مقدمة
يبدو أن أداء المؤسسات الإعلامية في الجزائر لم يرق ليحظى برضا الجميع: الصحافيين، وأرباب المؤسسات الإعلامية، والجمهور(1)، وحتى السلطات العمومية التي ظلت تنتقد ما تُقدِّمه وسائل الإعلام على لسان وزراء الاتصال الذين رفعوا شعار تطهير قطاع الإعلام(2) من الدخلاء لمعالجة "اختلالاته" و"انحرافاته". وقامت السلطات العمومية بإصدار مرسوم تنفيذي خاص بالصحافة الإلكترونية رقم (332-20)(3)، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقانون الإعلام الذي صادقت عليه غرفتا البرلمان، في مارس/آذار 2023(4)، ثم مشروع قانوني الصحافة المطبوعة والإلكترونية، والنشاط السمعي البصري. إن هذا التركيز على قوانين الإعلام يعبِّر عن اقتناع السلطات العمومية بأن إصلاح المنظومة الإعلامية يتجسد عبر تعزيز الترسانة التشريعية المُنَظِّمة للنشاط الصحفي والضابطة له.
صنَّف الباحث الأميركي، وليم روو (William Rugh)، المنظومة الصحفية الجزائرية في إطار الصحافة التعبوية، ضمن ست دول عربية، في كتابه الصادر عام 1979(5)، نظرًا لإخضاع الصحف للرقابة، ولقيام جزائر ما بعد الاستقلال بحظر الأحزاب السياسية المعارضة وصحفها، ولتبعية المنظومة الصحفية للنظام السياسي الذي تبنَّته الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية نهاية ثمانينات القرن الماضي. وتراجع وليم روو عن هذا التصنيف في الطبعة الثانية لكتابه في العام 2004، وأدرج الصحافة الجزائرية في خانة البلدان العربية التي تعيش مرحلة انتقالية(6) نحو الديمقراطية بجانب مصر، والأردن، وتونس. ولعله استند في ذلك إلى إيمانه بدور الصحف الخاصة في التحول الديمقراطي في الجزائر بعد أن رفعت الدولة يدها عن احتكار وسائل الإعلام بموجب قانون الإعلام رقم (90-07)، الصادر في 3 أبريل/نيسان 1990.
وافق بعض الباحثين والصحفيين على هذا التصنيف، مثل الباحث كاي حافظ (Kai Hafez)(7)، وفائزة بن عبيد التي رأت أن أحداث* أكتوبر/تشرين الأول 1988 التي جرت في الجزائر، سجَّلت بداية عصر جديد للديمقراطية وحرية التعبير في تاريخ الجزائر ما بعد الاستقلال، خاصة في الحقل السياسي بعد إقامة التعددية السياسية وظهور الصحافة المستقلة(8). لكن بعد مرور عقد من الزمن، أي في مطلع القرن الحادي والعشرين، ستعرف الجزائر تغيرات سياسية واجتماعية عميقة، ستؤثر أيضًا في المنظومة الإعلامية وبيئة العمل الصحفي، وهو ما يُشكِّل اختبارًا للتصنيفات المذكورة، وفحصًا لإجرائيتها في فهم تلك التأثيرات وتفسير تحولات المنظومة الإعلامية.
وهنا، تبرز المشكلة البحثية كما يُؤطِّرها الحقل الاستفهامي الآتي: هل ينطبق التوصيف الذي أطلقه وليم روو (الصحافة الانتقالية) على طبيعة المنظومة الإعلامية الجزائرية في مطلع العقد الحالي؟ وهل يُفسِّر إقدامَ السلطات العمومية على اتخاذ بعض القرارات التنظيمية في قطاع الإعلام، ثم التراجع عنها؟ وهل يُبرِّر التصنيف ازدواجية سلوك الحكومات المتعاقبة في قطاع الإعلام التي بلغت حدَّ المفارقة: صرف النظر عن تطبيق بعض البنود القانونية على البعض، مع كل ما يترتب عنه مهنيًّا وإعلاميًّا، والتشدد في تطبيقها على البعض الآخر؟ وكيف استطاعت المنظومة الإعلامية أن تُحققِّ الإجماع المذكور أعلاه على أدائها؟ وما السبيل للنهوض بها؟
تواجه دراسة المنظومة الإعلامية الجزائرية وتحولاتها عقبات منهجية حتى تُحصَّن علميًّا، لأنها تُشكِّل امتدادًا للماضي الذي ينعكس على حاضرها ومستقبلها، كما تعتبر ساحة للصراع الاجتماعي والسياسي والثقافي، وأداتَه في آن واحد. فمن الصعب تاريخيًّا ومنهجيًّا قراءة تطور المنظومة الإعلامية في الجزائر بمعزل عن النظام السياسي والبناء الثقافي للدولة الجزائرية. لذا، يبدو أن تشريح المنظومة الإعلامية الجزائرية بمكوناتها وآلياتها الداخلية يتطلب الاستعانة ببعض المتغيرات الخارجية المؤثرة في تطورها، تلخصها بعض المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع السياسي، وهي: الميراثية المحدثة، والشعبوية، والمحسوبية، التي تُؤطِّر هذه الدراسة للكشف عن تأثيرها في العمل الإعلامي وحرية الصحافة، ومن ثم الحق في الإعلام.
على الرغم من إجماع المفكرين على أن حرية الصحافة تُشكِّل جزءًا أساسيًّا من حقوق المواطن، خاصة حرية التعبير، التي تسمح لأبناء المجتمع من استجلاء الحقيقة، وتساعدهم في الاطلاع والمعرفة، إلا أن النقاش حول ممارستها شكَّل موضوع سجال شحنه النزاع الأيديولوجي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فاعتبرها البعض مجرد طموح مثالي لصعوبة انفلات وسائل الإعلام من قبضة اقتصاد السوق، أو من ضغوط السلطات السياسية، واعتبرها البعض الآخر عملية "بناء اجتماعي ومهني" رسختها النظرية المعيارية التي تُحدِّد تطلعات مؤسسات المجتمع والدولة والجمهور إلى وسائل الإعلام، في ظل تباين اقتصادات الإعلام واختلاف الثقافات والنظم السياسية.
لجأ الأمبريقيون إلى ضبط حرية الصحافة إجرائيًّا، أي سحبها من الإطار الفلسفي وتنزيلها إلى الواقع العينيِّ، من خلال وضع جملة من الشروط التي تتطلبها هذه الحرية ويمكن معاينتها في الممارسة، مثل: المستوى التعليمي للجمهور، ومستواه الاجتماعي، ومقدرته على حيازة عُدَّةِ تكنولوجيا الاتصال والإعلام، وحماية الصحافيين...إلخ(9). وتجاهلت بعض المنظمات الدولية جلَّ هذه الشروط، في تعريفها الإجرائي لحرية الصحافة، ورأت بأنها "مقدرة الصحافيين الفعلية، بصفتهم أفرادًا أو جماعات، على انتقاء الأخبار وإنتاجها وتوزيعها لفائدة المصلحة العامة، بعيدًا عن التدخل السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي، وبدون تهديد صحة الصحافيين البدنية والعقلية"(10).
وعلى الرغم من صعوبة قياس حرية الصحافة، وضعت منظمة "فريدوم هاوس" الأميركية (Freedom House)، في 1979، ثلاثة مقاييس لتصنيف هذه الحرية في دول العالم؛ وهي: البيئة القانونية التي تُتيحها، والتأثير السياسي الذي يُعيقها، والضغوط الاقتصادية التي تُمَارَس عليها(11). ووضعت منظمة "صحافيون بلا حدود" خمسة مؤشرات لتصنيفها، وهي: السياق السياسي، والإطار القانوني، والسياق الاقتصادي، والسياق الاجتماعي والثقافي، والسياق الأمني. وستظهر هذه المؤشرات في تشريح بنية المنظومة الإعلامية الجزائرية.
1. الإطار المفاهيمي للبحث
الميراثية المحدثة (الباتريمونالية الجديدة)
تُمثِّل الميراثية المحدثة، أو الباتريمونالية الجديدة (Neopatrimonialism)، شكلًا من التنظيم السياسي تقوم فيه السلطة على حكم الفرد/القائد/الزعيم بشكل مباشر أو غير مباشر. ويعتبرها المفكر وعالم الاجتماع، ماكس فيبر (Max Weber)، نمطًا من الحكم التقليدي الذي يغيب فيه كل تمييز بين ما هو خاص، وما هو عام. ويرى السوسيولوجي شموئيل أيزنشتات (Shmuel Eisenstadt)(12) أن الميراثية المحدثة تؤثر في نوع العلاقة التي تقام بين المركز السياسي ومحيطه، وتفرض قنوات تُوظَّف من خلالها النخبة السياسية التي تعيد إنتاج ذاتها.
ويدعو الأكاديمي عيسى قادري إلى إعادة قراءة الميراثية الجديدة في ممارسة السلطة بالجزائر على ضوء ما تُدِرُّه الإدارة السياسية من منافع تعتبر حقوقًا خاصة. فالفصل بين المجالين الخاص والعام الذي يميز الدولة الديمقراطية العصرية لم يدخل في الحسبان في الأفعال والقرارات التي تتخذ في الجزائر(13). ويرى العياشي عنصر، أستاذ علم الاجتماع السياسي(14)، أن الميراثية تجسدت في الجزائر عبر قيام الدولة بإعادة توزيع الريع على رجال السلطة وأهلهم وحاشيتهم لتعيد التشكيل الطبقي للمجتمع؛ إذ تجعل الثروة مرتبطة بقوة السلطة وليس بالقوانين الاقتصادية. وقد شكَّلت الشعبوية الأسس الأيديولوجية لهذه الميراثية في الجزائر، وتغذَّت من المحسوبية.
الشعوبية
تُعد الشعبوية مفهومًا إشكاليًّا يصعب حصره لما يتضمنه من معان عديدة لا تخلو من تناقض(15)، مما يوحي بوجود أنواع من الشعبوية. ويعود السبب في ذلك إلى أن معنى هذا المفهوم يتوقف على المكان الذي نشأ فيه، والبلد الذي تطور فيه(16). فأبعاد الشعبوية في الأنظمة الديمقراطية المتقدمة تختلف عنها في الأنظمة التسلطية، لذا يعتبرها البعض عبارة عن أيديولوجيا(17). ويرى البعض الآخر أنها ليست أسلوبًا في الحكم بل إستراتيجية(18) تقوم على "إحياء أسطورة الجماعة الموحدة في الماضي"(19)، وتروم الاستيلاء على الحكم أو الاحتفاظ به. وترتكز على الزعيم/القائد الذي يُمثِّل الأمة ويُجسِّد روحها وقيمها. لذلك تعتبر شكلًا من الحكم الأوتوقراطي في بعض الأنظمة التي تؤمن بالفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. وتعارض استقلالية وسائل الإعلام، وترفض التعددية السياسية التي تراها تهديدًا للوحدة الوطنية وانشقاقًا في وسط الشعب.
لا يخلو تفسير العلاقة الجدلية للشعبوية بوسائل الإعلام من صعوبة؛ فالخطاب الشعبوي يلجأ إلى هذه الوسائل من أجل توسيع انتشاره، وتوظف وسائل الإعلام الخطاب الشعبوي لكسب المزيد من الجمهور وتعزيز تأثيرها.
ويؤكد الكثير من الباحثين الجزائريين، على غرار الهواري عيدي وعيسى قادري والعياشي عنصر، على الطابع الشعبوي للنظام الجزائري. لقد كشفوا عن جذوره في حركة النضال ضد الاستعمار شارحين أسبابه التاريخية والاجتماعية والثقافية. فرُسِّخت الشعبوية في السنوات الأولى لاستقلال الجزائر كأسلوب في الحكم، ورسمت مسار الحياة السياسية برمته. لقد استندت في نظر الباحث هواري عدي(20) إلى اعتقاد بأن الشعب يعتبر جسدًا سياسيًّا واحدًا ومتجانسًا لا تُفرِّقه النزاعات والخلافات الكبرى، وإنْ حدثت هذه النزاعات فهي صنيعة الخونة وأعداء الوطن في الداخل والخارج. فقد شكَّل الشعب قوة ثورية فعلية حرَّرت البلاد من الاستعمار، ولا يزال ثوريًّا. وتتنافى الشعبوية والسياسة، في نظر الباحث عدي، لإيمانها بأن إدارة الشأن العام وممارسة السلطة يجب أن تكون خالية من أي صراع أو نزاع أو تعارض في المصالح. إنها أيديولوجيا تحتكر الحديث باسم الشعب الموحد، وتُجنِّده ضد العدو الخارجي.
