتي الرهان على التوجه شرقًا بعد فشل الرهان الذي عقده تيار الاعتدال وحكومة روحاني على العلاقة مع الغرب، وهو الرهان الذي لم يفلح في حماية الاتفاق النووي وتجاوز تبعات انسحاب حكومة ترامب منه عام 2018.
  • تواصل إيران محادثاتها النووية، وهي تريد إنجاز اتفاق لكنها تتحرك بحذر شديد، وتضع في اعتبارها إمكانيات فشل التوصل إلى اتفاق من شأنه إزالة العقوبات؛ ولذلك فهي تبحث عن بدائل وخيارات خارج السياق الأميركي والغربي.
  • لا يمكن الجزم بنجاح هذه التوجه مستقبلًا نظرًا لمحاذيره الكثيرة سواء بالنسبة للعلاقة مع الصين والاتفاقية التي يقال: إنها أعطت امتيازات كبيرة للطرف الصيني، وكذلك بالنسبة لروسيا؛ فإرث العلاقة لا يشجع على كثير من التفاؤل. ومع ذلك، فإن العلاقات الدولية ومنظومة المصالح قد تجعل ما تسعى إليه طهران في هذا الاتجاه واقعًا ولو في حدود متوسطة.

نبذة عن الكاتب