بدا واضحًا من قرار الملك المغربي، محمد السادس، إعفاء عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة وتكليف سعد الدين العثماني مكانه، أن الملك المغربي، محمد السادس، لا يريد الخروج عن مقتضيات الدستور والمنهجية الديمقراطية؛ حيث حاول تفعيل صلاحياته الدستورية لإيجاد صيغة مقبولة لإنهاء الوضعية المتعثرة لتشكيل الحكومة.
نجح العثماني في التوصل إلى اتفاق مبدئي على تشكيل الحكومة ومن المرجح أنه سينجح في تشكيلها وقيادتها، إلا أنه سيرأس حكومة غير متجانسة، تعاني من تناقضات عديدة قد تنفجر إذا وقعت تحت ضغط كبير، فتقع الحكومة في أزمة، قد تضطر إلى تجاوزها بإحداث تعديل وزاري، دون الانهيار الكامل، خاصة مع الإشارة الملكية القوية إلى الرغبة في استمرار حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومة في الفترة المقبلة.
مقدمة
يوم الأربعاء، 15 مارس/آذار 2017، صدر بلاغ من الديوان الملكي المغربي بإعفاء رئيس الحكومة المكلَّف، عبد الإله بنكيران، وتكليف رئيس حكومة جديد من نفس حزبه، العدالة والتنمية، الذي تصدَّر نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016. واجتمعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية صباح اليوم التالي (16 مارس/آذار 2017) لتعلن موافقتها على قرار الإعفاء وتدعو المجلس الوطني للحزب للاجتماع يوم السبت التالي لاتخاذ القرارات المناسبة في هذا الصدد. ويوم الجمعة، 17 مارس/آذار، استقبل الملك محمد السادس، سعد الدين العثماني وكلَّفه بإجراء المفاوضات مع الأحزاب الأخرى لتشكيل الحكومة.
وبعد بضعة أيام، أعلن العثماني نجاحه في التوصل لاتفاق مع ستة أحزاب على تشكيل الحكومة، وقبول الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لمقترحه بضم حزب الاتحاد الاشتراكي، وهو الشرط الذي ظل يعارضه رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران. فما تداعيات ذلك على تماسك الحكومة المقبلة وانسجامها وعلى إمكانية استمرارها إلى نهاية ولايتها؟ وما هي أيضًا تداعيات هذا الاتفاق على حزب العدالة والتنمية وتماسكه الداخلي ومستقبل قيادته في أفق المؤتمر العام المقبل صيف هذا العام، ومستقبل أمينه العام عبد الإله بنكيران؟
بنكيران والعثماني أمام الخطوط الحمراء
بعد أكثر من خمسة أشهر على تكليف العاهل المغربي، محمد السادس، لعبد الإله بنكيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية، رئيسًا للحكومة، عقب تَصدُّر حزبه نتائج انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بحصوله على 125 مقعدًا (من أصل 395 مقعدًا في البرلمان المغربي)، وهي ثاني انتخابات عامة تُجرى في ظل الدستور الجديد الذي جرى الاستفتاء عليه سنة 2011، عقب حراك الربيع العربي، فشل بنكيران في تشكيل حكومته. وينص الدستور على تكليف شخصية من الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية بتشكيل الحكومة، دون أن يحدِّد سقفًا زمنيًّا للعملية، أو يحدِّد ماهية الإجراءات التي يجب اتخاذها في حالة فشل الرئيس المكلَّف بتأمين الأغلبية البرلمانية وتشكيل حكومته بناء عليها.
