مصالحة ضرورية في مواجهة عقبات جدية (الجزيرة) |
ملخص يتحكم في تقدم هذه المصالحة عدة عوامل بالإضافة لمواقف حماس وفتح، وأهمها الموقفان الإسرائيلي والأميركي المعارضان بشكل متفاوت لأي دور لحماس في الحكم، ومواقف الدول العربية التي ناصب بعضها حركة حماس العداء رغبة في عدم تقدم حركة الإخوان المسلمين وتفريعاتها في المنطقة. ويبدو أنه من المرجح أن تتقدم المصالحة في ملفات إعادة الإعمار وربما تنظيم الانتخابات، ولكن ذلك يحتاج إلى الكثير من العمل لحل الخلافات، كما أن تعثر المصالحة في ملفات الأمن والبرنامج السياسي والمقاومة والانتخابات وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية يظل هو الأرجح باعتبارها ملفات مهمة وشائكة للطرفين. |
مقدمة
جاء توقيع اتفاق المصالحة الجديد بين الفصائل الفلسطينية في 23 إبريل/نيسان (اتفاق الشاطئ) ضمن تحولات مهمة في المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي دفعت به إلى مقدمة الأولويات الفلسطينية، ومن أهمها:
-
واجهت حركة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية تعنتًا إسرائيليًّا في المفاوضات وذلك برفض حكومة اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو تقديم أي استحقاق لدفع حل الدولتين إلى الأمام والإصرار على الاستمرار في الاستيطان في ظل عجز الإدارة الأميركية عن إلزامها بذلك، وكذلك رفض نتنياهو إطلاق دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين؛ الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للسعي لرفع قضية إعلان الدولة الفلسطينية إلى مجلس الأمن.
-
تراجع الربيع العربي بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وتوجه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لإضعاف حماس باعتبارها امتدادًا للإخوان المسلمين؛ الأمر الذي كشف ظهرها خصوصًا بعد أن بدأت قوات الأمن المصرية بتدمير أنفاق التهريب في ظل حصار خانق أضعف الحكومة المقالة في غزة.
-
في ضوء ما سبق، يحسب الرئيس الفلسطيني أنه لو أجرى انتخابات جديدة فإن حماس ستتراجع في المجلس التشريعي، واعتبر أن المصالحة باتت تخدم مصالح السلطة أكثر. ولكنه في نفس الوقت واجه خصمًا عنيدًا هو محمد دحلان العضو السابق باللجنة المركزية لحركة فتح. وتفيد تقديرات بأن هذا الأخير نجح في تحصيل دعم إقليمي ليحل محل عباس في حركة فتح للوصول منها إلى دفه قيادة اللجنة التنفيذية في المنظمة باعتباره الأقدر والأقوى في مواجهة حماس والأكثر رغبة في تقديم تنازلات لإسرائيل تفضي إلى توقيع اتفاق معها.
-
بالنسبة لحركة حماس، فقد حاصرها تيار الثورة المضادة في مصر وامتداده ضمن تحالف إقليمي لمحاولة خلخلة قواعد الثورة في ليبيا، والسعي لحصار قطاع غزة بالتعاون مع إسرائيل بهدف إسقاط حماس وتهيئة القطاع للعودة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية.
-
خسرت حماس غطاء سياسيًّا بتفكك محور الممانعة بعد خروج سوريا منه وتقليص الدعم الإيراني لها، عقابًا للحركة على رفضها دعم النظام في حربه ضد الثورة. وأثَّر ذلك بشكل مباشر على تمويل الحكومة المقالة؛ ما دفع قيادة الحركة لمحاولة الخروج من هذا المأزق بتسليم قيادة قطاع غزة للسلطة ضمن اتفاق المصالحة.
علاوة على أن حماس واجهت، بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي نصَّ عليها الاتفاق وذلك برئاسة رامي الحمد الله، أزمة تعذر دفع رواتب موظفي قطاع غزة الذين عينتهم الحكومة المقالة بعد 2007.
