يملك حزب الحركة القومية الآن سلطة قرار ما إن كانت البلاد ستشهد ولادة حكومة جديدة خلال الأيام القليلة المقبلة، أو تذهب إلى انتخابات مبكرة (أسوشيتد برس) |
ملخص وبسبب تعقيدات التقارب مع حزب الشعوب الديمقراطي لصلته بحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيًّا، اتجه الحزب إلى خيار تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري؛ لكن حجم الخلافات بين الحزبين كبيرة، على صعيد السياسة الداخلية والخارجية؛ مما أدَّى إلى إعلان فشل المفاوضات، خاصة بسبب ملفي التعليم والسياسة الخارجية. وبعد إعلان فشل المباحثات مع الشعب الجمهوري، طلب داود أوغلو موعدًا للقاء رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، الذي وافق مباشرة على اللقاء؛ حيث يُفترض عقد اجتماع بين الطرفين بعد ظهر الاثنين 17 أغسطس/آب؛ ويُتوقع أن يطرح داود أوغلو على بهشلي من جديد مقترح تشكيل حكومة ائتلافية من الحزبين، أو أن يتعهد حزب الحركة القومية بدعم حكومة أقلية من العدالة والتنمية، سواء لأربع سنوات أو أقل من ذلك. وإن وافق بهشلي على أيٍّ من المقترحين، فستُشكَّل حكومة تركية جديدة، تتمتع بأغلبية برلمانية، قبل نهاية مهلة الخمسة وأربعين يومًا الدستورية في 23 أغسطس/آب. ويملك حزب الحركة القومية الآن سلطة قرار ما إن كانت البلاد ستشهد ولادة حكومة جديدة خلال الأيام القليلة المقبلة، أو تذهب إلى انتخابات مبكرة في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. |
بعد لقاء قصير نسبيًّا، يوم الخميس 13 أغسطس/آب، جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس حزب العدالة والتنمية، د. أحمد داود أوغلو، ورئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كاليشدار أوغلو، خرج داود أوغلو متحدثًا إلى الشعب التركي في مؤتمر صحفي حاشد ليعلن فشل مباحثات تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزبين. كان الجميع يدرك، بعد مباحثات ماراثونية استمرت لعدة أسابيع بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، أن لقاء الخميس سيكون حاسمًا. قبله بثلاثة أيام، التقى داود أوغلو وكاليشدار أوغلو لأكثر من أربع ساعات، في محاولة لجسر الهوة التي برزت في لقاءات وفدي الحزبين المفاوضين، واتفقا على العودة للِّقاء بعد اطلاع مجلسي قيادة حزبيهما على الموقف التفاوضي واتخاذ القرار النهائي. الواضح الآن أن جسر الهوة لم يكن ممكنًا.
خلال ساعات، هبطت الليرة التركية لأدنى مستوى لها منذ أكثر من عشر سنوات مقابل الدولار الأميركي، كما هبط مؤشر الأسهم التركية بصورة ملموسة. وساد البلادَ مناخ ثقيل من الأزمة السياسية. فلماذا فشلت مفاوضات الحكومة الائتلافية، التي كانت بدأت، بل واستمرت لبعض الوقت، وسط مناخ تفاؤلي إلى حدٍّ كبير؟ وإلى أين تذهب تركيا الآن في أزمة تشكيل الحكومة المنشودة، المستمرة منذ انتخابات 7 يونيو/حزيران الماضي البرلمانية؟
بروز خيار الحكومة الائتلافية
عرفت تركيا الجمهورية 20 حكومة ائتلافية في تاريخها، عاش أطولها عمرًا ثلاث سنوات ونصف السنة. آخر هذه الحكومات الائتلافية كان في 1999، عندما فشل حزب اليسار الديمقراطي برئاسة بولنت إيجيفيت في الحصول على أغلبية تؤهله للحكم منفردًا. ولكن لجوء تركيا الجمهورية لهذا العدد الكبير نسبيًّا من الحكومات الائتلافية لا يعني أن ميراث هذه الحكومات كان إيجابيًّا ويدعو إلى الاطمئنان. الحقيقة، أن حكومات تركيا الائتلافية كانت في أغلبيتها العظمى غير مستقرة، ولم تعكس صورة حسنة للحكم الرشيد؛ وجرَّ بعضٌ منها البلاد إلى أزمات اقتصادية وأزمات سياسية أكثر تعقيدًا، أو لتدخل الجيش في الحكم.