جعلت الشعبوية الأحزاب السياسية الجزائرية، التي ظهرت بموجب دستور 1989، "تتصرف وكأنها أحزاب وحيدة تُعيد إنتاج الفكر والخطاب الشعبوي الأحـادي على مستوى المشروع الاجتماعي الذي تسعى إلى تحقيقـه، وليس على مستوى حياتها الداخلية فقط"(21).
المحسوبية
تُعرف المحسوبية (Clientelism) بأنها علاقات شخصية وغير متكافئة، في آن واحد، يهيمن عليها تبادل الإعانات المفيدة للطرفين(22). ويرى الأنثروبولوجي الأميركي، إريك وولف (Eric Wolf)(23)، أن الولاء هو المعيار الأساسي للمحسوبية التي تتعارض مع عقلانية السوق كشكل من التنظيم الاجتماعي. وتظهر في الغالب في المناطق ذات التطور الاجتماعي والاقتصادي المتواضع، أو في البلدان التي تكون فيها الدولة ضعيفة وعاجزة عن توفير الخدمة العمومية للأشخاص العاديين.
تبدو هذه المفاهيم الثلاثة متداخلة، والمراجع التي في متناولنا لا تساعد في الإجابة النظرية عن الأسئلة التالية: أي مفهوم نتج عن الآخر أو أيهما يخدم أكثر الآخر؟ وكيف تتجلى هذه المفاهيم عمليًّا في المنظومة الإعلامية؟ سيحاول الباحث الإجابة عن هذين السؤالين بعد تشريحها؟
2. في مفهوم المنظومة الإعلامية وتصنيفها
يصف المفكر والأكاديمي، دينيس ماكويل (Dennis McQuail)(24)، المنظومة الإعلامية بأنها مجموعة من وسائل الاتصال الجماهيري القائمة في مجتمع ما. تتميز بجملة من الخصائص منها: مستوى تبعيتها سياسيًّا، وتنوعها، ومصادر تمويلها، ودرجة ضبطها، والمراقبة العمومية التي تمارَس عليها. وحتى نفهم التغيرات التي طرأت وتطرأ على ما هو مشترك في وسائل الإعلام في بلد ما، وندرك أسس إدارته، من الضروري إخضاع هذا المشترك للتصنيف الذي يسمح بجعل جديده مألوفًا، ومجهوله معلومًا(25). فبدون تصنيف يغرق الدارس في تدفق المعلومات المتجددة والتغيرات التي تحدث في قطاع الإعلام، ويستعصي عليه فهم الأسس التي يستند إليها، والأهداف المعيارية التي يرومها. فالمنظومة الإعلامية، تُمثِّل شبكة من التفاعلات بين القوانين، ونمط الملكية، ومصادر التمويل، والمؤسسات الصحفية، والتصور لدور الوسيلة الإعلامية في المجتمع.
يعرض كتاب "النظريات الأربع للصحافة"، لفريدريك سيبيرت (Fredrick S. Siebert) وتيودور بيترسون (Theodore Peterson) وويلبر شرام (Wilbur Schramm)، أقدم تصنيف للمنظومات الإعلامية، والذي تضمن النماذج التالية: السلطوي، والليبرالي، والشمولي، ونموذج المسؤولية الاجتماعية. لم يهتم هذا التصنيف بالسير العملي للأنظمة الإعلامية والأنظمة الاجتماعية التي يجري فيها، بل انشغل بالنظريات العقلانية التي تؤسس لمشروعية الأنظمة الإعلامية(26). وهذا ما دفع مؤرخ وسائل الإعلام، جون نيرون (John Nerone)، إلى الحكم على هذا التصنيف بأنه يتضمن نظرية واحدة بأربعة أمثلة(27).
إن التحولات التي عاشها ويعيشها قطاع الإعلام في البلدان العربية تجاوزت التصنيف الثلاثي الذي قدَّمه وليم روو، في 1979؛ إذ راجعه نفسه، في 2004، ليصبح التصنيف رباعيًّا: صحافة تعبوية (وتشمل سوريا، وليبيا، والسودان، والعراق قبل 2003(، وصحافة موالية) وتشمل فلسطين، وبلدان الخليج ما عدا الكويت)، ووسائل الإعلام المتنوعة )وتضم لبنان، والكويت، واليمن، والمغرب(، والنظام الإعلامي الانتقالي )ويضم مصر، والأردن، والجزائر، وتونس)(28). وعلى الرغم من أهمية هذا التصنيف إلا أنه لا يزال يثير الكثير من الجدل.
ويُعد كتاب "مقارنة أنظمة وسائل الإعلام" للمؤلِّفيْن: دانيال هالين (Daniel Hallin)، وباولو مانشيني (Paolo Mancini)، الصادر في 2004، أول بحث مقارن لـ18 منظومة إعلامية في أميركا الشمالية وأوروبا. لم يكتف بالقراءة الفلسفية والنظرية للمنظومات الإعلامية، بل قام بمعاينة أمبريقية لنشاط المؤسسات الإعلامية قصد رصد العلاقة الكامنة بين النظامين، السياسي والإعلامي، والكشف عن تبعاتها على الصعيد الاقتصادي والمهني والثقافي. فاستنتج وجود ثلاثة نماذج من الأنظمة(29)، وهي: النموذج الليبرالي، الذي يتسم بالهيمنة النسبية لآليات السوق ووسائل الإعلام التجارية. والنموذج التعاوني الديمقراطي الذي يستند إلى الخدمة العمومية، ويتسم بالتعايش التاريخي لوسائل الإعلام التجارية مع تلك المرتبطة بالجماعات السياسية والاجتماعية، وتقوم فيه الدولة بدور نشيط في قطاع الإعلام لكنه محدود قانونيًّا. والنموذج التعددي المستقطب الذي يتسم بانخراط وسائل الإعلام في سياسة الأحزاب، وبروز دور وسائل الإعلام التجارية الضعيف تاريخيًّا، وبالدور الكبير الذي تقوم به الدولة في مجال الإعلام.
أولى الكثير من الباحثين أهمية لهذا التصنيف واقتنع بعضهم بأن وسائل الإعلام الجزائرية تتقاسم العديد من الخصائص مع النموذج التعددي المستقطب القائم في الجزء الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط، فصنَّفوها ضمن البلدان التي تعيش مرحلة التحول الديمقراطي(30). وعلى الرغم من تأثير هذا التوصيف في البحوث الإعلامية إلا أنه من الضروري الالتزام بالحذر من مقارنة أنظمة الإعلام، لأن الكثير منها لم يكن مدفوعًا بهدف علمي، بل اسْتُخْدِم أداة لتقييم أنظمة الإعلام على نحو معياري لقياس مدى حريتها/تكبيلها، وتطورها/تخلفها، من أجل استخلاص نتائج سياسية على ضوئها(31). لذا، لا يهمنا من تصنيف الباحثين، هالين ومانشيني، للمنظومات الإعلامية سوى المعايير التي اعتمدا عليها لإنجاز بحثهما الأمبريقي المقارن، وهي(32):
- أولًا: آليات تدخل الدولة في المنظومة الإعلامية وطبيعتها.
- ثانيًا: البنية الاقتصادية للمؤسسة الإعلامية وتطور سوق وسائل الإعلام.
- ثالثًا: ارتباط النظامين، الإعلامي والسياسي، وطبيعتهما، ومدى قدرة المنظومة الإعلامية على تمثيل التيارات السياسية والثقافية في المجتمع.
- رابعًا: التطور الاحترافي في العمل الصحفي.
ويحاول الباحث تكييف هذه المعايير في سياق تشريح سمات المنظومة الإعلامية الجزائرية وتحليل نمطها وتتبُّع تحولاتها، ودراسة علاقتها بالنظام السياسي خلال فترة الدراسة الممتدة بين 2011 و2023.
3. آليات تدخل الدولة في المنظومة الإعلامية وطبيعتها
تتحكَّم الدولة في كل مفاصل المنظومة الإعلامية في الجزائر، بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر المستويات التالية: النص التشريعي، واحتكار الإعلان، وطباعة الصحف، والإعانات المختلفة لوسائل الإعلام. هذا علاوة على تعيين مديري وسائل الإعلام العمومية ورؤساء التحرير، وتوجيه هذه الأخيرة حسب الأحداث وموازين القوى السياسية.
3.1. النص التشريعي
أصدرت الجزائر ثلاثة قوانين تشريعية تنظم العمل الإعلامي منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين حتى العام 2023. أولها: قانون الإعلام رقم (90-7)، الصادر في 3 أبريل/نيسان 1990، لتأطير تجربة التعددية الإعلامية، خاصة بعد إلغاء وزارة الإعلام، وتحويل صلاحياتها إلى المجلس الأعلى للإعلام، الذي تشكَّل مناصفة بين أولئك الذين يُعيِّنهم رئيس الجمهورية، والصحافيين الذين ينتخبهم نظراؤهم. وهناك قانون الصحافة رقم (12-05)، الصادر في 12 يناير/كانون الثاني 2012، الذي جاء لـ"تصحيح" تجربة التعددية الإعلامية؛ حيث أعفى الناشر والطابع والموزع من المسؤولية الجنائية والمدنية عمَّا يُنشَر، وألزم المؤسسات الإعلامية بإبرام عقود عمل مع صحافييها وتأمينهم صحيًّا. وحارب عملية "المتاجرة" برخص إصدار الصحف، وأقرَّ إنشاء سلطة لضبط الصحافة المكتوبة، وإنشاء مجلس أعلى لأخلاقيات الصحافة. ثم هناك قانون النشاط السمعي البصري رقم (14-4)، الصادر في 24 فبراير/شباط 2014، الذي أراد أن يُؤطِّر التسارع في إنشاء القنوات التليفزيونية الخاصة وتوجيهها. فبعد أن اشترط على هذه القنوات أن تكون موضوعاتية خشية من دورها الإخباري، حدَّد شروط الترخيص بإنشائها، وبيَّن كيفية استغلالها، وشدَّد على حقِّ المؤلف، ونصَّ على إنشاء سلطة ضبط السمعي البصري التي يُعيِّن رئيسُ الجمهورية، ورئيسا غرفتي البرلمان، أعضاءَها. وأوكل لها مهمة الضبط، والمراقبة، والاستشارة، وحلِّ النزاعات. ويمكن فهم تطور التشريع الإعلامي منذ إقرار التعددية السياسية والإعلامية كما هو مُبَيَّن في الجدول رقم (1).
