الاتحاد الإفريقي وأزمة السودان: الجهود والسيناريوهات

تحاول هذه الورقة الوقوف على حظوظ لجنة الاتحاد الإفريقي في النجاح في مسعاها الجديد لكسر حالة الجمود التي تعتري أزمة الحرب المشتعلة في السودان، وذلك بعد تعيين رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي هذه اللجنة التي بدأت مهامها بلقاءات مختلفة لأطراف ذات صلة بملف عملها.
اجتماع مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على مستوى الوزراء في أديس أبابا بشأن موضوع السودان (رويترز)

قرار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي محمد، في 17 يناير/كانون الثاني 2024، بتكوين لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى المعنية بالسودان، والتي تضم ثلاث شخصيات إفريقية بارزة برئاسة محمد بن شمباس، الممثل السامي للاتحاد الإفريقي لإسكات السلاح، وعضوية كل من سبيسيوسا وإنديرا كازيبوي، النائبة السابقة لرئيس جمهورية أوغندا، والسفير فرانسيسكو ماديرا، الممثل الخاص السابق لرئيس المفوضية إلى الصومال ورئيس بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، يمثل تحركًا جديدًا للمنظمة الإفريقية تجاه أزمة الحرب في السودان وهي تكمل عامها الأول، دون أفق واضح لنهايات سريعة لها، وهو ليس التحرك الأول حيث ظل الاتحاد الإفريقي يراقب الأزمة السودانية منذ اندلاعها، ويقوم ببعض التحركات والاتصالات دون ثمار تذكر.

ووفقًا للقرار، سيعمل أعضاء لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى مع جميع أصحاب المصلحة السودانيين وهم جميع الأطراف المدنية وكذلك الأطراف العسكرية المتحاربة والجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، بما في ذلك الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيقاد" والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لضمان عملية شاملة تهدف إلى الاستعادة السريعة للسلام والنظام الدستوري والاستقرار في السودان، ودعا مفوض الاتحاد الإفريقي جميع أصحاب المصلحة السودانيين والمجتمع الدولي إلى تقديم التعاون والدعم اللازمين لأعضاء اللجنة من أجل التنفيذ الناجح لتفويضهم(1).

جاء توقيت قرار تكوين الآلية رفيعة المستوى من قبل مفوضية الاتحاد الإفريقي عقب فشل قمة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيقاد" الأخيرة، يناير/كانون الثاني 2024، في تحقيق ما كان منتظرًا منها لحل النزاع في السودان، خصوصًا بعد أن اتخذ السودان قرارًا بتجميد عضويته فيها، لذا رأى الاتحاد الإفريقي التدخل عبر لجنة خاصة بالملف السوداني لمحاولة إحداث اختراق جديد، والتواصل مع جميع أصحاب المصلحة السودانيين بغرض استعادة النظام الدستوري في السودان، واستئناف مسيرة الفترة الانتقالية.

القراءة الأولية للآلية رفيعة المستوى تقول إنها تجميع لشخصيات بارزة في القارة منهم نواب رؤساء دول سابقون، ومسؤولون دوليون وأصحاب خبرات ومعارف عميقة بمشكلات القارة، مما قد يعطيهم القدرة على إحداث اختراقٍ ما نحو حل شامل للأزمة في السودان، ويمكنهم على الأقل أن يسهموا بدور المُسهِّل أو المُيسِّر ضمن أي منابر تفاوضية، أو جولات حوار يمكن أن تنشأ في الفترة القادمة بين أطراف الأزمة، أو اجتراح مبادرات أو طرح أفكار يمكن أن تعمل على وقف الحرب وتسهيل المسار السياسي وإدارة الانتقال.

الحكومة السودانية وحراك الاتحاد الإفريقي: ترحيب وشروط

حضور الاتحاد الإفريقي في أزمات السودان ليس جديدًا، وله تجارب متعددة في التاريخ القريب والبعيد، منها العملية المختلطة في دارفور غربي السودان، والتي تمت بعد مشاورات بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة مع حكومة السودان، في أديس أبابا، في 12 يونيو/حزيران 2007، وتم تأكيد نتائج هذه المشاورات بكاملها في اجتماع مجلس الأمن مع رئيس جمهورية السودان في الخرطوم، في 17 يونيو/حزيران 2007(2)، ومنها اللجنة رفيعة المستوى لعملية السلام في دارفور التي شُكِّلت، في أبريل/نيسان 2009، برئاسة رئيس جنوب إفريقيا الأسبق، ثابو مبيكي، وعضوية رئيس بورندي الأسبق، بيير بويويا، ورئيس نيجيريا الأسبق، عبد السلام أبو بكر، والتي حققت اختراقًا مهمًّا فيما يلي المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بعد الانفصال؛ حيث توصلت إلى خارطة طريق حول الملفات الأمنية والعسكرية والحدود والنفط والتعاون التجاري والاقتصادي والإغاثة والشؤون الإنسانية.

