خلال السنوات الأخيرة، لعبت الأزمة اليمنية دورًا محوريًّا في رفع منسوب التوتر والمواجهة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، كما أعطت الحرب اليمنية بكل أشكالها، سواء المباشرة أو تلك التي تجري بالوكالة أبعادًا إضافية للصراع بين طهران والرياض في مساحات الأيديولوجيا وميادين الجغرافيا السياسية.
يعتبر اليمن جزءًا أصيلًا ومباشرًا من الأمن القومي السعودي، وهذا جعله يتموضع إستراتيجيًّا في صلب العقيدة السياسية للمملكة التي شعرت بقلق وتهديد كبيرين وهي تشاهد جماعة أنصار الله الحوثية تسيطر بقوة السلاح على العاصمة، صنعاء، خاصة أن هذه الجماعة متهمة بأنها مدعومة عسكريًّا وماليًّا وأمنيًّا من إيران.
تبحث هذه الورقة في مستويات التنافس والمواجهة بين السعودية وإيران في اليمن، وكيف تحول هذا التنافس إلى صراع مرير بات أشبه بحرب باردة قاسية بين القوتين الإقليميتين. كما تتطرق الورقة إلى الأبعاد التاريخية لمستويات هذا الصراع، وكيف شكَّل اليمن الرافعة الإستراتيجية للتغيرات الجذرية التي طالت عوامل توازن القوى وتوازن التهديد التي حكمت التنافس التاريخي بين الرياض وطهران.
تركز الورقة في جزء منها على العوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت في أن يصبح اليمن ساحة الاختبار الأهم التي ستشهد تجاوز الخطوط الحمراء، وكيف بات الفاعلون اليمنيون المحليون مجرد انعكاس للصراع في مستواه الإقليمي. وأخيرًا، تتناول هذه الورقة البحثية المحددات التي دفعت الرياض وطهران إلى التفكير عمليًّا في إمكانية إنهاء الحرب البادرة بينهما، وما هو تموضع اليمن في مضمون الاتفاق الثنائي الذي وُقِّع مؤخرًا بين السعودية وإيران برعاية صينية.
مدخل
في يوليو/تموز من العام 1969، أعلن الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، عن تغيير جذري في السياسة الخارجية الأميركية وأطلق على ذلك مصطلح "عقيدة نيكسون". اعتمدت العقيدة الأميركية الجديدة في إستراتيجيتها العريضة على استبدالها بالتدخل العسكري الأميركي المباشر لصالح حلفائها دعمًا اقتصاديًّا وعسكريًّا واستخباراتيًّا وإعطاءهم جزءًا من الفعل العملي على الأرض في مناطق النفوذ الأميركي. تزامن ذلك مع قرار بريطانيا العظمى الانسحاب من المنطقة الخليجية عام 1971، ما سمح لواشنطن بتطبيق عقيدتها الجديدة في المنطقة وفق سياسة "العامودان الصنوان"، أي المملكة العربية السعودية وإيران الشاهنشاهية، حليفين وشريكين إستراتيجيين للولايات المتحدة الأميركية رغم وجود منافسة خفية بين الدولتين في مساحات الشرق الأوسط.
في تلك المرحلة دفعت عوامل شتى السعودية وإيران إلى التقارب والعمل معًا، ومن أهم تلك العوامل:
- خشية البلدين من ازدياد النفوذ الشيوعي المدعوم من الاتحاد السوفيتي.
- دعم الاتحاد السوفيتي المتزايد للعراق.
- اتساع رقعة نفوذ الحركات اليسارية سياسيًّا وثقافيًّا في المنطقة(1).
سجَّل التعاون السعودي-الإيراني، كقوتين إقليميتين مدعومتين من الولايات المتحدة، نجاحًا مقبولًا في إدارة أسس العلاقات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة الخليجية، لكن ذلك لم يدم طويلًا خاصة مع بروز التنافس بين الرياض وطهران المدفوع بعدم الثقة فيما يتعلق بالهواجس الأمنية. تجسد ذلك عمليًّا، عام 1974، حين بدأت السعودية تشكِّك بنوايا الشاه الإيراني وسياساته من زاويتين:
- سعي الشاه إلى تطوير قدرات بلاده العسكرية كمًّا ونوعًا من خلال صفقات تسليحية متتابعة.
- تدخل الشاه عسكريًّا في سلطة عُمان إبان ما عُرف بثورة ظفار؛ ما منحه نفوذًا إضافيًّا في مضيق هرمز الإستراتيجي(2).
بعد سنوات قليلة، غيَّر انتصار الثورة في إيران وسقوط الملكية الشاهنشاهية، عام 1979، ماهية ومضمون العلاقات بين الرياض وطهران بشكل جذري ناقلًا إياها من التحالف والشراكة إلى الصدام والصراع. في مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإيرانية كان لعدة محددات تأثير مباشر على صياغة العلاقة الجديدة بين السعودية وإيران، ومن أبرز هذه المحددات:
- أفرز انتصار الثورة في إيران نظامًا سياسيًّا جديدًا تمثل بولادة الجمهورية الإسلامية القائمة على مبدأ ولاية الفقيه الشيعية المناهضة للأنظمة الملكية في المنطقة، والرافضة للتدخلات الغربية في عموم الشرق الأوسط.
- الحرب العراقية-الإيرانية (1980- 1988) التي شهدت وقوف السعودية سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا مع العراق في مواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران.
- الغزو العراقي للكويت، عام 1990، وما أفرزه من تحالف دولي بقيادة أميركية أطلق حربًا ضد العراق ونظام الرئيس صدام حسين بهدف تحرير الكويت.
- أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في أميركا، عام 2001، وما تبعها من سياسات أميركية قامت على التدخل العسكري المباشر في المنطقة.
- الغزو الأميركي للعراق، عام 2003، وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين وتغيير النظام السياسي والمجيء بالمعارضة العراقية الشيعية القريبة من طهران إلى السلطة في بغداد، وما تبعه من اختلال كبير في موازين القوى بين السعودية وإيران.
- صعود متزايد لحلفاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة عسكريًّا وسياسيًّا، تمثل ذلك في حزب الله في لبنان وحرب العام 2006 مع إسرائيل، فضلًا عن فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات الفلسطينية عام 2005.
- اندلاع ثورات الربيع العربي والانزياح الكبير في موازين القوى ومراكز الثقل السياسي في العالم العربي، خاصة مع وصول تلك الأحداث إلى ساحة النفوذ الإيراني المباشر في سوريا ومساحة الأمن القومي السعودي في اليمن(3).
ما ستركز عليه الورقة لاحقًا هو ما جرى ويجري في اليمن كإحدى الساحات التي اختصرت الصراع المباشر والخشن بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية، وكيف سيصبح اليمن البوابة الأولى لأي تفاهم حقيقي حين يقرر البلدان استبدال السلام الحذر بالحرب الباردة.
