مواجهات شمال مالي، ونذر انفجار عنقودي في المنطقة

لم تكن المواجهات التي شهدتها كيدال في شمال وامتدت تداعياتها لتشمل أزواد مفاجئة بل كانت نتيجة حتمية لوضع هش تعيشه المنطقة منذ عقود، تدفع به القوى الإقليمية والدولية إلى تأجيل الحل ومزيد من التأزم، عبر مُسكنات الاتفاقيات الجزئية التي تنهار قبل الشروع في تطبيقها.
201464111026159734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
عرفت مدينة كيدال بشمال مالي تطورات كان يمكن أن تكون حلقة عابرة من مسلسل التوتر المزمن في أزواد، لكن مكمن الخطورة فيها هو التوقيت الذي حدثت فيه حيث ينشغل الفرنسيون بالتفكير في مواجهة مد الجماعات الجهادية التي يتفاقم نفوذها في المنطقة، بدءًا من شمال مالي وحتى ليبيا، وتزامنها مع أحداث عنف دامية في ليبيا وهدوء هش في النيجر وانشغال حكومات المنطقة بالحرب على بوكو حرام التي طورت من نشاطاتها وقدراتها، وإصرار السكان على التمسك بمطالبهم التاريخية في حق تقرير المصير، فضلاً عن دخول أكثر من لاعب على خط الأزمة بما في ذلك الجزائر ذات اليد الطولى تاريخيًا في إقليم أزواد والتي تسعى لأن يدفع الفرنسيون ثمن تدخلهم عسكريًا في المنطقة، والمغرب الذي بدأ مؤخرًا زحفًا روحيًا واقتصاديًا على منطقة الساحل، وموريتانيا ذات العلاقة الوطيدة والبنيوية مع بعض مكونات المجتمع الأزوادي وصاحبة اليد الخفية في التمرد.

مقدمة

لم تكن المواجهات الدامية التي شهدتها مدينة كيدال في شمال مالي قبل أيام وامتدت تداعياتها لتشمل إقليم أزواد بأسره، مفاجئة، ولا مجرد حدث جاء خارج سياق الظروف والأحداث، بل كانت نتيجة حتمية لوضع هش ومرتبك تعيشه منطقة أزواد منذ عقود خلت، تدفع به القوى الإقليمية والدولية كل حين إلى تأجيل الحل ومزيد من التأزم، عبر مُسكنات الاتفاقيات الجزئية التي تنهار عادة قبل الشروع في تطبيقها، فتزيد بذلك من وهج الجمر تحت الرماد، انتظارًا لأول نفخة تشعل المنطقة.

 زيارة أشعلت الحرب

بموجب الاتفاق الذي وُقّع في العاصمة البوركنابية وغادغو في يونيو/حزيران عام 2013، بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية المسلحة برعاية دولية، أُبقي على مدينة كيدال في وضع استثنائي انتظارًا لمفاوضات الحل النهائي، فلا هي انفصلت عن جمهورية مالي بشكل نهائي، ولا هي عادت لسيادتها بشكل فعلي، بل ظلت مسرحًا لنشاطات الحركات الأزوادية ومقر إقامة لقادتها السياسيين والعسكريين، رغم وجود الحاكم العسكري المالي وقواته في المدينة، وانتشار القوات الفرنسية والإفريقية فيها، بينما أُبقي على تجمعات مقاتلي الحركات المسلحة في معسكرات خارج المدينة بموجب الاتفاق.