ما ولَّد خيار الحكومة الائتلافية هذه المرة، بعد ما يقارب من 13 عامًا من الاستقرار السياسي تحت إدارة العدالة والتنمية، كان فشل الأخير غير المتوقع في تحقيق أغلبية كافية في انتخابات 7 يونيو/حزيران الماضي البرلمانية، تؤهله للعودة إلى الحكم منفردًا. حصل العدالة والتنمية على 41 بالمائة من الأصوات، أعطته 258 مقعدًا في البرلمان الجديد، أي أقل بـ 18 مقعدًا عن الأغلبية البرلمانية؛ بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على 25 بالمائة من الأصوات (132 مقعدًا)، وحزب الحركة القومية على 17 بالمائة من الأصوات (80 مقعدًا)، وحزب الشعوب الديمقراطي، القومي-كردي التوجه، على 13 بالمائة من الأصوات (80 مقعدًا).
والواضح، أن الشعب التركي أراد بهذه النتيجة توجيه رسالة لحزب العدالة والتنمية، الذي بدا خلال الحملة الانتخابية واثقًا من الفوز، وأن قادته وكوادره اعتادوا الفوز بأقل التكاليف. ولكن المتغير الرئيس في هذه الانتخابات كان نجاح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في دخول البرلمان بقائمة حزبية للمرة الأولى، بعد تجاوزه حاجز العشرة بالمائة الحرج من أصوات الناخبين. وبدخول الشعوب الديمقراطي البرلمان بثمانين مقعدًا، بات من الصعب على العدالة والتنمية الحصول على أكثر من نصف مقاعد المجلس الوطني الكبير. ويُعتقد أن هذا النجاح المدوي للشعوب الديمقراطي لم يتحقق بأصوات الناخبين الأكراد ذوي التوجه القومي وحسب، ولكن أيضًا بأصوات الكثير من غير الأكراد، الذين استهدفوا منع العدالة والتنمية من الحصول على أغلبية برلمانية، لا تؤهله للحكم منفردًا وحسب، بل وتسمح له وضع دستور جديد، يتضمن تغيير نظام الحكم إلى نظام رئاسي.
مهما كان الأمر، فبصفته رئيس الحزب صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر، تسلَّم د. أحمد داود أوغلو في 9 يوليو/تموز تكليفًا من رئيس الجمهورية، الطيب أردوغان، بتشكيل الحكومة؛ وذلك بعد أن قام أعضاء البرلمان الجديد بقَسَم العضوية، وتم انتخاب رئيس البرلمان وفريق مكتب الرئاسة. وطبقًا للدستور التركي، تستمر مهلة تشكيل الحكومة 45 يومًا، فإن فشلت جهود الطرف المكلَّف في تقديم حكومة تتمتع بأغلبية كافية للبرلمان، يقوم رئيس الجمهورية بدعوة البلاد إلى انتخابات برلمانية جديدة خلال 90 يومًا. بمعنى، أن مهلة تشكيل الحكومة الجديدة تنتهي يوم 23 أغسطس/آب الحالي.
لماذا أخفقت محاولة تشكيل حكومة ائتلافية؟
بدأ داود أوغلو جهود تشكيل حكومة ائتلافية بالتقاء قادة الأحزاب الثلاثة الأخرى الممثلة في البرلمان. وبالنظر إلى أن الصلات التي تربط الشعوب الديمقراطي مع حزب العمال الكردستاني، المصنَّف إرهابيًّا، وموقف الشعوب الديمقراطي غير الواضح من عملية السلام الكردية ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني، لم يكن خيار تشكيل حكومة ائتلافية مع الشعوب الديمقراطي مطروحًا من البداية.