اليمن بين النفوذ السعودي ونظيره الإيراني: لا مجال لحسن النوايا
ربما تبدو الحالة اليمنية نموذجًا مثاليًّا حين نضعها في قالب نظرية ستيفن والت "توازن التهديد" والتي تقوم على أن المحدد الأساس لأمن الدول يأتي استجابة لقدرة الدولة على تشخيص التهديد واستشعاره والتعامل معه بغضِّ النظر عن واقعيته وحجمه العملي على الأرض. يرى والت أن التهديدات الأمنية قضية معقدة لا يمكن لأي دولة تجازوها بسهولة، كما يضع والت جملة من الأطر لفهم طبيعة التهديد شكلًا ومضمونًا:
- العامل الجغرافي.
- القدرات الهجومية.
- النوايا السياسية.
- واقعية العداء.
- إمكانات الدولة.
في الحالة اليمنية العالقة في منطقة التضاد بين السعودية وإيران يبدو البند الثالث المتعلق بالنوايا مركزيًّا وإشكاليًّا، خاصة مع غياب شبه تام للثقة بين الرياض وطهران. من الصعوبة بمكان تشخيص النوايا السياسية الإيرانية ونظيرتها السعودية تجاه اليمن، كما أن النوايا تتبدل وتتغير وأحيانًا يحدث ذلك بشكل سريع.
تعبِّر الرياض عن قناعة راسخة بأن السلوك الإيراني في اليمن يشكِّل تهديدًا لأمنها القومي، بينما تصر طهران على أن سياساتها تجاه اليمن لا تتبنى منطق الهجوم، بل هي ردعية بالدرجة الأولى. مقابل ذلك ترى إيران أن الفعل السعودي في اليمن يعتبر سببًا مباشرًا في انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة الخليجية، ويدفع بشكل كبير نحو تشظي الحالة اليمنية جغرافيًّا وسياسيًّا. كلا البلدين يفضلان وضع حسن النوايا جانبًا ويُقرَّان بذات المنطق بأن سياسات الآخر تشكِّل تهديدًا واقعيًّا، وبمعزل عن صوابية هذه القراءة من عدمها فإن فكرة التهديد القادم من الآخر تحكم وبشكل كبير طبيعة العلاقة في التنافس والصراع والصدام على الأرض اليمنية.
ما يدعم المذكور أعلاه هو أهمية اليمن في العقيدة السياسية السعودية في بُعدي الأيديولوجيا والجغرافيا السياسية، مقابل خصوصية اليمن لدى إيران في البُعدين، الأيديولوجي والإستراتيجي(4). بناء على ذلك، فإن التطورات السياسية والميدانية في الساحة اليمنية تعتبر محددًا مهمًّا في الحكم على توسع أو تراجع مساحات النفوذ لكل من السعودية وإيران، خاصة أن اليمن يُعتبر بيئة مناسبة لتأمين عوامل تشديد الصراع بين هاتين القوتين الإقليميتين:
- اليمن بلد ضعيف وفقير بمساحة جغرافية واسعة.
- وجود أرضية مناسبة للاستقطاب المذهبي والطائفي.
- موقع اليمن المهم.
- إمكانية وجود شواهد تدعم اتهامات كل طرف تجاه الآخر.
- قابلية الأزمة اليمنية كي تصبح أزمة إقليمية.
- إمكانية تدويل الملف اليمني(5).
كل هذه العوامل تسهم معًا إما بشكل مباشر أو غير مباشر في تشديد الصراع السعودي-الإيراني، كما أنها تلعب دورًا حيويًّا في تغليب كفة نفوذ أحد الطرفين على حساب نفوذ الآخر.
تموضع اليمن في السياسة الخارجية السعودية
لطالما كان اليمن في مقدمة التوجهات الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية انطلاقًا من اعتبارين يحملان أهمية خاصة، وهما:
- الجغرافيا السياسية.
- الأيديولوجيا(6).
يبرز اعتبار الجغرافيا السياسية لليمن من موقعه الجغرافي المهم المطل على مضيق باب المندب الحيوي رابطًا بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب باتجاه المحيط الهندي. هذه المكانة الجغرافية جعلت من اليمن أحد أهم جيران السعودية ووضعته في صلب العقيدة الإستراتيجية للرياض، خاصة بعد حرب الطرفين عام 1930 والتي انتهت بهزيمة اليمن وتوقيعه اتفاقية الطائف التي رسمت الحدود المشتركة وأغلقت ملف الصراع على الحدود.
لا يقل الاعتبار الأيديولوجي-الديني أهمية عن نظيره الجيوبوليتيكي في تموضع اليمن في السياسة الخارجية السعودية، فالشعب اليمني المسلم يتوزع مذهبيًّا بين سُنة وشيعة. تشير بعض الإحصائيات إلى أن 35 في المئة من اليمنيين هم من أتباع المذهب الشيعي موزعين بين زيديين، وهم أغلبية الشيعة، وبعض الإسماعيلية والإمامية(7)، وهنا يبرز الحوثيون كأحد أهم المكونات الشيعية في نسيج المجتمع اليمني.
تزداد هواجس صانع القرار السعودي باعتبار الحوثيين حالة يمنية قريبة من إيران ومتأثرة بالأدبيات السياسية للجمهورية الإسلامية، فالجماعة الحوثية تتقاطع في توجهاتها وشعاراتها بشكل لافت مع الإفرازات الثورية الإيرانية سياسيًّا ودينيًّا، وتجسد ذلك عمليًّا في:
- تبني عقيدة مواجهة الاستكبار العالمي.
- مقاومة إسرائيل ودعم المقاومة الفلسطينية المسلحة.
تحضر هذه المعطيات بشكل جلي في شعار الجماعة المتمثل بـ"الله أكبر. الموت لأميركا. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود. النصر للإسلام"(8).
بهذا الشعار وهذه التوجهات، شكَّل الحوثيون رافعة الهواجس السعودية في بعدها الأيديولوجي-الديني؛ ما أدى إلى تصنيف الرياض للحوثيين بأنهم إحدى أدوات طهران في اليمن الساعية لزيادة النفوذ الإيراني على حدود السعودية.
الاستجابة السعودية لتطورات الأزمة اليمنية
انطلاقًا من أن المملكة العربية السعودية تعتبر أحد أهم اللاعبين الإقليميين في الساحة اليمنية كان لازمًا عليها وضع خطة عمل دقيقة للتعامل مع ما يجري في اليمن من خلال تحديد أهداف واضحة وآليات فاعلة لتحقيق تلك الأهداف. وفق هذه المقاربة جاءت الاستجابة السعودية تجاه الأزمة اليمنية محكومة بالمعطيات أدناه:
- أي تغيير في اليمن وبغضِّ النظر عن شكله وتفاصيله سيكون له تداعيات مباشرة وغير مباشرة على السعودية وأمنها القومي.
- ضرورة حصر التوتر وتداعياته داخل الجغرافيا اليمنية ومنع تسربه إلى المناطق السعودية المحاذية لليمن.
- أي تغيير في اليمن يجب ألا ينتهي بنظام سياسي جديد يحمل بذورًا مناهضة للسعودية وسياساتها على غرار ما جرى في العراق بعد الغزو الأميركي.
- رفض أي دور بارز للحوثيين في أي يمن جديد بعد نظام علي عبد الله صالح، وذلك لقناعتها بأن ذلك سيفرز جماعة حوثية شبيهة بنموذج حزب الله في لبنان.
- عدم التردد في التعامل بشكل مباشر مع أي تحرك إيراني يحاول زيادة نفوذ طهران في اليمن باعتباره سيكون تهديدًا أمنيًّا مباشرًا في خاصرة السعودية(9).
