النووي الإيراني: أرباح اتفاق جنيف وتكاليفه

توصلت دول 5+1 إلى إتفاق مع إيران على برنامجها النووي، يجعلها قادرة على كبحه ورقابته؛ وفي المقابل حصلت إيران على مواصلة التخصيب والشروع في فك الخناق الإقتصادي والتطبيع مع الغرب.
20131128122943439734_20.jpg
الوفد الإيراني ودول 5+1 في جلسة مفاوضات جنيف (أسوشييتد برس)

حققت القوى الغربية من الإتفاق على برنامج إيران النووي مكاسب كبيرة، وحققت إيران أمنًا مؤقتًا من التهديد بالحرب واستعادة محدودة لبعض أموالها المجمدة، وانفراجًا في علاقاتها السياسية مع الغرب والعالم. ولكن، في الطريق إلى الاتفاق النهائي سيضغط الإسرائيليون والدوائر المؤيدة لهم في واشنطن، وبعض العرب، من أجل تجريد إيران كلية من مقدرات التخصيب، وسيرد إيرانيون بأن تخلي القذافي عن مشروعه النووي لم يوفر له الحماية من السقوط والموت. وقد لا تستطيع الأطراف بالتالي التوصل إلى اتفاق نهائي، ويتحول المؤقت إلى مؤقت دائم. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي، حتى على الأسس التي استند إليها الاتفاق المؤقت، فإن ذلك يعني الحؤول دون إقتراب إيران من القدرة على إنتاج سلاح نووي إذا أرادت.

وقّعت إيران ودول 5+1 بمدينة جنيف، في ساعة متأخرة من مساء السبت 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، اتفاقًا مؤقتًا، يستمر لمدة ستة شهور، حول الملف النووي الإيراني. اعتُبر الاتفاق، الذي راوغ المفاوضين طوال سنوات من المباحثات، أحد أهم نجاحات الدبلوماسية الدولية منذ بداية القرن. وقد وُصف الاتفاق في واشنطن بأنه أبرز إنجاز لإدارة الرئيس باراك أوباما في حقل السياسية الخارجية، بينما وصف من قبل أنصار الرئيس الإيراني حسن روحاني وحلفاء إيران الإقليميين بأنه أبلغ أثرًا من القنبلة النووية ذاتها.

هذه قراءة للأسباب التي جعلت الاتفاق ممكنًا هذه المرة، ولبنوده الرئيسية وتأثيره على مستقبل المشروع النووي الإيراني، وللجدل حول الدلالات السياسية والاستراتيجية للاتفاق فيما يتعلق بدور إيران وموقعها الإقليمي.

الطريق نحو الإتفاق

بدأت هذه الجولة من المفاوضات الجدية، والمباشرة، بين إيران والولايات المتحدة منذ ربيع هذا العام، بصورة سرية؛ وقد جرت في معظمها في عُمان. بمعنى، أن رغبة الطرفين في التوصل لحل تفاوضي للملف النووي سبقت انتخاب د. حسن روحاني رئيسًا بعدة شهور، عندما كان محمود أحمدي نجاد لم يزل في مقعد الرئاسة. ولم يكن ممكنًا لهذا التفاوض، سواء في مرحلته السرية، أو بعد زيارة روحاني لنيويورك في سبتمبر/أيلول وتحوله إلى تفاوض علني، أن يبدأ بدون موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي وتوافق دوائر القيادة الرئيسة في البلاد.

يعود تفضيل واشنطن للحل التفاوضي واستعدادها هذه المرة للتوصل إلى اتفاق إلى عدد من الأسباب، أهمها أن الشرق الأوسط تراجع نسبيًا في سلم أولويات إدارة أوباما لصالح حوض الباسيفيك، وأن الولايات المتحدة لم تعد على استعداد لاستثمار مقدرات مالية وعسكرية في منطقة تستعد بالفعل لتقليص وجودها العسكري في دولها. فالولايات المتحدة وإن كانت قوة عظمى إلا أن قدراتها محدودة، ولم يعد باستطاعتها تكريس مقدرات مالية وعسكرية وجهد سياسي في حوض الباسيفيك والشرق الأوسط، في وقت واحد. من جهة أخرى، تعرف إدارة أوباما أن معالجة الملف النووي الإيراني عسكريًا هو مسألة محفوفة بالمخاطر، ليس فقط لأن إيران ليست هدفًا سهلاً، وأن بإمكانها الرد في الخليج وفي مناطق أخرى، بل لأن محاولة تدمير مشروع نووي، موزع على عشرات المواقع في أنحاء بلد مترامي الأطراف، لم يكن أمرًا مضمون النتائج. إضافة إلى ذلك، يسود إدارة أوباما الاعتقاد بأن حروب بوش الابن في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي كانت بالغة الضرر بالمصالح الأميركية والأمن العالمي.

