إشكالية التعامل مع التراث بين التغريب والتأصيل: محمد أركون وطه عبد الرحمن نموذجًا

تتساءل هذه الدراسة عن أسباب تعدد وتنوع منهاجيات تناول التراث العربي والإسلامي من مفكر لآخر، وتحاول أن تجيب عن هذا التساؤل بدراسة قراءة التراث عند اثنين من المفكرين العرب المشهورين هما محمد أركون وطه عبد الرحمن، فتبحث في نقاط الاتفاق وأوجه الاختلاف بينهما، والإضافات المنهجية والمعرفية التي أضافاها لقراءة التراث والتعامل مع إشكالاته.
(الجزيرة)

مقدمة

يعد التراث من أهم المفاهيم والقضايا التي انشغل بها الفكر العربي الحديث والمعاصر منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وما يزال النقاش حوله مستمرًا، من خلال طرح مفاهيمه ومصطلحاته الإجرائية، ورصد قضاياه الفكرية والمنهجية، وإبراز إشكالياته؛ رؤيةً وموضوعًا ومِنْهَاجًا. ويتمظهر ذلك بشكل واضح في مختلف حقول العلوم الإنسانية ومجالات المعرفة الأدبية والفنية والفكرية؛ نظرا لأهميته في بناء الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة معرفيًا وفكريًا وتصوريًا، ولدوره في الحفاظ على الهوية والذات. وقد تعددت وتباينت قراءات التراث بتعدد قارئيه وتعدد آليات وأدوات ومناهج وغايات قراءته. وعلى الرغم من تعدد القراءات والمقاربات المنهجية في التعامل مع التراث العربي الإسلامي، فإن كل قراءة منهجية تبقى نسبية، تحمل في طياتها نقاطًا إيجابية من ناحية وسلبية من ناحية أخرى، وتحوي أيضا في منظومتها الفكرية والنظرية والتطبيقية أبعادًا إيديولوجيةً مختلفةً، ومقاصد مرجعية متباينة.

هدف الدراسة

تهدف الدراسة إلى رصد وتقييم الجهود المنهجية والمعرفية المتعلقة بالتراث والتي قَدمت مقاربات تحاول من خلالها تجاوز التأخر التاريخي للعالم الإسلامي، وأهم الإشكالات المنهجية التي تقف حائلاً دون تجديد التراث وآليات تفعيله وذلك من خلال تحليل قراءات اثنين من المفكرين العرب هما محمد أركون وطه عبد الرحمن اللذين تعرضا لموضوع التراث بمنهاجيات مختلفة.

أهمية الدراسة

تنبع أهمية الدراسة من ضرورة الوقوف على الأسس المعرفية المؤسسة للقراءات المختلفة للتراث، ومدى إضافتها أو إسهامها في الواقع الثقافي بتشابكه وتعقده، بما يمهد أو يفتح السبيل نحو وعي نقدي عربي يتجاوز حالة الاستهلاك المستمر إلى الإسهام في الإنتاج المعرفي. وتكمن الأهمية كذلك في تحليل كيفية تناول محمد أركون وطه عبد الرحمن للقراءة التي قدماها للتراث، وذلك بإبراز مواقفهما منه، والوقوف على الأدوات النقدية والبنائية التي توسلا بها في هذه القراءة، لا سيما وأن ثمة ندرة في الأبحاث الأكاديمية التي تعرضت لهما وبخاصة لفكر طه عبد الرحمن ومشروعه التجديدي.

إشكالية الدراسة

تكمن إشكالية الدراسة في الموقف التأويلي من التراث، وبحث إشكال مقاربته تغريبًا وتأصيلًا، ومن ثَمَ يدور السؤال الرئيس للدراسة حول: لماذا تتعدد وتتنوع منهاجيات التناول للتراث من مفكر لآخر، وكيف يمكن تفسير اختلاف قراءة محمد أركون للتراث عن قراءة طه عبد الرحمن؟

ويتفرع عن هذا التساؤل عدد من التساؤلات على النحو التالي:

  1.  ما المداخل والمنطلقات التأسيسية للقراءات المعاصرة للتراث العربي الإسلامي، سواءً تلك التي تقوم بالوصل معه أو بالقطع معه معرفيًا ومنهاجيًا؟،
  2. ما معالم القراءة التغريبية/الأركونية والتأصيلية/الطاهوية للتراث؟،
  3. ما الخلفيات والسياقات الفكرية التي أثرت علي المقاربة الأركونية والطاهائية للتراث؟،
  4. ما الإضافات التـي قـدمتها المقاربتان الأركونية والطاهائية لإشكال التراث من حيـث المقاربـات المنهجيـة والكشوفات المعرفية؟،
  5. ما الجهود النقدية الموجهة للقراءة الأركونية والطاهائية للتراث؟،
  6. ما نقاط التماس والالتقاء وبؤر الاختلاف بين القراءة الأركونية والطاهوية للتراث؟.

فرضيات الدراسة

تسعى الدراسة للتثبت من الفرضيات التالية:

  •  ثمة أثر كبير لمنهاجيات النقد الغربي (المنهج التفكيكي والنقد الثقافي والبنيوي والسيميائي...إلخ) على منهاجيات تناول التراث العربي الإسلامي.
  •  للمتغيرات الزمكانية وتحديات العصر من جهة وعلاقة النقد العربي المعاصر بالنقد الغربي من جهة أخرى أثر كبير على القراءتين الأركونية والطاهاوية، بحيث تأتي هذه القراءات كاستجابة نوعية لتلك المتغيرات.
  •  ثمة علاقة بين القراءة الأركونية (التغريبية) والقراءة الطاهوية (التأصيلية) للتراث وقصدية الحداثة الإسلامية، بمعنى أن كلًا من القراءة الأركونية والطاهوية تهدف إلى الوصول لحداثة إسلامية وإن اختلفت منطلقاتهم التأسيسية وآلياتهم المنهاجية.

الخاتمة

هناك أكثر من نقطة تماس وبؤرة صراع بين أركون وطه عبد الرحمن، يمكن الوقوف عليها بالحفر والتنقيب في مشروعهما على خلفية تعاملهما مع إشكالية التراث:

أولًا: في دلالة التراث

 اشتغل كلا المفكريّن (أركون وطه) على مفهوم التراث لكنهما افترقا في الدلالة التي أعطاها كل منهما للمفهوم وذلك لاختلاف المنطلقات الفكرية لكل منهما، واختلاف مستويات معالجة المفهوم، واختلاف المنهاجيات والآليات التي جرى تشغيلها على المفهوم. فالتراث لدى أركون ينصرف إلى "مجموعة متراكمة ومتلاحقة من العصور والحقب الزمنية. إن هذه القرون المتطاولة متراتبة بعضها فوق البعض الآخر كطبقات الأرض الجيولوجية أو الأركيولوجية، وللتوصل إلى الطبقات العميقة، أي القرون التأسيسية الأولى، لا بد من اختراق الطبقات السطحية الأولى والوسطى(1). هذه المقاربة الأركونية السوسيو-تاريخية للمفهوم جعلت أركون يتناوله على ثلاثة مستويات: مستوى التراث بما هو نص مقدس (أي الوحي: قرآن وسنة)، ومستوى التراث الذي يعني العادات والتقاليد، والتراث الذي هو التراث الإسلامي الكلي أو السنة الشاملة كما سماها أركون، في محاولة منه لتجاوز ما اصطلح عليه بـ"التراث المبتور" الخاص بكل فئة أو مذهب بحيث يتقوقع فيه صاحب كل مذهب داخل مذهبه وينتهي إلى دوغمائية مفرطة.

