سوريا:هل يمهِّد تنامي الحراك السياسي لتموضعات جديدة إقليميًّا ودوليًّا؟

تنامى الحراك السياسي حول الملف السوري بالآونة الأخيرة، بسبب متغيرات ميدانية وسياسية لجهة تقدم المعارضة وتآكل قوة النظام، وسيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة، مما أفرز فرصًا ومخاطر انعكست على أطراف الصراع إقليميًّا ودوليًّا. لكنها لم تسفر حتى اللحظة عن تحولات ملموسة في مواقف الأطراف الرئيسة للأزمة.
201581974448997734_20.jpg
تنامى الحراك السياسي حول الملف السوري بالآونة الأخيرة، بسبب متغيرات ميدانية وسياسية (الفرنسية)

ملخص
أثارت مكاسب المعارضة المسلحة على حساب النظام في شمال البلاد خاصة، مخاوف روسيا والولايات المتحدة من احتمال حصول انهيارات كبرى في جبهة النظام. ودفع ذلك موسكو للعودة إلى مقاربة الحل السياسي درءًا لخطر تمدد "تنظيم الدولة"، ووقف تآكل قوة النظام وصولًا إلى نقطة الانكسار.

من جهته كثَّف الرئيس أوباما دعواته وإشاراته لإيران من أجل التعاون في تسوية الأزمة السورية ليثبت لخصومه الجمهوريين أن الاتفاق النووي يسهم في تعديل سلوك الإيرانيين، ويدفعهم إلى التعاون في تسوية أزمات المنطقة.

وبموازاة التصعيد العسكري في الزبداني، أعادت طهران طرح مبادرتها السياسية التي رفضتها المعارضة، وسارع النظام إلى قبولها لأنها تكرِّس بقاءه، كما دخلت تركيا بشكل مباشر على خط الصراع في مسعى لحماية مصالحها شمال سوريا، ونجحت في انتزاع موافقة أميركية على إنشاء منطقة خالية من تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب الكردية، يمكن أن تتطور في مرحلة تالية إلى منطقة آمنة شمال سوريا.

مقدمة

بعد جمود استمر نحو 18 شهرًا، أي منذ فشل مؤتمر جنيف 2، الذي عُقد في يناير/كانون الثاني-فبراير/شباط 2014، في تحقيق أية نتائج لإيجاد تسوية سياسية يدعو إليها -نظريًّا على الأقل- جميع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالصراع في سوريا، عاد الحراك السياسي بكثافة إلى الملف السوري خلال الأسابيع القليلة الماضية. وقد شمل ذلك الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في الدوحة بين وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة الأميركية والسعودية في الثالث من شهر أغسطس/آب الجاري، ودخول إيران على الخط بإعادة إطلاق مبادرتها المعدَّلة في اليوم التالي لاجتماع الدوحة الثلاثي. ثم الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى موسكو بعد ذلك بأسبوع، استكمالًا لجولات الحوار الروسي-السعودي الذي بدأ باللقاء الذي جمع الأمير محمد بن سلمان بالرئيس بوتين في سانت بطرسبرغ في شهر يونيو/حزيران الماضي.

وكان قد سبق زيارةَ الجبير إلى موسكو إعلان الرياض أنها استقبلت وفدًا من النظام السوري بوساطة روسية، فيما كان المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا يطرح تصوره للحل خلال الإيجاز الذي قدَّمه لمجلس الأمن أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، بعد مشاورات طويلة أجراها في جنيف بين مختلف أطراف الأزمة.

ويرجع استئناف الحركة الدبلوماسية النشطة على خط الأزمة السورية إلى مجموعة متغيرات ميدانية وسياسية طرأت في الآونة الأخيرة، وأفرزت جملة من الفرص والمخاطر، أخذت تبرز باطِّراد مع استمرار الأزمة وتعقدها، وانعكست على أطراف الصراع في الإقليم وعلى المستوى الدولي، ما أطلق هذه الحركة الدبلوماسية النشطة، وإن لم تسفر حتى الآن عن تحولات ملموسة في مواقف الأطراف الرئيسة للأزمة، أو حصول تقدم باتجاه الحل السياسي.