بهدف تحقيق ذلك، تبنَّت المملكة سياسة تدريجية استجابة لتطورات الأحداث في اليمن، وبالإمكان حصر هذه الاستجابة في 4 مراحل:
- الاحتواء.
- التغيير المنضبط بمحددات الأمن القومي السعودي.
- التدخل العسكري المباشر.
- الحرب بالوكالة(10).
بعد أيام فقط من مغادرة الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، للسلطة وفراره للسعودية، في 14 يناير/كانون الثاني عام 2011، اندلعت الاحتجاجات والمظاهرات في اليمن، يوم 17 يناير/كانون الثاني من العام نفسه، مطالِبة برحيل علي عبد الله صالح. شكلت مرحلة الاحتواء التي انتهجتها الرياض تحديًا حقيقيًّا لصانع القرار لجهة تنوع وتشعب الخريطة الشعبية والاجتماعية والسياسية للمحتجين، فضلًا عن عدم وجود قيادات واضحة قادرة على ضبط الشارع الثوري بكل أطيافه السياسية وألوانه القبلية والعشائرية وجمهور مؤسسات المجتمع المدني. من جهة أخرى، جاءت مطالب اليمنيين بسقف أعلى من السقف التي كانت الرياض تتحرك تحته في مرحلة الاحتواء، فالشارع اليمني كان ينشد تغييرًا جذريًّا يشمل كافة مناحي الحياة السياسية، بينما تحركت المملكة بمنطق الحفاظ على الهيكل السياسي العام للدولة مع ضرورة القيام بإصلاحات مقنعة لليمنيين وثورتهم.
لم تفلح مرحلة الاحتواء السعودية في تسكين الحدث اليمني ووضعه على سكة الحل، قرأت طهران ذلك بأن اليمن مقبل على تغييرات مهمة وأن الرياض تواجه تحديات حقيقية في لعب دور الراعي للحل في اليمن(11). خلصت المقاربة الإيرانية إلى أنه لابد لطهران من المراقبة والاستعداد لمرحلة قد تخرج فيها الأمور عن السيطرة داخل الساحة اليمنية.
مع هذه التطورات انتقلت المملكة باتجاه المرحلة الثانية عبر طرح المبادرة الخليجية للحل؛ حيث جرت إزاحة علي عبد الله صالح عن السلطة في اليمن ونقلها إلى عبد ربه منصور هادي، ومع استمرار المظاهرات واجه الرئيس الجديد تحديات وازنة وهو يحاول ضبط الأوضاع الداخلية لليمن. تكاتفت عوامل عدة في دعم ما اعتبرته شرائح واسعة من اليمنيين فشل سياسات منصور هادي في التناغم مع مطالب وشعارات الثورة بشكل عملي، من أهم تلك العوامل:
- فشل النظام السياسي بقيادة الرئيس منصور هادي في توزيع السلطة بشكل يتناسب مع طموحات وتطلعات الشارع الثوري اليمني.
- عدم استقلالية الرئيس منصور هادي في سياساته عن الرياض، وربط شرعية النظام السياسي الجديد في اليمن بمؤثرات خارجية.
- رفض الحوثيين المعلن لسياسات الرئيس منصور هادي واعتبارها غير منصفة بحقهم وحجمهم في الداخل اليمني(12).
أدت هذه العوامل مجتمعة إلى موجة جديدة من الاحتجاجات والمظاهرات، ترافق ذلك مع تحرك مسلح لجماعة الحوثي مدعومة من قوات موالية من الجيش اليمني وأخرى موالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، ضد حكومة منصور هادي. انتهى ذلك بدخول جماعة أنصار الله الحوثية وحلفائها العاصمة، صنعاء، والسيطرة عليها بقوة السلاح ومحاصرة الرئيس وحكومته داخل القصر الرئاسي. حاول منصور هادي احتواء الأحداث عبر تقديم استقالته للبرلمان، ومع أن البرلمان رفض تلك الاستقالة إلا أن الحوثيين لم يتراجعوا واعتبروا أن الرئيس يحاول شراء الوقت. وفي ظل عجز كامل للرئيس وحكومته في مواجهة التحرك الحوثي المسلح وما رافقه من مظاهرات وانقسامات داخلية غادر منصور هادي وحكومته صنعاء وتقدم بطلب رسمي للسعودية بضرورة التدخل عسكريًّا ضد الحوثيين لاستعادة العاصمة، صنعاء، والسلطة المركزية وإخراج الحوثيين من بقية المناطق التي سيطروا عليها(13).
كانت تلك نهاية عنيفة للمرحلة الثانية من الاستجابة السعودية للأزمة في اليمن، وعلى إثرها اتهمت الرياض طهران بأنها شجعت الحوثيين ودعمتهم في السيطرة على العاصمة، صنعاء، وإسقاط حكومة الرئيس منصور هادي، بينما علقت إيران على ذلك بأن دخول جماعة أنصار الله صنعاء والسيطرة عليها بقوة السلاح كان حدثًا غير متوقع.
في مارس/آذار عام 2015، قررت السعودية تفعيل المرحلة الثالثة بإعلانها الحرب على الحوثيين وحلفائهم في اليمن. انطلقت العمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة الرياض والتي حملت اسم "عاصفة الحزم"، وبدأت عاصفة الحزم بالخطوات العسكرية التالية:
- حظر كامل شمل الجو والبحر والبر وإعلان الجغرافيا اليمنية منطقة عمليات عسكرية مغلقة.
- إعلان السعودية سيطرتها على كامل المجال الجوي اليمني والتهديد باستهداف أي خرق لهذا المجال.
- بدء قصف جوي مكثف ضد الدفاعات الجوية اليمنية ونظم الاتصالات العسكرية والمطارات العسكرية.
- تركيز جزء من القصف الجوي على المواقع العسكرية التابعة لجماعة الحوثي والموالين لها.
- تحذير سعودي مباشر لإيران بأن أي كسر للحظر الجوي أو البحري عبر إرسال طائرات أو سفن سيقابل باستهدفها وتدميرها(14).
في أبريل/نيسان عام 2015، أعلنت السعودية انتهاء عمليات عاصفة الحزم بتحقيق أهدافها من خلال تحييد كافة أشكال التهديد الذي يمكن له أن يصيب السعودية أو بقية الدول الخليجية انطلاقًا من الأراضي اليمنية. بالتزامن مع ذلك، أعلنت الرياض أيضًا بدء المرحلة الثانية من الحرب والتي تمثلت بعملية عسكرية جديدة سُميت "إعادة الأمل" وفق أهداف معينة:
- إعادة ترتيب العملية السياسية في اليمن استنادًا إلى القرار الدولي رقم 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار اليمني.
- حماية الشعب اليمني وتحصينه ضد الحوثيين وسياساتهم.
- استمرار الحظر جوًّا وبحرًا وبرًّا ووضع آلية تفتيش للسفن والطائرات بهدف منع تسليح جماعة أنصار الله الحوثية.
- تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية موالية لإيران ومواصلة التصدي لها عسكريًّا.
- إجلاء الرعايا الأجانب.
- فسح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية الدولية لليمنيين(15).