وهذه المقاربة الأركونية للمفهوم جعلته يستدعي شبكة مفاهيمية معقدة كمفاهيم (الوحي، والأسطورة/الميثي، والخطاب الشفهي، والخطاب المكتوب، والعادات، والتقاليد...) كما استدعت هذه المقاربة عدة منهاجية تفكيكية، بحيث داخل أركون بين المفهوم والمنهج إلى حد التماهي، فلا تكاد تعثر على دلالة للمفهوم مفارقة لأركيولوجية الحفر فيه، وهو ما يجعل أي باحث لا يقف أمام تعدد دلالي للمفهوم بل أمام مفهوم مشّكَل في ذاته يصعب تبيَّنَ تضاريسه كما يصعب الإحاطة بدلالة جامعة مانعة له. 

هذه المقاربة الأركونية لمفهوم التراث تفارق المقاربة الطاهائية لذات المفهوم، والذي يعد بنظر طه "جملة المضامين والوسائل الخطابية والسلوكية التي تحدد الوجود الكسبي أو الإنتاجي للإنسان المسلم العربي، على مقتضى قيم مخصوصة، بقي بعضها على حال الاعتبار وصار بعضها إلى حال الإلغاء، سواء أكان طموحًا إلى الترقي أو وقوعا في التردي(2). هذا التحديد الطاهائي لدلالة التراث وإن اشترك مع المقاربة الأركونية في المزاوجة بين المنحى الدلالي والآلي في مقاربة التراث إلا أنه فارقه في وجوه، أولها: يتعلق بالمنحى الدلالي، فالنص/التراث بنظر طه لا يتعلق بالخطاب النظري أي بالأقوال فحسب، بل يتعداه إلى الدلالة على السلوك العملي أي الأفعال "فالفعل نص كما أن القول نص، إلا أن الأول نص سلوكي، والثاني نص خطابي"(3)، الثاني: يتعلق بالمنحى الآلي فبينما توسل أركون بعدة منهاجية غربية وآليات منقولة، توسل طه بأدوات منهاجية تراثية، إذ كان المقتضي المنهاجي لدى طه يتمثل في طلب معرفة التراث ذاته "أي طلب التمكن من وسائله والتحقق من مضامينه"(4)، لا طلب عقلنته ولا تحديثه.

الوجه الثالث من أوجه المفارقة بين أركون وطه يتعلق بالإطار المضموني للتراث، ففي الوقت الذي اتفق فيه أركون وطه عبد الرحمن على تضمين "الوحي" ضمن دلالة التراث فإنهما اختلفا في فلسفة هذا التضمين، حيث أراد أركون من هذا التضمين النقد ومن ثم القطع أو التجاوز، إذ اعتبرت القراءة الأركونية النص القرآني جزءًا من التراث الذي يخضع للقراءة النقدية، لإعادة  كتابة تاريخه، بمعنى أن القرآن ليس أكثر من نص تشكَّل تاريخيًا ضمن شروط معينة كغيره من النصوص التي يحفل بها الموروث الفكري للحضارة الإسلامية، مثله في ذلك مثل الشعر الجاهلي أو الشعر العباسي أو غيرهما من منتجات الفكر الإنساني عبر العصور المختلفة. في حين أراد طه من تضمين الوحي داخل التراث الوصل والتأصيل، فدلالة التراث لدى طه تنصرف إلى الوحي (قرآن وسنة) واجتهادات المسلمين بحسب المعنى الموسع للتراث، أو هو قاصر على اجتهادات المسلمين بحسب المعنى الضيق للتراث، وقد قيد طه الرجوع للتراث بدلالته الموسعة (أي التي تجعل الوحي جزءًا من التراث) رجوع استمداد لا رجوع نقد وتجاوز(5).

ثانيًا: التداخل النصاني والمعرفي بين التراث الإسلامي والتراثات الأخرى

يُعد التناص واحدًا من المفاهيم النقدية الحديثة، ورغم تعدد تعريفاته وتنوعها، إلا أن جِماع هذه التعريفات تنصرف إلى معنى العلائقية والتداخل والتشرّب والتلاقح بين النص الأصلي (المعني بالتحليل) والنصوص الأخرى، بحيث يتضمن النص الأصلي أفكارًا أو نصوصًا أخرى سابقة عليه، سواءً بالاقتباس، أو التلميح، أو الإشارة، أو الإحالة، أو التوارد، أو المحاكاة، بحيث ينتهي النص الأصلي إلى بنية حوارية مع نصوص أخرى تنداح فيه وينفتح عليها بقدر انفتاح رؤية صاحب النص(6).

وتحضر هذه الفكرة بوضوح في المقاربة الأركونية، بحيث يتداخل القرآن والنصوص الأخرى التي سبقته ولا يقتصر هذا التداخل بين النص القرآني والتوراة والأناجيل فحسب، باعتبارهما المجموعتان النصيتان اللتان تتمتعان بحضور كثيف في القرآن كما يرى أركون، ولكنها تشمل أيضًا الذاكرات الجماعية الدينية الثقافية للشرق الأوسط القديم(7). ولعل مبعث هذا التداخل لدى أركون توظيفه للحوليات الفرنسية وتحديدًا مصطلح "المدة الطويلة" لـ"فيرنان بردويل"، وكذلك توظيفه لمفهوم "الأسطورة" أو "الميثي"، فالقرآن لدى أركون كما الأناجيل والتوراة ليست إلا مجازات عالية وذات بنية أسطورية، ما دامت تحوي عناصر ميثية رمزية تحمل على الدافعية والإبداع وتدفع إلي التغيير الاجتماعي وتضيف إلي حركة التاريخ، وتِؤجج الصراع من خلال ما يلعبه الرمز الميثي في صياغة نماذج مثالية في السلوك، أو التصور، فالبطولات التاريخية التي يصنعها الصحابة والأشكال التي تحمل دلالات رمزية في الإيثار، والتقشف، والحب اللامحدود للرسول، والصور الخيالية للتضحية، والتفاني،كلها أشكال تخلق دافعية عجيبة في النفس لا يمكن أن يصنعها إلا مخيال غارق في الرمزية، فالإنسان عند أركون لا تحركه فقط الحوافر المادية، والاقتصادية، وإنما تسيره أيضًا الصور الخيالية، فكثيرًا ما يبتهج الناس ويخرجون إلى الشارع لمجرد أن شخصا قد ضرب على وتر المخيال الاجتماعي(8).