على الجانب الآخر، أصبح واضحًا أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على إيران أوقعت ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الإيراني، ليس فقط لأنها تتعلق بالسوق والشركات الغربية وحسب، ولكنها في حزمتها الأخيرة، على وجه الخصوص، حرمت إيران من التعامل مع شركات وبنوك ومؤسسات غير غربية كذلك، باتت تخشى من أن تعاقب هي الأخرى بصورة ثانوية. صمدت إيران أمام العقوبات الاقتصادية لفترة طويلة، وكانت تجد طريقة أو أخرى للالتفاف عليها من خلال شبكة علاقات اقتصادية أدارها الحرس الثوري، داخل وخارج إيران، لكن ذلك لم يعد ممكنًا مع شمول العقوبات قطاعي النفط والبنوك. وجاءت النتائج لتُسكت أو تُخفض وتيرة الأصوات المدافعة عن نهج التشدد مع الخارج، مع بروز أصوات تجاهر بأن العقوبات فعلت فعلها في الاقتصاد الإيراني وأثّرت على البلاد بصورة لا يمكن معها إدامة نهج التشدد.

تسببت العقوبات في ارتفاع معدل التضخم ليصل إلى 30 في المائة، وفقًا لأرقام البنك المركزي الإيراني، و35 في المائة وفقًا لخبراء وأساتذة اقتصاد إيرانيين، و42 في المائة وفقًا لتصريحات صدرت عن الرئيس الإيراني. ورافق ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 13 في المائة وفقًا لبعض الإحصاءات التي تعكس وجهة النظر الرسمية، بفعل تراجع الاستثمارات الحكومية والخاصة بصورة أساسية. وإن كان متوسط معدل البطالة في العالم يصل إلى 9.7 في المائة وفي المنطقة 6.9 في المئة، فإن خبراء اقتصاديين إيرانيين يتحدثون عن معدل يتجاوز 25 في المائة في وقت يجب فيه أن ينخفض إلى 7 في المائة.

ولم يكن لاقتصاد يعتمد بصورة أساسية على عائدات النفط أن يفلت من التأثر بعقوبات ذات صبغة دولية؛ حيث انخفض تصدير النفط من 2.5 مليون برميل يوميًا عام 2011 إلى 1.1 مليون برميل في عام 2013، بنسبة تتجاوز 60 في المائة. وقاد ذلك إلى انخفاض عوائد إيران من النفط من 100 مليار دولار عام 2011 إلى 35 مليار دولار في 2013. كما تراجع الانتاج الإجمالي من النفط من 4 مليون برميل إلى 2.7 مليون برميل يوميًا؛ وصاحب ذلك تراجع كبير في قيمة العملة الإيرانية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى. وبينما تشير مصادر إيرانية إلى أن نسب النمو الاقتصادي لم تتجاوز صفر بالمائة خلال العامين الماضيين، تقول مصادر غربية: إن الاقتصاد الإيراني انكمش بما يزيد عن 5 بالمئة خلال العام الأخير.

كانت إيران، باختصار، من الناحية الاقتصادية، بحاجة إلى اتفاق يجد حلاً لمعضلة العقوبات، سيما أن العامل الاقتصادي كان يمكن أن يصبح أحد أبرز عوامل تصاعد المعارضة السياسية في البلاد، ومن ثم تهديد استقرار الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى ذلك، واجهت إيران عقبات في العمل من أجل تنمية قدراتها النووية إلى مستويات تجعلها قادرة إن أرادت إنتاج سلاح نووي، ولم تعد قادرة على تحمل تكلفة هذه العقبات.

الاتفاق: الأرباح والتكاليف

كان الهدف الرئيس للولايات المتحدة والقوى الغربية من البداية إجبار إيران على التوقف عن تخصيب اليورانيوم والتخلص من اليورانيوم الذي تم تخصيبه فعلاً، سيما ذلك الذي خُصب بدرجة 20 بالمئة، وإخضاع المنشآت الإيرانية لرقابة دولية صارمة. أما هدف إيران من المفاوضات فكان الحصول على إقرار غربي بحقها، الذي تكفله المعاهدات الدولية، في التخصيب للاستخدام السلمي، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتطبيع علاقاتها السياسية مع العالم واعتراف القوى الغربية بها كقوة إقليمية رئيسة، ذات مصالح في الجوار.