برغم تعليق الاتحاد الإفريقي لعضوية السودان في المنظمة، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021 تعليق عضوية السودان احتجاجًا على قرارات البرهان، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي عدتها المنظمة الإفريقية انقلابًا على الحكومة المدنية، وتضع السودان تحت طائلة المادة (30) من قانون تأسيس الاتحاد والتي تقول: "لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد"، لكن برغم ذلك ظل الاتحاد الإفريقي منخرطًا في الجهود التي هدفت لإنهاء الأزمة السودانية، وكثف من تلك الجهود في أعقاب اندلاع الحرب، في منتصف أبريل/نيسان 2023، وسط مصاعب كبيرة واجهتها المبادرات الإفريقية وغيرها خلال الأشهر الماضية؛ حيث تتيح أنظمة الاتحاد الإفريقي له الانخراط في قضايا الحرب والنزاعات والمسائل الأمنية حتى في الدولة مجمدة العضوية، لذلك سارع الاتحاد آنذاك لإرسال الاتحاد بعثة إلى الخرطوم للتحاور مع كافة الأطراف بهدف إيجاد حلٍّ ودي للمأزق السياسي الذي نجم عن قرارات البرهان، ومن ثم في مايو/أيار 2023 بعد أسابيع قليلة من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعلن الاتحاد الإفريقي تبنيه خطة لحل الأزمة تتكون من ست نقاط، تشمل وقف إطلاق النار الدائم وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترًا عن العاصمة، ونشر قوات إفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية، إضافة إلى معالجة الأزمة الانسانية والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.

ثم جاء الحراك الثالث للاتحاد الإفريقي بتكوين الآلية رفيعة المستوى التي رحبت بها الحكومة السودانية، واستقبلها رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، في العاصمة الإدارية، بورتسودان، مؤكدًا ثقة السودان في الاتحاد الإفريقي وما يمكن أن يقدمه من حلول، وأحاط البرهان الوفد بتداعيات تمرد قوات الدعم السريع والانتهاكات التي ارتكبتها بحق المواطنين المدنيين، مؤكدًا أن أساس الحل يكمن في انسحاب قوات الدعم السريع من المدن والقرى التي احتلتها وشردت أهلها ونهبت ممتلكاتهم وانتهكت حرماتهم. وأطلع البرهان وفد الآلية على التطورات السياسية في البلاد منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مشددًا على أن ما حدث وقتها لم يكن انقلابًا عسكريًّا وإنما فض الشراكة بين المكون العسكري والقوى السياسية لتعثر الوصول إلى توافق. ورهن البرهان قبوله بجهود الآلية الإفريقية للمساهمة في حل النزاع في البلاد باستعادة السودان لعضويته كاملة في الاتحاد الإفريقي وهو مطلب وفق منظور البرهان يعد مقبولًا لكونه يرى أنه لم يقم بانقلاب عسكري على وضع دستوري راسخ تتولى سلطته حكومة منتخبة، وهو ما يعنى أن حيثيات تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي باطلة وغير صحيحة(3).

اشتراط رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، قبول السودان وإعادة البلاد لثقتها في الاتحاد الإفريقي وحلوله لتسوية النزاع في البلاد بإعادة عضوية السودان في التكتل القاري، وأن تتعامل المنظمة الإفريقية مع السودان كعضو كامل الحقوق(4)، أثار الجدل مجددًا حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الإفريقي لحل الأزمة الحالية؛ حيث تكثفت منذ الأسابيع الأولى من الحرب، مساعي الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيقاد" التي عقدت ثلاث قمم استثنائية منذ اندلاع الحرب، لكن برغم الدعم الاقليمي والدولي الكبير لهذه الجهود، إلا أنها لم تحرز نجاحًا يذكر حتى الآن.