في المقابل لم تتطرق المقاربة الطاهائية للتراث لفكرة التداخل النصاني بين التراثات الدينية، لكن سيحضر لديها ضربان من التداخل يتفق أحدهما جزئيًا مع مقاربة أركون، ويتمثل في التداخل الخارجي، الذي يأتي بمعنى التلاقح بين الثقافات والحضارت وإن ظل "طه" يجعل مجال التداول العربي الإسلامي ومقتضياته (المعرفية، واللغوية، والعقدية) ضابطًا لهذا التلاقح والتداخل الخارجي بين المعارف الإسلامية والمعارف الآخرى المنقولة. أما الضرب الثاني من التداخل فإنه يفترق مع مقاربة أركون للتداخل بين علوم التراث، ويتمثل في التداخل الداخلي للتراث، والذي يتعلق بدائرة العلوم التراثية المأصولة (حديث، وتفسير، وفقه، وعلوم الكلام، والتصوف...) فيما بينها، ورأى "طه"في هذا الضرب من التداخل مظهرًا من مظاهر الشمول والتكاملية في الممارسة التراثية، وجاء هذا التداخل بنظر طه على درجتين، درجة التراتب والتي تجسدت في التصانيف التي تركها فلاسفة وعلماء الإسلام والتي جاءت عن قناعة تامة لديهم بتقارب وتشابه هذه المعارف، ومن ثم ضرورة ترتيبها في تصانيف، لإبراز علاقات هذا التشابه والتقارب. والدرجة الثانية لهذا التداخل تتمثل في التفاعل بين العلوم والمعارف الإسلامية، فالمباحث الكلامية تتفاعل مع المباحث اللغوية، والبلاغية، والفلسفية، كما تتفاعل المباحث المنطقية مع المباحث اللغوية والأصولية، وهكذا(8). وأيًّا تكن مظاهر هذا التداخل بين علوم التراث الذي يقترحه "طه"، فإنه غير ذا معنى لدى أركون، فكل هذه المعارف لدى أركون تشكل نظام العقل الكلاسيكي الإسلامي، أو العقل الأرثوذكسي، أو العقل السكولاستيكي، والذي تشكّلَ بعد لحظة القرآن* مباشرة وامتد حتى القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي فيما أطلق عليه أركون "الظاهرة الإسلامية" والتي جاءت بنظر أركون لتهتم "فقط بالجانب التقديسي من الظاهرة القرآنية، لكي تستغله من أجل خلع التقديس، والروحانية، والتعالي، والأنطولوجيا، والأسطرة، والأدلجة على كل التركيبات العقائدية، وكل القوانين التشريعية والأخلاقية والثقافية، وكل أنظمة المشروعية التي أنشأها الفاعلون الاجتماعيون أي البشر" (9)، ومن ثم انتهت هذه المدونات المكتوبة بنظر أركون إلى عقل إسلامي دوغمائي، ينبغي تشغيل الإسلاميات التطبيقية التي يقترحها أركون لتفكيك هذا العقل وزحزحته، ومن ثم تجاوزه مادام مرهون بإبستيمي (نظام معرفي) قروسطي تاريخي تم تجاوزه.

ثالثًا: سؤال المنهج في مقاربة التراث لدى أركون وطه

احتل هذا التساؤل مكانًا مركزيًا في كلا المقاربتن، بل يمكن اختزال المقاربة الأركونية والطاهائية في التراث في سؤال المنهج، فمشكلة التراث لدى كلا المفكرين تكاد تدور حول منهاجية التعامل معه واستدعائه وآليات تفعيله أو تفكيكه ثم زحزحته وتجاوزه – كما لدى أركون - أو على النقيض إثبات جدارته وأهليته للحضور ومن ثم تحقيق راهنية الذات العربية الإسلامية بحسب المقاربة الطاهائية.

فالمقاربة الأركونية وظفت شبكة منهاجية في مقاربتها للتراث، إن على مستوى نصوصه التأسيسية (القرآن، والسنة، أو كلام الأئمة لدى الشيعة) أو على مستوى طبقات التراث المتراكمة، أو حتى على مستوى العقل الذي أنتجها، وذلك عبر عملية غربلة/تفكيك متعددة الجوانب، فطبق أركون مناهج علم الألسنيات الحديثة، وعلم التاريخ الحديث، وعلم الاجتماع، وعلم النفس التاريخي، وعلم الإنثربولوجيا، وعلوم الأديان المقارنة، وصهر هذه المنهاجيات بوتقة سماها "الإسلاميات التطبيقية". والتي تعد في حقيقتها خلاصة لأبرز ما طوره الفكر الغربي في مجال علوم الإنسان والمجتمع، واللغة، إذ أن مناهج هذه العلوم بنظر أركون قد أثمرت غربًا وجاءت بنتائج فكرية مرضية، فلم لا يتم استثمارها شرقًا أيضًا، طالما أن شهادة فاعليتها مضمونة الجودة؟. وربما يصعب فصل سؤال المنهج في المقاربة الأركونية للتراث عن رهان المعنى أو أثاره بعيدًا عن المطلقات، فالغاية التي يرنو إليها أركون من توظيفه لهذه العدة المنهاجية تتمثل في المراهنة على آثار المعنى، حيث تتيح هذه العدة اﻟﻣﻧﻬﺟﻳﺔ اﻟﺣدﻳﺛﺔ عبر أﺷﻛﻠتها للأﻧظﻣﺔ اﻟﻔﻛرﻳﺔ واﻟﺧطﺎﺑﺎت واﻟﻧﺻوص اﻟدﻳﻧﻳﺔ وﻏﻳر اﻟدﻳﻧﻳﺔ ﻓَﻬمﻛﻳﻔﻳﺔ إﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌﻧﻰ وآﺛﺎراﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﻲﻫذﻩ اﻷﻧظﻣﺔ واﻟﺧطﺎﺑﺎت الخاصة بالفكر الإسلامي عمومًا، ولعل ذلك ما جعل حفريات أركون في العقل الإسلامي المنتج للتراث التأويلي أو التفسيري تشكك معرفيًا في زعم امتلاك أصحاب الخطاب الديني للحقيقة والمعنى المكتملين في الدين والنص المقدس(11).

في المقابل تأتي المقاربة الطاهائية في التراث على مستوى المنهج لتقلب ما طرحه أركون رأسًا على عقب، فالمنهاجيات الغربية وإن توصلت لنتائج في تراثها الأصلي، فإنها لا تتناسب وخصوصية تراثنا العربي الإسلامي بنظر طه عبد الرحمن، إذ لابد من استمداد منهاجية التعامل مع التراث من التراث ذاته، بدلًا من التعسف المنهاجي الذي يحاكم التراث بأدوات إنتاج تراث آخر، أو يحاكمه بأدوات لم تنتج مضمونه، فالأداة الناجعة بنظر "طه" والتي تحوز صفة العلمية هي تلك التي تثمر نتائج تتوافق مع مقصد النص، وعمليات الربط بين التراث والمعاصرة من خلال توظيف أدوات غربية على تنوعها لم تتمكن بنظر "طه" من الوقوف على المقاصد والمبادئ * التي تتحكم في التراث وتشكل روحه، ومن ثم لم تتمكن من التواصل معه واستئناف عطائه وعصرنته(12). وقد وضع طه شرط "الملائمة" كضابط للإفادة من المنهاجيات الغربية الحديثة، واعتمد في تقويمه للتراث منهاجية سماها تكاملية بعد نقده للقراءات التجزيئية والتي جزأت بنظره التراث وتعاملت معه بانتقائية، يقول: "نقول نحن بالتداخلية والتكاملية بين العلوم، ويقول خصمنا بالتقاطعية والتفاضلية في علوم التراث"، فالقراءات الحداثية بنظر طه جزأت التراث إلى جزر متباعدة وتعاملت معه بانتقائية وأخضعته لإكراهات منهاجية لم تخرج منه ولا تتلاءم كذلك مع خصوصيته المعرفية ولا مجاله التداولي، من ثم تنتهي إلى نتائج غير موثوقة، وهذا ما جعل طه يراهن على آليات تنبع من داخل التراث ذاته من دون أن يتجاهل منجزات الحداثة المعرفية لقراءة التراث قراءة إبداعية بعيدًا عن القراءات الاتباعية التغريبية(13). وقد رأى طه أن "المناظرة" من أنجع الأدوات التي خلفتها الممارسة التراثية والتي يمكن استثمارها في تطوير التراث. والجدير بالملاحظة أن كلا المقاربتن (الأركونية والطاهائية) قد اتفقتا على أهمية وجدوى "المناظرة" في الممارسة التراثية كونها استخدمت كوسيلة من وسائل تنمية المعرفة. فـ"المناظرة" بنظر أركون وظفت كآلية ناجعة لتنمية المعارف التراثية في عصر الإسلام الذهبي، حيث جرت مناظرات ومناقشات في الصالونات الفلسفية والأدبية المدعوة بـ"مجالس العلم" بين خبراء مختصين في علوم مختلفة، وتابعين لمدارس فكرية متعددة، وعندئذ شهدت المناظرة أقوى وأروع تطبيقاتها العملية حتى أصبحت نوعًا أدبيًا قائمًا بذاته(14). ويكاد طه عبد الرحمن يتفق مع هذا التصور الأركوني (في اعتبار المناظرة من أفضل ما أفرزته الممارسة التراثية وأنها وظفت كوسيلة لتحصيل المعرفة)، وقد وظفها فعليًا في مؤلفه "تجديد المنهج في تقويم التراث"، حيث قراءته النقدية الحوارية للكتابات المعاصرة التي تناولت التراث، ولا سيما كتابات عابد الجابري. * وانتهى طه إلى أنه على الرغم من جدوى هذه المنهاجية ونجاعتها إلا أنها أُهملت لاحقاً "لسبب واحد هو تقليد الباحثين العرب للغرب في دراسة التراث، فلما لم تكن المناظرة عند الغرب بمثل القوة والتوسع في إنتاج المعرفة اللذين كانا لهما عند المسلمين، فإنهم لم يولوها في دراستهم التاريخية النقدية لتراثهم أهمية كبيرة، ولما جاء الدارسون العرب لتناول تراثهم، اتبعوا خطواتهم فلم يعطوا للمناظرة أية قيمة في دراستهم، مع أنها كانت تشكل وجهًا من وجوه تميز التراث، ولربما هو الوجه الذي يسهل وصله بالمعاصرة والحداثة"(15).