انتهت العملية العسكرية بقبول الحوثيين العودة إلى طاولة المفاوضات، لكنها لم تنجح في إخراجهم من صنعاء واستعادة الشرعية ممثلة بالرئيس منصور هادي وحكومته. بالمقابل، نجحت العملية العسكرية باسترجاع 5 محافظات جنوبية، هي: عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة، وهي المدن التي ستلعب دورًا بارزًا حين يدخل اليمن لاحقًا مرحلة الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران.
بعد ذلك أخذ سير الأحداث في اليمن مسارًا تدريجيًّا فشلت فيه كل طاولات المفاوضات في التوصل إلى هدنة مستدامة تسمح بإطلاق حوار يمني-يمني يفضي لحل سياسي؛ ما أدى إلى عودة المواجهات العسكرية متخذة هذه المرة شكل الحرب بالوكالة بين جماعة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران وقوات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
تموضع اليمن في السياسة الخارجية الإيرانية
بعد انتصار الثورة في إيران كان اليمن الشمالي من أوائل الدول التي اعترفت رسميًّا بالجمهورية الإسلامية عبر إرسال وفد رسمي ضم 15 شخصية سياسية ودينية. في نفس العام، قام سفير اليمن الشمالي في طهران بلقاء مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني، وأهداه نسخة من القرآن الكريم مقدمة من الرئيس علي عبد الله صالح.
كان واضحًا أن اليمن الشمالي مستعد لعلاقات أكثر تطورًا مع إيران بعد الثورة، لكن علاقاته مع المحيط العربي وبالأخص الخليجي جعلت صنعاء تتبنى سياسة محافظة تجاه طهران. ومع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية تبدل المشهد حين اصطف اليمن الشمالي مع الأطراف العربية الداعمة للعراق ضد إيران، بينما وقف اليمن الجنوبي إلى جانب الموقف الإيراني خلال الحرب التي استمرت 8 سنوات.
في العام 1990، تم إعلان الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي، لكن ذلك لم يغير كثيرًا في طبيعة العلاقات بين إيران ما بعد انتهاء الحرب مع العراق واليمن الجديد الموحد. كان ذلك بسبب جملة من القناعات الإيرانية، من أهمها:
- السياسات والمواقف اليمنية، ووفق التقييم الإيراني يومها، هي امتداد لسياسات مجلس التعاون الخليجي بزعامة السعودية.
- اليمن بعد الوحدة حافظ على مواقف شطره الشمالي تجاه إيران كجزء أساس من الموقف الرسمي.
- عدم ثقة الإيرانيين بالرئيس اليمني بعد الوحدة، علي عبد الله صالح(16).
مع استتباب الأوضاع في إيران في مرحلة ما بعد الحرب مع العراق بدأت طهران تعيد التفكير في تقييمها لأهمية اليمن معتمدة في ذلك على محددين:
- محدد أيديولوجي أفرزته الثورة يقوم على مبدأ الاهتمام بأوضاع الأقليات الشيعية أينما وُجدت.
- محدد إستراتيجي في الجغرافيا السياسية باعتبار مضيق باب المندب جزءًا حيويًّا من دائرة الأمن القومي للبلاد(17).
وبالنظر إلى ما تقدم نرى أن تموضع اليمن في السياسة الخارجية لكل من الجمهورية الإسلامية والمملكة العربية السعودية يعتمد ذات المحددات الأيديولوجية والجيوسياسية، لكنه يتناقض بشكل تصادمي في السياسات العملية المعتمدة على الأرض.
الاستجابة الإيرانية لتطورات الأزمة اليمنية
تعتبر التغييرات الكبرى التي أفرزها الغزو الأميركي للعراق، عام 2003، سببًا رئيسيًّا في اتخاذ التنافس بين طهران والرياض نهجًا تصاعديًّا متسارعًا. ومع حلول العام 2006 تحول هذا التنافس إلى اصطفاف جيوسياسي في مساحات الشرق الأوسط، تجسد ذلك في الخطاب السعودي بشأن الهلال الشيعي كمشروع إيراني خطير مقابل خطاب إيراني عن نهج طائفي-تكفيري تقوده السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
هذا التطور في الخطاب بين الرياض وطهران نقل الصراع من حالة التنافس القائمة على التضاد التاريخي في الهوية والأيديولوجيا إلى حالة الصدام العنيف في ميادين الجغرافيا السياسية. ظهر ذلك جليًّا في اليمن بعد العام 2011 والذي يعتبر الساحة الأوضح في مشهد كسر الخطوط الحمراء بين البلدين خارج إطار التنافس التاريخي التقليدي(18).
جاء التقييم الإيراني الإستراتيجي لما يجري في اليمن مدفوعًا بمجموعة من العوامل التي تنسجم مع رؤية طهران الكلية لثورات الربيع العربي وتموضع تلك الثورات وأحداثها في مربعات النفوذ الإيراني الإقليمي، ومن أبرز ما ورد في التقييم:
- الثورة اليمنية هي ثورة شعبية ضد نظام ديكتاتوري مدعوم غربيًّا.
- جزء من الثورة هو ضد سياسات الرئيس اليمني، علي عبد الله، صالح كحليف للسعودية والقوى الغربية.
- الثورة اليمنية هي امتداد لثورات أخرى في مصر وليبيا وتونس ونجاحها سيؤدي إلى تراجع في نفوذ الغرب بزعامة أميركا.
- اليمن هو جزء أصيل من الأمن القومي السعودي والثورة هناك تعتبر خطرًا مباشرًا على السعودية ونظامها السياسي(19).
شكَّلت هذه النقاط الأرضية التي تحركت عليها الاستجابة الإيرانية لمسارات الأزمة اليمنية معتمدة في ذلك على مبدأين: الأول يقوم على مبدأ أن التغيير في اليمن حتمي، بينما ركز المبدأ الثاني على فكرة أن السعودية لن تستطيع احتواء الأزمة أو توجيهها بشكل يتناسب وهواجسها الأمنية. بهذا المنطق توزعت الاستجابة الإيرانية على 4 مستويات:
المستوى السياسي
حرصت طهران على جعل الحل السياسي هو العنوان العريض الذي تدور في فَلَكه كافة المواقف الإيرانية من الأزمة اليمنية، ولهذا دعمت مفهوم الحل السياسي في 3 أبعاد:
- بُعد ذاتي: تمثل في تقديم إيران خطة سلام مكونة من نقاط محددة تتبنى الحل التدريجي وصولًا إلى حوار يمني-يمني ينتج نظامًا سياسيًّا جديدًا يقبل به اليمنيون كافة.
- بعد إقليمي: تمثل في دعم كل طاولات الحوار اليمني الذي جرى برعاية إقليمية.
- بعد دولي: ارتكز على دعم خطط المبعوثين الدوليين للأزمة اليمنية(20).
المستوى الأمني والعسكري
ركز هذا المستوى على تقديم شتى أنواع الدعم لجماعة أنصار الله الحوثية وعلى كافة المستويات بما يضمن أن الأحداث لن تنتهي عسكريًّا وأمنيًّا بخروج الحوثيين من المعادلة(21).