الشرط الذي وضعه البرهان أمام الآلية رفيعة المستوى بربطه القبول بالانخراط في مساعي الحلول الإفريقية باستعادة عضوية السودان كاملة في الاتحاد الإفريقي قد يؤدي إلى تقويض هذه الجهود الإفريقية، وغلق الباب أمامها(5). لكن هناك من يرى أن الاتحاد يستند في جهوده الحالية على أنظمته ولوائحه التي تتيح له الانخراط في الجوانب المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم ووقف الحرب في أي بلد من بلدان القارة، حتى وإن كانت تلك الدولة مجمدة العضوية في الاتحاد مثل السودان؛ فالاتحاد الإفريقي حاليًّا يتعامل مع الحرب السودانية باعتبارها جزءًا من مهامه المتعلقة بالحفاظ على السلم والأمن في المنطقة.

حراك الاتحاد الإفريقي: المسار والمخرجات

بدأت آلية الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى المعنية بالأزمة السودانية عملها فعليًّا بعد انتهاء القمة العادية للاتحاد الإفريقي التي انعقدت في أديس أبابا، في 17 و18 فبراير/شباط 2024، وانخرطت في لقاءات متعددة شملت مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، بانكول أديوي، والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان، رمطان العمامرة، والمبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي، مايك هامر، ووزير الخارجية الإثيوبي، تاي أتسكي سيلاسي، الذي أكد للآلية الحاجة الماسَّة لعملية سلام شاملة يمتلكها السودانيون ويقودها الاتحاد الإفريقي لمعالجة الأزمة الحالية، مؤكدًا دعم إثيوبيا للآلية باعتبارها مبادرة تقودها إفريقيا، وستحقق اختراقًا خاصة في وقوف المجتمع الدولي وأصحاب المصلحة الإقليميين خلف الآلية(6).

وفي أديس أبابا نفسها تواصل فريق الآلية مع ممثلي قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، التي قدمت مقترحًا لخارطة طريق إنهاء الحرب وإعلان المبادئ، تقوم على إطلاق عملية سياسية مملوكة للسودانيين تخاطب جذور الأزمة وتنهي الحرب وتعيد تأسيس الدولة على أساس مدني ديمقراطي؛ حيث أعرب وفد الآلية الإفريقية عن تقديره لما تقوم به "تقدم"، وأمَّن الطرفان على استمرار التشاور بينهما بصورة لصيقة تسرِّع من جهود إنهاء الحرب وبناء السلام في السودان.

التقت الآلية كذلك قوات الدعم السريع وبحثت معها وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، وبدء العملية السياسية، وحسب بيان الأخيرة على منصة "إكس"، فإن وفدها المفاوض سلَّم الآلية رؤيته حول إنهاء الحرب وتأسيس الحل السياسي الشامل في السودان عبر الاتفاق على المبادئ الأساسية للحل ومخاطبة جذور الأزمة السودانية، وقدم ممثل "الدعم السريع" توضيحًا عن جولات التفاوض في جدة والبحرين، إلى جانب المبادرات الرامية لوقف الحرب.

استكملت الآلية جولتها بسلسلة من اللقاءات مع بعض القوى السياسية السودانية في العاصمة الإدارية، بورتسودان، مثل حركة الإصلاح الآن بزعامة غازي صلاح الدين، وحزب المؤتمر الشعبي "حزب حسن الترابي"، وعدد من مديري الجامعات الحكومية هي النيلين والجزيرة والبطانة وسنار، الذين قدموا تنويرًا للآلية عن الخسائر الباهظة التي سبَّبتها قوات الدعم السريع على مقرات الجامعات والمراكز البحثية والمكتبات والمرافق ونهب وتدمير المستشفيات التعليمية في العاصمة، الخرطوم، وفي ولايات دارفور والجزيرة وسنار؛ حيث أكدت لهم الآلية نقل تفاصيل ما نقله مديرو الجامعات للاتحاد الإفريقي والمساهمة في تسهيل التعاون المشترك بين الجامعات السودانية والإفريقية.

كما قامت الآلية بعدد من الجولات الدبلوماسية والمشاورات مع عدد من الرؤساء والمسؤولين منهم رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، والرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، وأطراف إقليمية ودولية، منها الأمين التنفيذي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيقاد"، ورقنيه جيبيهو، حيث جرت مناقشات بين الطرفين بشأن دفع عملية السلام في السودان، والتزام "إيقاد" بالعمل للتوصل إلى حل سلمي دائم، يقوم على التعاون الحيوي بين الهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد" والاتحاد الإفريقي.