رابعًا: جدلية اللغة/التراث في المقاربة الأركونية والطاهائية

تتجاوز اللغة لدى كل من أركون وطه عبد الرحمن، كونها مجرد أداة للتواصل إلى كونها وعاء محملاً بروابط تصلنا بكينونتنا وتحمل إمكانات خصبة يمكن بل يلزم أن يستمد منها فكرنا أسباب النهوض. ولكن ثمة مفارقة بينهما في آلية استثمارها في إخصاب التراث، هل يُكْتَفَى بمنجزات الحداثة في مجال اللغويات واللسانيات الحديثة أم ينبغي الإفادة من تلك المنجزات والتراث النحوي العربي سواءً بسواء؟

فالمقاربة الأركونية ترى في المنجز الغربي في الحقل اللغوي ولاسيما اللسانيات والسميائيات وعلوم اللغة الحديثة أداة لتحقيق غاية النهوض في التراث، ففي الوقت الذي عجز فيه فلاسفة الإسلام عن توظيف المجاز لربط النص (القرآن) بواقعه وتقديم نظرية ملائمة للمجاز والكناية، استطاعت اللسانيات الحديثة بنظر أركون إنجاز هذه المهمة بتمييزها بين نمطين من أنماط استخدام اللغة: السرد القصصي من جهة، والخطاب من جهة أخرى. ولكل نمط معجمه اللفظي وجهازه الأدواتي ووظائفه النحوية والتركيبية(16). كما أن نظرية الإعجاز اللغوي التي عول عليها علماء الإسلام القدامى (أمثال : الباقلاني، وابن قيم الجوزية، وفخر الدين الرازي، وغيرهم)، لم تعد ذا جدوى بنظر أركون إن في ابتكار المعنى، أو في ترسيخ مادة رمزية خصبة تبدع المعنى بشكل دائم للنص القرآني بحسب ما توفره اللسانيات الحديثة، وهذا ما جعل أركون يلتجئ لنظرية النقد الأدبي لتعرية الأسس اللاهوتية التي تقوم عليها نظرية الإعجاز اللغوي منتقدًا موقف القدامى الذين قبعوا داخل نظرية الإعجاز ورفضوا كل دعوة تنفتح على المجاز. وهذه الأدبيات التبجيلية التي تشتغل تحت ظل عقل لاهوتي دوغمائي لا تزال بنظر أركون تضغط على المفكرين المسلمين حتى اليوم كأعمال مصطفى صادق، وسيد قطب، ومحمد شحرور(17).

 في المقابل تأتي المقاربة الطاهائية التي ترى في اللغة مكونًا أساسيًا من مكونات المجال التداولي العربي والإسلامي، وتكفل إمكانات النهوض للتراث، بما تمتاز به من إمكانات الإعجاز، والإيجاز، والإنجاز. وإذا كان مفهوم المجال التداولي قد شكل بؤرة أساسية في مشروع طه الفلسفي، فإن جدلية اللغة والفكر تشكل منطلقًا أساسيًا ضمن هذا المجال التداولي، فالمجال التداولي يشمل اللغة المستعملة والثوابت العقلية، وجانبًا من الممارسة المعرفية، كما أن عملية التأويل للنص هي في حقيقتها ارتياد لأفق النص اللغوي، مادام فن التأويل يبحث في شروط عملية الفهم من خلال استئنافه للعلاقة الممكنة أو الكائنة بين الفكر والوجود، ومادام فن التأويل كذلك ينحو إلى الرجوع لمقتضى الأصل، ألا وهو اللغة ذاتها، من خلال البحث في أسباب الفهم واللافهم: فالفهم لغوي واللافهم كذلك لغوي(18).

 وإن لم يكن في مقدور "طه" تجاوز المنجز الغربي في حقل اللسانيات والشوط الذي قطعته، حيث تميزت تلك المنهاجيات الحديثة بالجدة من جهة والتنوع من جهة أخرى، فإن هَمّ التأصيل الذي يكتنف المقاربة الطاهائية جعل صاحبها يرى في النحو العربي طاقة تجديدية لم تنفذ بعد يمكن استثمارها في تطوير لسانيات عربية، ويؤكد على أنه لا مسوغ لدعوى الاستغناء عنه -أي عن النحو- باللسانيات الحديثة، فالمقدرة النظرية والمنهاجية للنحاة العرب القدامى تفوق بكثير مقدرة اللغويين العرب المحدثيين. وفي المقابل لا يمكن الاستغناء بالنحو وحده والصد عن اللسانيات الحديثة، ومن ثم فلا مناص بنظر طه أمام الباحث اللغوي من الإحاطة الكافية بالنماذج النظرية اللسانية تركيبًا وتصنيفًا، وأن يحيط بالأصول النظرية المنطقية منها والرياضية التي قامت عليها هذه المناهج اللسانية، ولا يكتفي بالمحاكاة الآلية لهذه النماذج بل يجب أن يكون قادرًا على اصطناع نماذج من عنده تضاهي تلك النماذج المنقولة، ولابد أن يسبق ذلك كله بالتمرس على النحو العربي والإحاطة بأدق آلياته الوصفية والتحليلية ويتحقق من أسبابه التاريخية وشرائطه النظرية. ولا سبيل أمام الباحث اللغوي في التراث لتحقيق الإبداع ما لم يحقق تلك الشرائط التي وضعها طه للإفادة من التراث النحوي واللسانيات الحديثة(19).