واندلعت هذه الأزمة السياسية بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية (7 أكتوبر/تشرين الأول)، دون قدرته مع حليفه الرئيس، حزب التقدم والاشتراكية، على تحصيل الأغلبية النيابية الكافية لتشكيل الحكومة. وهكذا اضطر الحزب للدخول في مفاوضات مع أحزاب أخرى لتأمين النصاب الضروري لتشكيل الحكومة، فحصل على الموافقة المبدئية من حزب الاستقلال الذي حلَّ ثالثًا في الانتخابات، والرفض من الحزب الثاني، الأصالة والمعاصرة، والحزب الأخير، فيدرالية اليسار، إلا أن بقية الأحزاب الممثَّلة في البرلمان شكَّلت تحالفًا رباعيًّا يقوده زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، والذي اعترض على مشاركة حزب الاستقلال في الحكومة المقبلة، ليصير هذا عنوانًا لبداية أزمة مستفحلة.
وعقب تصريحات زعيم حزب الاستقلال، حميد شباط، حول مغربية موريتانيا، والأزمة الدبلوماسية التي أعقبتها، قرر بنكيران التخلي عن مشاركة حزب الاستقلال، وقدَّم عرضًا جديدًا لأخنوش يقتضي تشكيل حكومة من التحالف الرباعي الذي كان يشكِّل الحكومة السابقة (العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية). لكن أخنوش رفض هذا العرض وأصرَّ على دخول كافة الأحزاب الأربعة التي يتفاوض باسمها إلى الحكومة لضمان هيمنته عليها، وهو ما رفضه بنكيران بشدة مخافة تحول حزبه إلى أقلية في الحكومة التي يُفترض أن يقودها.
وأمام هذه الوضعية المتعثرة (والتي تُسمَّى في المغرب: البلوكاج الحكومي)، أصدر الديوان الملكي بتاريخ 15 مارس/آذار 2017، بلاغًا، يشير إلى قرار الملك محمد السادس إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة وقراره تكليف شخص آخر من حزب العدالة والتنمية رئيسًا بديلًا للحكومة، في إطار الصلاحيات الدستورية الممنوحة للملك (ينص الفصل 42 من الدستور على أن الملك هو الساهر على حُسن سير مؤسسات الدولة وصيانة الاختيار الديمقراطي)، محترِمًا بذلك الدستور المغربي والاختيار الديمقراطي للشعب والمعبَّر عنه في الانتخابات التشريعية السابقة والتي أعطت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى، فنصَّ البلاغ على أن "الملك فضَّل أن يتخذ هذا القرار، من ضمن كل الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نصُّ ورُوح الدستور، تجسيدًا لإرادته الصادقة وحرصه الدائم على توطيد الاختيار الديمقراطي، وصيانة المكاسب التي حققتها بلادنا في هذا المجال".
وبدا واضحًا من قرار إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة وتكليف العثماني مكانه، أن الملك المغربي محمد السادس لا يريد الخروج عن مقتضيات الدستور والمنهجية الديمقراطية؛ حيث حاول تفعيل صلاحياته الدستورية لإيجاد صيغة مقبولة لإنهاء الوضعية المتعثِّرة لتشكيل الحكومة، دون الخروج عن نصِّ الدستور والاختيار الشعبي المعبَّر عنه في الانتخابات الماضية.
وبعد يوم من إصدار القصر الملكي لبلاغ رسمي يعفي بنكيران من مهام رئاسة الحكومة، ويعلن تكليف شخصية ثانية من حزب العدالة والتنمية، اجتمعت الأمانة العامة للحزب، وأصدرت بيانًا تضمَّن مجموعة من النقاط، أهمها: القبول بالقرار الملكي والتعامل معه بإيجابية، مع تحميل مسؤولية فشل تشكيل الحكومة للاشتراطات التعجيزية للأطراف الحزبية الأخرى وليس لعبد الإله بنكيران، والإشارة إلى أنه، وفي ظل بقاء نفس الاشتراطات، لن ينجح أي رئيس حكومة معين في تشكيل حكومته. وقررت الأمانة العامة للحزب دعوة المجلس الوطني (برلمان الحزب) للانعقاد يوم السبت 18 مارس/آذار، لاتخاذ القرارات المناسبة في هذا الصدد، باعتباره أعلى سلطة في الحزب.