وفي لقاء الرئيس الجيبوتي، الرئيس الحالي لمجموعة رؤساء دول "إيقاد"، بالآلية، تم عرض السبل التي من شأنها أن تسمح بمزيد من التنسيق والتوافق بين المبادرات المختلفة، والتي جرى إطلاقها على المستوى الإقليمي والقاري والدولي لاستعادة السلام والاستقرار في السودان، حيث توافق الجانبان حول ضرورة دعوة أطراف الأزمة السودانية إلى الالتزام بوقفٍ لإطلاق النار خلال شهر رمضان المبارك، يتم توسيعه مستقبلًا، إلى وقف دائم لإطلاق النار، كديباجة للمفاوضات السياسية وتشكيل حكومة مدنية في السودان(7).

ثم انتقل وفد الآلية الإفريقية للعاصمة المصرية، القاهرة، حيث التقى قوى الحرية والتغيير/الكتلة الديمقراطية، واستمع لرؤيتها التي تدعو لتوسيع المشاركة في التوصل لحل سياسي شامل لقضية الحرب. وفي القاهرة أيضًا تشاور وفد الآلية مع جامعة الدول العربية وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية المصرية، حيث طلبت الآلية من الجامعة العربية التعاون الوثيق في الشأن السوداني، وأطلعت الأمين العام على نتائج لقائها مع رئيس مجلس السيادة السوداني في بورتسودان؛ حيث أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، للآلية رفيعة المستوى ضرورة الوصول لاتفاق وقف إطلاق نار بشكل سريع، وذلك لإنقاذ الدولة السودانية التي لحق ببنيتها التحتية دمار كبير خاصة في العاصمة، الخرطوم، بسبب القتال الدائر، وكذلك لإنقاذ الوضع الانساني المتردي، والذي أدى إلى تحويل ملايين السودانيين إلى لاجئين ونازحين، مستعرضًا الجهود التي تقوم بها الجامعة في هذا الخصوص مع الشركاء الدوليين وعلى رأسهم الاتحاد الإفريقي، مؤكدًا على ضرورة التعاون والتنسيق مع حكومة جمهورية السودان لإنجاح هذه المساعي(8)

أبرز محطات القاهرة كان لقاء وفد الآلية رفيعة المستوى بوفد حزب المؤتمر الوطني الحزب الحاكم السابق والذى أطاحت ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 السودانية بسلطته، وتكوَّن وفد المؤتمر الوطني من الوزيرين السابقين، أسامة فيصل وأميرة الفاضل، وناقش لقاء الآلية الإفريقية رفيعة المستوى مع وفد حزب المؤتمر الوطني الأزمة السودانية وكيفية إنهاء الحرب؛ حيث أبلغ ممثلو حزب المؤتمر الوطني الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بأن اللقاء جاء للتعرف على ما يود وفد الآلية طرحه عليهم، وأنهما ليس لديهما تفويض لمناقشة الأجندة المطروحة على الحزب من قبل الآلية؛ حيث نصح وفد المؤتمر الوطني أعضاء الآلية بلقاء قيادة الحزب الموجودة داخل السودان .

يعطي لقاء الآلية الإفريقية مع وفد المؤتمر الوطني مؤشرًا لماهية خطة الحل التي تتبناها الآلية لحل قضية الحرب في السودان، وهو طرح حل شامل تشارك فيه كل القوى السياسية السودانية بلا استثناء بما فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق، وهو ما يعني أن الآلية لن تبني خططها للحل على ميراث الآلية الثلاثية السابقة قبل الحرب التي جمعت في عضويتها البعثة الأممية السابقة في السودان (يونتامس) وممثل للاتحاد الإفريقي ومنظمة "إيقاد"، ويعني إعادة أدراج حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق في نسق العملية السياسية التي ستقودها الآلية الإفريقية أن الاتحاد الإفريقي غير راغب في ممارسة الإقصاء تجاه أي طرف سوداني، ولو كان الحزب الحاكم السابق، وأن الآلية الإفريقية لديها قناعة بأنه لا يمكن تحقيق أي تسوية سياسية في البلاد دون مشاركة كل السودانيين بلا استثناء، وأنه لا جدوى ولا طائل من محاولة تحقيق حل سياسي لقضية الحرب في البلاد دون مشاركة جميع السودانيين في الوصول لذلك الحل، وأن الآلية عازمة على عدم استثناء أي قوى سياسية، وعلى استعداد للحوار مع الجميع، وهو ما قد يوقعها في حرج مع قوى الثورة الرافضة لأي دور لقوى النظام السابق(9).