من جهة أخرى، وبالرغم من أن حجم الخلافات بين برنامجي العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية ليس كبيرًا، فإن المسألة الكردية تحتل موقعًا مركزيًّا في تصور حزب الحركة القومية لتركيا ومستقبلها. يعارض الحزب عملية السلام الكردية والمفاوضات التي أجرتها حكومة العدالة والتنمية مع القادة الأكراد، بما في ذلك عبد الله أوجلان، ويطالب بإيقاف العملية برمتها والعمل على إيقاع هزيمة ساحقة "بالإرهابيين والانفصاليين الأكراد". وهذا ما جعل لقاء زعيمي الحزبين، العدالة والتنمية والحركة القومية، قصيرًا. أعرب الأخير عن عدم رغبته في الدخول في حكومة ائتلافية، ولم يُخفِ رغبته في عقد انتخابات برلمانية جديدة، يأمل القوميون الأتراك في أن تؤدي إلى خروج حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من البرلمان.
لم يتبق إذن إلا خيار تشكيل حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري؛ ولكن الواقع أن حجم الخلافات بين الحزبين كبيرة، سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية. شكَّل الحزبان وفدين لإجراء مباحثات تفصيلية حول السياسات العامة لحكومة ائتلافية محتملة وللسياسة الخارجية. وبالرغم من أن جلسات الوفدين جرت في أجواء تفاؤلية واتسمت برغبة كبيرة في التقارب، كما تشير مصادر من الجانبين، وهو ما أكده داود أوغلو في مؤتمر إعلان فشل المفاوضات الصحفي، إلى أن ملفي التعليم والسياسة الخارجية كانا الأكثر تباينًا في تصوري الطرفين. طالب الشعب الجمهوري بأن يُمنح حقيبة التعليم في الحكومة المحتملة، وأكَّد عزمه إجراء تغيير جذري في بنية العملية التعليمية وفي مناهج التعليم؛ كما طالب بتغيير جذري في سياسة تركيا تجاه سوريا ومصر وإسرائيل، وبانسحاب تركي من الشرق الأوسط لصالح تواجد أكبر في أوروبا.
من وجهة نظر العدالة والتنمية، بدا الافتراق بين موقفي الحزبين من الاتساع بمكان يصعب معه تشكيل حكومة ائتلافية مستقرة؛ وهو ما دفع داود أوغلو لطرح فكرة حكومة ائتلافية قصيرة العمر على زعيم حزب الشعب الجمهوري. رفْض الأخير لهذه الفكرة كان ما أدَّى إلى إعلان فشل مباحثات الحزبين في 13 أغسطس/آب، وتوكيد داود أوغلو في اليوم التالي على أن ليس ثمة أرضية للعودة إلى جولة جديدة من المفاوضات مع الشعب الجمهوري.
عامل أردوغان
بيد أن تفسير الأخير لفشل المفاوضات كان مختلفًا؛ فسواء في تصريحات لزعيم الحزب، كمال كاليشدار أوغلو، أو قيادات أخرى في الحزب، حمَّل الشعب الجمهوري الرئيس طيب أردوغان المسؤولية الأكبر عن فشل المفاوضات مع العدالة والتنمية. من وجهة نظر الشعب الجمهوري، لم يزل أردوغان يمارس نفوذًا كبيرًا في صفوف العدالة والتنمية، وهو بالتأكيد لا يريد حكومة ائتلافية في البلاد، لأن مثل هذه الحكومة ستضع حدًّا للدور فوق الدستوري الذي يلعبه في تقرير توجهات البلاد؛ وأن فرصة أردوغان الوحيدة للاستمرار في ممارسة هذا الدور، أو حتى إحياء مشروع وضع دستور جديد وتغيير نظام الحكم في البلاد، هو انتخابات جديدة، يأمل أردوغان في أنها ستمنح العدالة والتنمية الأغلبية التي فقدها في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، وعودته بالتالي للحكم منفردًا. ويقول الشعب الجمهوري، ووسائل الإعلام الليبرالية-العلمانية التي تؤيده: إن أردوغان شجَّع على التصعيد المفاجئ في المواجهة مع حزب العمال الكردستاني، داخل تركيا وفي الجانب العراقي من الحدود، باعتبارها إحدى وسائل استعادة الأرضية الشعبية التي فقدها العدالة والتنمية.
