أحدث ترشيح نائبة الرئيس، كامالا هاريس، لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة عن الحزب الديمقراطي زخمًا جديدًا ستكون له آثار مهمة على السباق الانتخابي. لقد حدث من قبل أن ترشح نواب الرئيس لمنصب الرئاسة خلال فترة رئيس آخر لم يترشح سواء بقرار منه أو لعارض يتجاوزه مثل الوفاة، وقد حصلت هذه الحالة في نحو تسع مرات في تاريخ الولايات المتحدة. لكن التحول الجديد مع هاريس هو أن يكون نائب الرئيس المترشح امرأة ومن أصول ملونة (أمها هندية، ووالدها جامايكي) ومن أبناء الجيل الأول للمهاجرين (والداها هاجرا للولايات المتحدة للدراسة، أمها في 1958 ووالدها في 1960).
يضيف ترشح هاريس في السياق الحالي للولايات المتحدة تحديًا إضافيًّا. كان التحدي السابق هو المواجهة بين المدافعين عن المؤسسات السياسية الأميركية القائمة، وهم المترشحون عن الحزب الديمقراطي منذ 2016، والمهاجمون لها، وهو دونالد ترامب، الرئيس السابق والمرشح الحالي. وقد بلغ الخلاف بين الطرفين إلى رفض ترامب الاعتراف بصحة نتائج الانتخابات التي فاز بها جو بايدن في 2020. أما التحدي الذي يضيفه ترشح كاملا هاريس فهو نموذج اندماج المهاجرين من أصول غير بيضاء ومن خلفيات ثقافية ليست مسيحية بالكامل. فهاريس تصلي في كنيسة معمدانية لكنها تحتفل أيضًا بالعادات الهندوسية. في المقابل، يهاجم ترامب المهاجرين، ويعتبرهم سببًا رئيسيًّا في مشاكل الولايات المتحدة، ويتعهد بصد باب الهجرة، ليس على المسلمين فقط، بل على المسيحيين القادمين من المكسيك أيضًا.
قد يفاقم هذا الوضع المستجد حدة الاستقطاب السائد أصلًا بين التيارين الرئيسيين في الولايات المتحدة، تيار يمثله الديمقراطيون يتمسك بالحفاظ على قواعد النظام السياسي الأميركي، وتيار جمهوري يمثله ترامب يشكِّك في صحة هذه القواعد والهيئات المشرفة عليها.
هل يرجح ترشيح كامالا هاريس حظوظ الديمقراطيين للفوز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024؟ وهل يعزز هذا الترشيح نموذج قواعد الترقية من مختلف الفئات العرقية والثقافية والاجتماعية، أم إنه سيقوي ردَّة الفعل الطاردة التي ترفض هذا المسار في الولايات المتحدة؟
مرشحة الطوارئ
كان ترشيح كامالا هاريس بدلًا من الرئيس بايدن مفاجئًا، وقد ساقت إليه عدة ديناميات تلتقي حول مخاوف الديمقراطيين من قدرة بايدن الخطابية والجسدية على مواجهة ترامب. فقد ارتكب بايدن خلال حكمه عددًا من الأخطاء في أكثر من مناسبة، فخلط بين الأسماء ومناصب الأشخاص والموضوعات، وبدا في حركاته الجسدية ضعيفًا، فتوالى وقوعه. وقد شكَّل كل ذلك انطباعًا بأن قدراته العقلية والجسدية لم تعد تؤهله للقيادة واتخاذ القرار.
لم تشكِّل هذه الشكوك سببًا كافيًا يدعوه للتخلي عن الترشح لعهدة جديدة إلى أن شارك في المناظرة مع ترامب، في 27 يونيو/حزيران 2024، حيث ظهر شاحبًا ضعيفًا وأخطأ مجددًا في بعض الأسماء والمناصب، ولم تكن ردوده على حجج ترامب قاطعة. وقد أفزع هذ الأداء قيادة الحزب الديمقراطي، التي تعزز تقديرها للموقف بسبر للآراء أجرته شبكة سي إن إن عقب المناظرة، خلص إلى أن 66% من الجمهور يعتقدون أن أداء ترامب كان أفضل من بايدن الذي حصل على 33%. تجدر الإشارة إلى أن سي إن إن تُحسب على الاتجاه الديمقراطي المناصر لبايدن، وكان ترامب يعتبرها من القنوات الإعلامية المحرضة عليه.