المستوى الأيديولوجي
التقاط كل الإشارات التي تشي بإمكانية تحول الجماعة الحوثية من مناصر للجمهورية الإسلامية في إيران إلى حليف واقعي وعملي ودعم كل الأرضيات التاريخية والدينية والسياسية التي تسهِّل ذلك(22).
المستوى الجيوسياسي
تكثيف الحضور عسكريًّا ولوجستيًّا في المياه الدولية القريبة من مضيق باب المندب والتأكيد على أن المضيق لا يُحكم فقط بمنطق السياسات السعودية(23).
هذه العوامل لعبت أدوارًا متفاوتة بحسب طبيعة المرحلة في مسار طويل حرصت فيه طهران على تحصين المعطى السياسي بالمكتسبات الميدانية، فضلًا عن دعم المحدد الأيديولوجي لمتطلبات الجغرافيا السياسية. هكذا تطورت الأحداث بشكل وضع الجماعة الحوثية في قلب المعادلة اليمنية رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه؛ ما اسهم في تحول اليمن إلى ساحة للحرب الباردة بين السعودية وإيران دارت رحاها بالوكالة.
الحرب الباردة في اليمن: مصاديق المفهوم وشواهد الميدان
كان التقدير الإستراتيجي لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران متشددًا في استبعاده كليًّا فكرة الحرب المباشرة بين البلدين سواء في اليمن أو في غيره من مساحات الصدام الإقليمي. هذا ما جعل المواجهة تنحصر في مستويين: الأول اتخذ صيغة الحرب الباردة بين طهران والرياض عبر تسخير كافة عناصر القوة الكامنة وتوظيفها، تجسد ذلك عمليًّا في تثبيت مفاهيم الحرب بالوكالة بين الطرفين عبر حلفاء يمنيين محليين يدورون إستراتيجيًّا في فلك الحليف الإقليمي. المستوى الثاني من الصراع كان عبارة عن حرب سعودية مباشرة ضد بعض مكامن القوة الخاصة بجماعة أنصار الله الحوثية والتي لا يمكن للحليف المحلي تحييدها بشكل يضمن مسبقًا النتائج المطلوبة(24).
وفق الرؤية أعلاه، قدمت المملكة العربية السعودية التحركات الإيرانية في الملف اليمني كتهديد لأمنها القومي من خلال سعي طهران لتغيير توازن القوى في اليمن عبر وكلائها الحوثيين، كما اعتبرت الرياض أن الجمهورية الإسلامية تمارس ما أسمته إرهابًا خطيرًا حين تضغط وبقوة لرفع منسوب التهديد ضد السعودية انطلاقًا من الأراضي اليمنية. مقابل ذلك، رأت إيران أن السعودية تريد يمنًا مفصلًا على مقاسها يكون خاليًا من أي دور مؤثر للمكون الشيعي وذلك من خلال تغذية المواجهة المذهبية والطائفية عبر حرب عبثية بلا أفق(25).
تبنى الحلفاء اليمنيون منطق القوى الإقليمية في الصراع الدائر على الأرض ما أفرز حالة معقدة في اليمن جعلت الأزمة تتخذ أبعادًا إقليمية تفوق في أهميتها الأبعاد اليمنية الداخلية. كان ذلك واضحًا في تعذر وصول الفاعلين اليمنيين المحليين إلى أي تفاهمات حقيقية دون وجود غطاء ودعم من الحليف الإقليمي.
استند التحرك السعودي في اليمن خلال ذروة الحرب الباردة بالوكالة إلى مفاعيل ميدانية أكثر منها معطيات سياسية، ومن أهم تلك المفاعيل:
- إيران تسعى لزيادة نفوذها في المربع الأول للأمن القومي السعودي معتمدة في ذلك على حليفها الحوثي في اليمن.
- دعم طهران لجماعة أنصار الله بالسلاح وتكنولوجيا الصواريخ والمسيرات هدفه خلق ضلع رابع ضمن محورها الذي تطلق عليه محور المقاومة وهو أساس نفوذها الإقليمي.
- بعكس ما تتحدث عنه الجمهورية الإسلامية علانية فهي تعمل على الأرض على نقل الصراع مع السعودية من التنافس إلى مواجهة مباشرة بالوكالة عبر تسليح غير تقليدي لحليفها الحوثي في اليمن.
- جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن هي يد إيران وقوتها في ضرب الأمن والاستقرار على الحدود مع السعودية.
- سيطرة أنصار الله على اليمن أو على جزء من القرار الإستراتيجي اليمني مستقبلًا سيكون لها تداعيات سلبية على السعودية(26).
وعليه، خلصت الرياض إلى أنه وفي حال نجحت إيران في اليمن من خلال الحليف الحوثي فإنها ستكون قد حققت إنجازًا بارزًا، وثبَّتت نفوذًا جديدًا لها في المنطقة يمتد من الحدود مع إسرائيل إلى الحدود السعودية عبورًا بلبنان وسوريا والعراق. انتهى التقييم السعودي إلى خلاصة تفيد بأن حدوث ذلك يعني انتصارًا إيرانيًّا إستراتيجيًّا في المنطقة.
مقابل هذه العوامل السعودية التي شكلت رافعة حضور الرياض في جميع مفاصل الحرب الباردة في اليمن، صاغت الجمهورية الإسلامية منطقًا عكسيًّا بعوامل مضادة. قدمت طهران الدور السعودي في اليمن على أنه دور متهور وعدواني وإقصائي، معتمدة في ذلك على النقاط التالية:
- سعي سعودي حثيث لحذف المكون الشيعي اليمني من المعادلة حتى ولو كان ذلك عبر حرب مباشرة.
- تعامل الرياض مع الحوثيين كعدو خارجي للسعودية وذلك بهدف ضبط عدادات الداخل السعودي بمحددات العدو الخارجي.
- تصنيف السعودية للحوثيين في اليمن خطرًا إقليميًّا على المملكة وتقديمهم كتابعين لإيران.
- التجييش المذهبي والطائفي كأداة لعقد تحالفات عربية وإسلامية على اعتبار أن السعودية السنية تتصدى لإيران الشيعية التي تريد السيطرة على العرب وعواصمهم(27).
مع انتقال الأزمة اليمنية إلى المربع الإقليمي باعتباره هو من يقود ديناميكية الأحداث اليمنية ووصول الحرب الباردة بين القوتين الإقليميتين إلى ذروتها، بدأت الرياض وطهران تتبادلان الضربات في المساحات الخطرة خارج الجغرافيا اليمنية. كان لاستهداف أنصار الله الحوثيين المطارات المدنية والعسكرية وبعض مراكز البلاد الحساسة داخل المدن السعودية بموجات من الصواريخ الباليستية والمسيرات بالغ الأثر في تطور الخطاب السعودي تجاه إيران. رفعت الرياض منسوب التلويح بالتهديد وأعلن ولي العهد، محمد بن سلمان، أنه سينقل المعركة إلى طهران.