وقبل أسبوعين دعت الحركة الوطنية لتحرير أزواد إلى اجتماع في كيدال ضم المجلس الأعلى لوحدة أزواد، وفصيلاً منشقًا عن الحركة العربية الأزوادية، لبحث مستقبل إقليم أزواد وتنسيق المواقف المستقبلية؛ الأمر الذي قرأت فيه الحكومة المالية رسالة واضحة مفادها أن سيادتها على مدينة كيدال منقوصة ورمزية، فقرر رئيس الوزراء المالي "موسى مارا" زيارة المدينة في يوم السبت 17 مايو/أيار الجاري، في محاولة لإثبات خضوعها للسيطرة المالية، ورغم أنه نسّق زيارته مع القوات الدولية والفرنسية وكان يفترض أن يصل المدينة في حمايتها، لكن الحركة الوطنية لتحرير أزواد اعتبرت الزيارة تكريسًا لتبعية المدينة للدولة المالية وفرضًا للأمر الواقع قبل أي مفاوضات، فحركت السكان للتظاهر ضد الزيارة أولاً، ثم اجتاحت المدينة بقواتها صبيحة اليوم الذي كان مقررًا أن يصل فيه رئيس الوزراء المالي إليها، واشتبكت مع الجيش المالي وتمكنت من إخراجه من وسط المدينة وسيطرت على معظم أحيائها والمقار الحكومية فيها، وأبقت على رئيس الوزراء محتجزًا في قاعدة عسكرية تابعة للقوات الإفريقية خارج المدينة، بعد أن منعت طائرته من الهبوط في مطار المدينة، قبل أن يعود أدراجه إلى الجنوب ليعلن أن حكومته أصبحت في حالة حرب مع الحركات الانفصالية في الشمال.

وما إن أعلن رئيس الوزراء الحرب على المسلحين الأزواديين حتى سارعت قيادة الجيش المالي إلى الدفع بتعزيزات عسكرية باتجاه مدينة كيدال، التي كان بعض قواتها تحتفظ بالسيطرة على آخر معاقلها في أطراف المدينة الجنوبية، وقد عمدت الحكومة المالية إلى إرسال تعزيزات يقودها القائد المساعد لأركان الجيش المالي الجنرال "الهجي أغ غامو"، وهو طارقي ينحدر من قبائل الإيمغاد ذات العداء التاريخي مع قبائل الإفوغاس التي تسيطر على المنطقة، وكان برفقته عشرات المسلحين من أبناء عشيرته، فكان أن شكّل ذلك استفزازًا للحركات المسلحة والتجمعات القبلية في المنطقة؛ حيث سارعت الحركة الوطنية لتحرير أزواد  إلى إعلان حالة النفير في صفوفها، بينما اعتبرت قبائل "الإفوغاس" الطارقية ذات المكانة الاجتماعية والشوكة، أن إرسال قائد عسكري من أعدائهم التاريخيين لمحاربتهم في ديارهم، يشكّل تحديًا لن يمر دون مواجهة، فأعلن "المجلس الأعلى لوحدة أزواد" الذي يشكّل الذراع السياسي والعسكري لقبائل الإفوغاس المنتشرة في المنطقة أن إعلان الحرب على الحركات الأزوادية وإرسال القائد العسكري "الهجي أغ غامو" ومقاتليه إلى كيدال، يضيف إلى التعقيدات السياسية والأمنية بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية، تعقيدات اجتماعية أشد رسوخًا وأعمق هوة وأكثر حساسية، وقرر "المجلس" الدخول في الحرب إلى جانب المسلحين الطوارق والعرب، وبدأت الأنظار تتجه إلى المناطق الحدودية المجاورة لأزواد، والتي تشكّل امتدادًا ديموغرافيًا لمجموعات الإفوغاس وقبائل الطوارق المتعاطفة معهم؛ حيث يسيطر مئات المسلحين من تلك القبائل على جبال آضربيس وصحراء تنيري بين ليبيا والنيجر، كما تنتشر تلك المجموعات القبلية في مناطق "شنتا براضين" بين النيجر ومالي، وإقليمي آيير وأغاديز، النيجريين، وكذلك مناطق "أوباري" و"غات" في ليبيا وإقليم "الهاغارا" في جنوب الجزائر.

وبعد وصول التعزيزات المالية بقيادة الجنرال "الهجي أغ غامو" إلى مشارف كيدال استأنف الجيش المالي عملياته العسكرية فجر يوم الأربعاء 21 مايو/أيار، بقصف صاروخي عنيف استهدف وسط المدينة والأحياء التي يسيطر عليها المتمردون، الذين ردوا بهجوم مضاد على القوات المالية، انتهى مساء بدحرها نهائيًا وطردها من آخر معاقلها هناك؛ حيث لجأ العشرات من عناصر الجيش المالي إلى مقرات تابعة لقوات حفظ السلام والقوات الفرنسية للاحتماء بها، بينما فرّ آخرون باتجاه الجنوب، وأسفرت تلك المعركة عن مقتل عشرات الجنود الماليين بينهم العقيد "فيصل أغ كبا"، وهو طارقي من قبائل الإيمغاد، ويعتبر الذراع الأيمن للجنرال "الهجي أغ غامو".

