السيطرة على النفط: مكاسب حفتر وعواقبها

تمكَّن حفتر من السيطرة على الهلال النفطي بسرعة، فَشَلَّ قدرةَ المجلس الرئاسي على التصدي له، لكنه حفز من جهة أخرى القوى المعادية له بالغرب الليبي على الاتحاد مجددًا.
2c4e9a3ab5e64a0a88dd876090a0447d_18.jpg
حفتر ينجح في توظيف النفط لصالحه (رويترز)

تمكَّن القائد العسكري خليفة حفتر في هجوم مفاجئ من السيطرة على منطقة الهلال النفطي الممتدة على أكثر من مئتي كيلومتر، والتي يُشحن منها أكثر من ثلثي النفط الليبي إلى الخارج. فعزَّز موقعه في مواجهة خصومه، وعمَّق الشرخ الذي كان يشل المجلس الرئاسي. 

تشير المعطيات على الأرض والمعادلات الدولية والإقليمية، إلى أن معركة الهلال النفطي لم تنتهِ حتى الآن؛ فما زال رئيس حرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران ولربما وزير الدفاع المهدي البرغثي وقوات من الغرب الليبي يُعدُّون لجولة جديدة من الحرب مع قوات الكرامة المرابطة في الموانئ؛ وهو ما يعني عدم استقرار حفتر في الموانئ النفطية.

مقدمة 

في صبيحة الرابع عشر من شهر سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت القوات الموالية للقائد العسكري  خليفة حفتر عن سيطرتها على منطقة الهلال النفطي الممتدة على أكثر من مئتي كيلومتر، والتي يُشحن منها أكثر من ثلثي النفط الليبي إلى الخارج. 

قبل هذه العملية كانت المنطقة تحت سيطرة قوات حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجضران، وعلى مدى ثلاث سنوات تقريبًا كان الجضران، يمنع تصدير النفط إلى الخارج متحديًا إرادة حكومات ليبيا المختلفة في طرابلس وطبرق، وكان حليفًا لقوات حفتر، لكنه أعلن انضمامه إلى الاتفاق السياسي واستعداده لفتح الموانئ لتصدير النفط تحت سيادة حكومة الوفاق الوطني، وذلك قبل أسابيع قليلة من هجوم حفتر المباغت. 

من الطبيعي، بحسب العارفين بالمنطقة، أن تنهزم قوات حرس المنشآت النفطية بسرعة أمام أي هجوم مباغت، نظرًا لانكشاف المنطقة واتساع رقعتها، ونظرًا كذلك لطبيعة قوات الجضران، التي لا تعد قوة قتالية بالمعايير العسكرية، لأنها تتشكَّل بالأساس من شباب متطوعين تقودهم مجموعات قليلة من الجنود والضباط، الذين لم يخوضوا أي حرب، ولم يدخلوا مواجهات تُذكَر، خصوصًا أن الهجوم عليهم جرى بترتيب مع بعض المجموعات من داخل حرس المنشآت كما تشير إلى ذلك المعطيات المتوفرة بشأن تحركات زعيم قبيلة المغاربة الموالي لحفتر، صالح الأطيوش. 

تشير تقارير إلى عملية تفكيك اجتماعي قامت بها أطراف من داخل المجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها أغلب منتسبي فرع الوسطى بحرس المنشآت النفطية الليبية، وقد أسفرت العملية عن انفضاض مجموعات ليست بالقليلة من حول قائد الحرس الموالي لحكومة الوفاق، إبراهيم الجضران. ومن أبرز المؤشرات على هذا التحرك الاجتماعي تسليم ميناء زويتينة، دون قتال، إلى القوة الموالية لحفتر. 

ويستعين حفتر بعناصر من قوات القذافي حيث صرَّح الناطق باسم جيش عملية الكرامة بوجود القيادي العسكري في كتائب القذافي، محمد بن نايل، الذي أُطلق سراحه من سجون مصراتة قبل أشهر، في قيادة أحد محاور القتال، وهو ما يشير إلى وجود مقاتلين من كتائب القذافي، وربما مرتزقة من دول إفريقية أخرى. 