ورغم ذلك، فقد كان تحدي إعادة إعمار ما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، دافعًا إضافيًّا لتفعيل اتفاقات المصالحة فوقَّعت حماس مع فتح في 25 سبتمبر/أيلول تفاهمات لإطلاق المصالحة. وقد رُبطت مساعدات إعادة الإعمار التي أقرها المؤتمر الدولي للمانحين في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2014 ببسط حكومة الوفاق سيادتها على المعابر، وإشرافها وفق آلية دولية مع الأمم المتحدة على إدخال وتوزيع المساعدات وضمان عدم استخدام مواد البناء في بناء أنفاق المقاومة.
احتاجت السلطة الفلسطينية لتفعيل المصالحة التي تضمن لها تكريس دورها عبر الوجود في قطاع غزة بعد نحو سبع سنوات من الغياب عنه، كما احتاجت حركة حماس لذلك لأنها تريد تقديم إنجاز يحافظ على جماهيريتها إثر نجاحها في التصدي للعدوان الإسرائيلي.
اتفاق جديد وملفات مفتوحة
وضمن هذه الظروف والمعطيات، اتفق الطرفان (فتح وحماس) على تفعيل المصالحة عبر:
-
التمكين لحكومة الوفاق للقيام بأعمالها في قطاع غزة، ومن ضمنها السعي لإنهاء الحصار وإعادة الإعمار وعودة العمل في المعابر، فضلاً عن ممارسة دورها الأمني. وهذا بحد ذاته يمثل مكسبًا لحركة فتح التي ستعود للقطاع تحت غطاء المساعدات، وضمن غطاء وشرعية دولية وليس ضمن اتفاق مصالحة فقط.
ولكن هذا قد يؤدي لحدوث خلافات بين فتح وحماس تتعلق بانتشار قوات الأمن على المعابر ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) بطول 14 كيلومترًا بين قطاع غزة ومصر، فضلاً عن المشاكل المحتملة لآليات إدخال وتوزيع المساعدات، وستستفيد فتح من دعم الاتفاقات الدولية لتوليها سلطة الإشراف على توزيع المساعدات، ولكن حماس التي ما زالت تملك التواجد على الأرض والهيمنة على المؤسسات تستطيع حرمان فتح من تحقيق إنجازات، وقد تتمكن من إنشاء آلية رقابة للإشراف على عدالة التوزيع وتفرض الكثير من القيود على السلطة، خاصة فيما يتعلق بالرقابة على الفساد المالي.
ولكن في النهاية، تبقى إسرائيل هي المحدد الأساسي لإدخال المساعدات ومواد البناء.
-
دعوة الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي لإجراء مشاورات لعقد اجتماع المجلس، ودعوة رئيس السلطة الوطنية محمود عباس لإصدار مرسوم بدعوة المجلس للانعقاد.
وهنا تبرز نقطة قانونية بشأن المجلس المنتهية ولايته (وكذلك انتهاء ولاية عباس كرئيس منتخب)، كما تبرز عقبة اعتقال العديد من أعضاء المجلس المحسوبين على حماس لدى إسرائيل، هذا فضلاً عن مدى رغبة رئيس السلطة في تفعيل آلية رقابة في غالبها معارض له قد ترفض حكومته المشكلة أو تحاسبها بشدة على دورها في إعمار غزة ومدى شفافية هذه العملية، حتى وإن كانت هذه الآلية مؤقتة إلى حين إجراء انتخابات جديدة.
-
حل مشكلة رواتب عشرات الآلاف من موظفي قطاع غزة الذين لم تصرف حكومة الوفاق لهم مخصصاتهم المالية عن الشهور الفائتة؛ حيث نص الاتفاق على "إنصاف الموظفين"، وهذا لا يضمن أن تحقق حماس مطلبًا رئيسيًّا لها، فتثور احتجاجات عليها من قبل كوادرها وموظفيها تعرقل تقدم عملية المصالحة.
