دواعي التقارب بين حفتر والسراج وآفاق تسوية الأزمة الليبية

فتح تقارب السراج وحفتر إمكانية تجاوز العقبة التي ظلَّت تعطِّل تطبيق اتفاق الصخيرات، لكن من جانب آخر قد يؤدي إلى انهياره وإحداث تصدعات في صفوف الطرفين تمنعهما من تطبيق أي اتفاق بينهما.
a61426918d384189b616f2d9f10e02b3_18.jpg
حفتر والسراج: توافق المضطرين [Daylife]

فاجأ قائد عملية الكرامة، خليفة حفتر، الأنصار قبل الخصوم بقبوله الاجتماع برئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، في أبوظبي، في 2 مايو/أيار 2017، بعد أن كان يرفض الاعتراف به. وقد يكون التغيير الجذري في موقفه يرجع لضغوط دولية مباشرة استجاب لها حلفاؤه الإقليميون. 

ردود الفعل على التقارب بين السراج وحفتر كانت مختلفة على صعيد الجبهتين الغربية والشرقية، فالمكانة التي يتمتع بها خليفة حفتر في الشرق تحول دون معارضة جدية لقراراته. وفي المنطقة الغربية، هناك شريحة واسعة باركت اللقاء أملًا في أن يوقف التقارب تردي الوضع الأمني والاقتصادي، في مقابل تشكيلات سياسية وعسكرية عبَّرت عن سخطها، واتسمت ردَّة فعل بعضها ببعض العنف.

من الواضح أن قبول حفتر بالاتفاق والوفاق إنما يأتي في ظل انسداد الأفق أمام إمكانية الحسم العسكري للسيطرة على مقاليد الأمور في البلاد، وبالتالي فسيكون من العملي بالنسبة له محاولة فرض شروطه من خلال التفاوض؛ مما يعني أن اتفاق الصخيرات قد ينهار أو أنه سيشهد تعديلات جذرية.

مقدمة 

فاجأ قائد عملية الكرامة، خليفة حفتر، الأنصار قبل الخصوم بقبوله الاجتماع برئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، في أبوظبي، في 2 مايو/أيار 2017، بعد أن كان يرفض الاعتراف به. وقد يكون التغيير الجذري في موقفه يرجع لضغوط دولية مباشرة استجاب لها حلفاؤه الإقليميون. 

لم تكن تصريحات خليفة حفتر تجاه المجلس الرئاسي منذ تشكله ودخوله العاصمة طرابلس، في مارس/آذار 2017، إيجابية على الإطلاق، بل إن حفتر وصف المسار التوافقي بالعبث وأن اتفاق الصخيرات لا يمكن أن يبني دولة بل سيكون سببًا لهدم ليبيا، واعتبر اتفاق الصخيرات وثيقة لا تحمل من الوفاق إلا الاسم، وأن الاتفاق شكَّل منفذًا واسعًا للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لليبيا.

تشبث حفتر بموقفه الرافض للوفاق والاتفاق السياسي طيلة فترة التفاوض وحتى بعد التوقيع عليه وإعلان عواصم دولية مهمة تأييدها له، ورفض لقاء فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، وذلك بعد وصول كل منهما إلى القاهرة، في فبراير/شباط 2017، بدعوة من الحكومة المصرية، وذلك في مسعى من الأخيرة لدمج حفتر في الاتفاق السياسي بعد اعتماد المجلس الرئاسي كممثل وحيد للسلطة التنفيذية في البلاد من قبل المجتمع الدولي.

فشل حفتر في فرض سلطته بالقوة المسلحة، وفاقم من تردي الأوضاع في ليبيا؛ مما عزَّز الضغوط عليه بغرض الرضوخ للتوافق السياسي المدعوم دوليًّا، وهو ما حدا بالقاهرة وأبوظبي للتراجع عن مقاربة الدعم غير المحدود وغير المشروط لحفتر.

دواعي التقارب

اتضح لكل الأطراف المتابعة للشأن الليبي من الداخل والخارج أن تعنُّت رئيس البرلمان وقائد الجيش التابع له يأتي في مقدمة أسباب تعثر الاتفاق السياسي وتعثر أداء المجلس الرئاسي والحكومة التابعة له، فالمعارضون للاتفاق في المنطقة الغربية اكتفوا بالانتقاد ولم يحركوا ساكنًا طيلة ستة الأشهر الأولى من استلام المجلس الرئاسي مقاليد الأمور، وحتى الحراك الذي افتعله خليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ، ظلَّ محدودًا وتم احتواؤه، لكن ظل صدود البرلمان والجيش السبب المباشر لضعف الوفاق. 