رسميًّا، اتهمت طهران كلًّا من أميركا وإسرائيل فضلًا عن أجهزة الاستخبارات في بعض دول المنطقة، ومنها السعودية، بدعم هجومين دمويين حدثا داخل الأراضي الإيرانية: الأول جاء على شكل هجوم مسلح مزدوج ومتزامن، في يوليو/تموز من العام 2017، شنَّته عناصر قدمت نفسها على أنها من تنظيم الدولة الإسلامية استهدف مبنى البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني في طهران، وأدى ذلك إلى مقتل 12 شخصًا(28). تمثل الحدث الثاني بهجوم مسلح استهدف عرضًا عسكريًّا في مدينة الأهواز، في سبتمبر/أيلول عام 2018، وخلَّف 25 قتيلًا إيرانيًّا بين عسكري ومدني وتبنَّته حركة إيرانية معارضة مسلحة تسمي نفسها "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"(29).
بعد عام على هذا الهجوم، أعلنت جماعة أنصار الله الحوثية، سبتمبر/أيلول عام 2019، قصفها منشآت النفط السعودية التابعة لشركة أرامكو بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، فضلًا عن إطلاق ضربات مباشرة ومتتابعة طالت مراكز حيوية داخل العمق السعودي. عبَّر صانع القرار في الرياض عن قناعة راسخة بأن هجومًا كهذا لا يمكن أن يحدث دون ضوء أخضر إيراني لجماعة الحوثي، بالإضافة إلى تسهيل المهام لوجستيًّا عبر تأمين أدوات النجاح في ضربة اعتُبرت تجاوزًا لكافة الخطوط الحمراء(30).
وصول التصعيد إلى هذا الحد بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية أطلق إنذارًا متعدد المستويات بضرورة خفض التصعيد وتجميد التوتر وفسح المجال أمام إمكانية فك الاشتباك:
- داخليًّا، وفي كلا البلدين، ظهرت أصوات بارزة تدعو للتهدئة وفتح مسارات للحوار والتفاهم.
- إقليميًّا، دخلت دول استشعرت خطر انفلات المواجهة السعودية-الإيرانية على خط الوساطة في محاولة لتحقيق اختراق في العلاقات المقطوعة بين البلدين تسمح لهما بلقاءات ثنائية مباشرة.
- دوليًّا، ظهرت مؤشرات تفيد بأن الصراع بالوكالة بين طهران والرياض يمكن أن ينجر إلى صدام مباشر وهذا يهدد الأمنين، الإقليمي والدولي.
نجحت هذه التحركات في إفراز شكل ما من الحوار السعودي-الإيراني عبر لقاءات أمنية في سلطة عُمان أفضت إلى 5 جولات من الحوار في بغداد، قبل أن تدخل الصين على الخط ضامنًا وراعيًا لما عُرف بالاتفاق السعودي-الإيراني الموقع في بكين بهدف إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
الاتفاق السعوي-الإيراني: قراءة في تصويب المصطلح وسيناريوهات النجاح والفشل
ما يزيد من صعوبة تناول ودراسة الاتفاق السعودي-الإيراني الموقع في العاصمة الصينية، يوم 10 مارس/آذار 2023، هو الغموض الذي يلف الاتفاق سواء في ماهيته الشكلية أو سرية مضمونه. من حيث الشكل، يبدو مصطلح اتفاق رماديًّا في توصيف ما جرى، كما أن بقاء بنوده المهمة سرية لا يسمح بإخضاع الاتفاق لمنطقَي التحليل والاستقراء.
هل ما جرى هو اتفاق أولي ضمن خارطة طريق لفك الاشتباك، أم إنه اتفاقية متكاملة بأبعاد ثنائية وإقليمية؟ وهل يتناول هذا الاتفاق، بغضِّ النظر عن التسمية الدقيقة له، الساحات الإقليمية المشتعلة بين القوتين الإقليميتين؟ وهل يُعوَّل على عودة العلاقات الثنائية بعد قطيعة دبلوماسية استمرت 7 سنوات في إمكانية الحلحلة إقليميًّا أم أن العكس هو الصحيح؟ وما مدى وجود ضمانات حقيقية لتنفيذ بنود ما اتُّفق عليه؟ وما العوامل التي تشكل رافعة لنجاح تنفيذ الاتفاق أو فشله؟
في السعي للإجابة عن هذه الأسئلة، تكمن الخطوة الأولى في تصويب العنوان الكلي لما جرى في بكين بين إيران والسعودية، وهذا يتطلب حصر المصطلح في عدة احتمالات لتعريف التقارب المتسارع بين طهران والرياض. أدناه ندرج 4 مستويات بهذا الصدد:
- صفقة متكاملة بمستويات مختلفة تتبنى منطق التنفيذ التدريجي خطوة خطوة، بمعنى أن الانتقال من مستوى إلى آخر يتطلب تطبيقًا كاملًا وناجحًا لكافة البنود في المستوى السابق. إن كان ذلك ما تم توقيعه في الصين فهذا يعني أننا أمام صفقة كبرى بين قوتين إقليميتين تسعيان للتهدئة، ما يؤشر بدوره إلى أن الملفات الإقليمية هي جزء أصيل من الصفقة كما أنها ستلعب دورًا في تحديد جدية الاتفاق ووجاهة تنفيذه.
- اتفاق الممكن القائم على تجميد فوري لكل أشكال المواجهة وخفض حدة التوتر فضلًا عن استبعاد التصريحات المستفزة والتركيز على المشترك في المصالح وذلك بهدف بناء حالة تراكمية من التفاهمات تتناول كافة الملفات معًا، وهذا يسهِّل على صانع القرار السعودي والإيراني اتخاذ قرارات وازنة بالمعنى الإقليمي.
- اتفاق المضطر استجابة لعوامل خارجية خارجة عن إدارة الطرفين، خاصة العوامل الدولية انطلاقًا من إفرازات الحرب الروسية في أوكرانيا دوليًّا وإقليميًّا. في هذا الاحتمال فإن الاتفاق سيكون أشبه بقرار الانتقال من حرب بادرة شعواء إلى سلام فاتر حذر من خلال تقديم تنازلات متبادلة والاعتراف بشكل ما بإقليمية الطرف الآخر وضبط الصراع عند مستويات المصالح المشتركة دون تقديم تنازلات مؤلمة وحقيقية بشأن التنافس الإقليمي.
- اتفاق الضرورة المدفوع بمنطق أن تثبيت شكل ما من أشكال التعايش السلمي وإدارة الأزمات سيكون أقل تكلفة من الاستمرار في تصعيد المواجهة.
بغض النظر عن ماهية ومضمون الاتفاق فإن الضرورة الإستراتيجية تحتم على كلا البلدين التركيز على الملفات الصعبة ومحاولة تحقيق اختراق عملي فيها قبل البدء بترتيب أوراق تنافسية أخرى. بالنسبة للسعودية فإن اليمن هو مطلب أساس في أي اتفاق جدي مع إيران سواء كان اتفاق الضرورة أو اتفاق الممكن أو جاء على شكل صفقة كبرى. لهذا، فإن السعودية تبدو معنية بنقطتين أساسيتين:
- ضمانات أمنية من إيران وتحديدًا بخصوص اليمن، وهنا تأتي أهمية ما تسرب عن الاتفاق بأنه يضم بندًا حول تفعيل الاتفاقية الأمنية الثنائية الموقعة عام 2001.
- التأكد من قدرة طهران وجديتها في الضغط على الحوثيين في اليمن والدفع باتجاه حل سياسي يتناسب بشكل ما مع المصالح السعودية.