كيف تؤثِّر هذه السيطرة على موازين القوى؟ وما تأثيراتها على مسار الصراع المسلح في ليبيا؟ 

حفتر: استرداد المبادرة 

كانت الأسابيع التي سبقت العملية أكثر فترات حفتر ضعفًا منذ إعلان عملية الكرامة، فقد وصل خلافه مع وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق، من مدينة بنغازي، المهدي البرغثي إلى نقطة اللاعودة، وتوالت تصريحات من مسؤولين مصريين تشير إلى إمكان أن تخطو القاهرة خطوة إلى الوراء في دعم حفتر، كما بدأت فرنسا التي كشفت الأشهر الماضية دعمها لحفتر، تقترب أكثر، ولو ظاهريًّا من الموقف الإيطالي المتحفز للتحالف مع خصوم حفتر في المنطقة الغربية، وبدا كأن الموقف الغربي يتجه نهائيًّا إلى نبذ حفتر إذا استمر في معارضة حكومة الوفاق الوطني. 

وقد فَقَدَ حفتر الكثير من صيته كرجل محارب للإرهاب في ليبيا بعد أن كادت عملية البنيان المرصوص، التي تشنها كتائب أغلبها موال لحكومة الوفاق، تنهي وجود تنظيم الدولة في معقله الرئيس بمدينة سرت. 

لكن عملية الاستيلاء على الموانئ النفطية، والترتيبات التي أعقبتها، بتسليم الثروة الليبية، ظاهريًّا، إلى مؤسسة النفط الشرعية، أعادت حفتر إلى مربع الفعل، ووضعته في موقع تفاوضي أفضل، خصوصًا أنها جاءت بعد أقل من شهر من رفض برلمان طبرق منح الثقة لحكومة الوفاق في جلسة تصويت، ثار حول شرعيتها الكثير من اللغط. 

وقد أعطت الخطوتان دفعًا قويًّا لمجلس النواب مما أسهم في تغيير موقف المجلس الرئاسي الذي رضخ لقرار رفض منح الثقة، وقرَّر إعادة تشكيل الحكومة وعرضها على مجلس النواب. 

موقف المجلس الرئاسي، الذي انقسم بجلاء أمام خطوة حفتر، صبَّ أيضًا في صالح تقوية موقفه، فقد بدا أن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق قد سَوَّى علنًا بين قوات الجضران التي تعلن موالاتها له، وقوات الكرامة التي لا تعترف بسيادته. 

لقد أبانت الأحداث عن استقواء معسكر حفتر بحليف جديد داخل المجلس الرئاسي هو نائب الرئيس، فتحي المجبري، الذي كان قبل واقعة الموانئ محسوبًا على إبراهيم الجضران، واستطاع صياغة تحالف بينه وبين وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق، المهدي البرغثي، الذي نفض يده من التحالف مع حفتر حتى الآن، وبات يبحث عن حلفاء جدد، ربما يجدهم في خصوم حفتر بالمجلس الرئاسي. 

لقد حاول حفتر وحلفاؤه استثمار الواقع الجديد لفتح ثغرة جديدة في الاتفاق السياسي الموقَّع في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي بالصخيرات في المغرب؛ فقد طالب رئيس البرلمان، عقيلة صالح، في لقائه برئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مارتن كوبلر، بالعودة إلى مسودة الاتفاق الرابعة، التي تخلو من إشارة لاستبعاد حفتر، وتلغي شراكة المجلس الأعلى للدولة في التشريع، وتعتبره مجرد مجلس استشاري غير ملزم الرأي، وهو ما يبدو أنه يواجه معارضة صارمة من معسكر الغرب الليبي بقيادة فاعلين سياسيين وعسكريين من مدينة مصراتة. 

أزالت خطوة حفتر الحرج عن الحليف المصري الذي خرج عن صمته وتردده السابق، وعاد إلى التصريحات بشأن دعم الجيش التابع للبرلمان، والمطالبة برفع حظر التسلح عنه، وإن كانت هذه التصريحات ما زالت تدعو إلى دعم حكومة الوفاق، والاتفاق السياسي الليبي. 

من الواضح أن مطالبة المصريين بدعم الاتفاق السياسي تأخذ في الحسبان بُعدين اثنين: أحدهما أن مصر لا تريد الظهور بمظهر المعارض للإرادة الدولية المجسَّدة في الاتفاق الذي تدعمه، بشكل علني وعملي، قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، والثاني: أنها باتت مطمئنة إلى أن الاتفاق غير قابل للتطبيق الآن في ظل عودة الرفض إلى مربع النقاش بشأن تشكيلة المجلس الرئاسي، وإيجاد مكان لخليفة حفتر في الاتفاق. 

ترضية حفتر والتصدي له 

مما لا شك فيه أن خطوة حفتر، وردود الفعل المحلية والدولية بشأنها ألقت بظلالها على المشهد في شكل تداعيات على الوضع السياسي؛ فخلَّفت حالة من الإرباك القريب من الشلل في المجلس الرئاسي المنقسم على نفسه، كما أنها أضعفت المركز السياسي للقوة البرلمانية التي كانت تناهض مناصري حفتر في مجلس النواب. 