وكانت هزيمة كيدال بداية لانهيار كبير في صفوف الجيش المالي في الشمال عمومًا؛ حيث سارعت وحداته المنتشرة في مدن منيكا قرب الحدود مع النيجر و"أجلهوك" غرب كيدال، و"أنفيف" شمال غاوا، إلى إخلاء مواقعها بعد وصول معلومات عن تقدم المسلحين الأزواديين باتجاه تلك المدن والقرى التي سيطرت عليها الحركات المسلحة، بينما تحركت قوات تابعة للحركة العربية الأزوادية باتجاه مدينة "غاوا" كبرى مدن إقليم أزواد وذات الكثافة السكانية العالية، وقد وجهت القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام إنذارًا لقوات الجبهة العربية بعد وصولها إلى مشارف المدينة، كما توجهت قوات أخرى تابعة للحركة العربية إلى مدينة "ليرة" في غرب أزواد على الحدود مع موريتانيا وتمركزت على مشارفها انتظارًا لمهاجمتها.

وفي أول خطوة عقب الهزيمة التي لحقت بالقوات المالية في الشمال، أعلنت الحكومة في باماكو الحداد ثلاثة أيام على أرواح الجنود والضباط الذين سقطوا في المعركة، كما أعلن الرئيس المالي "إبراهيم بابكر كيتا" وقف إطلاق النار من جانب واحد وناشد الفرنسيين والمجتمع الدولي مدّ يد المساعدة لحكومته في مواجهة الانفصاليين الأزواديين.

هذا التطور كان لابد أن يقع إن عاجلاً أو آجلاً، بسبب الوضع الغامض الذي يعيشه الإقليم منذ طرد الحركات الجهادية منه بداية عام 2013، وانشغال القوات الفرنسية والإفريقية بمواجهة تلك الحركات، والإبقاء على أسباب النزاع وعوامل التوتر قائمة، بعد أن جعلت فرنسا من حربها ضد الجهاديين أولوية قبل السعي لحل الأزمة المستعصية في المنطقة منذ عقود.

صراع تاريخي

ومن المعلوم تاريخيًا أن إقليم أزواد ظل منذ استقلال جمهورية مالي في بداية ستينات القرن الماضي عن فرنسا، مهدًا لحركات مسلحة تقاتل من أجل انفصال الإقليم عن مالي أو منحه حكمًا ذاتيًا، وليس تجنيًا القول: إن هناك اعتبارات عديدة تدفع بسكان الشمال إلى حمل السلاح ضد الجنوب، في مقدمتها سيطرة الجنوبيين على مقاليد السلطة في البلد منذ الاستقلال، واستئثارهم بمشاريع التنمية والصحة والبنى التحتية، وتعرض الشمال الذي يمثل ثلثي الأراضي المالية لتهميش يصفه السكان بالممنهج والمتعمد.

كما كانت تجارب الماليين القاسية مع سكان الإقليم في العقود الماضية، خلال تصديهم للحركات المسلحة، دافعًا لتعزيز تلك التوجهات لدى السكان، حيث تعاطت باماكو مع الإقليم خلال مواجهتها لحركات التمرد سابقًا وحاليًا، بلغة النار والحديد والتصفيات ذات الطابع العرقي؛ فقد قابلت أول حركة تمرد سنة 1963 بالقمع وانتهجت حيال الإقليم وسكانه سياسة الأرض المحروقة في المناطق الطارقية والعربية، وهي ذاتها السياسة التي اعتمدتها الأنظمة المتعاقبة بعد ذلك في باماكو، في مواجهة الحركات الطارقة والعربية المسلحة في نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، بل عمدت الحكومة المالية ساعتها إلى تشكيل ميليشيات محلية من السكان السود تحت اسم "الكوندو كوي" وتعني "أهل الأرض" باللغة المحلية، ومدتها بالسلاح والمال وأطلقت يدها في الإقليم تعيث فيه قتلاً وفسادًا وسلبًا ونهبًا واغتصابًا، ثم عاد التمرد ثانية سنة 2006، وفي كل مرة كان ينتهي باتفاق هش تفرضه أطراف إقليمية، ويبقى مجرد حبر على ورق.

