دلالات الثبات والتغير في مؤشرات الدولة الفاشلة: دراسة تحليلية بالتطبيق على دول إفريقية

(الجزيرة)

موضوع الأطروحة وسياقها العام

تعالج هذه الأطروحة إشكالية الدولة الفاشلة من زاوية تحليلية نقدية، من خلال فحص دلالات الثبات والتغير في مؤشرات قياسها، مع تطبيق معمق على الدول الإفريقية خلال الفترة الممتدة بين 2006 و2017. وتنطلق الدراسة من ملاحظة مركزية مفادها أن مفهوم الدولة الفاشلة، على الرغم من حضوره المكثف في الأدبيات الأكاديمية والتقارير الدولية منذ نهاية الحرب الباردة، لا يزال يعاني غموضًا مفاهيميًا واضطرابًا منهجيًا، انعكس في تعدد المؤشرات، وتباين نماذجها التحليلية، واختلاط الأعراض بالأسباب والنتائج.

أهمية الدراسة

تنبع أهمية الأطروحة من سعيها إلى تفكيك هذا الاضطراب المفاهيمي والمنهجي عبر تحليل المؤشرات الأكثر حضورًا وتأثيرًا عالميًا، وبيان مدى اتساقها أو تباينها في تصنيف الدول الإفريقية، والكشف عن العوامل الأكثر وزنًا في تفسير مواقع هذه الدول. وتكتسب الدراسة أهمية خاصة من تركيزها على إفريقيا، باعتبارها الإقليم الأكثر تمثيلًا في قوائم الدول الهشة والفاشلة، والأكثر تعرضًا لتقلبات التقييم خلال فترات زمنية قصيرة، بما يثير تساؤلات حول مصداقية القياس ودلالاته السياسية والمعرفية.

الإشكالية البحثية وتساؤلاتها

تنطلق الإشكالية البحثية من سؤال محوري يتمحور حول كيفية تأثير تعدد المفاهيم والنماذج التحليلية للدولة الفاشلة، ومخرجاتها المتمثلة في المؤشرات، في سياسات تصنيف وترتيب الدول الإفريقية. ويتفرع عن هذا السؤال جملة من التساؤلات تتعلق بأوجه التشابه والاختلاف بين المؤشرات، وآثار التباين المفاهيمي والمنهجي، وطبيعة الإشكاليات الناتجة عن القياس الكمي، فضلًا عن العوامل المسؤولة عن فشل الدولة في إفريقيا، والمتغيرات الأكثر تأثيرًا في حركة صعود أو هبوط الدول على هذه المؤشرات.

فرضيات الأطروحة

تفترض الدراسة، أولًا، أن الفروق بين مفاهيم الدولة الفاشلة ليست جوهرية بالقدر الذي يُنتج اختلافات جذرية في مخرجات المؤشرات، وأن التغيرات الحاصلة غالبًا ما تعكس محاولات لموازنة الأبعاد أكثر مما تعكس إعادة تعريف بنيوي للمفهوم. وتفترض، ثانيًا، أن فشل الدولة يتجلى أساسًا عبر بُعدين رئيسين هما عدم فاعلية الدولة والعنف السياسي، وأن تصاعد تدهور هذين البُعدين يقود إلى تعميق حالة الفشل.

الإطار المنهجي والمقاربة التحليلية

تعتمد الأطروحة مقاربة متعددة المناهج، تجمع بين التحليل التاريخي لتتبع تطور مفهوم الدولة الفاشلة، والمنهج الوصفي لتحليل بنيته المفاهيمية ونماذجه النظرية، والمنهج المقارن لفحص الفروق بين المؤشرات المختلفة، إلى جانب التحليل الإحصائي المتقدم. وقد استُخدمت أدوات تحليل المكونات الرئيسية، والانحدار المتعدد، والتحليل العنقودي، اعتمادًا على بيانات مستمدة من مصادر دولية معتمدة، وبالتطبيق على 54 دولة إفريقية.