أبرز التحفظات على لقاء الآلية الإفريقية بحزب المؤتمر الوطني كان من تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية "تقدم"؛ حيث أكد الناطق الرسمي باسم التنسيقية أن أعضاء المؤتمر الوطني مواطنون ليس من حق أحد أن ينزع عنهم الجنسية السودانية، لذلك سيكون متاحًا أمامهم المشاركة في صناعة الدستور، وهي فرصة للمؤتمر الوطني لفتح أفق لمرحلة جديدة، أما مشاركتهم في عملية سياسية تشكل مستقبل البلاد، أو أن يكونوا جزءًا من هياكل السلطة الانتقالية، فهذا أمر مرفوض من حيث المبدأ(10).

خلاصة اللقاءات الإقليمية للآلية رفيعة المستوى خلال الفترة الماضية مع الحكومة السودانية وحكومات عدد من الدول وقادة الأحزاب السياسية والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني في عدد من العواصم أن الآلية وقفت بدقة على الرؤي والأفكار بشأن وقف الحرب وإعادة السلام والاستقرار في السودان، حيث تبلورت رؤيتها من كل الحراك السابق في دعم لعملية التفاوض بين الحكومة السودانية والدعم السريع في جدة الرامية إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وحث القائمين عليها للإسراع في استئناف المحادثات بمشاركة كاملة من الاتحاد الإفريقي و"إيقاد"، كما ترى الآلية من جلوسها مع جميع أصحاب المصلحة والمحاورين الحاجة الملحة لعقد حوار سياسي سوداني شامل، يسمح للسودانيين بتبادل وجهات النظر حول رؤية مشتركة لسودان مسالم ومستقر، والاتفاق على عملية انتقالية تسمح للسودانيين بمعالجة الأسباب التاريخية العميقة الكامنة وراء الصراع الحالي، مرة واحدة وإلى الأبد، والبدء في العملية الطويلة والصعبة لإعادة بناء بلدهم الممزق(11).

جهود الاتحاد الإفريقي تجاه السودان: قراءات المستقبل

تمكنت الآلية رفيعة المستوى التي شكلها مفوض الاتحاد الإفريقي للتعامل مع الأزمة السودانية في وقت وجيز من الوصول لكل أطراف المعادلة السودانية، وجلست مع كل من يمكن أن يقدم رؤية أو مقاربة للحل، من السودانيين وغيرهم، وحاولت أن تجترح مقاربة تقوم على عدم إقصاء أحد، ولذا رأى مراقبون أن الجديد في عمل الآلية هو الحياد الإيجابي ووقوفها على مسافة واحدة من جميع القوى والمكونات السياسية والمدنية السودانية وعدم الدعوة إلى إقصاء أحد بعكس كل المبادرات السابقة التي كانت تتحدث عن اقتصار الأمر على قوى معينة مع إقصاء آخرين(12).

إذن، تخلصت الآلية رفيعة المستوى من التهم التي لاحقت مبادرات سابقة مثل الانحياز لطرف، وعدم الحياد في التعامل مع أطراف الأزمة، لذا يمكن القول: إن ما قامت به الآلية من جهود في هذا الصدد مكَّنها من بلورة تصور أولي للحل يمكن أن تطرحه على جميع الأطراف ويفضي إلى تحقيق السلام والاستقرار بالبلاد؛ حيث يلاحظ أن الآلية ركزت في مشاوراتها الأولية مع القوى السودانية على التأكيد على الطرق السلمية، والحاجة الملحة لعقد حوار سياسي شامل، يسمح للسودانيين بتبادل وجهات النظر حول رؤية مشتركة لسودان مستقر والاتفاق على عملية انتقالية.