العنف الانفصالي والعنف الجهادي

وبسقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي سنة 2011، والذي كان يحتضن آلاف المقاتلين الطوارق ويفرض نفوذه في المنطقة، ويستضيف قادة التمرد والنشطاء الأزواديين لمنعهم من التحرك، شهدت المنطقة تدفق آلاف الرجال وكميات كبيرة من السلاح، وعاد العمل العسكري في أزواد إلى الواجهة من جديد، مصحوبًا بنشاط عسكري سلفي جهادي، تشكّلت نواته الأولى في الإقليم بداية العقد الماضي مع وصول طلائع كتائب إمارة الصحراء في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.

وبعد حوالي عشرة أشهر من سيطرة الحركات الجهادية وحركة تحرير أزواد على كامل الإقليم، جاءت القوات الفرنسية مطلع عام 2013، بحجة محاربة الإرهاب واستعادة الدولة المالية السيادة على أراضيها، واختار الفرنسيون الحركة الوطنية لتحرير أزواد شريكًا لهم في الحرب ضد الجماعات الجهادية، لكنها شراكة اتسمت بالغموض واندفع فيها الطرفان دون اعتبار لتداعياتها المستقبلية، فقد استغل الفرنسيون حالة العداء المستحكم بين الحركات الجهادية من جهة، والحركة الوطنية لتحرير أزواد من جهة أخرى، فأقحموها في حربهم ضد القاعدة وحليفاتها، دون تقديم ضمانات بشأن مرحلة ما بعد الحرب على القاعدة.

ولأن جنوب إقليم أزواد مختلط والغلبة فيه للسكان السود من قومية "السونغاي" الموالين لباماكو لم تكن استعادة سيطرة مالي عليه بالأمر العسير في ظل وجود القوات الفرنسية، فعادت الإدارة المالية إلى  مدن تمبكتو وغاوا وبوريم وغوسي بسهولة، وشهدت تلك المناطق حالات من القتل على اللون والعرق، واعتُقل عشرات البيض الذين ما زالوا يقبعون في سجون باماكو، أما مدينة كيدال التي تعتبر عاصمة منطقة "آدرار الإفوغاس"، وهي منطقة نائية في أقصى الشمال الشرقي للإقليم، وتهيمن القومية الطارقية على تركيبتها السكانية، فكان أن احتفظ لها الفرنسيون بوضع خاص، مكّن الحركات الأزوادية من البقاء داخلها والتحرك فيها بحرية، وأعاد للماليين جزءًا ولو شكليًا من السيطرة عليها عبر حاكم عسكري يقيم في حماية كتيبة من الجيش المالي والقوات الفرنسية وقوات المينسما.

لعبة فرنسا وأطراف الصراع

ويأتي الموقف المالي الرافض لتقديم أية تنازلات في الصراع التاريخي مع الحركات الأزوادية، كمحاولة لاستغلال الوجود الفرنسي في المنطقة لصالحه؛ حيث تسعى فرنسا لتهدئة الأوضاع والتفرغ لحربها ضد الحركات الجهادية، وهو ما تعتبر مالي أن فرنسا تحتاج دعمها الكبير فيه، وبالتالي ستسعى لإرضائها في المنطقة، في حين ترى الحركات الأزوادية خصوصًا الحركة الوطنية لتحرير أزواد أنها قدمت الكثير للفرنسيين في حربهم ضد الجماعات الجهادية، وأن على فرنسا أن تدفع بعض مستحقات تلك المشاركة عبر الضغط على مالي لتقديم تنازلات لصالحها وإنهاء حالة "الظلم التاريخي" التي عانى منها السكان طيلة العقود الماضية، أما الفرنسيون فيرون أن كل طرف مرغم على الرضوخ لهم، فمالي تدرك أن سبب عودتها إلى الشمال هو وجود القوات الفرنسية، وبمجرد مغادرة تلك القوات للمنطقة في الوقت الراهن، فإن إعادة احتلال أزواد من قبل الحركات الجهادية والانفصالية يبقى أمرًا واردًا ومتاحًا؛ وهو ما أثبتته تجربة عام 2012، حين تمكنت تلك الحركات من إخراج مالي عنوة من كامل أراضي إقليم أزواد، أما الحركات الأزوادية فلن يكون بمقدورها الصمود أمام مطرقة الحركات الجهادية من جهة، وسندان الجيش المالي من جهة أخرى، إذا ما تخلى عنها الفرنسيون، وهو ما أثبتته تجربة الصدام بينها وبين الجهاديين منتصف عام 2012 حين تمكنت الحركات الجهادية من إخراج الحركة الوطنية لتحرير أزواد من كبريات مدن أزواد في ظرف وجيز وبعد جولات قتال يسيرة.

وقد شكّلت أحداث مدينة كيدال الأخيرة اختبارًا دفع الماليين إلى مراجعة حساباتهم تجاه القوات الفرنسية والإفريقية التي عوّلوا على دعمها في بسط السيطرة على المدينة، والسماح لرئيس الوزراء بالتجول فيها، لتفاجئه الحركات المسلحة بمنعه من دخول المدينة وتحاصره في قاعدة عسكرية خارجها، وتطرد قواته من وسط المدينة، دون أن تحرك القوات الفرنسية والإفريقية أي ساكن، وهي التي يفترض أنها جاءت لدعم الحكومة المالية في بسط سيطرتها على كامل الإقليم، وهنا لابد من الوقوف عند خلفيات التفرج الفرنسي على ما حصل في كيدال وإحجام الفرنسيين عن التدخل؛ إذ بات واضحًا أنهم سعوا من وراء ذلك لإرسال رسالة للحكومة المالية مفادها أن الأمور ليست كما تشتهي سفن باماكو، وأن عودة الماليين إلى الشمال سادة كما كانوا سابقًا ليس بالأمر المتاح، وبالتالي فهي تسعى لدفعهم إلى التفكير في مراجعة موقفهم المتعنت إزاء الشمال وتقديم تنازلات، وهي تنازلات يدرك الماليون بدورهم أن تقديم أولها قد يكون بمثابة قطع الشجرة التي تخفي الغابة، فأي تنازل مهما كان جزئيًا في كيدال، سيفرض عليهم تقديم تنازلات مماثلة في باقي مدن ومناطق الإقليم.

نذر الانفجار

هذه التطورات التي عرفتها مدينة كيدال كان يمكن أن تكون حلقة عابرة من مسلسل التوتر المزمن في أزواد، لكن مكمن الخطورة فيها هو التوقيت الذي حدثت فيه حيث ينشغل الفرنسيون بالتفكير في مواجهة مد الجماعات الجهادية التي يتفاقم نفوذها في المنطقة، بدءًا من شمال مالي وحتى ليبيا، وتزامنها مع أحداث عنف دامية في ليبيا وهدوء هش في النيجر وانشغال حكومات المنطقة بالحرب على بوكو حرام التي طورت من نشاطاتها وقدراتها، وإصرار السكان على التمسك بمطالبهم التاريخية في حق تقرير المصير، فضلاً عن دخول أكثر من لاعب على خط الأزمة بما في ذلك الجزائر ذات اليد الطولى تاريخيًا في إقليم أزواد والتي تسعى لأن يدفع الفرنسيون ثمن تدخلهم عسكريًا في المنطقة، والمغرب الذي بدأ مؤخرًا زحفًا روحيًا واقتصاديًا على منطقة الساحل، وموريتانيا ذات العلاقة الوطيدة والبنيوية مع بعض مكونات المجتمع الأزوادي وصاحبة اليد الخفية في التمرد، والتي أكد رئيسها أكثر من مرة أحقية سكان أزواد بتلبية بعض مطالبهم، كلها أمور تتنازع الوضع في أزواد وتدفع به إلى نذر مزيد من الانفجارات ربما تكون جزءًا من انفجار عنقودي كبير قد لا يكون من التشاؤم المفرط القول: إن بوادره بدأت تلوح في المنطقة.