أما بالنسبة لإيران، فإن الضرورة الإستراتيجية تستدعي التركيز على:
- المكسب الاقتصادي، وهذا ما يفسر حديث الرياض الرسمي بشأن إمكانية تدفق الاستثمارات السعودية إلى ساحات الاقتصاد الإيراني وبشكل متسارع.
- تجميد الرياض لنهجها القائم على تقديم النفوذ الإيراني وكأنه داعم للإرهاب، فضلًا عن وقف دعم المعارضة الإيرانية خاصة تلك التي تتبنى العمل العسكري المسلح ضد النظام في إيران.
- التعامل مع النفوذ الإيراني في اليمن كجزء من الحل بدل تقديمه على أنه أصل المشكلة.
عوامل نجاح الاتفاق
- رعاية بكين للاتفاق والحرص على تنفيذه باعتباره اختبار أوَّلي للصين كلاعب دولي في الشرق الأوسط الذي يعتبر ساحة للنفوذ الأميركي.
- امتلاك الصين أدوات ضغط قوية على كل من إيران والسعودية بحيث يصبح التنصل من تنفيذ الاتفاق مكلفًا في مساحة العلاقة مع بكين.
- حاجة السعودية الماسة إلى إنهاء حرب اليمن وقناعتها بأن ذلك غير ممكن دون إيران.
- حاجة إيران الملحَّة إلى فكك الاشتباك مع السعودية في ظل تحديات داخلية على وقع الاحتجاجات الشعبية وأوضاع اقتصادية حرجة.
- عدم وجود فيتو أميركي على الاتفاق بين إيران والسعودية.
- مباركة عربية وإسلامية لما تم الإعلان عنه من توافق بين الرياض وطهران.
- عالم ما بعد الحرب الروسية في أوكرانيا والتغييرات المتسارعة على المسرح الدولي واحتمالية تدحرج الأوضاع العالمية باتجاه مواجهات غير تقليدية تفرز اصطفافات جديدة.
- تقديم كلا البلدين لمحدد الاستقرار الإقليمي في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني.
عوامل فشل الاتفاق
- غياب الثقة الواضح بين إيران والسعودية.
- تاريخية العلاقة بين البلدين التي تأتي محكومة بالتنافس والتوتر حتى لو تخلل ذلك فترات من التفاهم والاتفاقيات الحذرة.
- التداخل العضوي بين مثل هذا الاتفاق مع البعد الإقليمي لملفات أخرى تبدو السعودية غير حاضرة فيها مثل مصير الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران.
- مدى قدرة كل من الرياض وطهران على الضغط على حلفائهما في المنطقة للتناغم والقبول بمخرجات الاتفاق الموقَّع برعاية صينية.
- الاستجابة الإسرائيلية لتقدم البرنامج النووي الإيراني والذي قد يدفعها للمغامرة باستخدام الخيار العسكري ضد طهران وهذا من شأنه أن يجر مواجهة واسعة في المنطقة.
- البعد الداخلي في كلا البلدين في إثبات أن المصالحة والتفاهم هو قرار النظام السياسي الحاكم وليس خيار جناح معين داخل النظام.
خلاصة
لطالما شكَّل التباين في محددات صياغة الهوية التاريخية بين السعودية وإيران أرضية تغذي الخلافات القائمة على أسس الأيديولوجيا الدينية والعرقية في مساحات النفوذ غرب آسيا، لكن هذا الخلاف لم يمنع وجود تعاون مشترك بين المملكة العربية السعودية وإيران الشاهنشاهية باعتبارهما حليفين وشريكين إستراتيجيين لواشنطن خاصة إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي.
مع انتصار الثورة في إيران، عام 1979، وتأسيس الجمهورية الإسلامية سقطت كل أشكال التعاون والتفاهم بين طهران والرياض وأخذت حدة التنافس تشتد وتتوسع مدفوعة بشعار تصدير الثورة الإسلامية من إيران إلى محيطها فضلًا عن وقوف السعودية الكامل مع العراق خلال الحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت 8 سنوات.
ومع حلول العام 2003، تعرض توازن القوى والتهديد بين المملكة والجمهورية الإسلامية إلى اختلال كبير بفعل الغزو الأميركي للعراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين ومجيء نظام سياسي جديد بقيادة الطبقة الشيعية المعارضة التي كانت ولسنوات طويلة مقربة من إيران. كان ذلك سببًا رئيسًا في نقل الصراع بين طهران والرياض باعتبارهما قوتين إقليميتين إلى المواجهة على امتداد الشرق الأوسط.
بعد ذلك، شكلت ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس عام 2011 الرافعة الأساس في كسر قواعد الاشتباك الإقليمي، خاصة حين وصلت شرارة الثورات إلى كل من سوريا واليمن باعتبارهما منطقتي نفوذ مباشرتين لكلا البلدين. بيد أن اليمن كان المكان الذي ستختبر فيه هاتان القوتان الإقليميتان قدراتهما الذاتية على التأثير في مساحة نفوذ الآخر.
قرأت الرياض ما يجري في اليمن بأنه تهديد جدي لأمنها القومي ونظامها السياسي ومعادلاتها الإستراتيجية، بينما رأت فيه طهران عاملًا جديدًا من عوامل الصراع الإقليمي مع السعودية. أدى تصادم الرؤى هذا إلى نشوب حرب باردة طاحنة بين الطرفين على الأرض اليمنية كسر فيها الجانبان، السعودي والإيراني، جزءًا مهمًّا من الخطوط الحمراء التي حكمت طبيعة صراعهما في المراحل السابقة.
من وجهة نظر السعودية، شكَّل صعود الحوثيين كجماعة مسلحة قادرة على التحكم بجزء من مصير القرار السياسي للبلاد كابوسًا حقيقيًّا للمملكة، وهذا ما جعلها تذهب إلى حدِّ إعلان الحرب على الجغرافيا الحوثية في اليمن بهدف استعادة العاصمة، صنعاء، من قبضة أنصار الله وقطع ما تسميه يد النفوذ الإيراني في الساحة اليمنية. قوبل ذلك برفع السقف من قبل جماعة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران من خلال استهداف المنشآت النفطية وبعض المراكز الحساسة في السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة.
هكذا، وجد اليمن نفسه عالقًا في منتصف المسافة بين قوتين إقليميتين دخلتا في معارك كسر عظام على الأرض اليمنية إما بفعل الحرب السعودية المباشرة على الحوثيين، أو بفعل الحرب بالوكالة عبر حلفاء يمنيين محليين بين السعودية وإيران. لم تصل الحرب التي أطلقتها السعودية إلى نتائج واضحة بشأن إضعاف الجماعة الحوثية ودفعها للقبول بشروط الرياض للحل السياسي، كذلك لم يفلح الحوثيون في السيطرة على الجغرافيا اليمنية خاصة في مدن الجنوب، ما أدى في النهاية إلى حرب يمنية-يمنية كانت بمنزلة واجهة لحرب باردة بين الفاعلين الإقليميين.
مع مرور الوقت تشكلت قناعة راسخة لدى صنَّاع القرار في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية بضرورة اختبار نوايا الآخر بشأن فك الاشتباك في اليمن عبر طاولة حوار ثنائية. تمثل ذلك عمليًّا عبر خمس جولات من الحوار في بغداد وبعض اللقاءات في سلطنة عُمان لتنتهي كل الوساطات والمفاوضات بتوقيع اتفاق مشترك في العاصمة الصينية، بكين، يهدف إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض بعد 7 سنوات من انقطاعها.