إعادة تموضع روسي-أميركي، أم مراوحة في المكان؟

أدت المكاسب التي حققتها قوات المعارضة المسلحة السورية على حساب النظام في شمال البلاد خاصة، وكان آخرها السيطرة على كافة مناطق "شرق العاصي" في سهل الغاب بريف حماه، والاقتراب من حاضنة النظام وقاعدة دعمه الاجتماعية الأكثر صلابة في الساحل، إلى إثارة مخاوف روسيا والولايات المتحدة على السواء من احتمال حصول انهيارات كبرى في جبهة النظام. وقد دفعت هذه التطورات موسكو للعودة إلى مقاربة الحل السياسي على أساس بيان جنيف الصادر في 30 يونيو/حزيران 2012، بعد أن ظلَّت تراهن على حسم عسكري لصالح النظام طوال عام 2014، بعد تعثر علاقاتها بالغرب بسبب أوكرانيا. كما شكَّلت سيطرة "تنظيم الدولة" على مساحات واسعة من شمال سوريا وشرقها واقترابه من حواضر كبرى مثل حمص ودمشق، بعد استيلائه على مدينة تدمر الأثرية وسط البلاد في شهر مايو/أيار الماضي، حافزًا جديدًا للتحرك لمواجهة احتمال انهيار النظام في دمشق وسيطرة تنظيمات متطرفة على مقاليد الأمور.

لكن التوجه الروسي للبحث عن حلٍّ سياسي وفق بيان جنيف لدرء خطر تمدد "تنظيم الدولة"، ووقف تآكل قوة النظام وصولًا إلى نقطة الانكسار، جاء من منطلق الحفاظ على موقع بشار الأسد في معادلة الحل، وليس التخلي عنه، باعتبار أن ذهابه يؤدي حتمًا إلى انهيار النظام وسيادة الفوضى وتمدد الإرهاب والتطرف. ومن هذا المنطلق اقترحت موسكو إنشاء تحالف واسع يجمع الأضداد ويضم السعودية ونظام الأسد إلى جانب تركيا والأردن لمواجهة "تنظيم الدولة"(1). وفي حين بدت الفكرة غير منطقية حينها، حتى من طرف النظام السوري الذي قال: إنها تتطلب معجزة لتحقيقها(2)، إلا أن موسكو لم تتأخر في محاولة ترجمتها، فتوسطت لعقد لقاء جمع وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك في جدة في السابع من شهر يوليو/تموز الماضي(3).

حاولت موسكو الاستفادة من التقارب الذي بدأ مع السعودية، بعد أن سمحت -بامتناعها عن التصويت- بتمرير قرار مجلس الأمن رقم 2216 الخاص باليمن، والذي شكَّل ضربة للسياسة الإيرانية في المنطقة، بإحداث اختراق في الموقف السعودي من الأزمة السورية، لكن محاولاتها لم تنجح، كما دلَّت نتائج زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الأخيرة إلى موسكو؛ إذ رفض الجبير المبادرة الروسية وأكَّد أن بلاده لن تشارك "في أي تحالف ضد الإرهاب تكون السلطة السورية جزءًا منه"، مشيرًا إلى أن "قوات الأسد ساعدت في تعزيز مواقع تنظيم «داعش» لأنه وجَّهت سلاحها نحو شعبها ونحو المعارضة المعتدلة"(4). وتكرر الموقف نفسه عندما أعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طرح فكرة إنشاء تحالف لمواجهة الإرهاب بين نظام بشار الأسد وقوى المعارضة خلال زيارة وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى موسكو منتصف شهر أغسطس/آب الجاري؛ الأمر الذي رفضه الائتلاف بدوره(5).

