أُعلن بصورة رسمية، من دوائر الحكم الحوثي في صنعاء، عن مقتل علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق. كما تأكد مقتل شخصيات قيادية في حزب المؤتمر الشعبي، الذي ترأَّسه صالح، إضافة إلى جرح آخرين، بينهم اثنان من أبنائه، على الأقل. ويُرجَّح أن ابن شقيق الرئيس السابق، طارق صالح، الذي ترأَّس ميليشيات تابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام، قُتل أيضًا في اشتباك آخر مع الحوثيين في اليوم نفسه.
وقد تضاربت الروايات حول مقتل صالح، بين رواية حوثية، تقول: إنه قُتل في سيارة مصفحة أثناء اشتباك مع موكبه، بعد اعتراض عملية هروب الرئيس السابق من صنعاء إلى مسقط رأسه في سنحان، ورواية أنصار صالح وأقاربه التي تؤكد على أنه تعرَّض للتصفية على أيدي الحوثيين في منزله، بعد أن اقتحم الأخيرون المنزل ظهر يوم الثلاثاء، 4 ديسمبر/ كانون الأول 2017، ورواية ثالثة تتحدث عن مقتله بعد مغادرته منزله قاصدًا صرواح بمأرب بعد تنسيقه مع قوات التحالف العربي الموجودة هناك، لكن مسلَّحين اعترضوه في الطريق وقتلوه.
مهما كانت حقيقة الأمر، لا يبدو أن ضمير الحوثيين سيقلق كثيرًا من اتهامهم بارتكاب جريمة قتل أخرى، مهما كانت شخصية القتيل، أو القتلى، بعد ما قيل عن ارتكابهم سلسلة من الانتهاكات منذ استيلائهم على العاصمة اليمنية ومعظم البلاد في خريف 2014. المهم، أن علي عبد الله صالح، الذي ترأس الجمهورية اليمنية لثلاثة وثلاثين عامًا، واستمر في ممارسة نفوذ كبير على شؤون بلاده السياسية، كما على الجيش اليمني، بعد تنحيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، يغيب أخيرًا عن المشهد اليمني، ويغيب في ظروف لا يمكن وصفها إلا بالتأزم المأساوي.
أي تأثير سيتركه مقتل صالح على معسكر أنصاره، من العسكريين وفي حزب المؤتمر الشعبي؟ وإلى أي حدٍّ يمكن للحوثيين الاحتفال بالنصر وغياب خصمهم اللدود، حليفهم السابق؟ وما الذي يعنيه هذا المنعطف الجديد للوضع السياسي اليمني، وللحرب التي تدور رحاها على أرض اليمن منذ أكثر من عامين؟
انتفاضة قصيرة جدًّا
جاء مقتل الرئيس اليمني السابق خاتمة لانتفاضة مسلحة قصيرة الأجل، قام بها أنصاره في العاصمة اليمنية ضد سيطرة حلفائه السابقين من الحوثيين، بدأت في 2 ديسمبر/كانون الأول 2017. ما قاله الرئيس السابق في كلمة أخيرة له قبل يوم من مقتله، وما يقوله أنصاره، أن اشتباكات اندلعت بصورة عفوية ومفاجئة بين قوات الحوثيين ومؤيدي صالح، بفعل تصرفات استفزازية قام بها المسلحون الحوثيون أثناء الاحتفال بالمولد النبوي في أحد مساجد العاصمة صنعاء. ويقول هؤلاء: إن تصرفات الحوثيين الاستفزازية ليست الأولى، وإنها لم تتوقف عند احتلالهم للمسجد موقع الاحتفال بالمولد النبوي، بل تواصلت بمحاصرة منازل قيادات في حزب المؤتمر الشعبي، وقيادات عسكرية معروفة بولائها للرئيس السابق.