توالت بعد ذلك الدعوات إلى تنحي بايدن، فنادت بها نيويورك تايمز وواشنطن بوست في افتتاحياتهما، وهما أكبر صحيفتين في الولايات المتحدة. وصدرت الدعوة أيضًا عن شخصيات كبرى في الحزب الديمقراطي، مثل الرئيسة السابقة لمجلس النواب، نانسي بيلوسي، وأعضاء في مجلس الشيوخ. مع تعاظم هذا الضغط، توعد بعض المتبرعين بوقف مساهماتهم المالية إذا لم يتخل بايدن عن السباق، من بينهم الممثل جورج كلوني الذي نظَّم حفلًا لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي حصد 30 مليون دولار. وبعد توالي المؤشرات على فقدان بايدن الدعم لمواصلة سباق الرئاسة، أعلن التنحي في 21 يوليو/تموز 2024، وترشيحه لنائبته هاريس لخوص السباق بدلًا عنه.
في هذا السياق العام، تضافرت عوامل أخرى رجَّحت خيار هاريس مرشحة للحزب الديمقراطي للرئاسيات. فهي تحظى بإجماع الحزب على توليها منصب رئيس الجمهورية، وكان يحق لها تولي منصب الرئيس لو وقع لبايدن عارض استثنائي يمنعه من أداء مهامه، فاستفاد قادة الحزب من هذا الإجماع المسبق عليها. ثم إن هاريس تملك مصداقية استعمال إنجازات عهد بايدن كإنجازات لها في حملتها باعتبارها شريكة في صناعة القرار، وهو ما لا يستطيعه مرشح آخر. من ناحية أخرى، قد يؤدي رفض قيادة الحزب ترشيحها لفتح باب الترشحات لغيرها، وقد تتأجج المشاحنات بين القيادات الديمقراطية، وقد تحدث انقسامات فتتشتت أصوات الوعاء الديمقراطي. لذلك، فإن هذا التوافق على هاريس يراعي الوقت القليل المتبقي على اجتماع المؤتمر الديمقراطي، في 7 أغسطس/آب، كي يخرج بمرشح واحد، يخوض بعدها حملته الانتخابية في الأشهر الثلاثة المتبقية. ويتفادى الديمقراطيون بذلك استنزاف طاقاتهم في مشاحنات بين عدد من المترشحين، قد تشق صفوفهم وتشتت قاعدتهم وتشغلهم عن المواجهة الحقيقية مع ترامب.
انطلاقة جديدة
ربما كانت حظوظ هاريس للترشح أقل لو لم تكن الظروف ضاغطة، لكن دلالات اختيارها غيَّرت المشهد الانتخابي لصالحها. فمن الجانب الديمقراطي أعادت الوحدة للحزب وعززت الثقة في إمكانية الفوز، خاصة بعد مسارعة قادة الحزب الكبار لدعمها، مثل بيلوسي، وآل كلينتون، وآل أوباما، وتخلي بقية الديمقراطيين عن منافستها. وقد حصلت في 22 يوليو/تموز، بعد يوم من ترشحها، على أصوات 1976 مندوبًا ديمقراطيًّا، وهي أصوات كافية لحصولها على ترشيح الحزب الديمقراطي في مؤتمره القادم. كذلك، أعطى ترشحها زخمًا لجمع التبرعات، فحصدت حملة الحزب خلال 24 ساعة من إعلان ترشحها 81 مليون دولار، وارتفع المبلغ في اليوم الموالي إلى 231 مليونًا، فحطمت بذلك رقمًا قياسيًّا في تاريخ الحملات الانتخابية بالولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن الذين جمعوا هذه التبرعات هم مساهمون صغار، وليسوا أصحاب ثروات ضخمة؛ ما يشير إلى أن التبرعات للحزب الديمقراطي لا تحمل دلالة مادية فقط بل تؤشر إلى عدد الأصوات، وإلى شعور الفئات متوسطة الدخل أو ضعيفته برهانات هذه الانتخابات، والتزامها بفوز مرشح الحزب الديمقراطي. هذه الدلالات ليست متوافرة في المتبرعين الأثرياء للحزب الجمهوري، فقلَّة عددهم لا تعكس بالضرورة عدد الأصوات المحتمل، ولا تدل على حماسة مناصري الحزب للفوز بالانتخابات أو التزامهم الشخصي بإنجاح مرشحهم.