نص الاتفاق على تعهد إيران، خلال الشهور الستة المقبلة، بإيقاف العمل في منشأة آراك؛ حيث كان من المتوقع أن تنجح إيران في إنتاج الماء الثقيل خلال عام، وإنتاج البلوتونيوم خلال عامين؛ وعلى التوقف عن تخصيب اليورانيوم فوق 5 بالمئة؛ وعلى عدم نصب أية أجهزة طرد مركزي جديدة (أي استخدام الـ 800 جهاز العاملة الآن وحسب، وتجميد العمل في الـ 800 جهاز آخر، التي تم نصبها ولم تُغذّ باليورانيوم بعد)؛ وعلى عدم زيادة كمية اليورانيوم المخصب بدرجة 3-5 بالمئة؛ وعلى التخلص من زهاء 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب لدرجة 20 بالمئة التي تملكها الآن، سواء بخلطها بالخام أو تحويلها إلى أكسيد؛ والسماح ببرنامج رقابي دولي صارم من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية.

فما الذي تعنيه هذه الالتزامات؟ المعروف أن تخصيب اليورانيوم للمستوى المنخفض، 3-5 بالمئة، ليس صعبًا، ولا يمثل خطوة ملموسة نحو السلاح النووي. ولكن رفع مستوى التخصيب إلى 20 بالمئة هو إنجاز ملموس؛ وإن توفرت كميات كافية من هذا اليورانيوم المخصب، فإن إيصاله إلى اليورانيوم المخصب بدرجة 90 بالمئة أو أعلى، الضروري للسلاح النووي، لا يعتبر مسألة معقدة تقنيًا. بهذا المعنى، يمكن الاستنتاج بأن التزام إيران باتفاق جنيف يعيقها عن الإقتراب من عتبة السلاح النووي، على الأقل خلال الأشهر الستة المقبلة، التي يتوقع أن تشهد استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي.

في المقابل، ستسمح الولايات المتحدة والدول الغربية خلال الأشهر الستة باسترداد إيران لزهاء 7 مليارات دولار من أموالها المحتجزة في أميركا وعدد من الدول الغربية والآسيوية، وتخفيف القيود على تصدير النفط الإيراني. ولكن هيكل العقوبات المتعلقة بالاستثمارات الخارجية في حقلي إنتاج النفط والغاز والنشاطات المالية الإيرانية عبر العالم سيبقى على حاله.

تحدث الرئيس حسن روحاني في كلمته للشعب الإيراني عن اعتراف رسمي غربي بحق إيران في التخصيب، إلا أن نص الاتفاق لا يتضمن ذلك صراحة. ما يتضمنه الاتفاق هو إقرار واقعي بوجود نشاطات تخصيب عند مستوى أقل من 3-5 بالمئة (على أساس أن من الصعب التحكم بالمنتج بين هذين المستويين). وقد جادلت الدول الغربية في المفاوضات بأن المعاهدات الدولية لا تنص على حق التخصيب، بل تحدده، إن وجد، بشروط منع انتشار السلاح النووي.

أحدث الاتفاق جدلاً داخل إيران، تضمن النقاط التالية:

  • لم يرد في الاتفاق أية جملة تنص على الاعتراف رسميًا بحق إيران في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، طبقًا للمادة الرابعة من معاهدة وكالة الطاقة الذرية. وتظل عبارة "استمرار التخصيب" ليست "الاعتراف الرسمي" الذي لا جدال فيه.
  • عند الحديث عن الخطوات النهائية في الحل، وضعت مجموعة 5+1 ثلاثة شروط ليكون التخصيب جزءًا من البرنامج النووي الإيراني، وهذه الشروط هي:
  1. أن يكون محدودًا من حيث المستوى والقدرة وحجم المخزون المخصب، ونطاقه وموقعه. 
  2. أن يخضع لرقابة مشددة. 
  3. إثبات الحاجة العملية له (Consistent with practical-needs)، وهذا الشرط تحديدًا يعطي الجانب الغربي فرصة القول بأن الحاجة العملية لا تتطلب قيام إيران بالتخصيب داخل أراضيها. وهذه الشروط تعكس في حقيقتها سعيًا لتفكيك البنية التحتية لتخصيب اليورانيوم.
  • نص اتفاق جنيف صراحة على ضرورة التزام إيران بقرارات مجلس الأمن الدولي. وهذا يعطي للقوى الغربية الحق بأن تطلب تعليق التخصيب حتى بالنسبة لما دون 5 في المئة الذي تم القبول به؛ وهو ما ينص عليه قرار مجلس الأمن.
  • ما ستحصل عليه إيران فيما يتعلق بالعقوبات قليل لا يذكر مقارنة بما هو مطلوب من إيران الالتزام به.
  • أما القوى الإيرانية المؤيدة للإتفاق، فتؤكد أن التنازلات المقدمة لا تمس جوهر المشروع النووي ويمكن التراجع عنها إذا اقتضت الحاجة؛ علاوة على أن الاتفاق يجعل إيران تركز جهودها على ملفات ملحة، كالملف الإقتصادي، ويفتح أمامها مجالا لتكون شريكا معترفا به في قضايا المنطقة كما يبدو في الملف السوري، وكما يتضح في التشاور التركي الإيراني على موضوع جنيف2.