وتستند الدراسة إلى إطار نظري مستمد من نموذج بيسلي وبيرسون، يقوم على التمييز الدقيق بين أسباب فشل الدولة وأعراضه ونتائجه، ويقترح عدم فاعلية الدولة والعنف السياسي باعتبارهما الأعراض الأساسية القابلة للقياس الكمي، بما يسمح بإعادة تشغيل المفهوم على أسس أكثر اتساقًا.

أبرز النتائج

توصلت الأطروحة إلى أن مؤشرات الدولة الفاشلة، على اختلاف مناهجها، تُظهر قدرًا ملحوظًا من الثبات في ترتيب الدول الإفريقية، وأن حالات التغير الحاد تظل محدودة الأثر من حيث الدلالات البنيوية. كما بيّنت النتائج أن بُعدي فاعلية الدولة والعنف السياسي يفسران بصورة معتبرة مواقع الدول على مؤشري الهشاشة والدولة الهشة، في حين يلتقط مؤشر تقييم السياسات والمؤسسات القُطرية بُعد فاعلية الدولة دون العنف السياسي، وهو ما يثير تساؤلات حول صلاحيته كمقياس شامل لفشل الدولة.

وأظهرت التحليلات الإحصائية أن المتغيرات الأكثر تأثيرًا في حركة الدول الإفريقية على المؤشرات تتمثل في سيادة القانون، وإنفاذ حقوق الملكية، وفاعلية الحكومة، والحد من الفساد، والاستقرار السياسي وغياب العنف، والإنفاق على الصحة، إضافة إلى الصراعات الثورية والمسلحة. في المقابل، لم تُثبت متغيرات مثل المشاركة والمساءلة أو القيود المؤسسية قدرة تفسيرية معنوية، رغم وجاهتها النظرية.

الخلاصات والتوصيات

تخلص الدراسة إلى أن فشل الدولة في إفريقيا ظاهرة متعددة الأبعاد، لا يمكن اختزالها في مؤشر واحد أو بعد منفرد، وأن استمرار الاعتماد على مؤشرات مركبة غير متمايزة يحد من قدرتها التفسيرية والتحليلية. كما تؤكد أن القياس الكمي، رغم نواقصه، يظل أداة ضرورية في التحليل وصنع السياسات، شريطة إعادة تأسيسه على أطر نظرية أكثر صلابة.

وتوصي الأطروحة بتبني مقاربات قياس تسمح بتتبع الأبعاد المختلفة لفشل الدولة بشكل مستقل، وتجنب العتبات التصنيفية غير المبررة، وتعزيز التكامل بين التحليل النظري والاختبارات الإمبريقية. كما تدعو إلى توظيف نتائج القياس في تصميم سياسات تنموية أكثر حساسية للسياق الإفريقي، وفحص العلاقة بين فشل الدولة والمساعدات الإنمائية والتنمية الاقتصادية باستخدام أدوات كمية معمقة.

تنويه

• تعبّر الآراء الواردة في هذه الأطروحة عن وجهة نظر صاحبها، في إطار الاستقلال الأكاديمي للباحث، ضمن معايير النشر المعتمدة لدى مركز الجزيرة للدراسات.

• يمكن الاطلاع على النص الكامل للأطروحة بصيغة PDF عبر الرابط التالي: اضغط هنا

• يرحّب مركز الجزيرة للدراسات باستقبال رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه المتصلة بمجالات اهتمامه، قصد التعريف بها ونشرها على موقعه الإلكتروني، وذلك عبر المراسلة على البريد التالي: ajcs-publications@aljazeera.net

• يحتفظ الباحثون بكامل حقوقهم العلمية في إعادة نشر أعمالهم الأكاديمية أو تطويرها لاحقًا في صيغ أخرى، بما في ذلك إصدارها في كتاب.