وقد أكدت استطلاعات الرأي هذا التوجه؛ حيث تغيرت نسبة التأييد من 46% لترامب مقابل 44% لبايدن في يونيو/حزيران، إلى 44% لهاريس مقابل 42% لترامب، حسب استطلاع أجرته وكالة رويترز عقب ترشيح هاريس. وأظهر استطلاع ثلاثي أجرته آي بي إس وواشنطن بوست وإيبسوس تقدمها بثلاث نقاط، فحصلت على 49% وترامب على 46%.
ترافقت هذه الأرقام مع تغييرات أعمق، مثل شروع فئات عريضة بالعودة إلى دعم المرشح الديمقراطي بعد أن كانت ترفض دعم بايدن تنديدًا بموقفه الداعم للعدوان الإسرائيلي على غزة. تشمل هذه الفئات الحاضنة الشابة للحزب الديمقراطي، ومكوناته متنوعة الأعراق والثقافات، التي تشترك جميعها في معاناتهم أو معاناة أهاليهم من الفترة الاستعمارية. فلقد أظهر استطلاع أجرته هارفارد للسياسات أن دعم الشباب لبايدن انخفض من 60% في انتخابات 2020 إلى 31% في 2024، وانخفض دعمه أيضًا في الفئات السوداء من 92% صوَّتوا له في 2020 إلى 77% يعتزمون التصويت له في 2024 حسب بيو للأبحاث، كما انخفض دعمه وسط الفئات المسلمة من 64% في 2020 إلى 17% يعتزمون التصويت له في 2024 حسب البوليتيكو.
يقاس تأثير الناخبين ليس من أعدادهم فقط لكن من الولايات التي يؤثرون عليها، وهي الولايات المتأرجحة التي ترجح الفائز بالانتخابات. فالفئات الشابة هي التي رجحت كفة بايدن في الولايات المتأرجحة، ميتشغان وبنسلفانيا ويسكونسن. والسود هم الذين رجحوا كفته في الولايات المرجحة، جورجيا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا. والمسلمون هم الذي رجحوا كفته في ميتشغان وبنسلفانيا. هذه الفئات المؤثرة لا تحمِّل هاريس مآخذها على بايدن، لذلك، انتهزت فرصة ترشيحها لتسارع إلى مراجعة موقفها السابق الرافض لبايدن. ويؤشر على ذلك دعم عضو مجلس النواب، إلهان عمر، ذات الأصول المسلمة، والنائب بيرني ساندرز، الذي يمثل الشباب العنصر الغالب في قاعدته الانتخابية، وكلاهما كان معارضًا لسياسات بايدن.
لم تستعد هاريس كليًّا دعم هذه الفئات التي أسهمت في فوز بايدن بالرئاسة في 2020 لكنها نجحت في إطلاق زخم جديد بما تمثله خلفيتها الثقافية ونضالها السابق، وعدم تحملها المباشر لدعم بايدن لحرب إسرائيل على غزة. وقد يتعاظم هذا الزخم بمرور الوقت إذا نجحت في إبداء مواقف أكثر إنصافًا للفلسطينيين، فتسترد مجددًا الدعم الذي كان ينعم به بايدن في انتخابات 2020، وقد تفوقه.
لقد خدم تنحي بايدن كامالا هاريس، وبقاؤه رئيسًا إلى نهاية عهدته سيخدمها أيضًا لأنه سيساعدها في كسب أصوات الفئات العمالية، أو أصحاب الياقات الزرقاء، الذين ساندوه في انتخابات 2020. وهي الفئات التي لم تكن على صلة وثيقة بهاريس بسبب بُعدها عن هذه الفئات؛ فقد كانت تنشط بالأساس في الهيئات القضائية. لكن بايدن دافع خلال مدته النيابية الطويلة في الكونغرس عن حقوق العمال والنقابات وشارك في إصدار تشريعات ترسخ حقوقهم، فحصل في انتخابات 2020 على 57% من أصوات الأسر النقابية. ومن المرجح أن يصوِّت هؤلاء لهاريس لقناعتهم بأنها ستواصل سياسته في دعمهم مقابل سياسة ترامب التي تغلب مصالح أصحاب رؤوس الأموال وكبار الأثرياء.