في المقابل، يقول الناطقون الحوثيون: إن رواية معسكر صالح كاذبة من أساسها، وإن الرئيس السابق والموالين له أطلقوا، عن سابق تصميم وتصور، عملية تمرد عسكرية كبيرة، كان يُفترض أن يتَّسع نطاقها من صنعاء إلى مدن أخرى، كما إلى جبهات القتال الفاصلة بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، من جهة، والقوات الموالية للرئيس، عبد ربه منصور هادي، وما يوصف بالشرعية اليمنية، من جهة أخرى. ويقول هؤلاء أيضًا: إن الرئيس السابق بدأ اتصالات مع الإمارات منذ ثلاثة شهور على الأقل، بهدف عقد صفقة مع التحالف الذي تقوده السعودية، تتضمن الانشقاق عن الحوثيين وتقويض سيطرتهم على العاصمة صنعاء والمناطق التي يوجد فيها أنصاره. كما يشيرون إلى أن دعوة صالح، في خطابه الأخير، الشعب اليمني لإعلان انتفاضة شاملة ضد الحوثيين، دليل واضح على عمق تورطه، والمدى الذي ذهب إليه في الصفقة مع الإمارات، التي فاوضته باسم السعودية والتحالف ككل.
يوجد أحمد عبد الله صالح، القائد السابق للحرس الجمهوري والابن النافذ للرئيس السابق في أبوظبي، منذ تعيينه سفيرًا لليمن في الإمارات قبل أربع سنوات. وبالرغم من أن أحمد صالح عُزل من منصبه من قبل الرئيس اليمني هادي، عام 2013، وظل في الإمارات المشارِكة في التحالف العربي، إلا أن المؤكد أنه ساعد الإمارات والسعودية في الحفاظ على قناة اتصال مع والده، في حال برزت الحاجة إلى الحديث إليه. ويرجَّح أن الإمارات بدأت بالفعل اتصالات جادة مع صالح منذ عدة شهور، بعد أن وصلت الحرب في اليمن إلى طريق مسدود وتصاعدت مخاطر القصف الصاروخي الحوثي لأهداف في العمق السعودي.
وربما كان اللقاء المفاجئ الذي عقده محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي تُعتبر حرب اليمن مشروعه الخاص، مع الأمين العام لحزب الإصلاح اليمني، محمد اليدومي، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، المؤشر الأهم على المدى الذي قطعته الاتصالات مع علي عبد الله صالح. فاليدومي يقيم في الرياض، منفاه الاختياري، منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء، دون أن تلقي له السلطات السعودية بالًا أو تتحدث إليه، بالرغم من أن عناصر الإصلاح تتعهد دورًا رئيسًا في مقاومة الحوثيين والقتال في جبهات المواجهة معهم. ولذا، فالأرجح أن استقبال ابن سلمان لليدومي كان تحضيرًا لنقلة وشيكة في الحرب اليمنية.
لم يَرْشَحِ الكثير مما دار في لقاء ابن سلمان مع اليدومي، ولكن مصادر الإصلاح في جبهات الحرب، لاسيما تلك القريبة من صنعاء، ذكرت أن قوات التحالف زوَّدت هذه الجبهات بكميات وفيرة من السلاح والعتاد، مباشرة بعد اللقاء.
ما يمكن استنتاجه، بالتالي، أن ثمة جهات في التحالف كانت تتصور أن معسكر صالح من القوة بحيث يمكنه بالفعل تقويض قبضة الحوثيين على العاصمة اليمنية، وأنه سيكون باستطاعة قوات التحالف والقوات الموالية للشرعية تحرير صنعاء، بمجرد إعلان صالح التمرد على الحوثيين. وهذا ما دفع الرئيس اليمني هادي، صباح يوم 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، إلى توجيه قوات جيشه لإطلاق معركة تحرير العاصمة، عندما كانت الإمارات والسعودية تعتقدان أن الوضع في صنعاء يميل لصالح معسكر الرئيس السابق.
الواضح أن استخبارات الإمارات والسعودية كانت تفتقد لمصادر وثيقة في العاصمة اليمنية، وأنها أخطأت تقدير الموقف في المواجهة القصيرة بين صالح والحوثيين، وأنها كانت تعتمد في تقديراتها على الرئيس السابق وحسب. والواضح، أيضًا، أن دوائر الحوثيين كانت تتوقع اندلاع المواجهة مع صالح، وأنها امتلكت القوة الكافية لحسم المعركة. ولا يُستبعد أن الإيرانيين زودوا الحوثيين بمعدات تجسس، ساعدتهم على تتبع اتصالات صالح مع الإمارات، أو أن الحوثيين نجحوا بصورة مبكرة في اختراق الدوائر اللصيقة بالرئيس السابق، الذي لم يكن موضع ثقتهم على الإطلاق، بالرغم من تحالفه معهم.