أصدر المجلس الوطني مجموعة قرارات، أهمها: القبول بتكليف الملك لسعد الدين العثماني رئيسًا للحكومة مع تحميل مسؤولية التعثر السابق لاشتراطات الأحزاب الأخرى، وتفويض الأمانة العامة للحزب، التي يرأسها عبد الإله بنكيران، مسؤولية متابعة مشاورات تشكيل الحكومة، بدل تفويض الرئيس الجديد المكلف سعد الدين العثماني بهذا الأمر، مع التأكيد على ضرورة إجراء تلك المشاورات "في إطار المنهجية التي عبَّر عنها الحزب، والمعطيات التي ستفرزها عملية التفاوض". وهو ما يعني ضمنيًّا تمسك الحزب بنفس المنهجية السابقة التي أدت إلى إعفاء بنكيران من منصبه وتكليف العثماني مكانه.
وقبل انعقاد المجلس الوطني بيوم واحد، استقبل الملك محمد السادس سعد الدين العثماني وكلَّفه رئيسًا جديدًا للحكومة؛ حيث لم يخرج الخيار الملكي عن الأسماء الثلاثة القيادية في حزب العدالة والتنمية (عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني ومصطفى الرميد)، واحترم التراتبية التنظيمية الداخلية في الحزب بتكليفه الرجل الثاني، رئيس المجلس الوطني، رئيسًا جديدًا للحكومة بعد فشل الرجل الأول، أمين عام الحزب، في تشكيلها، رغم أن القصر كانت لديه خيارات أخرى عديدة لكنه فضَّل عدم الدخول في مواجهة مع الحزب باختياره شخصية لا تحظى بالإجماع الداخلي (مثل وزير النقل عبد العزيز الرباح الذي كان اسمه متداولًا بكثرة باعتباره من حمائم الحزب الأوفر حظًّا)؛ ما سيفتح الباب أمام إمكانية رفض الحزب لهذا الاختيار والدخول في أزمة عميقة مع القصر.
وربما كان أحد الأسباب الأخرى التي دفعت بالقصر لاختيار العثماني رئيسًا للحكومة كونه يعتبر رجلًا توافقيًّا وغير صدامي، لأسباب عديدة على رأسها أنه كان أمين عام حزب العدالة والتنمية في الفترة التي عرفت مواجهة مفتوحة بين النظام السياسي وحزب العدالة والتنمية وعرفت عددًا من الاعتقالات والمتابعات القضائية في صفوف قيادات الحزب (جامع المعتصم مثلًا)، والتضييق على الحزب لمنعه من إدارة مجالس المدن الكبيرة والذي وصل إلى حدِّ التدخل الأمني العنيف (مدينة وجدة مثلًا)، وظل العثماني محافظًا على مواقفه التوافقية ورفضه للاصطدام مع الدولة؛ وهو ما دفع بمناضلي الحزب في المؤتمر التالي للحزب، سنة 2008، إلى انتخاب عبد الإله بنكيران أمينًا عامًّا بدل سعد الدين العثماني الذي كان منافسه الأساسي، باعتبار المرحلة تقتضي تسلُّم رجل قوي للقيادة من أجل مواجهة التحديات التي تعرفها المرحلة. لكن مجيء رياح الربيع العربي سنة 2011، أعادت خلط كل الأوراق في المغرب، فاضطر النظام للانحناء للعاصفة بقبول ترؤُّس حزب العدالة والتنمية للحكومة، فتولى العثماني وزارة الخارجية في النسخة الأولى من حكومة بنكيران، لكن جرت تنحيته لاحقًا، وظل الرجل صامتًا عن الأسباب الحقيقية لخروجه من الحكومة، واحتفظ بعلاقة جيدة مع جميع الأطراف السياسية طوال الوقت.