جدول (1): تطور التشريع الإعلامي منذ إقرار التعددية السياسية والإعلامية بالجزائر (1990- 2020)
الموضوعات |
قانون الإعلام 1990 |
قانون الإعلام 2012 |
قانون السمعي البصري 2014 |
مرسوم الصحافة الإلكترونية 2020 |
إنشاء الوسيلة الإعلامية |
- التصريح لدى وكيل الجمهورية - تصرح وتبرر مصدر الأموال المكونة لرأسمالها الاجتماعي |
- يجب على كل صحيفة أن توظف ثلث محرريها من الصحافيين حاملي بطاقة صحافي - تصرح وتبرر مصدر رأسمالها الاجتماعي |
- إنشاء خدمة سمعية بصرية مرخصة - وجود صحافيين وأشخاص مهنيين ضمن المساهمين في هذه الخدمة - لا يشترك أي مساهم في أكثر من خدمة سمعية بصرية. - الاستفادة من الرخصة يتطلب دفع مقابل مالي - أن تكون نسبة 60% على الأقل من البرامج التي تُبَث برامج وطنية منتجة في الجزائر منها 20% على الأقل مخصصة سنويًّا لــبث الأعمال السمعية البصرية والسينماتوغرافية - لا يحق لأي شخص امتلاك أكثر من 40% من رأسمال الاجتماعي للخدمة السمعية البصرية |
- على مدير الموقع الإلكتروني تقديم طلب تسجيل لدى هيئة ضبط الصحافة - على الموقع أن يوظف صحافيًّا مهنيًّا على الأقل - أن يكون عنوان نطاق الموقع (DZ) |
الإيداع القانوني |
- لدى المكتبة الوطنية - لدى مجلس الإعلام، ووزارة الداخلية. |
- الإيداع القانوني لدى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة |
- إيداع كل منتوج سمعي بصري لدى مؤسسة عمومية ستنشأ لجمع الأرشيف ومعالجته |
- على المضيف أن يحتفظ بالأرشيف الرقمي لمدة سنة |
ممارسة المهنة |
- أحكام الضمير المهني - استقلالية الصحافي العامل في القطاع العام - السر المهني وشروط سقوطه |
- السر المهني - حق الصحافي في الملكية الفكرية والأدبية - حق الصحافي في رفض نشر منتجه إن تعرض إلى تغيير كبير دون موافقته - حق الصحافي في عقد عمل وتأمين صحي |
|
- أن يكون مدير المؤسسة الإعلامية حائزًا على مؤهل جامعي، وله 3 سنوات خبرة صحفية - لا يمكن لشخص امتلاك أو إدارة أكثر من مؤسسة
|
المسؤولية |
- المدير، والصحافي، والمصور، والطابع، والموزع، والبائع، وملصق الإعلانات الحائطية كلهم مسؤولون |
- تحميل مدير النشر المسؤولية المدنية والجنائية والصحافي ورسام الكاريكاتير |
|
|
حق الرد |
- شروط نشره أو رفضه - المقاضاة في حالة عدم نشر الرد |
|
- شروط نشر حق الرد ورفضه
|
|
النشر والتوزيع والبيع |
- الحصول على ترخيص من البلدية للتوزيع |
الحصول على ترخيص من البلدية للتوزيع |
|
|
سلطة الضبط |
- تتكون من 12 عضوًا: 3 يُعيِّنهم الرئيس، و3 يعينهم رئيس البرلمان، و6 صحافيين ينتخبهم نظراؤهم - سلطة مستقلة تبيِّن كيف يُطبَّق حقُّ كل التيارات السياسية والفكرية في التعبير - تضمن استقلالية وحياد مؤسسات الإعلام العمومية - تسهر على شفافية القواعد الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية - تُحدِّد قواعد الإعانات لوسائل الإعلام - تُسلِّم رخص البث الإذاعي والتلفزيوني، وتُعِد دفاتر الشروط التي لها وظيفة الضبط - تُسلِّم التراخيص وتُعِد دفتر الشروط للقنوات التلفزيونية - لها إمكانية المقاضاة |
- سلطة ضبط الصحافة المكتوبة - تتكون من 14 عضوًا: ثلاثة يعينهم الرئيس، و4 نواب من غرفتي البرلمان، و7 صحافيين ينتخبهم نظراؤهم - يمكن لها أن توقف إصدار أي نشرة |
- 9 أعضاء، 5 منهم يعينهم الرئيس، و4 يعينهم رئيسا غرفتي البرلمان من غير البرلمانيين - تسهر على تنفيذ إجراءات منح رخصة الخدمة السمعية البصرية - تقوم بالتعليق الفوري للرخصة. - تسهر على عدم تحيز صحافيي مؤسسات إعلام القطاع العام - تسهر على احترام تعددية الرأي - تتمثَّل وظائفها في مجال الضبط، والمراقبة، والاستشارة، وحلِّ النزاعات |
يخضع الموقع الإلكتروني لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة أو السمعي البصري |
مجلس الأخلاقيات |
|
- ينتخبه الصحافيون - يُعِد ميثاق شرف المهنة - يُحدِّد عقوبات الإخلال بالأخلاقيات |
|
|
أحكام جزائية |
- 23 مادة تحكم بالسجن حتى 10 سنوات وغرامة مالية حتى 13 ألف دينار جزائري (ما يعادل 1066 دولارًا)
|
- 11 مخالفة يعاقب عليها بغرامة مالية تصل إلى 500 ألف دينار جزائري (ما يعادل 6447 دولارًا)، وإيقاف مؤقت أو دائم للصحيفة ومصادرة أموالها |
قسمت العقوبات إلى: 1- العقوبات الإدارية: - 14 مادة تتضمن لفت النظر، وعقوبة مالية قد تصل إلى 5% من رقم أعمال القناة لمدة سنة - الأمر بالتعليق الجزئي أو الكلي للبرنامج المخالف - تعليق الترخيص لمدة شهر - سحب الرخصة في بعض الحالات 2- الأحكام الجزائية: - 5 مواد تتضمن غرامة مالية تصل إلى 10 ملايين دينار جزائري (123457 دولارًا) مع مصادرة معدات البث - معاقبة انتهاك حقوق المؤلف |
الإجراءات الإدارية: - لفت النظر - التعليق المؤقت للنشاط - سحب التسجيل |
إعانات الدولة |
|
- الدولة تقدم إعانة مالية لترقية حرية التعبير ولتكوين الصحافيين |
|
|
على الرغم من التطور في التشريع الإعلامي بالجزائر خلال الفترة المذكورة إلا أن قيمة أي نص قانوني تكمن في تطبيقه. لقد تم تجميد قانون الإعلام التعددي، الصادر في 1990 بعد أشهر قلائل من صدوره. ومادته (14)، على سبيل المثال، التي تسمح لأي شخص بإنشاء صحيفة بمجرد التصريح لدى النيابة في المحكمة، لم تُعمَّر طويلًا، وحلَّ محلَّها ترخيص بإنشاء الصحف تمنحه وزارة العدل(33).
أسقط قانونا الإعلام، الصادر في 2012، والسمعي البصري، الصادر في 2014، عقوبة سلب حرية الصحافيين في حالة ارتكابهم جنحًا عبر ما ينشرونه أو يبثونه، واكتفيا بتغريمهم ماليًّا. وميَّز قانون 2014 بين المخالفات الإدارية التي تُسَلَّط على المؤسسة الإعلامية في حالة عدم احترامها للقانون، والأحكام الجزائية التي تُسَلَّط على مسؤولي المؤسسة الإعلامية وصحافييها. لكن بعض الصحافيين لم يُسجنوا بموجب قانون الإعلام، بل تطبيقًا لقانون العقوبات رقم (01-09)، الصادر في 26 يونيو/حزيران 2001، الذي أثرى قائمة جرائم الصحافة بعد أن أدرجها في القانون العام(34).
أراد المرسوم التنفيذي رقم (-33220)، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والخاص بالصحافة الإلكترونية، أن يُنظِّم النشر عبر شبكة الإنترنت، فوضع الشروط التقنية والإدارية والقانونية للحصول على ترخيص بإنشاء موقع إخباري إلكتروني، على أن تكون جنسية صاحب الترخيص جزائرية، وحاصلًا على شهادة جامعية وله خبرة ثلاث سنوات في الصحافة، وأن يكون رأسماله الاجتماعي جزائريًّا. وفرض على الصحف الرقمية، والمحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية أن تبث محتوياتها عبر شبكة الإنترنت من داخل الجزائر باستخدام نطاق (DZ). لقد شكَّلت المواقع الجزائرية المعنونة في الخارج (فرنسا، بلجيكا، سويسرا) مصدر قلق للسلطات العمومية، التي لا تملك وسائل للتحكُّم فيها مثلما تتحكَّم في الصحف المطبوعة، سوى حظر تصفُّحها في الجزائر لمدة قد تطول أو تقصر حسب الظروف. وبالفعل، لقد أقدمت على ذلك مرارًا.
وُجِد القانون لحلِّ المشاكل التي تطرأ في الممارسة الإعلامية أو لتفادي وقوعها، وقد يتحوَّل إلى مشكلة عندما تظل بعض بنوده دون تنفيذ. فمجلس ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية، والمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة، على سبيل المثال، اللذان نصَّ عليهما قانون الإعلام، الصادر في 2012، لم يريا النور. فغيابهما أصبح يُعيق تطور العمل الصحفي في ظل تفعيل بعض بنود القانون بطريقة انتقائية وتمييزية، كما تُبيِّنه هذه الأمثلة:
أولًا: حالت الظروف الموضوعية والذاتية المتعلقة بضعف التنظيم المهني للصحافيين دون إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي نصَّ عليها قانون الصحافة، الصادر في 2012، والتي أُوكِل لها الكثير من المهام، منها: إيداع التصاريح بإنشاء الصحف، والسهر على الشفافية الاقتصادية للصحف، وتحديد شروط الإعانات المالية. وقد أدى ذلك إلى تجميد بعض هذه المهام، واستيلاء الوزارة الوصية على صلاحيات هذه السلطة.
لقد عبَّر وزير الاتصال السابق، عمار بلحيمر، عن إمكانية استبدال هذه السلطة بمجالس أخلاقيات المهنة على المستوى الوطني وفي قاعات التحرير؛ لأنها الأكفأ في التحكُّم في قواعد العمل الصحفي(35). وتُشكِّل هيئة ضبط الصحافة المكتوبة في الجزائر حالة شاذة في العالم. فالمتعارف عليه أن القانون التجاري والجزائي كفيلان بضبط نشاط الصحافة المكتوبة في الدول الديمقراطية التي تنعدم فيها ملكية الدولة للصحف، وأن مجالس الصحافة، التي يعود تاريخ إنشائها إلى عشرينات القرن الماضي، تتولى مهمة الضبط الذاتي لهذه المهنة. لكن الظاهر أن المشرع الجزائري اقتدى بالمشرع الفرنسي الذي استغنى عنها.
ثانيًا: وافقت السلطات العمومية على إنشاء قنوات تليفزيونية خاصة قبل صدور قانون السمعي البصري، في 2014، ولم تطالبها بالامتثال له بعد صدوره، بل واصلت منح الترخيص لبعضها رغم كونها قنوات شاملة. فمنحته لسبع قنوات فقط، باعتبارها مكاتب لقنوات أجنبية تبث من خارج الجزائر لمدة سنة قابلة للتجديد، ويحق لها سحبه في أي وقت، وهذا خلافًا للمادة (27) من القانون ذاته التي تنصُّ على أن مدة الترخيص 12 سنة. والقنوات المرخص لها، التابعة للأوليغارشيا، هي: "جزائر TV"، لمالكها، علي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات (جمعية أرباب الأعمال)، وممول الحملات الانتخابية للرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وقناة "النهار"، لأنيس رحماني، المقرب من أخ الرئيس بوتفليقة، وقناة "الجزائرية" التابعة للإخوة "عيسيو"، وهم من كبار المقاولين في قطاع البناء والمستثمرين في المواد الغذائية، وقناة "الشروق" لعلي فوضيل، المقرب من رجال السلطة، وقناة "الهقار TV" لرجل الأعمال، حسان بومعراف، المستثمر في المواد الغذائية(36)، وقناة "البلاد"، وأخيرًا قناة "الحياة" لصاحبها هابت حناشي.
لم يمنع الوضع القانوني الهجين لهذه القنوات من الحصول على امتيازات تُرسِّخ المحسوبية في قطاع الإعلام بدليل أن قناة علي حداد، وحسان بومعراف، والإخوة عيسيو انهارت بعد خلع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم بأشهر قليلة. لقد علَّق الرئيس السابق لسلطة ضبط السمعي البصري، زواوي بن حمادي، على الوضع القانوني الشاذ لهذه القنوات بالقول: "إن المشهد السمعي البصري(37)، خارج القطاع العام، يتكوَّن من مؤسسات إعلامية لا تخضع للقانون العام، ولا للنشاط التجاري، ولا لإكراهات المؤسسة الاقتصادية. لذا هل يمكن معاقبة قناة تليفزيونية خاضعة للقانون الأجنبي؟"(38). بمعنى آخر، يُقرُّ القانون بأنها ليست سوى مكاتب لقنوات أجنبية في الجزائر، ويتعامل معها عمليًّا باعتبارها قنوات تليفزيونية وطنية تستفيد من الإعلان العمومي، وتسري عليها أحكام المرسوم التنفيذي رقم (222-16)، المؤرخ في 11 أغسطس/آب 2016، والذي يتضمن دفتر الشروط العامة المحددة للقواعد المفروضة على خدمة البث السمعي البصري.
حاولت السلطات العمومية أن تعالج الوضع الشاذ للقنوات التليفزيونية، ففتحت وزارة الاتصال أبواب الترشح للحصول على 7 تراخيص لإنشاء سبع قنوات تليفزيونية خاصة، بموجب مرسوم مؤرخ في 31 يوليو/تموز 2017(39)، ثم تراجعت عنه وألغته بعد ثلاثة أشهر من صدوره بمرسوم صدر بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017(40). لقد نشرت هذا الإعلان وألغته بدلًا عن سلطة الضبط التي تُخوِّل لها المادة (22) من قانون السمعي البصري المذكور أعلاه فعل ذلك. وعلى الرغم من أن هذه السلطة تحوَّلت إلى هيئة تنفيذية لدى وزارة الاتصال تمارس الرقابة فقط إلا أن السلطات العمومية لم تحترم الفصل الثاني من قانون السمعي البصري المتضمن تشكيل هذه السلطة وتنظيم سيرها؛ فقد اكتفت بتعيين رئيسها فقط دون بقية الأعضاء، وهو ناطق باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي أثار لغطًا كبيرًا حول استفادة صحيفته من مبالغ كبرى من ريع الإعلان العمومي، وأقالته بعد سنوات من منصبه، وعيَّنت كل أعضائها، ثم جعلت أحدهم مديرًا عامًّا للمؤسسة الوطنية للتليفزيون منتهكة بذلك نصَّ القانون المذكور، ولم تستخلف الأعضاء الذين وافتهم المنية.