أمَّا واشنطن، التي تشارك موسكو مخاوفها من انهيار النظام السوري وسقوط مناطق سيطرته بيد "تنظيم الدولة"، وجماعات جهادية أخرى، فهي وإن زادت من انخراطها عسكريًّا في الصراع السوري بعد التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران بشأن برنامجها النووي، إلا أنها حافظت على الحذَر الذي طبع سياستها تجاه سوريا منذ بداية الأزمة. فبعد الإعلان عن الاتفاق النووي توصلت واشنطن إلى تفاهم مع أنقرة، وافقت بموجبه على طلب تركيا إنشاء منطقة خالية من تنظيم الدولة وممنوعة على قوات الحماية الكردية في شمال غرب سوريا في مقابل السماح للولايات المتحدة باستخدام المجال الجوي التركي والقواعد العسكرية التركية في الحرب على تنظيم الدولة. ورغم أن الاتفاق النووي مع إيران تحول إلى وثيقة قانونية دولية بعد أن صدر بقرار من مجلس الأمن حمل الرقم 2231، ما زالت المخاوف حول قدرة الكونغرس على تعطيل الاتفاق مع إيران تتحكم بسلوك إدارة الرئيس أوباما تجاه مزيد من الانخراط المباشر في المسألة السورية. لذلك، ورغم إعلان واشنطن التزامها بحماية عناصر المعارضة السورية الذين يخضعون لبرامج تدريبية أميركية من هجمات قد تقوم بها ضدهم قوات النظام السوري، إلا أنه جرى التأكيد مرارًا على أن هذه الحماية ستكون حصرًا في إطار دفاعي وليس هجوميًّا(6). من جهة أخرى، وفي محاولة لتقليل معارضة الكونغرس للاتفاق النووي، أخذ الرئيس أوباما يكثِّف من دعواته وإشاراته لإيران من أجل التعاون في تسوية الأزمة السورية كي يثبت لخصومه الجمهوريين أن الاتفاق النووي يسهم في تعديل سلوك الإيرانيين ويدفعهم إلى التعاون في تسوية أزمات المنطقة، وهو ما يفسِّر قول أوباما: إنه "لمس تغيرًا في الموقف الإيراني... الأمر الذي قد يسرِّع الحل السياسي للأزمة السورية"(7).

سباق إيراني-تركي على الأرض السورية

بموازاة تنامي القلق الروسي من تآكل قدرات النظام على الصمود ميدانيًّا، أخذت طهران تدرك، خاصة بعد عاصفة الحزم، أن حلفاء المعارضة السورية لا ينقصهم التصميم على مواجهة تمددها في الإقليم، وأن قدرة نظام الأسد على استعادة السيطرة على المناطق التي فقدها في أنحاء البلاد غدت صعبة جدًّا إن لم تعد مستحيلة. ومع اقتراب المعارضة من معاقل النظام في الساحل باتت حتى فكرة تأمين المنطقة التي أصبحت تُعرف إعلاميًّا باسم "سوريا المفيدة"، وتشمل: دمشق، وحمص، والساحل، موضع تساؤل. وإزاء هذا الواقع المستجد بدأ التحرك الإيراني على مسارين: الأول عسكري، يهدف إلى "تأمين سوريا المفيدة" في مقابل الاستغناء عن المناطق التي يصعب الدفاع عنها أو تتطلب موارد كبيرة للدفاع عنها، خاصة في الشمال. وقد تبدَّت ملامح هذه الاستراتيجية بوضوح في تصريحات الرئيس بشار الأسد الأخيرة، عندما أكَّد أن جيشه لم يعد، بعد نحو أربع سنوات من القتال قادرًا على الاحتفاظ بجزء كبير من الأراضي السورية(8). ومن هذا الاتجاه أخذت إيران وحلفاؤها على الأرض -خاصة حزب الله- تبذل كل ما في وسعها لانتزاع السيطرة على مدينة الزبداني الاستراتيجية المحاذية للحدود مع لبنان. وتُعد الزبداني المدينة الكبيرة الأخيرة التي تسيطر عليها قوات المعارضة في مناطق القلمون، ويعد انتزاع السيطرة عليها حيويًّا لتأمين استمرار التواصل بين مناطق سيطرة النظام في دمشق ومحيطها، والأراضي اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله. من جهة أخرى، تهدف الحملة على الزبداني إلى "تنظيف" سوريا المفيدة من كل مظاهر المعارضة المسلحة وتحويلها إلى منطقة مؤمَّنة بالكامل تحت سيطرة إيران وحلفائها، وذلك استباقًا لأي تحولات في مسار الصراع، أو حتى اتجاه سوريا نحو التقسيم (de facto partition).