خامسًا: علوم التراث في المقاربة الأركونية والطاهائية

يعد الموقف من هذه العلوم بؤرة اختلاف بين محمد أركون وطه عبد الرحمن، فبينما يرى أركون تلك العلوم وليدة إبستيمي قروسطي ينبغي تجاوزها، ما دمنا قد تجاوزنا لحظتها التاريخية، يرى طه فيها إرثًا معرفيًّا ينبغي استثماره ومد الصلة به، والاستمداد من معينه، ولعل النموذج الأبرز في هذا السياق "علم أصول الفقه"، فبينما يرى أركون في رسالة الشافعي بداية لجمود العقل العربي والإسلامي وتوكيد لدوغمائيته، إذ تضمنت رسالة الشافعي - التي تُعتبر المدونة التأسيسية والتدشينية لعلم أصول الفقه - القرآن بصفته مصدرًا صريحًا للمعايير المرتكزة على السيادة العليا الإلهية، والسنة أي السيادة العليا للنبي والإجراءات أو العمليات البشرية من أجل بلورة السيادة العليا واحترامها كالإجماع والاجتهاد وأنماطه الأساسية كالقياس، والاستحسان، والاختلاف، ومن ثم فإن العقل الإسلامي الكلاسيكي بنظر أركون قد اشتغل من خلال علم أصول الفقه على تأكيد فعاليته وفرض ديمومته في مواجهة العقول المنافسة أو المعادية له(20). ولعل هذا الموقف الأركوني من علوم التراث على النحو السابق، يأتي متأثرًا بنظرية وحدة المعرفة والسلطة لدى فوكو وروافدها المتمثلة في إرادة القوة والمعرفة كما هو لدى نيتشه، فثمة تضامن بين الفقهاء والسلطة بنظر أركون ومن ثم فإن قراءة الفقهاء للنصوص وتأويلها لا تعدو كونها استجابة لخيارات سياسية وإكراهات السلطة بعيدًا عن السعي وراء الحقيقة، وهذا ما يفرض بنظر أركون ضرورة إعادة قراءة تاريخ الإسلام وتراثه قراءة نقدية تتوقف على الهامشي واللامفكر فيه(21).

 على الجانب الآخر يرى طه عبد الرحمن إن علم الأصول يعد علمًا خالصًا للحضارة الإسلامية أنشأته إنشاءً، وضمنته أبواب نظرية ومنهجية، كعلم المناهج أو الميتودولوجيا الذي ينظر في الأدلة الشرعية ويدرس قواعد الاستنباط وقوانين الأحكام، كما يشتمل على باب الاستدلال الحجاجي، وباب فقه العلم أو الإبستمولوجيا، وباب اللغويات، وكذلك من الأبواب العملية والمضمونية التي ضمنتها الممارسة الإسلامية لعلم الأصول نجد علم الحديث وعلم التفسير وعلم القراءات وعلم الكلام(22). وعلم الأصول بنظر طه من أفضل العلوم التراثية التي يمكن الإفادة منها لاتصافها بالحداثة والتكاملية والوسلية.* وعلى خلاف ما ذهب أركون في شأن "رسالة الشافعي"  رأى طه أنها جعلت من الفقه علمًا ضابطًا للفهم، وضابطًا للاستدلال، ومسددًا للاستنباط، لأن موضوع هذا العلم هو الاستدلال على الأحكام الشرعية والأساس في الاستدلال على الأحكام الشرعية هو فهم النص، ولا يتحقق هذا الفهم إلا بالتمكن من اللغة العربية ومن علومها.[1]

سادسًا: التراث وجدل الخصوصية والكونية لدى أركون وطه عبد الرحمن

تعد الكونية أحد مرتكزات المقاربة الأركونية باستدعائها للبعد الإنسي أو الإنساني، ومحاولة تجاوز الحدود الجغرافية، والطائفية، والمذهبية، والعرقية، واللغوية، فالإنسان بنظر أركون إنسان بغض النظر عن مشروطيته السوسيولوجية، أو العرقية، أو الدينية، ومن ثم ينبغي تجاوز كل هذه المشروطيات والانعتاق من أسر الخصوصية وسياجاتها الدوغمائية إلى رحاب الكونية(24). وعلى أساس هذا البعد الإنسي والكوني جعلت المقاربة الأركونية من العلمانية خيارًا إبستمولوجيًّا لها، فالعلمانية بنظر أركون موقفًا " للروح وهي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة أو التوصل إلى الحقيقة(25)"، وهي بذلك– أي العلمانية – تفرض مواجهة تحديين، أولهما: يرتبط بكيفية التعرف على الواقع بشكل سليم وصحيح، أو كيف يمكن أن يَتَوَصّل المرء إلى معرفة تحظى بالتوافق الذهني والعقلي، وتحظى بقبول كل باحث عن الحقيقة في نفس الوقت، أما التحدي الثاني: فيتمثل في كيفية إيجاد وسيلة ملائمة لتوصيل هذه المعرفة بالواقع إلى الآخر من دون تقييد حريته. ويكفل مواجهة هذين التحديين بنظر أركون الوصول للحقيقة بما هي مسألة معرفية تخص الإنسانية جمعاء متجاوزة بذلك الإثنيات والخصوصيات الضيقة، ثقافية كانت، أوتاريخية، أو ديني(26). وفي سياق مماثل حاول أركون الخروج من أسر الخصوصية إلى فضاء الكونية باقتراح ما أطلق عليه "علم ما فوق الأخلاق"، والذي بمقتضاه يمكن تحرير الشرط البشري من "التضامنات، والفضائل، والقيم المحصورة بـ "إخواننا" في الدين فقط، أو بمواطنينا داخل أمة قومية واحدة فقط، أو بـ"رفاقنا" داخل الحزب، أو بزملائنا داخل المهن الحرفية والنقابات ...الخ"، وهذا يعني بنظر أركون الوصول إلى صيغة جديدة كونية للأخلاق تنطبق على جميع البشر من دون استثناء وبغض النظر عن أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم(27).

إذا كانت الكونية وفق المقاربة الأركونية على النحو السابق ترادف الأنسنة بحيث يجعل أركون منها غاية له، سواءً على المستوى الفلسفي النظري، أو على المستوى الأخلاقي العملي، ومن ثم يعارض بينها وبين الخصوصية، أو يرى فيهما الشيء ونقيضه، فإن المقاربة الطاهائية تحاول رفع هذا التناقض، فالخصوصية الفلسفية لدى "طه" تعد مهد الكونية الفلسفية، فالفيلسوف ينشئ فكرًا فلسفيًا يستمده من مجال تداولي خاص وفق قيم معينة وغايات مخصوصة، ولكنه يرتقي بهذا الفكر إلى رتبة تجعل تلك القيم، أو الغايات، أو المجال التداولي الذي انطلق منه مفتوحًا على القيم والمجالات الأخرى. كما تمثل الخصوصية لدى طه جسد الكونية، فالمعاني الكونية في صوغها ونقلها تلبس لباس الخصوصية، أي أنها تتكلم لغة مخصوصة، وتُنّطَقْ في مجتمع خاص ومن ثم فالكونية وفق هذا التصور عبارة عن معان تلبس لباس الخصوصيات المختلفة، والحقيقة الكونية ليست إلا مجموعة خصوصيات متضافرة فيما بينها، أو منظورات مختلفة لشيء واحد لا يمكن أن ندركه في ذاته من حيث هو مستقل عن هذه المنظورات الخاصة، وإنما ندركه من خلال هذه الخصوصيات التي تتوارد عليه(28).