لقد راهن حفتر منذ إطلاق عملية الكرامة، في منتصف 2014، بقوة على الخيار العسكري في فرض وقائع على الأرض تُغيِّر قواعد اللعبة السياسية لصالحه، فكان أن سيطر على موانئ النفط في وسط البلاد، ونجح في تحريك الموالين له للسيطرة على عاصمة الجنوب سبها، ولم يدِّخر جهدًا في كسب بعض المجموعات المسلحة في طرابلس وفي جنوبها الغربي، وتأكيده المستمر على ضرورة السيطرة على طرابلس بقوة السلاح.

لكن رغم مرور 3 سنوات، والخسائر الكبيرة لحرب بنغازي التي لحقت بالإنسان والعمران؛ فإن حفتر لم ينجح في السيطرة على أهم المواقع التي يتمركز فيها مجلس شورى ثوار بنغازي، وهما وسط المدينة والأحياء المجاورة له.

أيضًا أدَّى طول أمد الحرب والخسائر الناجمة عنها إلى تصدع في جسم قوات عملية الكرامة؛ حيث انشق عدد من الضباط الميدانيين متهمين حفتر بالمماطلة وتعريض المقاتلين لمحرقة دون توفير الدعم الكافي. وتحول القائد الميداني، العقيد المهدي البرغثي، إلى معسكر الخصوم ليصبح وزيرًا لدفاع حكومة الوفاق ويشرف على عمليات عسكرية في مواجهة حفتر وقواته منها عملية العودة إلى بنغازي التي نفذتها قوة سرايا الدفاع عن بنغازي، وعملية الأمل الموعود بهدف التصدي لهجوم الجنوب الذي قادة اللواء ابن نايل المتحالف مع حفتر.

صيغة التوافق

لم يصدر عن المجتمعين في (أبوظبي) بيان مشترك يشير إلى ما تم الاتفاق عليه، ونقلت بعض الوسائل الإعلام عن مصادر وصفتها بالخاصة أن الطرفين اتفقا على:

- إلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي والتي تنص على عدم قبول حفتر في المشهد السياسي والأمني.

- إعادة هيكلة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.

- توحيد الجيش والعمل على تطويره.

- وحدة التراب الليبي والتصدي لمخططات التقسيم.

- رفض التدخل الأجنبي. 

- مكافحة الإرهاب.

المصادر ذاتها تحدثت عن الاتفاق على تشكيل حكومة منفصلة ومستقلة عن المجلس الرئاسي، فيما تم الاتفاق أيضًا على احترام أحكام القضاء، كما جرى التوافق على معالجة قضية المهجَّرين والنازحين وكذلك حل أزمة الجنوب.

ومما تناقلته وسائل الإعلام اتفاق الطرفين على الإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية في موعد أقصاه مارس/آذار 2018.

تداعيات التقارب

ردود الفعل على التقارب بين السراج وحفتر كانت مختلفة على صعيد الجبهتين الغربية والشرقية، فالمكانة التي يتمتع بها خليفة حفتر في الشرق تحول دون معارضة جدية لقراراته حتى لو كانت ضدَّ ما صرَّح به سابقًا وخلافًا لما روَّجه بين أنصاره.

في المنطقة الغربية، تباينت ردود الفعل بسبب اتساع هامش حرية التعبير، فهناك شريحة واسعة باركت اللقاء أملًا في أن يوقف التقارب تردي الوضع الأمني والاقتصادي، في مقابل تشكيلات سياسية وعسكرية عبَّرت عن سخطها، واتسمت ردَّة فعل بعضها ببعض العنف؛ إذ إن كتيبة من منطقة سوق الجمعة حركت آلياتها المسلحة نحو مقار المجلس الرئاسي في ردَّة فعل لها علاقة بلقاء (أبوظبي) وبالدور المحتمل لخليفة حفتر في المعادلة السياسية الجديدة؛ ففي مارس/آذار 2017، اقتحمت كتيبة من منطقة سوق الجمعة قاعدة أبو ستة التي يتخذها المجلس الرئاسي مقرًّا له كردَّة فعل غاضبة على تصريحات لحفتر بالعزم على دخول العاصمة؛ الأمر الذي دفع الرئاسي إلى إصدار بيان يدين التصريحات.