في المقابل، خسر ترامب بترشيح هاريس عامل قوة مهم كان يؤطر خطابه الانتخابي، وهو الهجوم المتكرر على نواقص بايدن البادية، مثل التهكم على ضعفه الجسدي، أو الانتقاص من قدراته العقلية، والسخرية من قدرته على التركيز، ومن سقطاته الجسدية واللفظية المتكررة، واتهام ابنه بالفساد. وقد كانت هذه الهجمات فعالة في هز ثقة الناخبين الديمقراطيين ببايدن وفي تعزيز ثقة الناخبين الجمهوريين بقدرة مرشحهم ترامب على الفوز.
لكن هاريس قد تقلب الصورة، فقد صاغت من أول خطاب لترشيحها إطار حملتها، فذكرت أنها ستلعب مجددًا دور المدعي العام الذي كانت تقوم به سابقًا، وستعامل ترامب مثل المجرمين الذين كانت تعاملهم. وهي بذلك ستبني خطابها على وقائع صحيحة، فقد صدرت ضد ترامب أحكام قضائية، وستخاطب الناخبين بلغة بسيطة يفهمونها، وستجذبهم لرغبتهم في تحقيق العدالة على الأقوياء.
بالتأكيد، لا تحسم هذه التغييرات فوز هاريس لكنها عدَّلت دينامية الانتخابات التي كانت تتميز باتجاهين. في الجانب الديمقراطي، أحدث بايدن ارتباكًا في قاعدته الانتخابية وصدوعًا في أركان الحزب، وشعورًا بالعجز وفقدان الثقة بالفوز. وفي الجانب الجمهوري، كان الحزب منظمًا، وملتفًّا حول مرشحه، ويبعث شعورًا في قاعدته بالقدرة على الفوز. وقد ظهرت نتائج هذا التعديل في تقارب هاريس وترامب في نتائج استطلاعات الرأي، التي يبدو في عدد منها تقدم ترامب، وفي أخرى تقدم هاريس. لكن في الحالتين يكون الفارق ضئيلًا يتراوح بين نقطة وثلاث نقاط في الغالب. لكن هذه الدينامية لا تزال في بداياتها وقد يوسع أحدهما الفارق مع اقتراب موعد الانتخابات، وقد يصل إلى الفارق الذي كان في انتخابات 2020، حين كان بايدن يتفوق على ترامب بسبع نقاط، ورغم ذلك كانت نتائج الانتخابات متقاربة، حيث فاز بايدن بـ51.3% من الأصوات وحصل ترامب على 46.8%. وقد تكون نتائج الانتخابات هذه المرة أكثر تقاربًا.
اليوم التالي: أول رئيسة؟
قد تفضي هذه المنافسة الانتخابية إلى فوز هاريس، فتكرر فوز بايدن في انتخابات 2020، وقد رجح هذا الاحتمال آلان ليشتمان، المختص في توقع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. فقد توقع نتائجها بدقة منذ انتخابات 1984، وتأكدت صلابة منهجه في توقعه فوز ترامب في 2016، رغم أن التقديرات السائدة آنذاك كانت تستبعد هذا الاحتمال كليًّا. ويتشكل نموذج ليشتمان لتوقع الرئيس الفائز من 13 مفتاحًا، إذا حصل المترشح على سبعة مفاتيح، ضمن الفوز. وقد أحصى ليشتمان حصول هاريس على 8 مفاتيح، وبذلك تكون قد ضمنت الفوز. وهذه المفاتيح هي عبارة عن عوامل تكون في صالح المترشح أو ضده. والمفاتيح الثمانية التي في صالح هاريس هي:
- لا يوجد منافس جدي لها للترشح عن الحزب الديمقراطي؛ فقد حصلت هاريس على عدد أصوات كاف من الديمقراطيين لتفوز بترشيح الحزب في مؤتمر القادم.
- لا يوجد حزب ثالث قوي، يمكن أن يشتت أصوات القاعدة الديمقراطية الناخبة.
- وضع اقتصادي متين في المدى القصير، وهي فترة تتراوح بين عدة أشهر وعام، فقد تدنى مستوى البطالة إلى 3.6%، والتضخم أو متوسط الأسعار في السلع الرئيسية إلى 3%.