وربما تكون أهم تداعياتها على المشهد أنها قد ترجِّح كفة الراغبين في تقديم تنازلات سياسية لحفتر مقابل تعجيل البرلمان بمنح الثقة لحكومة الوفاق، إلا أنها على الصعيد المقابل أعادت خطاب التوحد إلى ساحة مناهضي حفتر، خاصة من معسكر فجر ليبيا، الذين فرَّقهم الموقف من الاتفاق السياسي؛ فصدرت عن مفتي الديار الليبية، الشيخ الصادق الغرياني، دعوة صريحة إلى التوحد في وجه انقلاب حفتر، وهي الأولى من نوعها منذ توقيع الاتفاق الذي عارضه المفتي، كما صدرت تصريحات وسُرِّبت مواقف وأخبار عن تحركات عسكرية لكتائب الثوار في العاصمة ومحيطها، وفي منطقة الحقول النفطية، كلها تصب في إطار توحيد الجبهة المناهضة لحفتر عسكريًّا. 

وقد عمَّقت العملية الشرخ بين قائد حرس المنشآت النفطية، إبراهيم الجضران، ووزير الدفاع بحكومة الوفاق، المهدي البرغثي من جهة، وبين معسكر الكرامة بقيادة حفتر من جهة أخرى، وهو ما يعني بالضرورة انحيازهم إلى معسكر معارضي حفتر في الشرق والغرب والوسط؛ فلم يعد خافيًا أن البرغثي والجضران يبحثان عن حلف صريح أو مضمر مع كتائب مصراتة التي تنظر بتوجس كبير لتحركات حفتر. 

ويعتبر رد الفعل الأهم حتى الآن هو ما صدر عن المجلس الأعلى للدولة (الغرفة التشريعية الثانية) الذي قرر البدء في ممارسة السلطات التشريعية المنصوصة في الاتفاق السياسي مبررًا ذلك بعدم وجود البرلمان ذي المواصفات المنصوصة في الاتفاق، وهي خطوة، وإن بدت رمزية، إلا أنها انعكست بإيجابية على موقف مناهضي حفتر، وأعطتهم عنوانًا سياسيًّا معترَفًا به دوليًّا، رغم أن الاعتراف لا يرقى إلى مستوى القبول بالخطوة التي عارضها السراج، وبعض القوى الدولية الكبرى، وأبدى المبعوث الأممي قلقه منها. 

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاجتماع العسكري المنعقد في مصراتة بين قادة عسكريين كلهم من المنطقة الغربية، وكلهم قابلون للاتفاق السياسي، فإنه يمكن القول: إن خطوة حفتر تكاد تعيد توحيد قوى فجر ليبيا، أو على الأقل تعيد الحراك العسكري إلى ما قبل اتفاق الصخيرات. 

شلل المجلس الرئاسي 

لم يُظهر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق (أعلى هيئة تنفيذية) لحد الساعة أنه صاحب استراتيجية واضحة أو موحدة تجاه الأحداث. وكما أشرنا سابقًا فقد ازدادت انقساماته حدَّة، حتى أصبح الحديث عن جناحين رئيسيين يوالي أحدهما حفتر ويرفضه الآخر، فيما يقف رئيس المجلس، فائز السراج، موقفًا وسطًا، رافضًا مواجهة أيٍّ من الطرفين أو الانحياز العلني، وهو موقف يصب في النهاية في صالح معسكر حفتر، الذي يمنح نفسه حرية التحرك بدون معارضة السراج. 

إن واقع المجلس المنقسم لا يعني عدم امتلاكه أوراقًا مهمة يمكن الاستفادة منها في المعركة السياسية؛ فبإمكان رئيس المجلس، فايز السراج، وضع ثقله مع معسكر الغرب الليبي الذي بدأ يتشكل، ومحاولة تمتين التحالف العسكري والسياسي مع وزير دفاعه، ثم مع إبراهيم الجضران، وهما بحاجة لشرعية السراج والدعم الدولي الذي يحظى به. 

وإذا اختار السراج هذا الخيار، واستطاع انتزاع قرار بحظر للطيران على منطقة الهلال النفطي؛ فهذا يعني في المحصلة قلب ميزان القوى العسكرية ضد حفتر تمهيدًا لهزيمته، وساعتها سيكون السراج قد أعاد صياغة المعادلة في الشرق الليبي بأوراق جديدة، تضعف نائبيه الموالييْن لحفتر وموقف رئيس البرلمان، وتكون المراهنة على حفتر خاسرة. 

إن هزيمة حفتر العسكرية في موانئ النفط، وقد أظهر هجوم الجضران الأخير إمكانيتها، تبدو أسهل الوصفات لإعادة الشرق الليبي إلى الاتفاق السياسي بصيغته الحالية، وقد بات من المؤكد أنه من غير الممكن فكُّ ارتباط نائبي رئيس المجلس الرئاسي، القطراني والمجبري، بحفتر بعد أن وضعا كل أوراقهما في جيبه، وتخلَّى المجبري عن حليفيه السابقين (البرغثي، الجضران) لصالح حفتر. 

وإضافة إلى عدم إمكان فكِّ ارتباط حفتر بالمجبري والقطراني، ولا برئيس مجلس النواب، فإنه من غير الممكن جمعه بوزير الدفاع، ولا بالجضران، والأصعب من ذلك قبوله من طرف القوى العسكرية والسياسية في الغرب الليبي، هذا علاوة على أن حفتر، وبحسب أغلب المؤشرات، لن يقبل الدخول في اتفاق يكون فيه مجرد موظف في دولة يقودها السراج أو غيره، وهو الذي صرح أكثر من مرة بأن الجيش (يعني قواته) غير معني بالتجاذبات السياسية. 

بإمكان رئيس المجلس الرئاسي أيضًا إعطاء الشرعية لكتائب، موالية لحكومة الوفاق، كي تبسط سيطرتها على منابع النفط في منطقة زلة، جنوب الهلال النفطي، إضافة إلى استثمار انتصار مقاتلي البنيان المرصوص على تنظيم الدولة في مدينة سرت. 

وربما لا تساعد هذه الخلطة المتناقضة من التحالفات والمواقف على إقرار أي تشكيلة حكومية يقدمها السراج إلى مجلس النواب، لأن حفتر وأنصاره لن يقبلوا بوزير الدفاع الحالي، ولأن خصوم حفتر لن يقبلوا بتسليمه أو أحد المقربين منه وزارة الدفاع. 

ولا يظهر لحد الساعة أن السراج سيقبل بتقديم التشكيلة إلى المجلس الأعلى للدولة، لأن ذلك يعني تخندقه في المعسكر المقابل لحفتر، كما يعني إعلان نهاية الاتفاق السياسي الحالي والعودة إلى حالة الانقسام الأولى، ولا يتوقع أن يقبل المجتمع الدولي بمثل هذه الخطوة، نظرًا لخشيته من تكريس الانقسام القائم بين المعسكرين الليبيين. 

القوى الخارجية: رفض مبدئي والتباس عملي 

تميزت مرحلة ما بعد سيطرة حفتر على الموانئ النفطية بعودة الحيوية للدور المصري العلني في دعم حفتر؛ فقد دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى رفع حظر التسليح عن الجيش الليبي (الذي يقوده حفتر) وأعلنت الجامعة العربية، التي يقودها دبلوماسي مصري، أنها تحشد لاجتماع حول ليبيا. ومن مصر صدر أغلب المواقف الداعمة لخطوة حفتر من طرف عضوي المجلس الرئاسي. 

ورغم أن بيان الدول الست الكبرى دعا حفتر علنًا إلى الانسحاب من الموانئ النفطية إلا أنه لم يشر إلى إعادتها إلى الحرس الذي يقوده الجضران، ويمكن اعتبار أن ما طلبه تحقق بإعلان المؤسسة الوطنية للنفط عن تسلم الموانئ، رغم أنها تحت حراسة قوات موالية لحفتر؛ مما يعني أن القوى الكبرى لم تنظر إلى سيطرة حفتر على الموانئ النفطية من زاوية خطره على الاتفاق السياسي، بقدر ما نظرت إليها من زاوية تسهيله تدفق النفط، من عدمه. 

مع هذا، تستمر الدول الغربية في دعمها العلني لحكومة الوفاق، واعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة الممثِّلة للشعب الليبي، وهو ما تجلَّى في بيان العشرين الذي أعقب الاجتماع الدوري للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن لغة البيان العامة، تخفي وراءها تناقضات مواقف تلك الدول من الصراع في ليبيا؛ فمن بين الدول الموقِّعة على البيان دول مثل روسيا ومصر وهي لا تُخفي دعمها لخليفة حفتر، ومراهنتها على دور له في النظام السياسي القادم ورعاية مصالحها في ليبيا، وهناك دول مثل قطر وتركيا وإيطاليا، تريد مشهدًا مستقرًّا في ليبيا، ولا تخفي قلقها من أن استمرار حفتر في المشهد عامل توتير أكثر منه عامل استقرار. 