ثالثًا: قيام السلطات العمومية بالكيل بمكيالين. لقد أعفت ضمنيًّا أرباب الصحف والقنوات التليفزيونية المرخص لها، التابعة للأوليغارشيا، من الامتثال لأحكام المادة (25) من قانون الإعلام، الصادر في 2012، والمتعلقة بعدم السماح لشخص طبيعي أو معنوي بامتلاك أكثر من صحيفة أو مجلة أو المساهمة في أكثر من قناة تليفزيونية. وأكدتها في المادة (22) من قانون السمعي البصري، الصادر في 2014. وبالمقابل، قامت بفسخ العقد، الذي أبرمته مؤسسة "سيفيتال" (Cevital)، لرجل الأعمال يسعد ربراب، لشراء صحيفة "الخبر" وقناتها التليفزيونية استنادًا إلى المادة المذكورة في قانون الإعلام(41)؛ لأن المشتري يملك صحيفة "ليبرتي" (Liberté)، ولا يحق له امتلاك صحيفة أخرى.
علاوة على الكيل بمكيالين، رصد الباحث العديد من الأمثلة التي توضح رسوخ المحسوبية والميراثية الجديدة في قطاع الإعلام، مثل عدم إخضاع القنوات التليفزيونية الخاصة المذكورة لأحكام المادة (45) من القانون ذاته، التي تنصُّ على أنه لا يمكن للمساهم في الخدمة السمعية البصرية أن يمتلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة أكثر من 40% من رأسمالها الاجتماعي.
3.2. احتكار الإعلان
على الرغم من الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته الجزائر منذ مطلع التسعينات، تظل الدولة هي المستثمر والمُشغِّل الأكبر للأيدي العاملة. لذا، بلغت حصة الإعلان العمومي نسبة 75% من سوق الإعلان(42)، الذي قُدِّر بـ300 مليون يورو في 2011، أي 0.13% من الناتج المحلي الإجمالي(43). فعلاوة على احتكارها للنسبة المذكورة، تضغط السلطات العمومية على أكبر الشركات الخاصة المعلنة لمنعها من منح إعلاناتها للصحف مباشرة(44)، حتى تُحْكِم سيطرتها على سوق الإعلان.
لا يخضع توزيع عائدات الإعلان على وسائل الإعلام الجزائرية لمنطق السوق، ولا يتماشى مع روح قوانين الإعلام ومراسيمها التنفيذية، ويُعيق النشاط الاتصالي لمؤسسات الدولة. فوزير الاتصال السابق، عبد العزيز رحابي(45)، يعتقد أن توجيه إعلانات الشركات الوطنية الكبرى إلى الصحف ذات التوزيع المحدود والمقروئية المتواضعة يضر بالاقتصاد الوطني. وأكد أن الإعلان تحوَّل إلى أداة ضغط سياسي على وسائل الإعلام حتى تدخل "بيت الطاعة" أو تختفي نهائيًّا. وهناك أمثلة كثيرة على الصحف التي تعرضت لهذه المساومة، لعل آخرها صحيفة "الوطن" (ElWatan)، التي تُعد الأكثر توزيعًا بين الصحف الصادرة باللغة الفرنسية(46). لقد ظلت بعض الصحف تستفيد من عائدات الإعلان العمومي دون أن تُسدِّد ديونها لدى المطابع العمومية، مثل صحيفة "الشروق" التي حصلت على حوالي 18 مليون و200 ألف دولار بين سنتي 2012 و2015، ثم تراجعت حصتها إلى حوالي 4 ملايين و600 ألف دولار بين سنتي 2016 و2019، حسب المدير العام السابق للوكالة الوطنية للنشر والإشهار، العربي ونوغي(47). ولا غرو أن تحصل صحيفة "النهار"، التي تحوَّلت إلى اللسان الناطق باسم "القوى غير الدستورية" التي تحكمت في مقاليد الدولة، على ما يعادل 31 مليون دولار خلال 8 سنوات (2012-2019)، حسب المدير العام السابق ذاته. وهو المبلغ الذي يتجاوز ما حصلت عليه العديد من الصحف.
يبدو الضغط على وسائل الإعلام المختلفة أهون، إن كانت غايته خدمة تيار أيديولوجي أو الدفاع عن مصلحة الدولة والوطن. لكنه لم يخدم سوى المصالح الضيقة لزمرة في الحكم وحلفائها. وهذا ما ندَّد به وزير الاتصال السابق، عبد العزيز رحابي، عندما ذكر أن بعض الصحف أُنْشِئَت لتحقيق هدف واحد، وهو الاستفادة من عائدات الإعلان(48)، ويؤكده المدير العام السابق للوكالة الوطنية للنشر والإشهار، العربي ونوغي، الذي أقرَّ بوجود 40 صحيفة لا علاقة لأصحابها بالصحافة. فمنهم من أصدر مجلة أسبوعية تطبع 3 مرات في الأسبوع، ومن امتلك صحيفتين أو أكثر بالاسم ذاته، والكثير من هذه الصحف تُطبَع ولا تُوزَّع بتاتًا(49). لقد وصف وزير الاتصال السابق، عمار بلحيمر، هؤلاء المنتفعين من الريع الإعلاني بـ"القوى غير الإعلامية"(50). وتتشكَّل من وزراء سابقين، وكوادر حزبية في الائتلاف الرئاسي، ونواب في البرلمان، ورجال المال والأعمال الذين استمدوا نفوذهم المالي والسياسي من حاشية الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، ونجم من نجوم كرة القدم. لقد حوَّلوا وسائل الإعلام الخاصة إلى لجان ساندته في عهداته الرئاسية الأربع، وحتى الخامسة المجهضة. وهكذا تقاطعت مصالح رجال المال، والسياسة مع "رجال الإعلام" الذين تحوَّلوا إلى أثرياء في بضع سنين؛ فامتلكوا عقارات وشركات استثمارية خارج قطاع الإعلام.
إن فهم معنى الميراثية المذكور أعلاه، والتي استشرت في قطاع الإعلام، تعفينا من طرح السؤالين التاليين: لماذا لم يسبق للوكالة الوطنية للنشر والإشهار الإعلان عن حصة كل مؤسسة إعلامية من عائدات الإعلان العمومي؟ ولماذا تم التراجع على مشروع وزير الاتصال السابق، عمار بلحيمر، الذي اقترح إطارًا عامًّا لتوزيع الإعلان العمومي على الصحف مُسْتَلْهَمًا من القانون المدني والتجاري وقانون الإعلام، قبل صدور قانون الإعلان. ويشترط المشروع توافر 15 معيارًا في أي مؤسسة صحفية ترغب في الاستفادة من الإعلان العمومي(51)، منها: امتلاك سجل تجاري، والتسجيل في مصلحة الضرائب ودفع مستحقاتها، وعدم التعرض لمتابعة قضائية بتهمة التهرب الضريبي، واحترام قانون العمل، وامتلاك تصريح بالنشر، والكشف عن أرقام السحب، وأرقام المبيعات، وتعيين صحافيين محترفين لإدارتها...إلخ.
3.3. الطباعة
باستثناء "لوكوتديان دوران" (Le quotidien d’Oran)، و"الخبر"، و"الوطن"، وصحيفة "اليوم"، و"ليبرتي"، تلجأ بقية الصحف الجزائرية إلى المطابع العمومية الثلاث لطبع منشوراتها، وتتسم علاقتها بهذه المطابع بالتوتر؛ إذ تُوجِّه، بين الحين والآخر، إشعارًا إلى هذه الصحيفة أو تلك بالتوقف عن طبعها نتيجة عدم تسديد ديوانها المتراكمة لديها، أو عدم احترام جدولة ديونها. وتعاني هذه المطابع، التي تحتاج إلى المزيد من الاستثمارات لتجديد عتادها، من ضائقة مالية، لكنها لم تتمكن من استرجاع سوى 10% من الديون المتراكمة التي بلغت ما يعادل حوالي 51 ونصف مليون دولار في 2014(52). لذلك تضطر إلى تنفيذ إشعارها لعدة أيام أو إلى الأبد. هذه الحقيقة لا تؤكد أن العلاقة بين الصحف والمطابع شفافة وتجارية بحتة؛ فلم يحدث أبدًا أن نشرت وزارة الاتصال أو المطابع قائمة تتضمن كل الصحف التي لم تُسدِّد ديونها، وهذا يؤكد ما ذكره وزير الاتصال السابق، عبد العزيز رحابي، عندما أشار إلى أن المطابع تستغل ديون الصحف لتمارس ضغطها السياسي عليها(53).
إن الضغط الذي تمارسه المطابع على الصحف لا ينتقل مباشرة إلى التوقف عن طبعها، بل تسبقه أشكال أكثر ليونة، مثل تأخير موعد طباعة بعض العناوين. وقد تستغل المطابع مشكلة نقص الورق نتيجة ارتفاع أسعاره في السوق العالمية لتتعامل بطريقة غير عادلة مع الصحف، فتُخفِّض أرقام سحب بعضها أو تُقلِّص عدد صفحاتها.
يكشف تعامل المطابع العمومية مع الصحف عن البعد التاريخي للمحسوبية في المنظومة الإعلامية الجزائرية. فمن أجل منح الوجه الديمقراطي للتحول السياسي في الجزائر، سعت السلطات العمومية إلى تشجيع إنشاء الصحف، وتقديم مختلف المساعدات والتسهيلات، منها غض الطرف عن التأخير في سداد ديون المطابع، وإعفاء بعضها من دفع جزء منها أو كلها لإنقاذها من الإفلاس. وقد وجدت الصحف التي أُنْشِئَت لدعم تَرشُّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية ثانية تسهيلات لدى مطابع الدولة. وقد فهم بعض أرباب الصحف منطق المحسوبية، فأعلنوا إفلاس صحفهم دون تسديد ديونها لدى المطابع بعد حصولهم على مبالغ ضخمة من عائدات الإعلان، ولم تتم ملاحقتهم قضائيًّا، بل إن بعض الصحف استمرت في الوجود مستفيدة من عائدات الإعلان دون أن تُسدِّد ديونها لدى المطابع؛ فمدير مطبعة "الوسط" يذكر أن بعض الصحف استثمرت أموالها في إنشاء قنوات تليفزيونية دون أن تحترم جدولة ديونها لدى المطبعة، والتي بلغت ما يعادل حوالي 25 مليون و600 ألف دولار(54).
3.4. إعانات الدولة
لا تزال الصحف تنتظر وعد وزير الاتصال السابق، عمار بلحيمر، بفتح صندوق دعم الصحافة لمساعدتها من أجل التغلب على أزمتها التي تفاقمت نتيجة الحجر الصحي الذي فرضته الوقاية من جائحة كوفيد-19، ولضمان تحوُّلها الرقمي بكل ما يتطلبه من استثمارات. لقد أنشأت السلطات العمومية صندوقًا لإعانتها بمبلغ 22 مليون دولار بموجب قانون المالية للعام 1991، ويتضمن إعفاءها من 50% من المبلغ الذي تدفعه لمصلحة الضرائب، علاوة على دعم لوسائل النقل والاتصالات. وجُمِّد العمل بهذا الصندوق في 2015 لأسباب لم يفصح عنها. لقد استفادت الصحف التي عانت فعلًا من ضائقة مالية في 1991، مثل صحيفة "الخبر"، و"الوطن"، و"لوسوار دالجيري" (Le Soir d’Algérie)، من أموال هذا الصندوق انطلاقًا من تصور للدور الثقافي والسياسي الذي تضطلع به الصحافة لكن يظل الغموض يكتنف معايير الاستفادة منه، وقائمة الصحف التي استفادت منه لاحقًا.
إجمالًا، لا يلمس الباحث أي أثر لهذا الصندوق على حرية التعبير وتعددية الإعلام، مما يدفع إلى الاعتقاد بأنه أداة إضافية تجسد الشعبوية التي ترفض فكرة وجود صحافة معارضة.
4. البنية الاقتصادية للمؤسسة الإعلامية والسوق الإعلامي
يُبيِّن الجدول رقم (2) أن ميلاد الصحف اليومية في الجزائر لم يكف عن التزايد خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2022؛ إذ قفز من 131 إلى 175 صحيفة يومية(55). ولا تدل هذه الزيادة على أن الصحافة تتمتع بوضع صحي مريح؛ لأنها تُخفي حقيقتين: الأولى، تتمثَّل في قلة صمودها؛ إذ من بين 823 صحيفة ظهرت بين عامي 1989 و1999 لم تصمد سوى 129 صحيفة فقط في 2001(56). بينما يُقدِّر الباحث عدد الصحف اليومية التي اختفت من الوجود خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2022 بـ243 صحيفة. والحقيقة الثانية، تتمثَّل في تراجع سحب أعداد الصحف في الفترة الثانية بـ78.48%، ومعه سحب مجمل المنشورات الصحفية في 2022 بنسبة 83.82%.