وصول الآلية رفيعة المستوى إلى هذه المرحلة من قبول الأطراف السودانية لحراكها دون تقاطعات حادة تذكر، يعني أن تجارب الاتحاد الإفريقي مع السودان مستمرة في إحراز نجاح مقبول على غرار تجارب سابقة كثيرة؛ حيث ساعدت جهود الاتحاد الإفريقي سابقًا في التخفيف من حدة التدخل الدولي في الشأن السوداني، وهو ما ينبئ أن أمر هذا الحراك الإفريقي لحل الأزمة السودانية سينحصر في أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:

  1. سيناريو نجاح الآلية في إقناع أطراف الأزمة برؤية الحل المطروحة، والفلاح في طي صفحة الحرب والقضاء على مسببات النزاع والوصول إلى حل متراضى عليه يقود إلى وقف الحرب وتنظيم انتخابات حرة يختار فيها الشعب حكومته على كافة المستويات.
  2. سيناريو حسم أحد الأطراف الحرب لصالحه في ظل حالة التأرجح في الميدان، والتي مالت كفتها خلال الفترة الماضية لصالح الجيش السوداني؛ ما يعني أن الطرف المنتصر سيفرض شروطه على المهزوم، ويشكل المرحلة القادمة في السودان وفق رؤاه، وهو ما يعني أيضًا تجاوز جهد الآلية رفيعة المستوى.
  3. سيناريو استمرار مرحلة الحراك والمشاورات والمحاورات لمدة طويلة ومحاولة إقناع جميع أطراف المعادلة السودانية برؤية الآلية رفيعة المستوى، في ظل تعنت الأطراف وعدم تزحزحها عن مواقفها، وفشل الآلية في تليين المواقف، وهو ما يعني استمرار الحرب لمدى أطول لحين وصول الآلية إلى منطقة وسطى بين الأطراف يمكن أن تؤدي لتوقف الحرب والبدء في عملية سلام.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)The Chairperson of the African Union Commission Appoints High-Level Panel on the Resolution of the Conflict in Sudan, January 17, 2024, Link: https://au.int/en/pressreleases/20240117/auc-chairperson-appoints-high-level-panel-resolution-conflict-sudan

(2) قرار مجلس الأمن رقم (2007/ 1769/ S/RES) بشأن العملية المختلطة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور، 31 يوليو/تموز 2007. (تاريخ الدخول 25 مايو 2024)

(3) خالد هاشم خلف الله، الآلية الإفريقية والحرب في السودان، سودانايل، 8 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول 25 مايو 2024)، https://shorturl.at/tvPRT

(4) البرهان يربط قبول حلول الاتحاد الإفريقي بحل أزمة عضوية السودان، سودانتربيون، 3 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول 21 مايو 2024) https://sudantribune.net/article282852

(5) "شرط العودة" يثير جدلًا حول الدور الإفريقي في وقف حرب السودان، سكاي نيوز عربية، 6 مارس/آذار 2024، ، (تاريخ الدخول 22 مايو 2024)، https://shorturl.at/cjlmM

(6) إثيوبيا تدعو لعملية سلام شاملة في السودان يقودها الاتحاد الإفريقي، راديو دبنقا، 23 مارس/آذار 2024، ، (تاريخ الدخول 21 مايو 2024) https://shorturl.at/DIKVY .

(7) الرئيس جيله يستقبل رئيس لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى المعنية بالسودان، جريدة القرن، 11 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول 24 مايو 2024)، https://www.alqarn.dj/news/12566

(8) محمد الصاحي، السودان حاضر على أجندة الجامعة العربية.. ونداء عاجل لأبو الغيط، صدى البلد، 5 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول 24 مايو 2024)، https://www.elbalad.news/6131701  

 (9) الآلية الإفريقية تتحاور مع جميع القوى السودانية ولا خصوصية للبرهان، صحيفة العرب، لندن، 8 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول 23 مايو 2024)،https://shorturl.at/jxD89

 (10) "تقدم": 4 شروط للقبول بالمؤتمر الوطني كحزب سياسي، راديو دبنقا، 5 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول 24 مايو 2024)، https://shorturl.at/lvwFO

(11) AU High-Level Panel on Sudan Concludes its First Shuttle Diplomacy Mission in the Region, March 11, 2024, link: https://au.int/en/pressreleases/20240311/au-high-level-panel-sudan-concludes-its-first-shuttle-diplomacy-mission

 (12) إبراهيم محمد آدم، فرص النجاح المتاحة أمام لجنة الاتحاد الإفريقي حول السودان، الحاكم نيوز، 15 مارس/آذار 2024 (تاريخ الدخول 20 مايو 2024)، https://alhakim.net/112453