- وضع اقتصادي متين في المدى الطويل، وهو فترة تتراوح من بضع سنوات إلى عشر سنين. وقد كان متوسط النمو خلال سنوات حكم بايدن 3.1%، وهي نسبة نجحت في خفض معدلات البطالة والتضخم، وبيَّن استمرارها استناد النمو على ركائز قوية.
- إصلاحات سياسية داخلية كبيرة، نفذتها إدارة بايدن في تقوية البنية التحتية والنظام الصحي.
- لم تقع في هذه الفترة احتجاجات واسعة أو اضطرابات.
- لم تحدث فضائح ولم تُرتكب فظائع أجمع عليها الحزبان.
- لا يملك المنافس ترامب كاريزما طاغية تسحر الجماهير، بل هو -في نظر ليشتمان- قائد استقطابي، عاجز عن توسيع قاعدته خارج الخطوط التي تضمن تماسكها.
لا يكترث نموذج ليشتمان بنتائج استطلاعات الرأي المتقلبة، بل ينصب تركيزه على هذه الأنماط، وقد أثبت أن نموذجه أصاب بخلاف نتائج استطلاعات الرأي، كالحال في انتخابات 2016 التي فاز بها ترامب.
احتمال عودة ترامب
يرجح عدد واسع من استطلاعات الرأي ومراكز التوقع فوز ترامب لكن بفارق ضئيل. فقد توقع مشروع الحكم الجيد أن تكون النتيجة 45% مقابل 40%، ويقوم هذا المشروع الرائد في مجال التوقع على الاحتمالات، وتعتد به الاستخبارات الأميركية في تقديراتها. ليست نتيجة ميتاكولوس مختلفة، وهي منصة مختصة في التوقع الاحتمالي على نفس نمط الحكم الجيد، فقد خلصت إلى أن النتيجة هي 53% لترامب و47% لهاريس. لكن هذا النموذج من التوقعات يجدد تقديراته كلما جدَّت وقائع فيأخذها في الحسبان ويعيد مراجعة الترجيحات. لذلك تتغير النسب بمرور الوقت لأنها تتأثر بالتطورات الجارية.
ما يزيد من احتمالية تغير هذه الترجيحات أن الفروق بين نسب المترشحين ضئيلة، وليس من المستبعد أن تقع تطورات تغير هذه النسب قبل الانتخابات. لذلك، فإن هذه المراكز لا تقدم نتائج حاسمة يمكن الاعتماد عليها في تفنيد نموذج ليشتمان، بل إنها قد تدل على رجحانه لأن نتائجها غير حاسمة، فتعزز بذلك احتمال صحة توقعه.
خطر الاضطرابات
قد تؤدي شخصية ترامب وتقارب النتائج الراجح إلى سيناريو حدوث اضطرابات شبيهة بتلك التي وقعت عقب انتخابات 2020، حين رفض ترامب نتائج الانتخابات واقتحم أنصاره مقر الكونغرس وعبثوا بمقتنياته. لكن قد تكون الاضطرابات هذه المرة أشد، لأن ترامب لا يزال يلمِّح إلى أنه لا يثق في المؤسسات الفيدرالية ويتوعد بتطهيرها. وقد يشتد غيظه إذا انهزم هذه المرة لأنها فرصته الأخيرة، فلا يكتفي برفض النتائج بل قد يتطرف إلى إعلان فوزه، فيكون للولايات المتحدة فائزان بالرئاسة، يطالب كل منهما بالاعتراف به داخليًّا وخارجيًّا. وقد تحدث تصدعات في الهيئات الفيدرالية، أو يرفض بعضها التصدي لمناصري ترامب في حال هاجموا مراكز الخصوم. وقد تحدث انقسامات في ولاء الولايات، وقد ينزع بعضها إلى الخروج من الاتحاد.
قد يبدو هذا سيناريو متطرفًا، لكن احتماله يظل قائمًا وإن كان ضعيفًا. فقد ظهرت بوادره من قبل وقد تتفاقم مع زيادة الاستقطاب أثناء الحملة الانتخابية. ورغم استبعاد هذا السيناريو في الوقت الراهن لأن المؤسسات الفيدرالية قوية والتقاليد الديمقراطية لا تزال راسخة، فقد يؤدي الهجوم المتكرر على النظام السياسي ومؤسساته إلى صدوع تتسع مع الوقت، خاصة إذا كانت نتائج الانتخابات متقاربة كما ترجح أغلب التقديرات.