بموازاة التصعيد العسكري في الزبداني، أعادت طهران طرح مبادرتها التي سبق وأطلقتها في أكتوبر/تشرين الأول 2012 لحل الأزمة كبديل عن مسيرة جنيف التي لم تكن إيران جزءًا منها ولم تقبل يومًا بها، وتنص المبادرة المعدلة على وقف شامل لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديل الدستور بما يكفل حماية حقوق الأقليات، والدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية برعاية دولية. وفيما سارع النظام إلى القبول بمبادرة حليفه لأنها تكرس بقاءه، ولا تتحدث حتى عن تقليص صلاحياته، كما كانت عليه الحال عند طرح المبادرة الأصلية(9)، رفضت المعارضة المبادرة واعتبرتها محاولة للالتفاف على مرجعية العملية التفاوضية، وهي بيان جنيف الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة(10).

بموازاة التحرك الإيراني جنوبًا، دخلت تركيا بشكل مباشر على خط الصراع في مسعى لحماية مصالحها في الشمال السوري، ومستفيدة من الحاجة الأميركية المتزايدة لاستخدام المجال الجوي التركي والقواعد العسكرية التركية في الحرب المتعثرة ضد تنظيم الدولة. ونجحت تركيا في انتزاع موافقة أميركية على إنشاء منطقة خالية من تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب الكردية، يمكن أن تتطور في مرحلة تالية إلى منطقة آمنة في شمال سوريا. وتمتد المنطقة المستهدفة على مسافة 100 كم عرضًا وبعمق 50 كم داخل الأراضي السورية، وتبدأ من جرابلس على نهر الفرات باتجاه مدينة أعزاز الاستراتيجية غربًا.

وأرادت تركيا من هذه المنطقة -أولًا- تفويت الفرصة على حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) -وهو النسخة السورية لحزب العمال الكردستاني (PKK)- لتحقيق تواصل جغرافي بين مناطق الإدارة الذاتية الكردية الثلاث التي أنشأها في مناطق الجزيرة في أقصى شمال شرق سوريا، وعين العرب في الشمال، وعفرين في الشمال الغربي، بما يسمح بإقامة كانتون كردي على امتداد الحدود السورية-التركية. وثانيًا: سعت أنقرة إلى إبعاد تنظيم الدولة عن حدودها الجنوبية ومنعه من انتزاع المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية "المعتدلة"، ونقاط عبورها مع تركيا خاصة في منطقة أعزاز. وثالثًا: تأمين مقر آمن لعمل الحكومة السورية المؤقتة في الداخل السوري والمساعدة في حل مشكلة اللاجئين السوريين في مرحلة لاحقة.

سيناريوهات تطور جهود حل الأزمة السورية

شكَّلت الوقائع الميدانية على الأرض، لجهة تقدم فصائل المعارضة والتآكل المستمر في قوة النظام، وسيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من سوريا، والتطورات السياسية التي شملت التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، والتفاهم التركي-الأميركي حول المنطقة الخالية والذي حوَّل تركيا إلى طرف مباشر في الصراع، وسعي إيران إلى حماية مناطق نفوذها في سوريا، فضلًا عن محاولة موسكو استثمار تقاربها المستجد مع السعودية، شكَّلت كلها بيئة جديدة دفعت مختلف الأطراف إلى محاولة استشكاف فرص تسوية الأزمة السورية. لكن عوامل نجاح هذه الجهود، كما دلَّت التحركات الأخيرة ما زالت غير متوافرة بالكامل، وتكتنفها صعوبات كثيرة.

إن تعدد أطراف الأزمة وتشابكها والحاجة إلى تحقيق توافق على أكثر من مستوى من مستويات الصراع، يضع المسألة السورية في المدى المنظور أمام أحد الاحتمالات التالية: 

  1. أن تدفع المخاطر التي باتت تشكِّلها الأزمة السورية على الأمن الإقليمي والدولي، بما في ذلك احتمال انهيار سوريا أو ذهابها إلى الفوضى أو سيطرة جماعات متشددة عليها، الأطرافَ الإقليميةَ والدولية المعنية بالأزمة (الولايات المتحدة-روسيا-السعودية-تركيا-إيران) إلى التوصل إلى رؤية مشتركة لحل الصراع تجبر أطراف الصراع من السوريين على الرضوخ لمتطلبات تسوية يحصل فيها كل طرف على جزء من مطالبه، وتحفظ لسوريا وحدتها واستمرارها. ورغم أن جميع الأطراف يبدو مدركًا لخطورة استمرار الصراع، إلا أن تحقق هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا في المرحلة الراهنة لعدم القدرة على تجاوز عقدة بشار الأسد وتضارب مصالح مختلف الأطراف ورؤيتهم للحل بين من يرى أن ذهاب الأسد يعد شرطًا لازمًا لتوحيد الجهود لمواجهة الجماعات المتطرفة والجهادية والحفاظ على استمرارية الدولة السورية وما تبقى من مؤسساتها (السعودية وتركيا) وبين من يعتبر أن ذهابه سوف يؤدي حتمًا إلى انهيار النظام وحلول الفوضى وتفشي الإرهاب والتطرف (روسيا وإيران). من جهة أخرى، ما زالت قدرة القوى الخارجية على التأثير على سلوك حلفائها السوريين على الأرض لم تُختبر بعد، خاصة أن للفصائل المسلحة اعتباراتها الداخلية وحساباتها المحلية التي ينبغي أخذها في الحسبان، فضلًا عن أن التشابكات الشديدة، الإقليمية والدولية، في المسألة السورية تترك للأطراف السورية على الأرض هامش مناورة ليس بالقليل. 
  2. أن تفشل الأطراف الإقليمية والدولية في التوصل إلى توافق يؤدي إلى تسوية سياسية، لتذهب الأمور نحو مزيد من التصعيد العسكري لكسر معادلة "لا حلَّ سياسيًّا ولا حسمَ عسكريًّا" التي سادت خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد عبَّر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بوضوح عن إمكانية الذهاب بهذا الاتجاه، حين قال: إنه لا يوجد في سوريا "سوى خيارين ممكنيْن لا ثالث لهما: إمَّا عملية سياسية وانتقال سلمي للسلطة وصولًا إلى سوريا جديدة دون الأسد، وإلا فالخيار الآخر عسكري ينتهي بهزيمة الأسد"(11). لكن الحسم العسكري الذي تحدَّث عنه الجبير تحول دونه إرادات ومصالح قوى كبرى وإقليمية، فضلًا عن أن أثمانه ستكون كبيرة على سوريا ومكلفة جدًّا لشعبها. 
  3. أن يستمر الصراع ويصبح مزمنًا، مع إصرار جميع الأطراف على التمسك بمواقفها المعلنة، لكن دون حدوث تغيرات كبيرة على جبهات القتال، بسبب الافتقار إلى الموارد وظهور قناعة عامة بعدم قدرة أي طرف على الحسم. في هذه الحالة سوف تستقر خطوط التماس وترتسم معالم مناطق نفوذ تعتمد كليًّا على ما يتوفر من دعم خارجي يكون في الحدِّ الذي يمنع الهزيمة لكنه لا يتيح النصر. وفي هذا السيناريو قد ينجح النظام وحلفاؤه في انتزاع الزبداني من المعارضة، في مقابل التخلي عن مناطق أقل أهمية بالنسبة إليهم في الشمال، مثل حلب. وهو ما يعني أن منطقة كبيرة في الشمال ستصبح خاضعة لفصائل المعارضة "المعتدلة" وتحظى بحماية تركية، في مقابل نشوء كيان ترعاه إيران يضم دمشق وحمص والساحل، فيما يتقاسم تنظيم الدولة والأكراد وفصائل أخرى بقية المناطق.