المسارات والتداعيات
لعل السؤال المحوري الآن في المغرب هو: ماذا بعد تكليف العثماني رئيسًا جديدًا للحكومة وإعلانه التوصل إلى اتفاق على تشكيلها رسميًّا من ستة أحزاب؟ للإجابة على هذا السؤال يوجد عدد من السيناريوهات المحتملة لتداعيات التوصل إلى اتفاق على تشكيل الحكومة بالمغرب سواء على مستقبلها أو مستقبل حزب العدالة والتنمية الذي يقودها:
أولًا: على مستوى حزب العدالة والتنمية، فإنه يبدو واضحًا من خلال القرارات الأخيرة للأمانة العامة للحزب بقبول تكليف سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة ثم القبول بمقترحه القاضي بالتخلي عن اللاءات السابقة التي وضعها سلفه عبد الإله بنكيران، والقبول بدخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة دون دخول حزب الاستقلال إليها، أن قيادة الحزب قررت أخيرًا القبول بشروط التحالف الرباعي الذي يقوده عبد العزيز أخنوش، وبالتالي الانحناء للعاصفة بدل الدخول في مواجهة مفتوحة مع الدولة العميقة (المخزن)، مبرِّرة ذلك بشعارات التدرج في الإصلاح والتراكم والحفاظ على الاستقرار والمكتسبات. ويبدو أن انعكاسات هذه القرارات الجديدة قد بدأت في الظهور مع اندلاع موجة تذمر واسعة في صفوف القواعد وصلت حدَّ تقديم البعض لاستقالاتهم من الحزب، وخسارة الحزب جزءًا واسعًا من التعاطف الشعبي معه في المرحلة الأخيرة باعتباره كان يقف في مواجهة الدولة العميقة. وبالرغم من أن ذلك ستكون له انعكاسات سلبية على شعبية الحزب التي حصل على جزء كبير منها بسبب تلك المواقف وبسبب كاريزمية زعيمه السابق، عبد الإله بنكيران، إلا أن ذلك لن يؤدي غالبًا إلى حصول أية انشقاقات كبيرة داخل الحزب، في ظل غياب استقطاب أيديولوجي حاد.
أما بنكيران، فإنه سيواجه معضلة الاختيار بين موقعه القيادي أمينًا عامًّا للحزب الذي يفرض عليه الدفاع عن الحكومة وبين الوفاء لمواقفه السابقة الرافضة لها، وقد يميل إلى الخيار الثاني فيتراجع إلى الخلف، حفاظًا على صورته كقائد صلب لا يسلِّم في مبادئه مقابل مناصب في السلطة، ومستثمرًا في قطاع المتذمرين داخل الحزب من التشكيلة الحكومية الحالية، فيفسح المجال لانتخاب سعد الدين العثماني أمينًا عامًّا جديدًا للحزب، وينتظر استدعاءه مجددًا من قبل مناضلي الحزب في مرحلة مقبلة، كما حصل سابقًا سنة 2008، حين خلف العثماني في زعامة الحزب على خلفية نشأة حزب الأصالة والمعاصرة ودخول الحزب في مواجهة مفتوحة معه. مع ذلك يبقى احتمال بقائه في قيادة الأمانة واردًا إذا توصل مع العثماني إلى صيغة توافقية لتوزيع الأدوار فيما بينهما، بين جناح يحرص على تعزيز شعبية الحزب وجناح على التفاهم والتوافق مع الدولة العميقة، وإن كانت المحافظة على هذا التوازن صعبة وعرضة للفشل. يمكن أيضًا أن يختار بنكيران مغادرة الحزب وتشكيل قوى سياسية بديلة تستند إلى القواعد الشعبية التي وثقت فيه وتراهن على قدرته على إضعاف الدولة العميقة.