انعطافة جديدة
بدأت الأزمة اليمنية بانطلاق ثورة شعبية ضد حكم الرئيس، علي عبد الله صالح، المديد في فبراير/شباط 2011، ضمن موجة حركة الثورة والتغيير التي اجتاحت المجال العربي منذ نهاية 2010. كانت تعز، مدينة الأغلبية الشافعية، المركز الرئيس للثورة، التي قادها شباب من جميع المكونات السياسية، سرعان ما انضم إليها مثقفون ونشطاء سياسيون من كافة التوجهات، وعناصر من القوات المسلحة، أبرزهم اللواء علي محسن الأحمر. واتسعت تلك الحركة لتطول معظم مدن اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء. في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، فرضت السعودية، باسم مجلس التعاون الخليجي، تسوية بين نظام صالح والثورة الشعبية، اقتضت تخلي صالح عن السلطة لنائبه، عبد ربه منصور هادي، لفترة انتقالية، ومنح الرئيس السابق حصانة كاملة وضمانة ببقائه في البلاد.
واجه هادي خلال الشهور القليلة التالية عقبات جمَّة، سواء من الحوثيين، الذين كانت الثورة الشعبية أعادت لهم الاعتبار وأفسحت لهم مجالًا في الحياة السياسية، أو من أنصار صالح داخل البرلمان والجيش، أو من دعاة انفصال الجنوب. وبالرغم من نجاح مؤتمر الحوار الوطني في التوصل لتصور أولي لمستقبل البلاد، إلا أن المرحلة الانتقالية سرعان ما انتهت بسيطرة الحوثيين المسلحة على صنعاء ومعظم البلاد في سبتمبر/أيلول 2014. وكان واضحًا أن السيطرة الحوثية، السَّلِسة إلى حدٍّ كبير، تمت بتحالف مع الرئيس السابق والقوات الموالية له في الجيش وفي الإدارة الحكومية المركزية والجهوية على حد سواء. ولكن التحالف بين صالح والحوثيين لم يُعلَن بصورة رسمية إلا بعد أن بدأت السعودية الحرب من أجل اقتلاع الحوثيين في ربيع 2015، وبعد أقل من ثلاثة شهور على تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة.
يُمثِّل مقتل صالح، إذن، المنعطف الخامس في أزمة اليمن، دون أن يوفر أية مؤشرات مقنعة على اقتراب خلاص اليمن ونهاية أزمته. فمن دفع صالحًا للتمرد على الحوثيين بالغ كثيرًا في تصوره لمقدَّرات صالح وقدراته، وساعد بالتالي على منح الحوثيين شعورًا جديدًا بالثقة والانتصار. كما تكشف مواجهة صالح مع الحوثيين، ودعم دول التحالف العلني له، عن أن السعودية والإمارات لم تعودا تملكان الكثير من الخيارات في الحرب، ولا أن لديهما الاستعداد لمباشرة الحرب على الأرض بصورة مباشرة، سواء خشية من فداحة الخسائر، أو لإدراك الرياض وأبوظبي أنهما لا تملكان القوة العسكرية المؤهلة لخوض حرب مباشرة.
بيد أن الواضح أن السعودية والإمارات ليستا على استعداد للتخلي عن الحرب والاعتراف بسيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية ومعظم شمال اليمن. ليس فقط لأن الحوثيين باتوا يُمثِّلون تهديدًا حقيقيًّا وملموسًا لأمن السعودية، بمعناه الأولي والمباشر، ولكن أيضًا لأن رابط الحوثيين المذهبي بإيران ودعم الأخيرة الصريح لهم، يجعل من السيطرة الحوثية على اليمن حلقة أخرى في التوسع الإيراني الاستراتيجي في المحيط العربي للسعودية.
من جهة أخرى، لم يعد الحوثيون يتمتعون بالسيطرة الواسعة على اليمن التي كانوا يتمتعون بها في الشهور القليلة الأخيرة من نهاية 2014 وبداية 2015. فخلال الشهور القليلة التالية لبدء الحرب، خسر الحوثيون كل الجنوب اليمني؛ حيث لا تتوفر أية قاعدة شعبية لهم، ومساحات متفاوتة من الشمال المحاذية للمحافظات الجنوبية، أمام المقاومين اليمنيين وقوات الجيش الموالية للشرعية. وبالنظر إلى وجود كتل شعبية مناهضة للحوثيين في مناطق سيطرتهم، فإن هذه السيطرة ليست آمنة كلية. ولا يبدو الحسم العسكري متاحًا لكلا الطرفين، على الأقل في المدى المنظور.