-
التأكيد على سرعة تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات التشريعية والتنفيذية وفق ما ورد في الاتفاقيات والتفاهمات، والتي كان آخرها "إعلان الشاطئ" دون تحديد موعد لهذه العملية. ولذلك سيبقى الموعد مرهونًا بيد رئيس السلطة الذي له صلاحية الدعوة لإجرائها. ولا يزال الوقت مبكرًا للحكم على من سيكون المستفيد من إجراء الانتخابات، فحماس التي حققت شعبية كبيرة بتصديها للعدوان قد تفقدها بسرعة إذا تباطأت عملية إعادة الإعمار، كما أنها كسبت المزيد من الشعبية في الضفة الغربية بتصديها الاستثنائي للعدوان على غزة في ظل استمرار إجراءات السلطة الأمنية بحق كوادرها واستمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال. ويبقى التخوف من تداعيات تشكيل المجلس والحكومة قائمًا في ظل الفيتو الذي تفرضه الولايات المتحدة على مشاركة حماس. وقد اقترحت فتح خوض الانتخابات مع حماس في قوائم مشتركة الأمر الذي يشي بترجيح السلطة خسارة فتح، ولم تقدم حماس ردًّا بهذا الخصوص حتى الآن.
-
دعم التحرك والجهود السياسية الفلسطينية دون الإشارة إلى وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني عام 2006 والتي تعتمد المقاومة إلى جانب التحرك السياسي لاسترداد الحقوق. ومن غير المرجح أن يقدم أي طرف تنازلات عن مواقفه في هذا الموضوع، بل إن عباس لا يزال يشن هجومًا على المقاومة التي وصفها بالميليشيات.
وبقيت مسألة الأمن معلقة بدون اتفاق كونها الملف الشائك في العلاقة بين الطرفين؛ إذ لا تزال حماس تطالب بإشراكها بشكل فاعل في قوات الأمن بما في ذلك القوات المتواجدة في الضفة، فضلاً عن الخلاف أصلاً على عقيدة الأجهزة الأمنية الحالية التي تسير وفق اتفاقات تعاون أمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا دخلت أجهزة الأمن إلى غزة، فإن مطلب نزع سلاح المقاومة سيفجر المصالحة، لاسيما أن حماس تعتبره خطًّا أحمر لا تسمح بالاقتراب منه، فيما تراه فتح مطلبًا أساسيًّا لبسط نفوذ السلطة على قطاع غزة.
وهكذا، تبقى المسائل الرئيسية مثل الانتخابات والمنظمة بلا جدول زمني، فيما لا يزال الملفان: السياسي والأمني مؤجلين إلى أجل غير مسمى رغم حساسيتهما بالنسبة للطرفين. ويأتي في هذا السياق أيضًا ملف الناشطين المحتجزين في سجون السلطة وفقًا لاتفاقيات تنسيق أمني مشترك مع إسرائيل، حيث تؤكد حماس على ضرورة إطلاقهم لإعطاء المصالحة دفعة حقيقية.
مواقف متباينة
وإضافة إلى التعقيدات الداخلية في المصالحة، فهناك تعقيدات خارجية:
-
فالولايات المتحدة اتخذت تجاه حكومة الوفاق موقفًا أقل حدة من مواقفها السابقة، وأكدت أنها ستتعامل معها وتراقب أداءها، كما شاركت واشنطن في مؤتمر إعمار غزة وقدمت مساعدات رهنتها بإشراف السلطة عليها. وقد يستمر هذا الموقف على أمل بنزع الشرعية عن حماس خلال الانتخابات المقبلة.
-
بالنسبة لإسرائيل، لم تعترف بالحكومة، وفرضت عقوبات على السلطة الفلسطينية، ولكن مكونات حكومة إسرائيل تتباين في التعامل الاستراتيجي مع الحكومة فمنها من يرفضها بالكامل ويرفض عودة الرئيس الفلسطيني لغزة (اليمين المتطرف)، ومنها من يدعم عودة السلطة لإضعاف نفوذ حماس في غزة بالتزامن مع التقرب من الدول العربية المعتدلة لإنجاز سلام معها يجبر الفلسطينيين في النهاية على القبول بشروط التسوية التي تتجاوز القدس وتكرس المستوطنات وتحرم الفلسطينيين من التواصل الجغرافي بين مناطق الضفة. ويبدو أن الموقف المتغلب في إسرائيل هو موقف اليمين بزعامة نتنياهو والمؤيد لاستمرار الاستيطان والرافض لتقديم استحقاقات للسلطة.