جدول (2): تراجع سحب الصحف والمجلات الجزائرية من 2012 إلى 2022
نوع الوسيلة |
2012 |
2022 |
|||
العدد |
متوسط السحب |
العدد |
متوسط السحب |
نسبة السحب (%) |
|
صحف يومية |
131 |
2 850 160 |
175 |
613585 |
78.47- |
صحف أسبوعية |
30 |
762 209 |
7 |
8167 |
-98.92 |
مجلات شهرية |
62 |
200 227 |
14 |
14000 |
-93.03 |
المجموع |
223 |
3812596 |
196 |
635752 |
-83.32 |
يمكن أن نقدم تفسيرًا جاهزًا للحقيقتين المذكورتين، بالقول: إن التوجه "الجماهيري" نحو شبكة الإنترنت واستخدام مواقع الشبكات الاجتماعية أثَّرا على قراءة الصحف. وهذا بالنظر إلى ارتفاع عدد مستخدمي شبكة الإنترنت إلى 27.28 مليون مستخدم في 2022، أي 60.6% من سكان الجزائر؛ وإلى 26.60 مليون مستخدم لمواقع الشبكات الاجتماعية(57). لعل هذا التفسير يُشكِّل جزءًا من الحقيقة فقط، ويعجز عن تقديم فهم معمق للصعوبات التي تعاني منها الصحافة الجزائرية أيًّا كانت طبيعتها: ورقية أو إلكترونية.
تعتمد الصحف الجزائرية اعتمادًا شبه كلي، على عائدات الإعلان العمومي، وبتراجع نصيبها منه تختنق اقتصاديًّا. لقد دفعت الأزمة الاقتصادية مؤسسات الدولة إلى تقليص الميزانية المخصصة للإعلان، فأثَّرت كثيرًا على وضعية الصحف أما المعلنون الخواص فقد وجَّهوا إعلاناتهم إلى القنوات التليفزيونية التي تزايد عددها.
ففي 2015، بلغت الإعلانات المتلفزة نسبة 84.2% من حجم الاستثمارات في مجال الإعلانات، بعد أن كانت لا تزيد عن 72.83%. وبالمقابل، تراجعت حصة الصحف الورقية خلال الفترة الزمنية ذاتها إلى 10.33% بعد أن بلغت 17.98%(58). وسعتِ القنوات التليفزيونية الخاصة إلى خفض سعر الإعلان الذي يستغرق دقيقة في زمن ذروة البث إلى ما بين 109 و181 دولارًا، علمًا بأن المؤسسة العمومية للتليفزيون تُسَعِّرها بما يتراوح بين 2265 و4531 دولارًا. إن هذا التخفيض لم يؤثر في اقتصاديات القنوات التليفزيونية العمومية فحسب، بل أثَّر أيضًا في مجمل وسائل الإعلام الأخرى، مثل الاذاعة التي تُسعِّر دقيقة واحدة في زمن الذروة بـ346 دولارًا، والصحف التي تبيع الصفحة الملونة للمعلنين بـ3508 دولارات، ونصف الصفحة الملونة بــ1756 دولارًا، وربع الصفحة بـ920 دولارًا(59).
يتراوح دخل الصحف الجزائرية من مبيعاتها ما بين 50% بالنسبة لصحيفة "الخبر" الصادرة باللغة العربية، و30% بالنسبة لصحيفة "الوطن" الصادرة باللغة الفرنسية(60). وغني عن القول: إن هذه النسبة متواضعة لا تسمح لأي صحيفة بالصمود والتطور(61)؛ فحسب مدير جريدة "ليبرتي": إن ما يضمن بقاء الصحيفة على قيد الحياة هو توزيع 50 ألف نسخة على الأقل، ونشر ست صفحات إعلان يوميًّا(62). السؤال هنا: كم عدد الصحف التي تصل هذا المستوى؟ إن أقل من عشرين صحيفة يزيد سحبها عن 10 آلاف نسخة يوميًّا، كما أن عدد الصحف التي تستفيد من ست صفحات إعلان يوميًّا يقلُّ عن أصابع اليد الواحدة. لذا، فإن اللجوء إلى رفع سعر الجريدة في السوق مرارًا قد يؤجل فقط موت الكثير من العناوين.
وعلى الرغم من تراجع السحب إلا أن مرتجعات الكثير من الصحف لم تنخفض؛ حيث بلغت نسبتها في الصحيفتين الأكثر توزيعًا، وهما: "الخبر" و"الشروق"، 22% و20% على التوالي في 2016(63). وتكشف هاتان النسبتان عن هشاشة المؤسسة الصحفية؛ فقد بلغت أرباح صحيفة "النهار"، على سبيل المثال، 2.3 مليون دولار في عام 2015(64)، لكنها اضطرت إلى غلق أبوابها في 2020 بعد أن حُرِمت من الإعلان العمومي. وحققت صحيفة "الوطن" ربحًا قُدِّر بـ2.8 مليون دولار(65) في 2013، وعجزت عن تسديد رواتب عمالها، بل أوشكت على الإفلاس في نهاية العام 2022.
لم يكن ملاك الصحف مؤهلين بالقدر الكافي لتسيير مؤسسة صحفية إداريًّا وماليًّا؛ ففي مرحلة النشوء (1990-2000) اهتموا أكثر بالجانب التحريري على حساب الإداري، وفي مرحلة الواقعية الاقتصادية، من 2001 إلى الآن، اهتموا بالجانب الإداري على حساب التحرير الصحفي.
إن وضعية الصحافة الإلكترونية ليست أفضل من الصحافة الورقية؛ إذ تملك 72 %منها طبعات ورقية وتعيش عالة عليها،. وهي في حقيقة الأمر ليست سوى نسخة ورقية على شبكة الإنترنت يتم الاطلاع عليها كاملة أو جزئيًّا مجانًا، لذا تُؤخِّر نشرها حتى لا تنافس النسخة الورقية. أما نسبة 28% الباقية، التي لا تملك أي طبعة خارج شبكة الإنترنت، فلا تزال تبحث عن نمطها الاقتصادي. لم يتمكن أي نمط من الأنماط الثلاثة المعروفة في العالم من تحقيق توازنه المالي: الأول: دفع مقابل مالي جرَّاء الاطلاع على كل محتوياتها، والثاني: النمط المختلط، أي الاطلاع على طائفة من أخبارها مجانًا، ودفع مقابل مالي للاطلاع على موادها الدسمة، والثالث: الاطلاع مجانًا على كل محتوياتها التي يُموِّلها الإعلان. ويبدو أن المواقع الإلكترونية الجزائرية تتجه للاعتماد على النمط الأخير؛ فعدد المواقع التي امتثلت لأحكام المرسوم التنفيذي المذكور آنفًا، بلغ 156 موقعًا في 2022، منها 14 موقعًا سمعيًّا بصريًّا(66). لقد وفرت الوكالة الوطنية للنشر والإشهار خدمة الإعلان الرقمي، في 30 مايو/أيار 2022، واستفادت منها 9 مواقع(67). فهل يمكن للإعلان العمومي أن يجعلها أفضل حال من الصحافة الورقية؟
يبدو أن الارتجال ما زال سيد الموقف في القطاع السمعي البصري. فبالإضافة إلى إنشاء محطتين إذاعيتين حديثتين: الأولى خاصة بالتراث الموسيقي الجزائري، والثانية موجهة إلى إفريقيا، بجانب 54 محطة أخرى، دون رفع الاعتمادات المالية لمؤسسة الإذاعة الوطنية التي تشرف عليها ماليًّا وإداريًّا. وتخضع كل هذه المحطات إلى دفتر الشروط رقم (91-102)، المؤرخ في 20 أبريل/نيسان 1990، الذي لا يساعد أغلبية القنوات على اكتساب هويتها المتميزة؛ فلا المحطات التابعة للمحافظات، التي يبث بعضها مدة 8 ساعات فقط في اليوم، تعتبر محطات محلية بأتم معنى الكلمة، ولا المحطات الموضوعاتية تعتبر متخصصة فعلًا، فكلها تتقاسم القسم الأكبر من الأخبار المركزية الرسمية. كذلك الأمر بالنسبة للقنوات التليفزيونية؛ ففي 2020، شرعت القناة السادسة والسابعة والثامنة، في البث، الأولى موجهة للشباب، والثانية خاصة بالعلم والمعرفة، والثالثة متخصصة في التاريخ. أما في 2022، فقد شرعت القناة التاسعة "البرلمانية" في البث. إن مسمى قناة لا ينطبق على واقع هذه القنوات؛ لأنها ليست سوى استعارة لمديريات فرعية تابعة إداريًّا وماليًّا للمؤسسة الوطنية للتليفزيون التي تعاني من عجز مالي ومادي مزمن. ولم يرافق إنشاء هذه "المديريات" رفع الاعتمادات المالية للمؤسسة، ولا تزويدها بالإمكانيات الضرورية: المقرات، والوسائل التقنية، ولم تُهيَّأ لرفع كفاءاتها الإنتاجية في المجالات المختلفة.
ولا تزال القنوات التليفزيونية الخاصة تشكو من وضعها القانوني الهجين، فلا هي قنوات وطنية ولا أجنبية. وتعاني من صعوبات البقاء في المشهد السمعي البصري العالمي شديد المنافسة، باستثناء تلك التي شملتها المحسوبية، وهذا ما يفسر ظهور بعض القنوات التليفزيونية لأشهر ثم تختفي، كما يبدو في الجدول رقم (3).
جدول (3): خريطة توزيع المشهد السمعي والسمعي البصري في الجزائر
قنوات تليفزيونية |
العدد |
شاملة |
موضوعاتية |
وطنية |
محلية |
قنوات تليفزيونية عمومية |
10 |
4 |
6 |
10 |
0 |
قنوات تليفزيونية خاصة |
16 |
13 |
3 |
16 |
0 |
قنوات تليفزيونية متوقفة |
36 |
17 |
19 |
33 |
3 |
محطات إذاعية عمومية |
56 |
51 |
5 |
8 |
48 |
5. المنظومة الإعلامية والتعددية السياسية والفكرية
لم تُعمَّر الصحف التابعة عضويًّا للأحزاب السياسية التي صدرت بموجب قانون الإعلام 1990(68)؛ إذ اختفت بمجرد إلغاء المسار الانتخابي في 1991. ولا يعني هذا الاختفاء غياب ارتباط الصحف الجزائرية بالأحزاب السياسية، وبمراكز القوى. ففي مطلع ثمانينات القرن الماضي، خاض جناحا السلطة الحاكمة "حربًا" على صفحات الصحف: صحيفة "الجزائر الأحداث" التي كانت تدعم الاتجاه الليبرالي وتقف ضد الحزب الواحد، ومجلة "الثورة الإفريقية" التي أصدرها حزب جبهة التحرير الوطني المتمسك بالاختيار الاشتراكي. لقد فتحت هذه الحرب الأبواب على مصراعيها لتصفية الحسابات عبر وسائل الإعلام المختلفة(69)، وأدت إلى إنشاء صحف بأسماء مستعارة مع تقديم كل التسهيلات لها. فجناح من السلطة الحاكمة أنشأ صحيفة "نوفيل إيبدو" (Nouvel Hebdo)، في مايو/أيار 1990، كما أن القوى السياسية المناصرة لرئيس حكومة الإصلاح، مولود حمروش، وحزب جبهة القوى الاشتراكية، أصدرت أسبوعيتي " الأمة" و"لانسيون" (La Nation)، اللتين توقفتا عن الصدور في 1996. وجعل رجل المال والأعمال، يسعد ربراب، من صحيفته "ليبرتي" اللسان الناطق باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قبل أن يقرر التوقف عن إصدارها، في أبريل/نيسان 2022. أما صحيفة "البلاد" فقد كانت قريبة من قادة حزب حركة مجتمع السلم. وتظل صحيفة "صوت الأحرار"، التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني، الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة رغم الصعوبات.
وصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم دون انتماء سياسي، وتمكَّن بسرعة من تشكيل تحالف رئاسي من ستة أحزاب ومنظمات مهنية: عمال، فلاحين، طلبة، نساء، أرباب عمل، وحوَّلها إلى لجان مساندة له في الانتخابات. وشجعت حاشيته رجال المال والأعمال ونواب البرلمان على إنشاء صحف وقنوات تليفزيونية لدعمه. هكذا أصبحت صحيفة "النهار" الناشئة، على سبيل المثال، وقناتها التليفزيونية، الناطق شبه الرسمي باسم الرئاسة. يُمنح لها السبق الصحفي في نشر الأخبار الحساسة والقرارات المهمة. واضطرت بقية وسائل الإعلام "العمومية والخاصة" إلى الاعتماد عليها مصدرًا إخباريًّا مهمًّا. لقد استأثرت هذه المؤسسة بحصة الأسد من عائدات الإعلان العمومي لتستخدم سلاحًا فتاكًا لتشويه سمعة المعارضين السياسيين. وبهذا لم تخرج عن نطاق الشعبوية التي تمجد السلطة وتراها امتدادًا لتضحيات الشعب عبر التاريخ، وتُشَيْطِن كل من يخالفها وتتهمه بالتزوير والتآمر والخيانة(70) من أجل إقصائه من الحقل السياسي.