الحقيقة، أن رئيس الجمهورية لم يُخفِ، سيما في دوائره الخاصة، رغبته في أن تنتهي البلاد إلى انتخابات برلمانية جديدة. وبالرغم من أن انطباعًا ساد في البداية بأن نتائج انتخابات يونيو/حزيران الماضي أقنعت الرئيس بنسيان فكرة تغيير نظام الحكم، يقول مقربون من أردوغان: إن هذه النتائج لم تزده إلا اقتناعًا بضرورة انتقال البلاد إلى النظام الرئاسي. يرى أردوغان أن النظام الرئاسي الأكثر ملاءمة لهذه المرحلة من تاريخ الجمهورية والجدار الواقي من انحدار البلاد إلى هوة عدم الاستقرار، كمثل تلك التي صنعتها نتائج الانتخابات الأخيرة. وقد عاد أردوغان إلى الإشارة، للمرة الأولى منذ انتخابات يونيو/حزيران، إلى النظام الرئاسي في الكلمة التي ألقاها أثناء افتتاح مسجد القبلة الشهير بمدينة رايزه يوم الخميس 14 أغسطس/آب.
بيد أن المؤكد أن المفاوضات بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري كانت في طريقها إلى الفشل، بغضِّ النظر عن نفوذ أردوغان داخل العدالة والتنمية وعن رغبته في الذهاب إلى انتخابات مبكرة. المسألة لم تكن في تباين خلفيتي الحزبين الأيديولوجية والثقافية وحسب، بل وفي الطبيعة الاستراتيجية لملفات الخلاف الرئيسية. بالنسبة للعدالة والتنمية، يُعتبر النظام التعليمي الذي أسَّس له قانون 2011 واحدًا من أكبر إنجازات حكومة الحزب وأعماله الإصلاحية، وبالرغم من قبول العدالة والتنمية لفكرة إجراء إصلاحات إضافية عليه، فإن إخضاعه لتغيير بنيوي يعني تخلي الحزب عن واحد من أهم تصوراته لمستقبل تركيا وشعبها. كما أن أحدًا في العدالة والتنمية لا يمكن أن يقبل بما يطالب به الشعب الجمهوري من انقلاب استراتيجي في سياسة تركيا الخارجية، سيما في سوريا، أو في الساحة شرق الأوسطية ككل.
الأزمة الحكومية إلى أين؟
في مؤتمره الصحفي، لم يتحدث داود أوغلو عن الانتخابات المبكرة بصورة قاطعة وحاسمة، بل طرحها كمجرد احتمال وحسب. وسائل الإعلام التركية الصاخبة كانت مَنْ سارع إلى الإشارة إلى الانتخابات باعتبارها المسار الحتمي بعد فشل المباحثات بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري. الحقيقة، أن أمام تركيا الآن مسارين رئيسيين: محاولة أخرى لتشكيل حكومة، سواء حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية، وانتخابات مبكرة؛ كما أن مسار الانتخابات المبكرة يتفرع هو الآخر إلى خيارين رئيسيين.
مباشرة بعد إعلان فشل المباحثات مع الشعب الجمهوري، طلب داود أوغلو موعدًا للقاء رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، الذي وافق مباشرة على اللقاء. والمفترض أن يُعقد الاجتماع بين الطرفين بعد ظهر الاثنين 17 أغسطس/آب؛ والمتوقع أن يطرح داود أوغلو على بهشلي من جديد مقترح تشكيل حكومة ائتلافية من الحزبين، أو أن يتعهد حزب الحركة القومية بدعم حكومة أقلية من العدالة والتنمية، سواء لأربع سنوات أو أقل من ذلك. إن وافق بهشلي على أيٍّ من المقترحين، فستُشكَّل حكومة تركية جديدة، تتمتع بأغلبية برلمانية، قبل نهاية مهلة الخمسة وأربعين يومًا الدستورية في 23 أغسطس/ آب.