    من جهة أخرى، واجه الاتفاق عاصفة هوجاء من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصف الاتفاق بالخطر؛ وهو الأمر النابع من أن الإسرائيليين يريدون تخلي إيران الكلي عن مقدرات التخصيب ومجمل مخزون اليورانيوم المخصب الذي تمتلكه. ولكن الحقيقة أن الاتفاق، فوق أنه مؤقت ومحدد بستة شهور، يمثل كابحا كبيرا يمنع المشروع النووي الإيراني من إمكانية إنتاج سلاح نووي.

    الدلالات السياسية والاستراتيجية

    أثار الاتفاق جملة من التخمينات المتعلقة بعلاقات إيران بالولايات المتحدة والقوى الغربية، وبدور إيران وموقعها الإقليمي. أوحى بعض هذه التخمينات بوجود صفقة سرية موازية للاتفاق النووي حول تحالف أميركي-إيراني جديد، ووصف البعض الآخر الاتفاق بأنه يمثل انعطافة في سياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية شبيهة بالتحول الذي شهدته مصر السادات في تحالفاتها الدولية بعد معاهدة كامب ديفيد.

    هذه في مجملها لا يجب أن تعتبر أكثر من تخمينات. مصادر قريبة لدوائر المفاوضات، إضافة إلى التقارير التي تسربت من أوساط الوفود المفاوضة، أفادت بأن لا الولايات المتحدة ولا الدول الغربية الأخرى وافقت على أن يشمل التفاوض القضايا الإقليمية، بالرغم من أن الإيرانيين سعوا إلى ذلك في بداية المرحلة السرية من المفاوضات. أراد الأميركيون أن تقتصر هذه المرحلة من المفاوضات على الملف النووي، وأن تُترك القضايا الإقليمية الأخرى للمستقبل، بعد الانتهاء من المفاوضات النووية. ولكن هذا لا يعني أن الاتفاق لن يترك أثرًا على ما هو سياسي واستراتيجي، أو أنه لن يمهد لما هو سياسي واستراتيجي.

    من وجهة النظر الأميركية، ستساعد علاقات تحالفية، أو حتى ودية، مع إيران على استمرار حاجة المنطقة لدور أميركي، بعد توجه الاهتمام الأميركي إلى حوض الباسيفيك، نظرًا لتدافع قوى الشرق الأوسط الإقليمية الرئيسة: إسرائيل، وإيران، وتركيا، والسعودية (على أساس أن العراق وسورية ومصر خارج حسابات التوازنات الإقليمية لأمد غير محدد). كما ستساعد إيران على توفير خيارات أخرى للولايات المتحدة في أفغانستان، وتحرر واشنطن من ضغوط باكستان ودول وسط آسيا ذات الولاء الروسي؛ وتوفر إيران من جهة أخرى منفذًا لدول مثل أرمينيا وأذربيجان، بدلاً من أن تبقى الأخيرة أسيرة لضغوط روسيا وتركيا. هذا، إضافة إلى أن إيران ستصبح ممرًا لأنابيب النفط والغاز لدول البلقان ووسط آسيا، إلى جانب الممرين الروسي والتركي. وستعمل إيران الصديقة على تعزيز السلم في الشرق الأوسط، سيما فيما يتعل بالصراع العربي-الإسرائيلي ومكافحة الإرهاب.

    في الجانب الآخر، تأمل طهران أن يساعد الانفتاح السياسي على الولايات المتحدة والغرب على تأمين مكاسب إيران الجيوسياسية في العراق ولبنان وسورية، وعلى أن تصبح إيران شريكًا اقتصاديًا، على الأقل، في منطقة الخليج، وعلى الاعتراف بإيران طرفًا أصيلاً في تقرير مسائل الجوار الإقليمي.

    بيد أن الطريق إلى ولادة مناخ يؤسس لتوافق بين أهداف الجانبين الاستراتيجية لم يزل بعيدًا؛ فما أُنجز في جنيف ليس سوى اتفاق مرحلي، سيكون خلال الشهور الستة القادمة عرضة لضغوط مختلفة، داخل إيران وأميركا، ومن القوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط، وقد لا يؤدي إلى اتفاق دائم ونهائي. للتوصل إلى علاقات تحالف بين أميركا وإيران، ينبغي أن تتطور الروابط بينهما، تعليميًا واقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، بصورة شبيهة لما شهدته العلاقات المصرية-الأميركية في نهاية السبعينيات والثمانينيات. وفي حين لم يجد السادات معارضة لتوجهه الأميركي من داخل جسم الدولة المصرية، فإن تطور العلاقات الإيرانية-الأميركية بصورة تهدد الأسس الإسلامية للجمهورية الإيرانية يجد معارضة صلبة في مختلف دوائر الدولة في إيران وعلى أعلى المستويات. ولا يقل أهمية أن الملف الإقليمي للعلاقات الإيرانية-الأميركية يضم قضايا شائكة ليس من السهل التوصل إلى تفاهم حولها.

    يفتح اتفاق جنيف المرحلي الباب لتطبيع العلاقات السياسية الإيرانية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية، الحليفة لواشنطن، فيحرر إيران من التهديد باستخدام القوة ضدها في المدى المنظور، ويجعل المناخ السياسي للجمهورية الإسلامية أفضل بصورة ملموسة. ولكن العلاقات الإيرانية-الأميركية لم يزل أمامها الكثير قبل أن تتحول إلى علاقات ودية أو تحالفية، وقد لا تصل إلى مثل هذا المستوى.

    احتمالات الغد

    أظهر الاتفاق القوة الهائلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة وحليفاتها الأطلسيات، وتحكمها في النظام الاقتصادي-المالي العالمي، وقدرتها على فرض إرادتها حتى على دولة متوسطة المقدرات وذات حدود برية متعددة وطويلة مثل إيران. ولكن الاتفاق أظهر أيضًا حدود القوة الأميركية وتصميم إدارة أوباما على تجنب أي تورط باهظ التكاليف في المشرق العربي-الإسلامي، بعد فترة التورط الباهظ لإدارة بوش الابن. كما أظهر الاتفاق أنه ما لم تكن الدولة العبرية ذات صلة مباشرة في قضية ما، فإن تأثيرها على القرار الأميركي، عندما يتعلق الأمر بمصلحة استراتيجية أميركية، يظل محدودًا.

    ما ينبغي تذكره دائمًا أن هذا اتفاق مرحلي، لا أكثر. حققت القوى الغربية في هذا الاتفاق مكاسب كبيرة، وحققت إيران أمنًا مؤقتًا من التهديد بالحرب واستعادة محدودة لبعض أموالها المجمدة، وانفراجًا في علاقاتها السياسية مع الغرب والعالم. ولكن، في الطريق إلى الاتفاق النهائي سيضغط الإسرائيليون والدوائر المؤيدة لهم في واشنطن، وبعض العرب، من أجل تجريد إيران كلية من مقدرات التخصيب، وسيرد إيرانيون بأن تخلي القذافي عن مشروعه النووي لم يوفر له الحماية من السقوط والموت. وقد لا تستطيع الأطراف بالتالي التوصل إلى اتفاق نهائي، ويتحول المؤقت إلى مؤقت دائم. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي، حتى على الأسس التي استند إليها الاتفاق المؤقت، فإن ذلك يعني الحؤول دون إقتراب إيران من القدرة على إنتاج سلاح نووي إذا أرادت.

    على المستوى السياسي والاستراتيجي، من المبكر توقع تبلور تحالف إيراني-أميركي؛ ولكن الاتفاق يفتح الطريق الطويل نحو تطبيع سياسي بين الدولتين،  وسيكون، ربما، من المهم مراقبة الموقف الأميركي من نظام الأسد، ومن التجديد للمالكي لدورة ثالثة، لمعرفة ما إن كان الاتفاق سيترك أثرًا إيجابيًا سريعًا على العلاقات بين الدولتين.