كذلك في رفض التقارب بين حفتر والسراج، ورفض تصريحات وزير خارجية حكومة الوفاق، محمد سيالة، التي أكد فيها الاعتراف بحفتر كقائد عام للجيش، أعلن ضباط الجيش في المنطقة الغربية وفي الجنوب، في اجتماعهم بمدينة زوارة، الأحد 7 مايو/أيار 2017، عن عدم اعترافهم بقيادة حفتر للجيش واعتبروا قواته مجموعة خارجة عن القانون، وتبعهم في ذلك موقف جماعي لنشطاء سياسيين ومنظمات أهلية.

 

آفاق الاتفاق

من الواضح أن قبول حفتر بالاتفاق والوفاق إنما يأتي في ظل انسداد الأفق أمام إمكانية الحسم العسكري للسيطرة على مقاليد الأمور في البلاد، وبالتالي فسيكون من العملي بالنسبة له محاولة فرض شروطه من خلال التفاوض، مما يعني أن اتفاق الصخيرات قد ينهار أو أنه سيشهد تعديلات جذرية يصرُّ عليها حلفاء حفتر في المنطقة الشرقية وتحدث به سابقًا الناطق الرسمي للجيش التابع للبرلمان، أحمد المسماري. 

من جهة أخرى، فإن أمام خيار التسوية التفاوضية، إذا اضطر حفتر إلى الالتزام به كخيار رئيسي، عقبات أظهرتها المعارضة الشديدة لدمج حفتر في العملية السياسية واستغلاله الوضع السياسي والأمني والاقتصادي المتدهور للإمساك بالسُّلطة، وقد يضاعف رضوخ السراج لشروط حفتر من الغضب الموجود في مناطق عديدة بليبيا ويرفع من منسوب التوتر في العاصمة طرابلس وقد يعجِّل بسيناريو المواجهات المفتوحة.

أيضًا، فإن حالة التأرجح في الأوضاع وتركيز حفتر على العاصمة على حساب تسوية النزاعات بالمنطقة الشرقية، التي عانت كثيرًا خلال ثلاثة أعوام المنصرمة، قد تحفز معارضيه، في المنطقة الشرقية، للتصدي له على خلفيات جهوية وقبلية مستغلة التغير في موقفه تجاه الوفاق؛ فقد صنع حفتر بمواقفه السابقة رأيًا عامًّا مناهضًا للوفاق، ومن المحتمل أن يؤدي النكوص عن موقفه السابق إلى اضطرابات تزيد جبهته تصدعًا. 

هذه العقبات، قد ترجح احتمالات أخرى، كانت الدافع إلى نكوص حفتر عن مواقفه السابقة تجاه الاتفاق وتجاه المجلس الرئاسي، مثل قبوله بالاتفاق كمناورة لأجل التقاط الأنفاس وتجاوز الضغوط الإقليمية والدولية، وبالتالي، ووفقًا لهذا السيناريو، فإن حفتر سيعود لمواقفه المتشددة، والتعويل على الحسم العسكري، بمجرد أن تسنح الفرصة وتخف الضغوط، أو أن يكون رهان حفتر منصبًّا على التهدئة بغرض التمهيد لإجراء انتخابات رئاسية، قد يحسب أن حظَّه سيكون وافرًا فيها، فيحقق ما يطمح إليه من خلال مسار سلمي يلقى التأييد المحلي ويتمتع بالدعم الخارجي.

من جهة حكومة الوفاق، قد تؤدي تنازلاتها لحفتر إلى تمرد عدد من الفصائل المسلحة والتشكيلات السياسية التي كانت تساندها، في طرابلس ومصراتة أو الجنوب، ولعل الهجوم الذي شنَّته قوات موالية لحكومة الوفاق على قوات تابعة لحفتر ببراك الشاطئ في الجنوب، 18 مايو/أيار 2017، دون إذن من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، دليل على هذا الاتجاه، مما يضطر المجلس الرئاسي، إما إلى التراجع كليًّا أو جزئيًّا عن الاتفاق، أو الدخول في مواجهة مسلَّحة لا تصب في صالحه، أو قد يغير مكان تواجده إلى المنطقة الشرقية ليحتمي بحفتر، فيخاطر بالتالي بفقدان أي دعم حقيقي من المنطقة الغربية والجنوبية.