ولكن، في حال رفض بهشلي المقترحين معًا، فسيطلب داود أوغلو دعم حزب الحركة القومية للعدالة والتنمية في سعيه لأن يقوم البرلمان، وليس رئيس الجمهورية، في إقرار الذهاب إلى انتخابات مبكرة. الفرق بين أن يقرر البرلمان أو رئيس الجمهورية الانتخابات المبكرة مهم، ومهم بصورة خاصة لحزب الحركة القومية. إن تُركت البلاد بلا حكومة حتى نهاية المهلة الدستورية، فسيكون على رئيس الجمهورية دعوة البلاد إلى الانتخابات خلال تسعين يومًا، على أن يتفق رئيس الجمهورية مع رئيس البرلمان على تشكيل حكومة من كل الأحزاب الممثلة برلمانيًا، تُمثَّل فيها بنسبة وزنها البرلماني، كحكومة تصريف أعمال، تقود البلاد حتى الانتخابات. في هذه الحالة، لابد أن يُمثَّل حزب الشعوب الديمقراطي في حكومة تصريف الأعمال؛ وهو الأمر الذي يرفضه بشدة حزب الحركة القومية، إلى الدرجة التي أعلن فيها أنه لن يقبل مطلقًا مشاركة القوميين الأكراد في أي تشكيل حكومي.
أمَّا في حال كان قرار الانتخابات برلمانيًّا، فيمكن أن تستمر حكومة داود أوغلو، بدعم من حزب الحركة القومية، في تصريف الأعمال والإشراف على الانتخابات، بدون الحاجة إلى حكومة جديدة. كما أن بالإمكان أن تُعقد الانتخابات، بعد موافقة اللجنة العليا للانتخابات، خلال فترة أقصر من تسعين يومًا، مثل النصف الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
توقعات
بمعنى من المعاني، يملك حزب الحركة القومية الآن سلطة قرار ما إن كانت البلاد ستشهد ولادة حكومة جديدة خلال الأيام القليلة المقبلة، أو تذهب إلى انتخابات مبكرة في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وسيكون الأسبوع الثالث من أغسطس/آب حاسمًا في تحديد أيٍّ من هذه المسارات، أولًا: لأن داود أوغلو وبهشلي سيلتقيان يوم الاثنين 17 أغسطس/آب، وثانيًا: لأن البرلمان سيُدعى للاجتماع في اليوم التالي أو الذي يليه.
السؤال الآن هو ما إذا كانت انتخابات مبكرة ستُغيِّر كثيرًا في أوزان الأحزاب البرلمانية، وتفتح المجال لحل عقدة الأغلبية البرلمانية المفتقدة لحزب العدالة والتنمية؟ يشير بعض استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخرًا إلى أن العدالة والتنمية سيحصل على ما يزيد على 44 بالمئة من الأصوات بقليل إن أُجريت الانتخابات الآن، وهو ما سيؤهله للحصول على أغلبية برلمانية صغيرة، ولكن كافية لتشكيل الحكومة منفردًا. ولكن الانتخابات، بالطبع، لن تُعقد الآن، واستطلاعات الرأي لا توفر دائمًا مؤشرًا يمكن الاطمئنان إليه لتوجهات الرأي العام في الأنظمة الديمقراطية.
من يقولون: إن الانتخابات المبكرة ستصب لصالح العدالة والتنمية يشيرون إلى أن الناخب التركي أراد توجيه رسالة تحذير للعدالة والتنمية، ولكن الرسالة جاءت ثقيلة، وأن الناخب بات قلقًا من حالة عدم الاستقرار ومن انفجار العنف من جديد في الصراع مع حزب العمال الكردستاني. ولذا، فالأرجح أن نسبة ملموسة ممن صوَّتوا لحزب الشعوب الديمقراطي، وبعضًا ممن هجر العدالة والتنمية لصالح حزب الحركة القومية، سيعود للتصويت للعدالة والتنمية.
بيد أن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن الانتخابات المبكرة هي الخيار الأفضل في كل الأحوال؛ فحتى إن لم تنتهِ الانتخابات إلى توفير أغلبية برلمانية كافية للعدالة والتنمية أو أي حزب آخر، فستؤكد لكافة الأطراف أن مستقبل الحكم في البلاد سيكون منذ اليوم مستقبلًا ائتلافيًّا، وأن على الأحزاب أن تتخلَّى عن المناورات السياسية في مفاوضاتها مع بعضها البعض، وتعمل بجدية كاملة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية.