القدرات العسكرية للحوثيين
بعد استيلاء الحوثيين على السلطة، عام 2014، آلت إليهم أسلحة ثقيلة من معسكرات الجيش اليمني في محافظة صنعاء وبعض المحافظات الأخرى، ثم توسعوا في امتلاك أسلحة من مختلف الأنواع؛ خاصة منظومات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة والألغام الأرضية والبحرية..، في أعقاب تخلصهم من حليفهم، الرئيس علي عبد الله صالح، عام 2017، واستمالتهم للعديد من قادة الجيش الموالين له في المناطق التي خضعت لسيطرتهم. كل ذلك يضاف إلى ما غنموه في حروبهم الستة التي خاضوها ضد الجيش اليمني خلال الفترة من 2004 إلى 2010.
وعلى مدى 9 سنوات (2014-2023) عمل الحوثيون على زيادة هذه الأسلحة كمًّا ونوعًا بمساعدة إيران وحزب الله اللبناني في إطار التحالف الذي يربط بينهم. وأصبح من أميز ما في ترسانتهم العسكرية الطائرات المسيرة بعيدة المدى، القادرة على حمل متفجرات تصل إلى 50 كيلوغرامًا للطائرة الواحدة منها، فضلًا عن الصواريخ الباليستية ذات الأمدية المختلفة، والتي يصل بعضها إلى 1800 – 2000 كلم، وباستطاعة الصاروخ الواحد منها حمل رأس متفجِّر يزن ما بين 500 إلى 2000 كيلوغرام؛ أي باستطاعته الوصول إلى منطقة إيلات وما حولها في جنوب إسرائيل، والتي تبعد عن أقرب نقطة في شمال اليمن 1800 كلم. وتعتبر تلك المنطقة من الأماكن الحيوية في إسرائيل لاحتوائها على ميناء ومناطق صناعية وعسكرية وتجمعات سكانية وفنادق سياحية.
ومع تطوير القدرات العسكرية للحوثيين وامتلاكهم الخبرة القتالية أصبح بإمكانهم إصابة الأهداف التي يحددونها بدقة، وقد حدث هذا غير مرة أثناء استهدافهم العمق السعودي والإماراتي بطائرات مسيَّرة بعيدة المدى وبصواريخ باليستية، فأصابوا مطار الملك خالد الدولي في الرياض، وقاعدة جازان جنوب المملكة، ومطار أبها جنوب غرب المملكة، بالإضافة إلى منشآت نفطية في بقيق وهجرة خُرَيص في المنطقة الشرقية. وكذلك حينما وجهوها صوب قاعدة الظَفرة الجوية جنوب غرب أبو ظبي في الإمارات، وباتجاه بعض السفن السعودية في البحر الأحمر.
التحديات الداخلية والخارجية
تحظى القضية الفلسطينية بإجماع اليمنيين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، وتتلقى دعمًا رسميًّا وشعبيًّا منذ عقود. وقد شهدت المدن اليمنية تظاهرات شعبية كبيرة تأييدًا لعملية "طوفان الأقصى" ورفضًا للعدوان الإسرائيلي على غزة، وتشير تصريحات القادة الحوثيين إلى استعدادهم الاشتراك في المعركة الدائرة "إن تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء"، بحسب زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي. ولعل فيما أعلنته إسرائيل والولايات المتحدة عن اعتراض صواريخ ومسيَّرات انطلقت من الأراضي اليمنية باتجاه إسرائيل، يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وسقوط بعض شظاياها على مدينتي طابا ونويبع المصريتين، ما يؤشر إلى شيء من هذا الاستعداد. وقد أعلن المتحدث العسكري باسم أنصار الله، أن القوات التابعة لأنصار الله قامت بثلاث عمليات ضد أهداف إسرائيلية منذ بدء عملية طوفان الأقصى، آخرها أمس، 31 أكتوبر/تشرين الأول، التي أطلقوا فيها مجموعة من الصواريخ الباليستية قالت إسرائيل إنها اعترضها وأسقطتها. وبحسب القناة "14" الإسرائيلية: فإن من شأن "الهجوم الصاروخي الذي كان في طريقه إلى إسرائيل واعترضه الأميركيون [يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول]، إحداث أضرار ودمار كبير في إيلات"، وإنه كان "أكبر بكثير مما يتصوره الجمهور"، لأن تلك الصواريخ مزودة "برؤوس حربية يبلغ وزنها التراكمي 1.6 طن، وأن 4 صواريخ منها زنة كل واحد 410 كيلوغرام، وكانت تستهدف، على ما يبدو، منطقة الفنادق في إيلات، التي تمتلئ هذه الأيام بالنازحين من الجنوب، أو منشآت إستراتيجية في ميناء إيلات، مما كان سيتسبب في كارثة جماعية".
الاحتمالات
يستخلص المراقب من ذلك أن لدى جماعة أنصار الله القدرات العسكرية والعزيمة القتالية للاشتراك في عملية "طوفان الأقصى"، وأنها قد اشتركت بالفعل "اشتراكًا محدودًا" في تلك العملية حتى الآن، على غرار ما يفعله حزب الله وبعض الفصائل المتحالفة مع إيران في سوريا والعراق، ضمن ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة، لكنَّ قرارَ أنصار الله توسعة تلك المشاركة لا يزال لم يُتخذ بعد، وذلك لأنهم يرغبون في الاحتفاظ بقدراتهم العسكرية والقتالية على حالها من أجل الحصول على مكاسب سياسية أكبر في المفاوضات الجارية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية من جهة، وللتعامل مع أي تصعيد عسكري محتمل من قبل السعودية والإمارات، راهنًا ومستقبلًا، من جهة ثانية.