وإضافة إلى طابعها الحضري، تتميز الصحافة في الجزائر بغلبة الصحف اليومية، التي تُشكِّل 91% من مجمل المنشورات الصحفية، وبتراجع كبير في عدد المجلات الأسبوعية من 30 عنوانًا في 2012 بمعدل سحب يُقدَّر بـ762209 نسخ أسبوعيًّا إلى سبعة عناوين في 2022 تسحب بمعدل 8167 نسخة أسبوعيًّا(71)، وتتسم أيضًا بتراجع الصحف التي تصدر باللغة الفرنسية وظلت تسيطر على عالم النشر الصحفي منذ بداية استقلال الجزائر إلى غاية نهاية العقد الأول من الألفية الحالية. لقد بلغ السحب اليومي للصحف الأربعة التي كانت تصدر باللغة الفرنسية في 1991، وهي: "الوطن"، و"المجاهد"، و"أورزون" (Horizon)، و"لوسوار دالجيري"، 800 ألف نسخة، مقابل 300 ألف نسخة لسبع صحف يومية تصدر باللغة العربية، ثم بدأت تتراجع تدريجيًّا على صعيدي العدد والسحب. ففي 2022، بلغ عدد الصحف اليومية الصادرة باللغة الفرنسية 78عنوانًا، بـسحب يومي يقدر292888 نسخة يوميَّا، مقابل 97 عنوانًا يصدر باللغة العربية بسحب320697 نسخة يوميًّا(72). وهكذا يتضح أن عدد قراء الصحف الفرنسية يتراجع بتراجع مكانة اللغة الفرنسية في المجتمع نتيجة تعريب التعليم. لكن السلطات العمومية ظلت وفية لمتطلبات إدارتها لدفة الحكم؛ إذ استمرت في تفضيل الصحافة الناطقة بالفرنسية على حساب تلك الناطقة بالعربية لظنها أنها تساير توجه الرأي العام على حدِّ قول رئيس الحكومة السابق، مولود حمروش(73).
لقد أسهمت الصحافة في تقسيم القراء على أساس لغوي؛ فجلُّ الصحف الصادرة باللغة الفرنسية تتسم بتوجهها الليبرالي وبمرجعيتها الثقافية الفرنسية. وعلى الرغم من طابعها المحافظ، تعتمد جلُّ الصحف الصادرة باللغة العربية على نموذج صحافة "التابلويد" البريطانية؛ فتخترق المحرمات: الخيانة الزوجية، وزنا المحارم، والبغاء، وتعاطي المخدرات، والجرائم، وتغلفها بمسحة دينية. فحتى الصحافة الرياضية انصرفت إلى هذا النموذج من الصحافة، فأصبحت تركز على الحياة الخاصة للرياضيين والمدربين، وحذت حذوها جلُّ القنوات التليفزيونية الخاصة رغبة في كسب العديد من المشاهدين. وبهذا استطاعت أن تسحب لصالحها جزءًا من جمهور الفضائيات الأجنبية.
ونظرًا لطابعها الخطابي، فإن وسائل الإعلام تسهم بفاعلية في انتشار الشعبوية في المجتمع، وتتجلى مساهمتها في المجتمع الجزائري عبر مستويين: مستوى الولاء للسلطات العمومية؛ فعندما تعجز مؤسسات الدولة عن إدماج الفئات الاجتماعية في المجتمع ومنح مشروعية لمطالبها المختلفة تستعمل السلطات العمومية وسائل الإعلام، الخاصة تحديدًا، لتمييع هذه المطالب وتجريدها من كل شرعية، وتغيير أجندة المواضيع والاهتمامات ومستوى إرضاء الجمهور- العامة. فالعامة تُشكِّل أيضًا مصدرًا للشعوبية التي تستغلها وسائل الإعلام، فتتباكي بشكل استعراضي على وضع هذا الفقير أو ذاك المسكين وعلى الوضعية المزرية لهذه المنطقة أو الحي السكني عبر الربورتاجات والشهادات، وتبث برامج تستعرض السلوك الشاذ في المجتمع باللهجة العامية، وتتبرأ منه في الوقت ذاته؛ إذ تعتبره غريبًا عن المجتمع وعن الشعب الجزائري الذي تصوره في صورته المثالية: النقية والطاهرة.
عزَّزت الثنائية اللغوية في عالم الصحافة استقطاب القراء على أُسُس لغوية وأيديولوجية، وامتد إلى مواقع الشبكات الاجتماعية، مما شجع الإقصاء ونبذ الاختلاف في الرأي والفكر وتَعَسَّر "العيش المشترك". لقد جفَّف الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الحياة السياسية واختصر النقاش طيلة عشرين سنة في مبدأ: "من ليس مع الرئيس فهو بالضرورة ضده". وهكذا غاب النقاش والجدل الفكري والسياسي حول اختيارات الجزائر، الذي ساد في الصحف في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. فحتى الأحزاب ذات الوجود القانوني حُرِمت من الحق في التعبير في وسائل الإعلام العمومية، ولم يسمح لها بذلك إلا لدقائق معدودة في الحملات الانتخابية إن شاركت فيها.
لا يمكن أن ننكر أن الصحف تجري حوارات بين الحين والآخر، وأن المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية تنظم "موائد مستديرة" حول ما تتخذه السلطات العمومية من قرارات، ومواقف تجاه بعض القضايا الوطنية والدولية، لكن لمباركتها فقط.
6. "التطور الاحترافي" في العمل الصحفي
من خلال تتبُّع ورصد الممارسة الصحفية عن قرب في الجزائر نستنتج جملة من "التجاوزات" المهنية والأخلاقية، سبق لسلطة ضبط السمعي البصري أن لفتت نظر مسؤول هذه القناة التليفزيونية أو تلك إلى بعضها فقط. ويمكن إدراج هذه "التجاوزات" فيما يلي:
- الإفراط في تقديم الأخبار خالية من أي مصدر أو استنادًا إلى مصادر مجهولة دون مبرر للتستر عليها(74)؛ مما يفتح الأبواب للتضليل والتلاعب الإعلامي.
- تقديم أخبار دون التحري عن صحتها، سواء بدافع السبق الصحفي أو رغبة في الإثارة التي تمليها صحافة "التابلويد"، بل دون الإجابة عن بعض الأسئلة التي تميزها عن الشائعات: من؟ متى؟ أين؟ ماذا؟
- الاكتفاء بتقديم وجهة نظر واحدة في المواد الصحفية عن القضايا التي لا تحظى بإجماع الجزائريين. وأبرز مثال على ذلك هو تهليل جلِّ الصحف لقانون المحروقات الذي صادق عليه البرلمان في 2001، ثم احتفاء الصحف ذاتها بالتراجع عنه في قانون 2005، ثم إعادة التهليل من جديد بمراجعة القانون ذاته في 2019.
- المزج بين المعلومة والرأي، وتقديم الآراء على أنها حقيقة مطلقة.
- عدم احترام حقوق بث الصور، واستعمال صور من الأرشيف دون الإشارة إلى ذلك.
- فقر في الإنتاج المرئي في الأخبار في القنوات التليفزيونية الخاصة.
- تشجيع الشعوذة والسحر وتجهيل المشاهدين في برامج بعض القنوات التليفزيونية الخاصة.
- رفض المؤسسات الإعلامية تطبيق بنود حق الرد التي تنص عليها مختلف التشريعات الإعلامية؛ مما فتح المجال للقذف والتشهير والشتم، وانتهاك الخصوصية دون رادع قانوني، مثلما ذكرنا آنفًا.
- الاعتماد شبه الكامل على المصادر الرسمية، مما رسَّخ مفهوم "الصحافة الجالسة"، والمتمثل في الاكتفاء بإعادة نشر البلاغات الرسمية، وبرقيات وكالة الأنباء الحكومية، علمًا بأن مسؤولي المؤسسات الرسمية أصبحوا ينشرون تصريحاتهم عبر مواقع الشبكات الاجتماعية ليطلع عليها الجميع، ولا تقوم وسائل الإعلام المختلفة إلا بإعادة نشرها دون تقديم أي قيمة إخبارية مضافة؛ فلم يسبق لأي وسيلة إعلامية أن قامت بالتحقيق في قضايا الفساد وها هي وسائل الإعلام تتبارى اليوم في تغطية حملة مكافحة الفساد لمنح مشروعية للسلطة القائمة، منتهكة سرية التحقيق القضائي التي تعاقب عليها مختلف قوانين الإعلام، ولم تعبأ بمبدأ المتهم بريء قبل الحكم القضائي الذي يدينه. لقد سبق لرئيس اللجنة الوطنية لإصلاح السلطة القضائية، محند يسعد(75)، أن أشار إلى عدم تأهيل الصحافيين لتغطية نشاطات جهاز العدالة؛ فذكر أنهم لا يلتزمون بالدقة المطلوبة في تغطيتهم لما يجري في أروقة المحاكم، ويطرحون قضايا لا يتحكمون فيها.
قد يعزو البعض هذه "التجاوزات" إلى نقص تأهيل الصحافيين نتيجة إحجام معظم وسائل الإعلام عن تخصيص 2% من مداخيلها لتأهيل صحفييها، مثلما تنص عليه قوانين الإعلام. وهذا جانب فقط من ظاهرة أكثر تعقيدًا. فالصحافيون الجزائريون لم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم في إطار مهني قوي يطور المهنة ويحميها من" الانزلاقات". فالنقابة الوطنية للصحافيين، التي سعت إلى تنظيم الصحافيين الجزائريين على المستوى الوطني منذ 1998 لم تكن طرفًا فاعلًا في مختلف القرارات التي اتُّخذت في قطاع الإعلام. لقد شقَّ جناح من السلطة صفوفها، في 2009، وأنشأ تنظيمًا موازيًا لها، ممثلًا في الفيدرالية الوطنية للصحافيين التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، لمناصرة ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة ثانية ضد غريمه، علي بن فليس، ثم اختفت من الوجود، وجرى إضعافها بإنشاء المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين في 2019 لصرف الصحافيين عن الانشغال بالقضايا السياسية.
إن الإخلال بمبادئ العمل الصحفي وأخلاقياته ليست وليدة العقد الثاني من الألفية الحالية. لقد تحوَّلت إلى قاعدة عمل رسَّختها الصحافة التي أنشأتها حاشية الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لمؤازرته في حملته الانتخابية لرئاسيات 2005 وما تلاها. ماذا يُنتظَر من الصحافيين الذين يتقاضون أدنى الأجور، ويعملون دون عقد، ومستعدون للقيام بكل ما يطلب منهم على حساب المهنة وأخلاقيات الصحافة لإرضاء أرباب عملهم حفاظًا على لقمة عيشهم؟ وكيف يُطلَب من صُحُف أن تحترم مبادئ العمل الصحفي وأخلاقياته وغاية وجودها تنتهي في الحصول على عائدات الإعلان فقط؟! وأي مكان لأخلاقيات الصحافة في منظومة إعلامية تفتقد قواعد المنافسة الشريفة؟! فإن كانت المحسوبية تتعارض مع أخلاقيات العمل الصحفي، فإن الشعبوية تنتهك قواعد هذا العمل وأُسُسَه انطلاقًا من تصورها لدور وسائل الإعلام ووظيفتها في المجتمع. وهذا ما أكدته بعض البحوث في أميركا اللاتينية، والبرازيل تحديدًا(76)؛ إذ بيَّنت أن الشعبوية تتعارض مع أُسُس الصحافة كمهنة، مثل التحري في صحة الأحداث والأخبار، والالتزام بالحياد في تقديم وجهات النظر. وتعتبر هذه الأسس حدودًا نخبوية أمام متطلبات الشعب في المعرفة والاطلاع.
خلاصة
لم تجد القوى السياسية التي استولت على الحكم في الجزائر بعد دحر الاستعمار الفرنسي أي صعوبة في إرساء أُسُس منظومة إعلامية تقوم على الصحافة التعبوية، والسبب في ذلك لا يعود لإلغاء التعددية السياسية والإعلامية فحسب، بل لأن صحافة الاستقلال شكَّلت امتدادًا للصحافة النضالية التي ظهرت في ظل الاستعمار والتي عملت على رفع الوعي الوطني لدى القراء. لذا اتجهت إلى نشر التعليقات على الأحداث والمواقف وإبراز الآراء والأفكار التي تخدم بناء الدولة الوطنية على حساب استقاء الأخبار والاستقصاء الصحفي، ثم انزاحت تدريجيًّا عن دورها النضالي والتعبوي نحو الولاء للسلطات الحاكمة. ولتحقيق ذلك، استعملت السلطات العمومية إستراتيجية الاحتواء والإقصاء من خلال الأساليب المباشرة: منح الإعانات، والضغط عبر ديون المطابع العمومية، وتوزيع الريع الناجم عن الإعلان العمومي، الذي يُعد سلاحًا خطيرًا يتحكم في مصير وسائل الإعلام الجزائرية؛ لأنه يُشكِّل مصدر دخلها الأساسي، وعبر الأساليب غير المباشرة، مثل تحريك مصالح الضرائب لمراجعة الحسابات المالية للصحف(78).