تعرض الاتفاق الوليد بين الرياض وطهران للكثير من التحليل والتقييم بيد أن النقطة التي شكَّلت محل إجماع نسبي هي أن أي تقارب سعودي-إيراني وبغض النظر عن ماهيته ومضمونه سيجد نفسه ملزمًا وبالضرورة بفك عقد الأزمة اليمنية التي باتت تعتبر محددًا مهمًّا لنجاح هذا التقارب سواء كان اتفاقًا بين مضطريْن أو صفقة إقليمية كبرى.
- حافظ نيا، محمد رضا (1382) خليج فارس ونقش استراتژیک تنگه هرمز،(الخلیج الفارسي والدور الإستراتيجي لمضيق هرمز)، (تهران: انتشارات سمت، 1384 ش)، ص 41-60
- المرجع السابق، الفصل الثالث، ص 93-105.
- سیمبر، رضا، میلاد پهلوان منگودهی ( 1400) جنگ سرد منطقهای ایران و عربستان در بحران یمن (2020-2011) فصلية "سیاست وروابط بین الملل"، الدورة 5، العدد 9، ص 65
- المصدر نفسه، ص 68.
- Esfandiary, Dina & Ariane Tabatabai (2016), Yemen: an Opportunity for Iran-Saudi Dialogue, The Washington Quarterly,PP 155-174.
- سيد شمس الدين صادقي، ولطفي كامران بحران یمن: جدال ژیوپلیتیکی محور محافظ کاری با محور مقاومت اسلامی(أزمة اليمن: الصراع الجيوسياسي بين المحافظة والمقاومة الإسلامية)، فصلية "علمی پژوهشی سیاست جهانی"، الدورة الخامسة، العدد الأول، 1395 س، ص 41-69.
- الشيعة في اليمن، مركز الأبحاث العقائدية، العراق، النجف الأشرف، تاريخ النشر: لا يوجد تاريخ محدد، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2023)، https://bit.ly/434Cdno
- الموقع الرسمي لحركة أنصار الله في اليمن www. ansarollah.com
- Kamrava، Mehran (2018)، Hierarchy and Instability in the Middle East Regiobal Order، nternational Studies Journal (ISJ)، 2018، pp.13/16/21/33
- ناهيد حسینی مقدم، وبهرام یوسفی، راهبرد عربستان سعودی در قبال بحران یمن (الإستراتيجية السعودية تجاه أزمة اليمن)، مجلة "بین المللی پژوهش ملل"، الدورة الثالثة، العدد 25، 1396 ش، ص 79-103.
- سید امیر نیا کویی واحسان اعجازی، واکاوی بحران امنیتی در یمن:علل وزمینه ها(تحليل الأزمة الأمنية في اليمن: أسبابها وسياقاتها)، فصلية"تحقیقات سیاسی بین المللی"،1396 ش، العدد 28، ص 49-50.
- المصدر السابق، ص 51-60.
- ناهيد حسینی مقدم، وبهرام یوسفی، مرجع سابق، ص 81.
- . U.S. support for Saudi Military Operations in yemen، center for strategic and International studies (CSIS)(accessed: April 2, 2023)https://bit.ly/3MdvIbN
- Ibid
- سيد علي نجات وآخرون، راهبرد عربستان سعودی وجمهوری اسلامی ایران در قبال بحران یمن،(إستراتيجية العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه أزمة اليمن)، فصلية "مطالعات روابط بین الملل"، السنة التاسعة، العدد33، 1395 شـ، ص 137-179.
- المصدر السابق، ص 180-183.
- سيد شمس الدين صادقي، ولطفي كامران، مصدر سابق.
- نشست بررسی تحولات یمن، دانشکده مطالعات جهان (جلسة لمراجعة تطورات اليمن في كلية الدراسات الدولية)، "انجمن علمی مطالعات جهان"، دانشکده مطالعات، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2023)، https://bit.ly/3U12Rt0
- محمد رضا دهشيرى، وفرشته معبودى، ارزیابی راهبرد جمهوری اسلامی ایران درقبال بحران یمن، فصلية "سیاست های راهبردی وکلان"، العدد 19، 1396شـ، ص 153.
- المرجع السابق، ص 154.
- المرجع السابق، ص 154- 155.
- آزاده بابایینژاد، باب المندب؛ ضروری برای ایران یا عربستان (باب المندب ضرورة لإيران أم السعودية؟)، صحيفة شرق، 2 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2023)، https://www.magiran.com/article/3781622
- حميد رضا شیرزاد نشلی وآخرون (1399)، تحلیل روابط ایران وعربستان در منطقه غرب آسیا (مطالعه موردی یمن)، (تحليل العلاقات بين إيران والجزيرة العربية في منطقة غرب آسيا (دراسة حالة اليمن)) ، فصلية "علوم سیاسی"، العدد 52 ،1399 ش، ص 10-16.
- سمیعی اصفهانی، وآخرون ژئوپليتيک هويت و تأثير آن بر راهبرد امنيتی ايران و عربستان در بحران يمن (جيوسياسية الهوية وأثرها على الإستراتيجية الأمنية لإيران والسعودية في أزمة اليمن)، فصلية "پژوهشهای سیاسی جهان اسلام"، العدد 2،1394 ش ص 17-20.
- رضا التيام نيا وآخرون، (1395 ) بحران یمن: بررسی زمینهها و اهداف مداخلات خارجی عربستان و امریکا (أزمة اليمن: دراسة سياقات وأهداف التدخلات الأجنبية من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة)، فصلية "پژوهش هاى راهبردى سیاست" العدد 18، 1395شـ، ص 187- 189.
- روح الله تیموری وآخرون، تقابل سیاست خارجی ایران و عربستان در بحران یمن با روش سازه انگارانه، (مقارنة السياسة الخارجية لإيران والسعودية في أزمة اليمن بالمنهج البنائي)، مطالعات بیداری اسلامی، العدد 10، 1395 ش، ص 82-98.
- قالیباف در نطق پیش از دستور: امروز ثابت شده که پشت حمله داعش به مجلس سرویسهای اطلاعاتی آمریکا، اسرائیل و برخی کشورهای منطقه بودند (قاليباف: لقد ثبت لدينا اليوم أن أجهزة استخبارات أميركا وإسرائيل وبعض دول المنطقة هي من تقف وراء هجوم داعش على البرلمان)، وكالة أنباء إيرنا الإيرانية، 7 يونيو/حزيران 2020،(تاريخ الدخول: 29 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/40xJ1YR
- مروری بر حادثه تروریستی رژه خونین ۳۱ شهریور ۹۷ اهواز (قراءة في الحادثة الإرهابية الدموية خلال العرض العسكري يوم 31 شهريور عام 1397 في الأهواز)، الوكالة الإيرانية الرسمية للأنباء، 22 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 29 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/3ZPte6R
- السعودية تقول: دعم إيران للهجوم على أرامكو "لا يمكن دحضه" وتعرض أسلحة، وكالة أنباء رويترز، 18 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2023)، https://reut.rs/42Wnf2K