سابعًا:الهوية الثقافية وثنائية شرق/غرب

تعد هذه النقطة شديدة الصلة بمسألة الخصوصية والكونية (سالفة الذكر)، فهي نقطة التقاء وبؤرة صراع في آن بين المقاربتين الأركونية والطاهائية على صعيد أشكلتهما للتراث، فكلاهما يشتركان في هَمّ الهوية ويثيرهما بصورة أو بأخرى سؤال شكيب أرسلان عن تقدم الآخر/الغرب، وتخلف الذات/العربية والإسلامية، لكنهما يختلفان في الإجابة على هذا التساؤل، وآلية تجسير الصلة بين الماضي/التراث والحاضر، ومن ثم تضييق الهوة بين الأنا والآخر*.

فالمقاربة الأركونية تحاول بناء هوية متجاوزة، تتجاوز ثنائية شرق/غرب، كما تتجاوز ثنائية الأنا/الآخر، وثنائية نحن/هم، بتبني قيم ذات طابع كوني، وإنساني، واستلهام فتوحات الحداثة الفكرية والمعرفية، وإحداث قطيعة مع الفضاء العقلي القروسطي الموروث، والفصل بين الشأنين العام والخاص وإلحاق الديـن بالشـأن الخـاص وسـحب تأثيـر مقولاتـه الموروثـة على الشـأن العـام. ومن ثم تتسـم تلك المقاربة في تناولـها لمسـألة الهويـة بكونـها تصـدر عـن تصـور ديناميـكي للهويـة، بحيث تركـز عـلى طابـع الهويـة النسـبي وبُعدهـا التغيّـري التطـوري مـن ناحيـة، وخاصيتهـا التفاعليـة العلائقيـة مـع الآخـر مـن ناحيـة أخـرى. ومن ثم فالهوية وفق هذا التصور تنبني على أنها علاقـة بالآخـر وأن الذاتيـة والآخريـة متصلتـان وتجمعهـا علاقـة جدليـة(29)، كما تتأثـر طريقـة إدراك الكائـن لذاتـه بأشـكال تفاعلـه مـع الآخـر، فالآخريـة يمكـن أن تكـون مكونـة للذاتيـة نفسـها، وذاتيـة الـذات عينهـا تحتـوي ضمنيًا علـى الغيريـة إلى درجـة حميميـة حتـى أنـه لا يعـود مـن الممكن التفكيـر في الواحـدة مـن دون الأخرى(30). وعلى هذا الأساس بنى أركون موقفه من ثنائية شرق/غرب، حيث ادعاء الانتماء لذات القاعدة الإبستمولوجية لحوض المتوسط ومن ثم ضرورة بناء أطر تواصلية، من خلال تلمس أوجه التقارب بين الرؤيتين المتصارعتين على ضفاف المتوسط، ومن ثم كسر أو تجاوز ثنائية شرق/غرب وحمولاتها الصراعية إلى رحاب الكونية والمشترك الإنساني، ومن ثم بناء هوية إنسية. وهذا ما حدا به -أركون- للدعوة إلى زحزحة المشروعية الإسلامية وتفكيكها من الداخل من أجل وضع كونيّ بديل إذ "لا يمكن للمشروعية أن تكون حقيقية أو عادلة، إلا إذا كانت نتاج العقل الحر؛ أي المستقل عن كل ولاء أو خضوع لهيئة أخرى تتجاوزه(31)" كما أن تأسيس أية مشروعية جديدة بنظر أركون يستدعي إسقاط كل المشروعيات السابقة وحذفها مُلَاحِظًا أن النظام الإسلامي لم ينتج حتى الآن أي بديل أو تعويض للمشروعيات السابقة، وهو لذلك يعتقد في ضرورة نقد العقل الإسلامي أكثر من أي وقت مضى.

 في المقابل تأتي الرؤية الطاهائية لتبني هوية ذاتية بعد تعرضها لنقد المركزية الغربية فتنشغل بـ"مشروعية الاختلاف" أيًا كان هذا الاختلاف: فلسفيًا أو فكريًا، باعتباره بمثابة حق يوجبه التنوع الثقافي والحضاري، ومن ثَم للرؤية العربية والإسلامية كما الغربية الحق في إبراز خصوصيتها وفرادتها المتمثلة في طرائق النظر للكون والإنسان. أما الذات التي تذوب تدريجيًا في ذات الآخر باقتباسها مفاهيمه وأدواته وقضاياه بغية تحديث الذات، بحيث تنتهي إلى النظر إلى الذات بعين الغير، والنظر للغير بعين الغير كذلك، هذه الذات بنظر طه تمتلك هوية مائعة أو سائلة أو مغتربة أو قلقة(31).

ثامنًا: الحداثة غاية

رغم افتراق المقاربتين الأركونية والطاهائية سواءً في المنطلقات والمنهاجيات أو في آليات تناول إشكالية التراث وخوض معركته، إلا أن غاية كل منهما تظل تنشد بلوغ أفق حداثي وإن تغايرت طرائقهما وتمايزت منهاجيتهما بل وإن افترقت دلالة الحداثة ذاتها لديهما، فبينما ركز أركون على أدواتها ومناهجها وراهن على دور الحداثة الفكرية في تجاوز أعطاب التراث والرؤية التراثية المتشددة والمنغلقة، راهن طه عبد الرحمن على "روح الحداثة" وانتقد الحداثة الغربية انتقادًا أخلاقيًا ورأى في التطبيق الغربي للحداثة (واقع الحداثة) مجرد تطبيق لا يلزمنا مماثلته، ومن ثم يحق للفكر الإسلامي أن يقدم البديل الحداثي الذي يتوافق مع مجاله التداولي وخصوصيته الحضارية وذاتيته الإسلامية.

فالمقاربة الأركونية رأت في تطبيق شبكة منهاجية حداثية "الإسلاميات التطبيقية" على تراث تراكم عبر السنيين بحيث شَكّلَ حدودًا واسعة من اللا مفكر فيه والمستحيل التفكير فيه وإمكان لبلوغ الحداثة على المستوى النظري، كما انتهت المقاربة الأركونية إلى المزاوجة بين الحداثة والعلمنة كخيار إبستمولوجي، فالعلمانية لدى أركون ضرورة فكرية للدخول إلى الحداثة، وقد تَبَنَى مقولة أن الإسلام لا يتعارض مع العلمانية معتبرًا إياها نظامًا معرفيًا وليس إجراءً قانونيًا يتمثل بفصل الدين عن الدولة أو إلغاء الدين بجوهر وجوده شأن التجربة الغربية. أما عمليًا فقد رأى أركون أن بلوغ الحداثة في الواقع الإسلامي ممكن حال تم توظيف رأس المال العربي والإسلامي لتوفير أجواء ملائمة للنهوض والإبداع عبر عقد ندوات ومؤتمرات وتمويل مراكز أبحاث معنية بالبحث في التراث لعصرنته، كما قامت بذلك الطبقة البرجوازية في القرن الرابع الهجري حيث عصر الإسلام الذهبي. كذلك كانت هناك قناعة لدى أركون بأن تحرير الفكر لا يقل أهمية عن تحرير الأرض، ولن يتسنى بنظره تحرير هذا الفكر، ومن ثم بلوغ الحداثة من دون إعادة نظم لأدوات التنشئة، وأولها المدارس الرسمية التي باتت ترسخ في الوعي ما أطلق عليه أركون بـ"الجهل المؤسس" المبني على التلقين والمسلمات والبديهيات، ومن ثم هُمِّشَ الفكر النقدي كما هُمِّشَت منجزات علوم الإنسان والمجتمع الحديثة، وحرمت هذه الأجيال من المنجزات الفكرية للحداثة. أيضًا من ضمن المقترحات العملية التي قدمها أركون لبلوغ الحداثة في الواقع الإسلامي التركز على إنثروبولوجيا الأديان، وضرورة تطبيق الدراسات المقارنة بين ديانات الوحي الثلاث أولًا، ومن ثم بينها وبين الديانات الأخرى للوقوف على الحقائق المشتركة بين هذه الديانات والوصول إلى قيم كونية أو إنسانية تزيد من أواصر المشترك الإنساني، وتخفض من التوتر والعنف، وقد سعى أركون جاهدا إلى تأسيس معهد أوربي يختص بدراسة الأديان على أساس ما تقدمه علوم الإنسان والمجتمع من مناهج ومعطيات فكرية، إلا أنه وافته المنية قبل تدشين هذا الصرح العلمي(32).