هذه الإستراتيجية أمْلتها الشعبوية التي تؤمن بوحدة الرأي والموقف، والذي يجب أن ينعكس في وسائل الإعلام لاعتقادها أنها تعبِّر عن رأي الشعب الذي يتسم بتجانسه، ويُجسِّدها الريع الذي تحصل عليه وسائل الإعلام من الإعلان العمومي المُحدِّد لخطها التحريري؛ فوسائل الإعلام التي انتقدت الخطاب الرسمي أو عارضته اختفت تدريجيًّا، أو أُجْبِرت على إعادة النظر في خطها التحريري لتضمن بقاءها. وهكذا أصبحت وسائل الإعلام بمنزلة مُمَثِّل للسلطات العمومية لدى الجمهور-الشعب. والدليل على ذلك أن هذه السلطات تتهم وسائل الإعلام بضعف الدفاع عن منجزاتها، والتَّوَهُّن في نقل الخطاب الرسمي للشعب، والترويج له.
ولئن حاولت السلطات العمومية أن تجعل من الصحف الخاصة واجهة ديمقراطية للنظام السياسي في نهاية ثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي لإعطاء مصداقية لتوجهها نحو اقتصاد السوق، فإن نظام بوتفليقة قضى على هذه الواجهة بترسيخ الميراثية الجديدة لحماية مصالحه ومصالح حاشيته. وإن كانت الكلفة الاقتصادية والسياسية لهذه الميراثية تتطلب تقييمًا شاملًا على المدى البعيد، فإن ملامحها في المنظومة الإعلامية بدأت تتجلى بوضوح من خلال إبعاد وسائل الإعلام عن الاضطلاع بدور الرقابة على السلطة التنفيذية، ودفعها للقيام بدور دعائي أكثر منه إعلاميًّا، وانتهاك الأسس المهنية والأخلاقية للممارسة الإعلامية، والتضييق على الصحافة وملاحقة الصحفيين. لقد ظلت السلطات العمومية تغض الطرف، في الغالب، عن مقالات الرأي التي تنتقد، صراحة أو ضمنيًّا، كيفية إدارة الشأن العام، طالما أنها لم تتجاوز حدود إبداء الرأي، مثل الرسوم الكاريكاتورية لعلي ديلام في صحيفة "ليبرتي"، وعبدو عبد القادر في صحيفة "الخبر"، و"نقطة نظام" في الصحيفة نفسها، و"بوان زيرو" (Point Zéro) في صحيفة "الوطن"، ومقالات خضير بوقايلة في صحيفة "الشروق"، وغيرها التي تتناغم مع تقاليد الصحافة الجالسة. وبالمقابل، لم تتسامح أبدًا مع نشر الأخبار الصحفية التي تكشف عن وقائع وحقائق الفساد أو مع المواد الصحفية الاستقصائية التي تحاول النبش في عملية تصفية شركات القطاع العام و"بيعها" للأوليغارشية، ولا مع كتَّابها. والنتيجة، أن تصنيف الجزائر في سلم حرية الصحافة في العالم تراجع من المرتبة 122 في 2011 إلى 141 في 2019، بحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"(79)، وتدعمه احتجاجات الصحفيين والعريضة التي وقَّعها صحافيو الإذاعة الوطنية، خاصة المنتسبين إلى القناة الثالثة، والتي نددوا فيها بالرقابة المسلطة على نشرات الأخبار الإذاعية في عز الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر، في فبراير/شباط 2019(80).
من المفروض أن وجود وسائل الإعلام الخاصة في الجزائر يُشكِّل مؤشرًا قويًّا على حرية الصحافة، لكن هذه الوسائل لم تستطع أن تتحرَّر من نفوذ السلطات الوصية على قطاع الإعلام، بل أصبحت أكثر تبعية لها مثلما ذكرنا آنفًا. لذا، لا يمكن وصف المنظومة الصحفية الجزائرية بأنها تعيش مرحلة الانتقال الديمقراطي؛ فقد تم القضاء على بوادر هذا التحوُّل في مطلع تسعينات القرن الماضي. وعليه، عجزت الصحافة الجزائرية عن الحذو حذو الصحافة الإسبانية، التي أسهمت بفاعلية في الانتقال نحو الديمقراطية باعتبارها همزة وصل بين النخب والقراء لتحقيق التوافق بين الآراء حول القيم الديمقراطية الأساسية(81). ويؤكد محمد غريب، وزير العمل السابق، الذي أشرف على انطلاقة الصحافة الخاصة وتابع ميلادها، هذا الرأي بقوله: إن الصحافة "المستقلة" لم تقطع بعد حبلها السري بالسلطة، ولا تشارك إلا بقدر ضئيل في الاستقصاء وتقديم المعلومات، مما يُشكِّل خسارة للمجتمع الذي لديه انطباع متزايد بأنها تتلاعب به أكثر مما تُعْلِمُه بما يحدث. وما تقدمه للقارئ يعالج، في الغالب، الصراع حول السلطة أكثر من انشغالات المجتمع(82).
يمكن القول، من باب الموضوعية: إن بعض وسائل الإعلام تحاول نقل انشغالات سكان بعض المناطق في الجزائر، لكنها تعجز عن تلبية الطلب الاجتماعي(83) في ظل غياب عمليات استطلاع رأي الجزائريين حول القضايا الحيوية والمصيرية، وغياب صحافة الاستقصاء، وتغييب الحوار الحر والمفتوح دون إقصاء.
ونجانب الصواب إن اعتقدنا أن وسائل الإعلام تستطيع بمفردها أن تبني الديمقراطية في المجتمع، بل تسهم في بنائها بجانب المؤسسات والقوى السياسية التي تؤمن بأن حرية الصحافة هي مفتاح الحريات العمومية في المجتمع. إن النهوض بوسائل الإعلام الجزائرية يتطلب تطهير قطاع الإعلام من القوى غير المهنية، وتقنين علاقتها بالسلطات العمومية، وتحديد محتوى الخدمة العمومية في وسائل الإعلام، وإصدار قانون الإعلان الذي يضفي الشفافية على توزيع عائداته، ويُعزِّز التعددية الإعلامية، وتقديم الإعانات إلى وسائل الإعلام بكل شفافية لدعم انتقالها إلى البيئة الرقمية، واحترام قواعد المنافسة الاقتصادية الشريفة، وتمكين الصحافيين من اختيار تنظيمهم الحر الذي يسمح لهم بالضبط الذاتي لمهنتهم، مع فتح المجال للجمهور لمساءلة وسائل الإعلام المختلفة.
نشرت هذه الدراسة في العدد الثالث من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)
(1) يمكن أن نذكر على سبيل المثال أن نسبة رضا قراء صحيفة "الوطن" عن أدائها بلغت 4% فقط في استطلاع الرأي الذي أنجزه مركز دراسات فرنسي على عينة تتكون من 4807 قراء. للاستزادة، انظر:
Amel Blidi, "Des lecteurs satisfaits mais des efforts restent à faire: Grande enquête d'ElWatan auprès de ses lecteurs," 18 Juillet 2013, "accessed August 10, 2023". https://shorturl.at/cyEW0.
(2) "Belhimer promet "l'assainissement" du secteur de la publicité," ministerecommunication.gov.dz, 6 Avril 2020, "accessed August 10, 2023". https://rb.gy/18ao4.
(3) الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 70، الصادرة بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
(4) أُعِدَّ هذا البحث قبل نشر القانون العضوي رقم (14-23) بالجريدة الرسمية رقم (56) بتاريخ 29 أغسطس/آب 2023.
(5) وليم روو، الصحافة العربية: الإعلام الإخباري وعجلة السياسة في العالم العربي، ترجمة موسى الكيلاني، (الأردن، مركز الكتب الأردني، 1989)، ص 87-103.
(6) William Rugh, Arab Mass Media: Newspapers, Radio, and Television in Arab Politics, (US: Praeger, 2004), 121.
(7) Kai Hafez, "How Liberal is Soft Authoritarianism when Compared to Democracy? Arab and Western Media Systems Typologies," Paper Presented at the Arab Media Symposium: Information Evolution in the Arab World Georgetown (University, Washington, DC, March 22, 2010), "accessed August 10, 2023". https://urlz.fr/mjAC.
* أحداث عرفتها الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول 1988، خرج خلالها الجزائريون إلى الشوارع احتجاجًا على واقعهم ومطالبين بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وانتهت بإقرار دستور جديد أنهى مرحلة الأحادية الحزبية وفتح باب التعددية السياسية والإعلامية. للاستزادة، انظر: "أكتوبر 1988.. ربيع الجزائر الذي أنهى الأحادية"، الجزيرة نت، 15 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 9 أغسطس/آب 2023)، https://t.ly/OQJx4.
(8) Faiza Benabid, "La néologie journalistique, analyse des néologismes de la presse écrite francophone: le cas du quotidien ElWatan," (Thèse de Doctorat en Sciences du langage, Université Mohamed Khider de Biskra, 2021/2022), univ-biskra.dz, 11 Juin 2023, "accessed August 10, 2023". https://t.ly/yip7R.
(9) Marina Guseva et al., "Liberté de la presse et développement: Une analyse des corrélations entre la liberté de la presse et les différentes dimensions du développement, de la pauvreté, de la gouvernance et de la paix," (UNESCO, 2007): 13.
(10) "Méthodologie détaillée du Classement mondial de la liberté de la presse 2022," rsf.org, (2022), "accessed August 10, 2023". https://t.ly/wdGt4.
(11) Guseva et al., "Liberté de la presse et développement,": 15.
(12) نقلًا عن:
Lahouari Addi, "Forme néo-patrimoniale de l’Etat et secteur public en Algérie," shs.hal.science, 23 Juin 2009, "accessed August 10, 2023". https://rb.gy/3jpvj.
(13) Mohand Aziri, Aissa Kadri, "Séparé de la société, l’Etat nourricier a tendance à être privatisé," algeria-watch.org, 30 Juillet 2018, "accessed August 10, 2023". https://rb.gy/qsok4.
(14) العياشي عنصر، "المجتـمع المـدني المفهـوم والـواقع: الجزائر أنموذجًا"، مجلـة رواق عربي، (مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، العدد 22، 2021)، ص11-86.
(15) Gheorghe-Ilie Fârte, "Comment les médias grand public alimentent-ils le populisme de droite?," Argumentation Theory and Rhetoric, Vol. 17, No. 1, (2019): 9-32.
(16) Stéphane François, "Le populisme, un terme trompeur," theconversation.com, November 28, 2018, "accessed August 10, 2023". https://rb.gy/cio8c.
(17) Lahouari Addi, "Populisme, néo-patrimonialisme et démocratie en Algérie," in Populismes du Tiers Monde, ed. Gallissot René, (L’Harmattan, 1997), 215-225.
(18) Marc Lazar, "À propos du populisme," Histoire politique, No. 42, (2020): 3.
(19) Lynda Lee Kaid, Christina Holtz-Bacha, Encyclopedia of Political Communication, (SAGE Publications, Inc, 2007), 625-626.
(20) Addi, "Populisme, néo-patrimonialisme et démocratie en Algérie," 215-225.
(21) العياشي عنصر، "التحول الديمقراطي في الجزائر، الواقع والآفاق"، مجلة رواق عـربي، (مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، العدد 17، يناير/كانون الثاني 2000)، ص 69- 94.
(22) فليب برو، علم الاجتماع السياسي، ترجمة محمد عرب صاصيلا، (لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1998)، ص 567.
(23) George Thomas Kurian et al., The Encyclopedia of Political Science, (CQ Press, 2011), 253-254.
(24) نقًلا عن:
- Daniel Hallin, Paolo Mancini, Comparing Media System Three Models of Media and Politics, (Cambridge University Press, 2004), 12.
- Karol Jakubowicz, Miklós Sükösd, Finding the Right Place on the Map, Central and Eastern European Media Change in a Global Perspective, (The University of Chicago Press, 2008), 10.
(25) Bruner Jerome et al., "Des catégories," in La construction des premières connaissances, ed. Lécuyer Roger, (France: Dunod, 2014), 189.