ورغم أن هذا السيناريو هو الأرجح في ظل المعطيات الراهنة، إلا أن تكلفته ستكون كبيرة ليس فقط على السوريين، وإنما على عموم المنطقة، لأنه يعني تحويل سوريا إلى ثقب أسود كبير يمتص طاقاتها ومواردها، ويحوِّل الصراع فيها إلى حرب استنزاف لقدرات الجميع. أمَّا عالميًّا، فالثمن سيكون في تحمل تحوُّل سوريا إلى مصنع لإنتاج التطرف والتيارات الجهادية ذات النزعات الأممية.
____________________________
المصادر
1- موسكو تسعى لجمع دمشق والرياض في تحالف ضد "داعش"، روسيا اليوم، 29 يونيو/حزيران 2015، الرابط:
 http://arabic.rt.com/news/787116-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%85/
2-  "معجزة" بوتين الشرق أوسطية، روسيا اليوم، 29 يونيو/حزيران 2015، الرابط:
 http://arabic.rt.com/news/787179-%D9%85%D8%B9%D8%AC%D8%B2%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9/
3- مبادرة السعودية في "اللقاء المعجزة": انتخابات رئاسية سورية بإشراف دولي، الحياة، 8 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://alhayat.com/Articles/10458486/%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A--%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AC%D8%B2%D8%A9--%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A5%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A
4- توافق روسي-سعودي... وتقارب لا تعرقله "عقدة الأسد"، الحياة، 12 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.alhayat.com/Articles/10528964/%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%82-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A---%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A----%D9%88%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%82%D9%84%D9%87--%D8%B9%D9%82%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-
5- خوجة يرفض المبادرة الروسية ويؤكد شرط رحيل الأسد، العربي الجديد 13 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/8/13/%D8%AE%D9%88%D8%AC%D8%A9-%D9%8A%D9%83%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-%D9%88%D9%8A%D8%A4%D9%83%D8%AF-%D8%B4%D8%B1%D8%B7-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF
6- "منطقة آمنة" من الفرات إلى مارع... والحماية الأميركية "ضد أي هجوم وفي أي مكان"، الحياة، 5 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://alhayat.com/Articles/10398229/-%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A2%D9%85%D9%86%D8%A9--%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B9----%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9--%D8%B6%D8%AF-%D8%A3%D9%8A-%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D9%88%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86-
7- أوباما يرى بارقة أمل لـ"إزاحة" الأسد، صحيفة الحياة، 8 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.alhayat.com/Articles/10458493/%D8%A3%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%B1%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%84-%D9%84%D9%80--%D8%A5%D8%B2%D8%A7%D8%AD%D8%A9--%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF
8- الأسد ينقل قواته إلى مناطق "يريد أن يتمسك بها"، الحياة 27 يوليو/تموز 2015، الرابط: http://www.alhayat.com/Articles/10226220/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%8A%D9%86%D9%82%D9%84-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B7%D9%82--%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A3%D9%86-%D9%8A%D8%AA%D9%85%D8%B3%D9%83-%D8%A8%D9%87%D8%A7
9-  المعلم: ندعم مبادرة إيران المعدلة لحل أزمة سوريا، الجزيرة نت، 5 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/8/4/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%86%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
10-  معارضون سوريون: المبادرة الإيرانية مرفوضة، ولا بقاء للأسد، العربي الجديد، 12 أغسطس/آب، الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/8/11/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D9%88%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%B6%D8%A9-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF
11- "الجبير: الأسد له أن يخرج سياسيًّا وإلا فعسكريًّا"، ميدل إيست أونلاين، 8 أغسطس/آب 2015، الرابط: http://middle-east-online.com/?id=205321