ولا يبدو أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا قلقة كثيرًا من وجود حفتر أو عدمه، بقدر ما هي قلقة من وجود تنظيم الدولة، واستمرار تدفق المهاجرين إلى القارة الأوروبية؛ فما يهمها بالأساس هو الفاعلية في تسوية هذه الملفات، دون ضياع استثمارها في رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، ومشروع الاتفاق السياسي. 

صدامات مسلحة في الأفق 

تشير المعطيات على الأرض والمعادلات الدولية والإقليمية، إلى أن معركة الهلال النفطي لم تنته حتى الآن؛ فما زال إبراهيم الجضران ولربما المهدي البرغثي يُعدَّان لجولة جديدة من الحرب مع قوات الكرامة المرابطة في الموانئ، وتبدو قوات عسكرية من المنطقة الغربية والوسطى، والشرقية (خاصة سرايا الدفاع عن بنغازي، وهي فصيل عسكري صغير منفصل عن مجلس شورى ثوار بنغازي، وبعض القوى القريبة من دار الإفتاء) متحفزة لدعم البرغثي والجضران، وهو ما يعني عدم استقرار حفتر في الموانئ النفطية. 

إن نشوب حرب في الهلال النفطي قد يعني تقويض خطط تصدير النفط التي عوَّل عليها المبعوث الأممي، وأنصار حفتر، وربما السراج، لتسويغ وجود حفتر في المشهد، وتعني إمكانية مراجعة بعض المترددين في محاربة حفتر لحساباتهم. 

لكن هزيمة حفتر في هذه الحرب تحتاج إلى موقف من السراج مدعوم من الولايات المتحدة على الأقل، وهو ما يصعب الجزم بإمكانه، كما لا يمكن استبعاد احتماله. 

ربما يريد السراج إضعاف حفتر، لكن يصعب الجزم بأنه سيرتب على هذه الإرادة قرار حرب صرَّح أكثر من مرة بأنه لن يتخذه. أما إذا استطاع حفتر الصمود في الموانئ النفطية وظل يستفيد من التفوق الجوي الخارجي حسب ادعاء خصومه، في إخماد أية محاولة من الجضران والبرغثي لقتاله، واستطاع تحييد بعض القوى العسكرية في الغرب، خاصة مصراتة، من الصراع، فإن ذلك سيؤخِّر أي تقدم باتجاه الحل؛ لأن حفتر سيبدأ عبر التحالفات في تنفيذ مخططاته بالتوسع تجاه الحقول النفطية جنوبًا، كما سيواصل تضييقه الخناق على درنة في الشرق، وسيزيد من إحكام السيطرة على المنطقة الشرقية، ويعطي ذلك دفعة لحلفائه في الغرب، لتحريك بعض الفوضى في العاصمة طرابلس، وبعض المدن الأخرى، وربما في الجنوب. 

إن هذا السيناريو مستبعد إلى حدٍّ ما نظرًا لرجحان ميزان القوة لصالح القوى المسيطرة على الغرب الليبي، وكذلك للعداوة المستحكمة بينها وبين حفتر، خاصة مصراتة، ونظرًا كذلك لوعي كثير من القوى في الغرب الليبي بالأهداف البعيدة لحفتر، والتي يكاد العارفون بالشأن الليبي يُجمعون على أنها لا تتوقف دون حكم ليبيا. 

إن تأخر الحسم باتجاه أحد السيناريوهين (هزيمة حفتر، أو إيجاد موقع له) يعني انفجار حروب صغيرة في مجموعة من المواقع منها الموانئ والحقول النفطية، وحدود سرت الشرقية وجنوب العاصمة وغربها، وصولًا إلى سبها وأوباري في الجنوب، مع استمرار حالة الحرب في بنغازي، والمناوشات في حدود درنة. 

وما لم تسر الأمور باتجاه هزيمة حفتر أو إضعافه عسكريًّا، فليس من المتوقع أن تتوجه ليبيا نحو الاستقرار السياسي ولا أن تنتهي فيها الحروب في الأمد المنظور، لأنه من المستحيل تصور سيطرة حفتر العسكرية على ليبيا، كما يصعب تصور استيعابه في العملية السياسية طالما لا يزال يعتقد أنه يمتلك القدرة العسكرية على فرض شروطه.