(26) Hallin, Mancini, Comparing Media System Three Models of Media and Politics, 9.
(27) كارولا ريشتر، كالاوديا كوزمان، نظم وسائل الإعلام العربية، ترجمة دعاء سيد إمبابي، ط 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2022)، ص 16.
(28) Rugh, Arab Mass Media, 121.
(29) Hallin, Mancini, Comparing Media System Three Models of Media and Politics, 11.
(30) Hafez, "How Liberal is Soft Authoritarianism when Compared to Democracy? Arab and Western Media Systems Typologies," op, cit.
(31) ريشتر، كوزمان، نظم وسائل الإعلام العربية، مرجع سابق، ص 15.
(32) Hallin, Mancini, Comparing Media System Three Models of Media and Politics, 22.
(33) Khaled Bourayou, "Presse: le sens d’un combat," journal Liberté, 3 avril 2010, "accessed August 10, 2023". https://rb.gy/eck4v.
(34) Mostefa Maouene, "Les vicissitudes de la notion de délit de presse en droit algérien: Délit de droit commun ou délit spécial," Lex Electronica, Vol. 13, No. 3, (Hiver 2009), "accessed August 9, 2023". https://rb.gy/qd1iz.
(35) ف.غ، "وزير الاتصال في حديث لصحيفة الخبر"، الخبر، 14 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 9 أغسطس/آب 2023)، https://rb.gy/zraax.
(36) بعد الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والزج برجال المال والأعمال المحسوبين عليه، واصلت قناتا "الشروق"، و"النهار" فقط البث ضمن القنوات المرخص لها. ومُنِح ترخيص لقناتين، هما: "البلاد" و"الحياة".
(37) الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 48، الصادرة بتاريخ 11 أغسطس/آب 2016.
(38) Chérif Dris, "La régulation très contrôlée du champ médiatique en Algérie," in Les Espaces des (im)possibles: Les médias en Afrique du Nord depuis les années 1990, eds. Bachir Benaziz et al., (Rabat: Centre Jacques-Berque, 2021), 86.
(39) الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 56، الصادرة بتاريخ 28 أغسطس/آب 2017.
(40) الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، العدد 64، الصادرة بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 .
(41) Moncef Wafi, "Annulation de la cession de ses actions: Le groupe El Khabar se conforme à la décision de la justice," Le Quotiden d’Oran, 23 juillet 2016, "accessed August 10, 2023". https://rb.gy/r9210.
(42) "Presse: Belhimer s’engage à assainir le secteur de la publicité," Journal l’expression, 6 Avril 2020.
(43) Hocine Lamriben, "Marché de la publicité, La régulation fait défaut," ElWatan, 3 Juin 2013.
(44) ب. خالد، "إشهــار عمــومـــي "تحت الطاولــة" وضغــــط علـى المعلنــــــــين الخواص"، الخبر، 13 أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(45) Farid Abdeladim, "L’Anep, tiroir-caisse et outil de pression politique," Liberté, 3 Mai 2011, "accessed August 9, 2023". https://rb.gy/zsmy2.
(46) أكد رئيس تحرير صحيفة الوطن أن صحيفته حُرِمَت من إعلانات مؤسسات الدولة منذ 2014، "ومورست ضغوطات كبيرة على المعلنين الخواص الجزائريين والأجانب للكف عن نشر إعلاناتهم في صحيفتنا. وذلك لموقفنا النقدي من السياسة العامة المنتهجة. لقد برمجت السلطات العمومية موت صحيفتنا جراء سياستها التحريرية. فاضطررنا إلى الاستغناء عن مراسلين وبيع ممتلكاتنا للاستمرار في البقاء. في 2020، وقَّعنا اتفاقية مع الوكالة الوطنية للإشهار لاستعادة حقنا في الإشهار العمومي لكنها لم تدم طويلًا، حيث حُرمنا مرة أخرى من هذا الحق نتيجة نشر تحقيق صحفي، يوم 20 أغسطس/آب 2020، بعنوان: ممتلكات أبناء القائد صالح، ثروة اكتسبت في ظلال اللواء"، انظر:
Karim Benamar, "ElWatan risque de disparaitre à cause de la crise financière, la presse écrite en difficulté," liberté, 28 Juillet 2021, "accessed August 9, 2023". https://t.ly/IWEp8.
(47) محمد. ي، "العربي ونوغي يفجر فضيحة حول الإشهار العمومي: استفادة سي عفيف من 109 مليار سنتيم و30 مليار سنتيم لزوجة رابح ماجر"، أخبار دزاير، 6 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2023)، https://t.ly/m2oVH.
(48) Benamar, "ElWatan risque de disparaitre à cause de la crise financière, la presse écrite en difficulté," op, cit.
(49) انظر:
- محمد دهيليس، "لعربي ونوغي: أكثر من 15 ألف مليار من الإشهار العمومي وزعت على الصحف في العشرين سنة الماضية"، بلادي إنفو، 6 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2023)، https://urlz.fr/m2vJ.
- "العربي ونوغي يعري قطاع الإشهار ويكشف الفساد الذي ينخره"، الإخبارية نيوز، 7 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2023)، https://t.ly/PI-w2.
(50) شيراز زويد، "بلحيمر: الحكومة ستتخلص من القوى غير الإعلامية التي تفرض سيطرتها على الإعلام"، الجزائر اليوم، 3 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2023)، https://t.ly/XMx88.
(51) "Distribution de la publicité publique: "15 critères objectifs" retenus," ministerecommunication.gov.dz, 7 Mai 2020, "accessed August 9, 2023". https://t.ly/T9PUw.
(52) تصريح الوزير السابق حميد غرين، للموقع الصحفي " كل شيء عن الجزائر" من قسنطينة بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2014، انظر:
"L’énorme dette des journaux auprès des imprimeries publiques," tsa-algerie.com, 22 Septembre, "accessed August 9, 2023". https://t.ly/AAAIA.
(53) Abdeladim, "L’Anep, tiroir-caisse et outil de pression politique," op, cit.
(54) Hadjer Guenanfa, "Des journaux privés sommés de payer leurs dettes par les imprimeries publiques," TSA, 28 Mai 2014, "accessed August 9, 2023". https://urlz.fr/mjAJ.
(55) نقلًا عن: فريدة حسين، مستقبل الصحافة المطبوعة والإلكترونية في الجزائر، (رسالة ماجستير، كلية الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، نسخة غير منشورة، 2023).
(56) "État des lieux 15 ans après, Des acquis et des blocages," ElWatan, 10 Décembre 2005.
(57) Simon Kemp , "Digital 2022: Algeria," datareportel.com, February 15, 2022, "accessed August 9, 2023". https://shorturl.at/admP9.
(58) Dris, "La régulation très contrôlée du champ médiatique en Algérie", 86.
(59) نصر الدين لعياضي، "وسائل الإعلام في الجزائر، تكلفة المحسوبية"، في ريشتر وكوزمان، نظم وسائل الإعلام العربية، مرجع سابق، ص 337.
(60) Belkacem Mostefaoui, "Deux décennies de presse privée algérienne: pléthore de titres et tentation de marchandisation," ElWatan, 5 Juillet 2011, "accessed August 9, 2023". https://shorturl.at/alpHY.
(61) Ibid.
(62) Batache Abderrahmane et al., "L’industrie de la presse écrite en Algérie: de "l’entreprisation" au défi de la numérisation," Revue des Sciences Administratives et Financières, Vol. 5, No. 1, (2021): 549-566.
(63) الزهرة جقريف، اقتصاد الصحافة في الجزائر: دراسة ميدانية حول مؤسستي "الخبر" و"الشروق"، مجلة العلوم الإنسانية (جامعة الإخوة منتوري قسنطينة 1، الجزائر، العدد 47، يونيو/حزيران 2017)، ص 15-27.
(64) "Ennahar: "L’autre affaire rentable," ebourse.dz, 30 Janvier 2018, "accessed August 9, 2023". https://shorturl.at/jrS58.
(65) "ElWatan a les reins solides," bourse-dz, 1Février 2018, "accessed August 9, 2023". https://shorturl.at/oBPWX.
(66) نقلًا عن حسين، مستقبل الصحافة المطبوعة والإلكترونية في الجزائر، مرجع سابق.
(67) وهي: "سبق برس"، و"خبر برس"، و"دزاير نيوز"، و"الجزائر الآن"، و"الجزائر سكوب"، و"المصدر DZ"، و"دزاير توب"، و"لا بارتي نيوز (La patrie News)، و"ألجيري 54" (Algerie54).
(68) نذكر منها صحيفتي "المنقذ" و"الفرقان" التابعتين للجبهة الإسلامية المنحلة، و"الجزائر حرة" التابعة لجبهة القوى الاشتراكية، و"لافونير" (L’Avenir) التابعة للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، و"صوت الشعب" لحزب الطليعة الاشتراكية، و"البديل"، للحركة من أجل الديمقراطية، و"منبر العمال" لحزب العمال، و"الليبرالي"، للاتحاد الديمقراطي الليبرالي.
(69) شنت وسائل الإعلام العمومية حملة ضد رئيس الحكومة، قصدي مرباح، وأدت إلى إقالته. واختار الرئيس، اليمين زروال، الانسحاب من الحكم قبل نهاية عهدته الرئاسية بدل مواجهة الزمرة التي جندت صحيفة "لومتان" و"الوطن" و"ليبرتي" للتحرش بمستشاره، محمد بتشين، واتهامه بالفساد واستغلال نفوذه. وكررت صحيفة "لومتان" السيناريو ذاته، لمواجهة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في حملته الانتخابية الثانية، من خلال التشهير بصديقه الحميم ووزير داخليته، يزيد زرهوني، واتهامه بتعذيب المعارضين واستغلال نفوذه.
(70) شنت قناة النهار حملة تخوين وتشويه سمعة بعض الشخصيات التاريخية، مثل المجاهدة زهرة ظريف، ولخضر بورقعة، اللذين وقَّعا عريضة بجانب 17 شخصية أخرى، يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، طلبوا فيها مقابلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للتأكد من مقدرته على إدارة شؤون البلاد.
(71) نقلًا عن حسين، مستقبل الصحافة المطبوعة والإلكترونية في الجزائر، مرجع سابق.
(72) المرجع السابق.
(73) Ammar Belhimer, "La presse en quête de mythes," La pensée de midi," No. 4, (Janvier 2001): 111- 123.
(74) Zine Cherfaoui, "La presse, la justice, la corruption: Les journalistes doivent se méfier des sources anonymes," ElWatan, 3 janvier 2009. "accessed August 9, 2023". https://shorturl.at/IJKZ3.
(75) Ibid.
(76) Julián Durazo-Herrmann et al., "Populism, Media and Journalism, an Introduction to the Special issue," Brazilian journalism research, Vol. 17 No. 3, (December 30, 2021): 551-535.
(77) تعبير مجازي استعمله إدوارد هيرمان ونعوم تشومسكي في تشخيصهما للمصفاة التي تسمح للشركات الكبرى بالتحكم في محتويات الإعلام. للاستزادة، انظر:
Edward Herman, Noam Chomsky, Manufacturing Consent: The Political Economy of the Mass Media, (New York: Pantheon Books,1988), 26.
(78) هذا ما أكده على سبيل المثال، مسؤول النشر في صحيفة الوطن، انظر:
Ali Boukhlef, "Algérie: confronté à une grave crise financière, le quotidien francophone ElWatan agonise," middleeasteye.net, 13 juillet 2022, "accessed August 28, 2023". https://shorturl.at/iqtxL.
(79) "Méthodologie détaillée du Classement mondial de la liberté de la presse 2022," op, cit.
(80) انظر:
Yacine Babouche, "Pour dénoncer la censure et les pressions, une journaliste de la Chaîne 3 quitte son poste de présentatrice," tsa-algerie.com, 17 Novembre 2019, "accessed August 10, 2023". https://t.ly/Z5Rq0.
(81) انظر: كارلوس باريرا، ريكاردو زوغاستي، "دور الصحافة في مرحلة التحول"، في مجموعة من المؤلفين، وسائل الإعلام الجماهيرية والاتصال السياسي في الديمقراطيات الجديدة، ترجمة محمد الخولي، ط 1 (بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2016)، ص 71.
(82) Nabila Amir, "Mohamed Ghrib. Ancien ministre du Travail dans le gouvernement de Mouloud Hamrouche : L’affranchissement avec le pouvoir n’est pas encore effectif," ElWatan 4 Avril 2010, accessed August 9, 2023". https://shorturl.at/cpruD.
(83) هذا ما ذكره، على سبيل المثال، مدير تحرير صحيفة الوطن عندما أشار إلى أن صحيفته تركز على الحياة المؤسساتية على حساب حياة الجزائريين "الفعلية"، انظر:
"enquête auprès des lecteurs," ElWatan, op, cit.