-
اختلف الموقف الأوروبي من الحكومة عن الموقف الأميركي؛ حيث لم يعلن رفضها. وربما رأى أن ذلك يسهم في تهدئة الموقف في المنطقة من أجل التفرغ لملف الجهاديين، وحث حكومة إسرائيل اليمينية على تخفيف موقفها المتشدد الذي أدى لتعطيل عملية التسوية. إلا أن هذا الموقف ليس هو الحاكم في المصالحة ويبقى تابعًا في النهاية للموقف الأميركي.
-
واتخذت مصر والسعودية وبعض الدول العربية موقفًا متشددًا مع حماس في العدوان على غزة، ولكن هذه الدول باتت منشغلة بالجهاديين من تنظيم "الدولة"، ولم تعد القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماتها، ولا هي عازمة على فرض أجندتها بعيدًا عن الولايات المتحدة.
وتخوض قطر بالتعاون مع تركيا تحالفًا يدعم المقاومة، ولكنهما تواجهان تحديات عديدة وملحَّة على عدة جبهات تجعلهما يبحثان عن التعاون مع محور الاعتدال في عدة ملفات مهمة.
وفي المحصلة، فإن نجاح المصالحة يبقى مرتهنًا بالاعتبارات الدولية وخصوصًا الموقف الأميركي وموقف إسرائيل، فضلاً عن تأثير محور الاعتدال على السلطة ومواقفها بالدرجة الثانية، ومدى توافق أطراف الحكومة على الملفات الخلافية.
المصالحة: المسارات والممكن
وفي ضوء المعطيات السابقة، فإن مآلات المصالحة تتحدد في المسارات التالية المحتملة:
-
نجاح الحكومة في الاتفاق على كل الملفات بدءًا من إعمار غزة والانتخابات والحكومة وحل ملف الأمن، وليس انتهاءً بدمج حماس والجهاد في المنظمة وإعادة بنائها من جديد. غير أن هذا المسار غير مرجح بسبب تاريخ التعثر السابق للمصالحة، وتعارض ذلك مع رغبة الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية.
-
تقدم جزئي للمصالحة بإنجاز ملف إعادة الإعمار وإجراء الانتخابات، وهذا هو المرجح مع أنه سيواجه عثرات كثيرة في آليات التنفيد قد تعصف بكل الاتفاق. ويدعم هذا السيناريو وجود مصلحة مشتركة بين حماس وفتح وقوى إقليمية ودولية، لكنه سيظل محصورًا في تغيير بنية الحكومة وملف الإعمار، أما إصلاح منظمة التحرير والأجهزة الأمنية وسلاح المقاومة فسيظل مؤجلا، لكن هذا الجزء المتحقق يعد هشًّا لأن أي عدوان إسرائيلي جديد سيعصف به.
-
فشل المصالحة وعدم انطلاقها من الأساس بسبب كثرة الخلافات بين فتح وحماس وعدم القدرة على تجاوزها، وهذا غير مرجح لأن إسرائيل التي تتبنى هذا الموقف لا تستطيع وحدها أن تفرضه، وتحتاج إلى دعم أميركي-أوروبي، وهما غير متوفرين حاليًا، علاوة على أن إسرائيل تواجه عزلة دولية متزايدة تمثلت مؤخرًا في عزم الحكومة السويدية الاعتراف بدولة فلسطينية وإعلان البرلمان البريطاني الاعتراف بها.
تكاتفت عدة عوامل فلسطينية ودولية للدفع نحو تحقيق مصالحة فلسطينية، لكنها ستكون مصالحة منحصرة في تشكيل أجهزة تنفيذية وتركز على القضايا الخدمية، ولن تعالج القضايا الرئيسية، وقد تصاب بنكسة إذا شنَّت إسرائيل عدوانًا جديدًا على غزة.