وإذا عدنا للمقاربة الطاهائية نجد أن ولوجها للتراث والحفر فيه لبلوغ الحداثة يغاير المقاربة الأركونية لاختلاف رؤية كل منهما للحداثة واختلاف أدوات وآليات حفر كل منهما في التراث، بل واختلاف الغاية من الحفر في التراث لديهما، ومن ثم اختلاف طرائق تحديث التراث لديهما، فالحداثة بنظر طه إمكانات متعددة وليست إمكانًا واحدًا، والمشهد الحداثي الغربي ذاته يقر بهذا التعدد، سواءً على مستوى الأقطار (فثمة: حداثة فرنسية، وأخرى أمريكية، وثالثة ألمانية...)، أو على مستوى المجالات: (حداثة سياسية، وحداثة اقتصادية، وحداثة اجتماعية)، بل قد تتفاوت درجات الحداثة داخل القطر الواحد، وعليه يرى طه إمكان بل ضرورة وجود حداثة إسلامية متمايزة عما سواها. وقد شرع طه في تقديم هذا البديل بولوجه التراث للوقوف على ملامح هذا البديل وأسسه، وقد سبق هذا التأسيس عملية هدم للحداثة الغربية في "سؤال الأخلاق"، أعقبه بناء للبديل الإسلامي في عدد من مؤلفاته على رأسها "روح الحداثة" الذي وضع فيه أسس الحداثة الإسلامية المأمولة وفق ثلاثية (مبدأ الرشد، ومبدأ النقد، ومبدأ الشمول)، وهذه الروح الحداثية الطاهائية امتداد لما طرحه طه في عدد من مؤلفاته مثل: "تجديد المنهج في تقويم التراث"، و"المنطق والنحو الصوري"، و"في أصول الحوار وتجديد علم الكلام"، و"الفلسفة والترجمة"، و"اللسان والميزان"، كما سرت تلك الروح كذلك في مؤلفات "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري"،  و"سؤال العمل" و"روح الدين"، بحيث يمكن اختزال هذا الإنتاج النظري لطه في معالجة جدلية الحداثة والتراث ووضع أسس للبديل الحداثي الإسلامي، بناءً على نظرة إسلامية أخلاقية، أما عمليًا فقد كان يراود طه هاجس التأصيل ومجاوزة التبعية للنماذج الفكرية الغربية، وعندما عُّين أستاذًا للمنطق وفلسفة اللغة في السبعينات في جامعة "محمد الخامس" بالرباط، استبدل المنطق القديم بالمنطق الحديث وعَرّبَ الكثير من مصطلحات ومفاهيم المنطق الرياضي، كما عمل على دمج المنطق في الاشتغال الفلسفي، وجعل منه عدة منهاجية لا غِنَاء للمتفلسف العربي عنها، فالمنهاجية المنطقية بنظره أحد أبرز إبداعات العقل العربي، وقد تبدت بصورة جلية لدى الأصوليين الذين كانوا مرموقين بقدراتهم الحجاجية والاستدلالية(33).

إن ما قدمه أركون وطه عبد الرحمن منجزًا فكريًا ضروريًا ومهمًا للغاية على صعيد مقاربة الحداثة باستشكالها مع التراث لطرح البديل الإسلامي المعاصر، وإن كانت ثمة بوادر تشير إلى تلقف المشروعين والاشتغال عليهما بكثافة لاسيما في المغرب العربي، إلا أنه قد يكون من المبكر الحكم عليهما الآن، ولعل تطوير هذه المقاربات والإفادة منها - من وجهة نظرنا - مرهون بالانتقال بتلك المبادرات من حيز الجهود الفردية إلى حيز الجهود الجماعية، بتشكيل مدارس فكرية تأخذ على كاهلها الانهماك بتلك المبادرات والبناء عليها، إذ غالبًا ما تندثر تلك المحاولات بموت أصحابها. ومن ثم فتَشّكِيل مدارس فكرية عربية على غرار المدارس الفكرية الغربية التي ظهرت في بواكير عصر النهضة وأخذت على كاهلها تطوير الفكر الغربي، وكذا المدارس الفكرية الغربية المعاصرة التي حملت هَم تطوير مفهوم معاصر للحداثة ( كمدرسة الحوليات الفرنسية، ومدرسة الفرنكفورت النقدية، ومدرسة الاستشراق الأمريكية ...)، وتَشّكِيل تلك المدارس الفكرية العربية يعد ضرورة آنية، وينبغي أن تعكف تلك المدارس الفكرية العربية على دراسة منجزات الحداثة المعرفية والفكرية وأدواتها وتمحيصها للإفادة منها في تحقيق الراهنية للفكر العربي في عالم اليوم.

= للاطلاع على نص الأطروحة (اضغط هنا).

= الآراء الواردة في الأطروحة تمثِّل صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.

مراجع

(1) محمد أركون، الفكر الإسلامي قراءة علمية، مرجع سابق، ص 32

* الجدير بالذكر في هذا الصدد أن محمد الطوالبة قد أشار إلى نحو ذلك في "المنظور التأويلي في أعمال أركون"، حيث اختصر مقاربة أركون للتراث في التمركز حول سؤالين: أولهما وجودي، يتعلق بماهية التراث، وثانيهما منهاجي، يتعلق بكيفية تأويل النص القرآني، ومنتجاته اللاحقة فكريًا وسـياسـيًا. وإن كنا نتفق مع "الطوالبة" في إمكان اختصار المقاربة الأركونية في التمركز حول الماهية والمنهاجية، إلا أننا نرى أن الفصل بينهما وإن كان ممكنا لدواعي البحث فإن من الصعب الفصل بين الماهية والمنهاجية في الحفر الأركوني في التراث. (يُنْظر: محمد الطوالبة، المنظور التأويلي في أعمال محمد اركون، (الأردن: دار الآن ناشرون وموزعون (،2017، ص6، 17).

(2) طه عبد الرحمن، سؤال المنهج في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد، مرجع سابق، ص43.

(3) المرجع السابق، ص44.

(4) المرجع السابق، ص 55.

(5) طه عبد الرحمن، الحوار أفق للفكر، ص ص 132 – 133.

(6) إبراهيم منصور ألياسين، "تجليات التناص في الرسالة الجدية لابن زيدون"، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، الصادرة عن الجامعة الأردنية، مجلد 42، عدد، 3،2015 ص 818-819.

(7) محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، مرجع سابق، ص 40.

(8) محمد أركون، الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص 74.

(9)  طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، مرجع سابق، ص ص 89-90.