ثانيًا: يبدو أن هذه الحكومة ستتشكل بيسر وسهولة كبيرة، بعد اتفاق الأحزاب الستة المكونة لها، ضمنيًّا على توزيع القطاعات الوزارية المهمة، التي يبدو أنها لن تختلف عن حكومة بنكيران الثانية سوى في دخول حزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي اللذين سيتقاسمان جزءًا من الحصة السابقة لحزبي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، مع احتفاظ أخنوش بالقطب الاقتصادي والتنموي بين يديه (وزارات المالية والاقتصاد والفلاحة والصناعة والتجارة)، واحتفاظ القصر بوزارات السيادة الأساسية في الدفاع والداخلية والأمانة العامة للحكومة والخارجية وربما يضاف إليها حتى وزارة العدل، في حين قد تتقاسم بقية الأحزاب ما تبقى من المناصب الحكومية كل حسب وزنه الانتخابي.
ويبدو أن هذه الحكومة ستعرف صراعات عديدة وعدم استقرار؛ حيث ستبرز خلافاتها مبكرة حول البرنامج الحكومي مع بدء رسم السياسات العامة للحكومة المقبلة، وعلى رأسها موضوع إزالة الدعم عن الغاز واستكمال إصلاح صندوق المقاصة والدعم المباشر للفقراء، والتي يعترض عليها زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش أخنوش، بشدة، إضافة إلى طريقة تطبيق مشروع تعويم العملة وبقية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ومن بينها مثلًا صندوق التنمية القروية الذي كان محطَّ خلاف سابق بين أخنوش وبنكيران، لكنها قد تبقى على قيد الحياة، ما دامت تحظى بدعم الملك محمد السادس لها، مع احتمال أن لا تكمل هذه الحكومة ولايتها كاملة كما حصل مع حكومة بنكيران الأولى، وبالتالي حدوث تعديل وزاري عليها، قد يُدخل حزب الاستقلال إلى الحكومة في حالة انتزاع نزار بركة زعامة الحزب من حميد شباط، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة تعيد رسم المشهد السياسي في المغرب من جديد.
قيادة التنافر
نجح سعد الدين العثماني في التوصل إلى اتفاق مبدئي على تشكيل الحكومة ومن المرجح أنه سينجح في تشكيلها وقيادتها، لاعتبارين: شخصيته التوافقية، ونجاحه في إقناع قيادة حزبه بمساندته والتخلي عن الخطوط الحمر التي كان يضعها بنكيران. إلا أنه سيرأس حكومة غير متجانسة، تعاني من تناقضات عديدة قد تنفجر إذا وقعت تحت ضغط كبير، فتقع الحكومة في أزمة، قد تضطر إلى تجاوزها بإحداث تعديل وزاري، دون الانهيار الكامل، خاصة مع الإشارة الملكية القوية إلى الرغبة في استمرار حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومة في الفترة المقبلة. وهناك عوامل عديدة تدعم هذا التوجه، على رأسها أن القصر قد لا يريد حاليًّا لحزب العدالة والتنمية الذهاب إلى المعارضة، التي يتقنها جيدًا وراكم فيها خبرة طويلة؛ لأن ذلك سيقوِّيه أكثر ويضعه في صورة الضحية التي جرى التآمر عليها من طرف قوى الدولة العميقة. كما أن البلاد مقبلة على عدد من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الحساسة والتي تتطلب وجود حكومة قوية وذات شعبية واسعة، لتكون لديها القدرة على تمرير عدد من السياسات التي توصف بأنها "غير شعبية"، مثل الرفع النهائي للدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية، إضافة إلى عدد من القرارات الاقتصادية ذات المخاطر العالية من قبيل "تعويم العملة" الذي بدأه المغرب بشكل تدريجي منذ بداية هذه السنة. وفي حالة عدم وجود حكومة تحظى بثقة الشعب، فإن هذه القرارات قد تتسبَّب في مزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي يهدد بنقل المعركة إلى الشارع مجددًا والعودة إلى لحظة ما قبل الدستور الجديد.