* لحظة القرآن أو الظاهرة القرآنية في المقاربة الأركونية تنصرف إلى القرآن كحدث يحصل لأول مرة في التاريخ، أو التجلي التاريخي للقرآن كخطاب شفهي في زمان ومكان محددين تمامًا، فأما الزمان فتمثل في بدايات التبشير، وأما المكان فتمثل في البيئة الاجتماعية التي ظهر فيها هي الجزيرة العربية. (انظر: محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؟، مرجع سابق، ص 186).

(10) محمد أركون، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، مرجع سابق، ص ص 210-211.

 (11) ضرار بني ياسين، "منزلة الحقيقة في نظرية المعرفة الدينية: دراسة في مقاربة محمد أركون للعقل الإسلامي"، مجلة دراﺳﺎت اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﻳﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ، الصادرة عن الجامعة الأردنية، مجلد 42، 2015، ص 1269.

* تتمثل تلك المبادئ وفق المقاربة الطاهائية في ثلاثية (التداول، التكامل، العمل)، إذ أن الممارسة التراثية عمدت إلى تقييم كل منقول وفق مبدأ التداول ومقتضياته المعرفية واللغوي والعقدي، كما اتسمت بتكامل وتداخل معارفها، وكذلك استحكم في تلك الممارسة التراثية مبدأ العمل، ويمكن الوقوف على هذه الثلاثية بإسهاب في عدد من مؤلفات طه كـ"تجديد المنهج في تقويم التراث" و"سؤال المنهج"، و"سؤال العمل"، و"الحوار أفقًا للفكر" وغيرها.

(12) طه عبد الرحمن، الحوار أفقًا للفكر، مرجع سابق، ص 137-140.

(13) محمد بنعمر، " المشروع النقدي عند طه عبد الرحمن: نقد القراءات الحداثية للنص القرآني أنموذجا "، دراسة منشورة على موقع ملتقى أهل التفسير، رابط: https://vb.tafsir.net/tafsir43716/#.W8gM_9dvbIU

(14) محمد أركون، معارك من أجل الأنسنة، مرجع سابق، ص39.

* يمكن في هذا المضمار الإشارة إلى دراسة "جميل حمداوي" حول قراءة طه عبد الرحمن التداولية للتراث، حيث عمد "حمداوي" إلى تبسيط ما أنجزه طه في مؤلفه "تقويم المنهج في تجديد التراث" وآلية توظيف طه للمنهج التداولي المنطقي الحجاجي وأسلوب المناظرة في تقويم التراث من جهة، وتقويم الكتابات الفكرية المعاصرة التي تناولت التراث العربي الإسلامي من جهة أخرى. (يُنْظر: جميل حمداوي، "طه عبد الرحمن والقراءة التداولية للتراث"، مجلة المستقبل العربي، عدد يناير،2017، ص 137-150).

(15) طه عبد الرحمن، الحوار أفقًا للفكر، مرجع سابق، ص 142.

(16) محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، مرجع سابق، ص100.

(17) محمد أركون، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص62.

(18) سيدي أحمد الطالبي، "الترجمة الفكرية ترجمة تأصيلية"، مقالة منشورة على موقع مؤمنون بلا حدود، رابط:

https://www.mominoun.com/articles

(19) طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، مرجع سابق، ص ص 80-82.

(20) محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، مرجع سابق، ص81.

 (21) عبد الرزاق بلعقروز، "المساءلة النقدية لأنماط العقلانية عند أركون والجابري نموذج طه عبد الرحمن"، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، مجلد 9، عدد16، 2012، ص 237-238.

 (22) طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، مرجع سابق، ص 93.

* وضع طه عبد الرحمن هذه الثلاثية (الحداثة/التكاملية/الوسلية) كسمات للمنهاجية الأصولية، وقد أشرنا إليها باستفاضه في جزء سابق من الدراسة. (انظر:   طه عبد الرحمن، سؤال المنهج، مرجع سابق، ص ص 267-271).

 (23) طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، مرجع سابق، ص54.

  (24) محمد أركون، "مسألة الفلسفة الإنسانية في الوسط الإسلامي"، مجلة أبواب اللبنانية، عدد11، 1997، ص162.

(25) محمد أركون، العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب، مرجع سابق، ص10.

(26) المرجع سابق، ص ص 10-11.

(27) محمد أركون، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، مرجع سابق، ص ص 144-145.

 (28) طه عبد الرحمن، الحوار أفقًا للفكر، مرجع سابق، ص ص 117 – 118.

* الجدير بالملاحظة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر جاءت كاشفة للموقفين الأركوني في (الإسلام أوروبا الغرب رهانات المعنى وإرادات الهيمنة)، والطاهوي في (الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري)، فحاول كل منهما تقديم إطار تفسيري للحدث ودفع تهمة الإرهاب عن الإسلام، ولكن بمنظور هوياتى مغاير، فبينما يرى أركون أن العلمنة والهوية الإنسية الكونية هي روح الإسلام، يرى طه أن الهوية تنبني على الخصوصية وأن الإسلام هو ضامن الاختلاف في مقابل الأحديّة والإثنينية الإقصائيّة التي يتعامل بها الغرب، منطلقًا من همّ مؤسس يتمثل في حق الأمة الإسلامية في أن تمتلك جوابها الخاص عن أسئلة زمانها.

(29) دنيـس كـوش، مفهوم الثقافـة فـي العلـوم الاجتماعيـة، ترجمة: منير السـعيداني، (بيـروت: المنظمـة العربية للترجمة)، 2007، ص 154.

 (30) بـول ريكـور، الـذات عينهـا كآخـر، ترجمـة وتقديـم وتعليـق: جـورج زيناتـي، (بيـروت: المنظمة العربيـة للترجمـة)، 2005، ص 72. 

(31) محمد أركون، الإسلام أوروبا الغرب رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، مرجع سابق، ص 61.

 (31) طه عبد الرحمن، روح الحداثة، مرجع سابق، ص 158.

 * الجدير بالملاحظة في هذا الصدد أن "ثورية اليعقوبي" – زوجة أركون – قد حاولت بعد وفاته تعميم الإفادة من إرثه النقدي في التراث باستغلال الشبكة العنكبوتية، وتدشين موقع "مؤسسة محمد أركون للسلم بين الثقافات" والذي ضمنته مختلف التسجيلات السمعية والبصرية لمحمد أركون: مؤتمرات، حوارات، برامج إذاعية أو تلفزية، محاضرات بالسربون أو غيرها. كما وضعت جائزة سنوية لأفضل عمل ينجز في فكر أركون تحفيزًا للباحثين على مواصلة مشروعه الفكري.

(32) إبراهيم مشروح، طه عبد الرحمن: قراءة في مشروعه الفكري، مرجع سابق، ص 51-52.

* مما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن طه عبد الرحمن أسس "منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين" ولا يزال يرأسه حتى الآن، وقد جعل منه صرحًا لخدمة قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، وقد حاول نشر مشروعه الفكري خارج جامعات المغرب ليصل إلى جامعات عربية أخرى، فعمل أستاذًا زائرًا بها كجامعة "آل البيت" بالأردن، وجامعة "صفاقس" بتونس وجامعة "قسنطينة" بالجزائر، واعتمد كخبير بأكاديمية المملكة المغربية، وكنائب للجمعية الفلسفية العربية بعمان، وكذلك حصل على العضوية في الهيئة الاستشارية العربية لبيت الحكمة ببغداد، وحاول استغلال كل هذه المنابر لنشر مشروعه الفكري الذي ينشد حداثة مأصولة.