ادَّعى عبد الملك الحوثي في مناسبات سابقة أن حركته تمتلك ما يزيد عن مئة ألف من المقاتلين ولكن تقديرات عسكرية غربية متخصصة وضعت قوة الحوثين العسكرية في حدود عشرين ألف مسلح. ويُعتقد أن تحالف الحوثيين مع الرئيس السابق أضاف لهم ما يقارب العشرين ألف جندي آخر من الموالين لصالح في الجيش والحرس الجمهوري. ولابد أن الحوثيين أضافوا لقوتهم السابقة عدَّة آلاف آخرين من المسلحين خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب، بمساعدة خبراء إيرانيين ومن حزب الله. في الجانب الآخر، يُقدَّر عدد قوات جيش الحكومة الشرعية الجديد، الذي يجري تنظيمه وإعداده تحت إشراف قوات التحالف، والمقاومين اليمنيين من خارج الجيش النظامي، بما يزيد عن مئة ألف حسب تصريحات حكومية سابقة.
وبالنظر إلى أن الحوثيين استولوا على مخازن ومعسكرات الجيش اليمني بكاملها، عند بدء سيطرتهم في 2014، وأن الإمدادات الإيرانية لهم تواصلت إلى حدٍّ كبير، بالرغم من الحصار البحري الذي تعهدته دول التحالف، فقد بدت قوة الطرفين قبل انقلاب صالح على الحوثيين متعادلة إلى حد كبير. فبعد أن حُرِّرت محافظات الجنوب من السيطرة الحوثية، وأُحرز بعض التقدم في المحافظات الشمالية شرق وجنوب شرق صنعاء، استقرت الحرب إلى روتين المواجهات المحدودة ذات الوتيرة المنخفضة، دون تغيير جوهري في جغرافية السيطرة. كما أن عداء الإمارات اللدود للإسلاميين اليمنيين، ونفوذها المتزايد في الجنوب، ساعد على إضعاف الجبهات التي ينشط فيها المقاومون الإسلاميون، كما في جبهة تعز، التي لم تزل تخضع لحصار حوثي منذ بدء الحرب. فإلى أي حدٍّ يمكن لهزيمة تمرد صالح على الحوثيين تغيير موازين الأزمة؟
رهانات متضاربة
لو نجح التمرد الذي أعلنه الرئيس السابق لكان من المحتمل، ربما، أن تُنتزع صنعاء من الحوثيين وأن يُدفعوا إلى المناطق الجبلية الوعرة شمال العاصمة اليمنية، التي كانت دائمًا معاقل حصينة لهم. ولكن فشل التمرد ومقتل صالح يفتحان الوضع على عدد من الرهانات.
في خطابه بعد ساعات قليلة من مقتل صالح، تحدث زعيم الحوثيين المفوَّه، عبد الملك الحوثي، بلغة المنتصر وبنَفَس احتفالي، مشيرًا إلى أن نهاية التمرد لم تكن هزيمة لصالح وحسب، بل وللإمارات والسعودية، أيضًا. وأن تكون نهاية صالح فشلًا ذريعًا، ونكسة مريرة، لمراهنة سعودية-إماراتية صحيح، بلا شك؛ ولكن احتفال الحوثيين بالنصر يبدو مبكرًا أيضًا.
في محاولة لاحتواء الانتكاسة، يبدو أن الإمارات دفعت أحمد عبد الله صالح للتحرك، فسارع إلى إصدار بيان حاد في 5 ديسمبر/كانون الأول 2017، نعى فيه والده وتعهد بقيادة الحرب ضد الحوثيين حتى القضاء على آخر واحد منهم. وليس من المستبعد أن تدفع السعودية والإمارات أحمد صالح إلى ساحة الصراع في مسعى لحشد القوات الموالية لوالده والقوى القبلية التي عُرفت بالتفافها حوله، وتنظيم انتقالها للمعسكر المناهض للحوثيين. ولكن ليس من الواضح بَعدُ الحد الذي يمكن أن تصله تلك المساعي لتحقيق أهدافها. فليس ثمة من يعرف بصورة يقينية حجم القوات الموالية لصالح التي لم تزل متماسكة ومستعدة للانحياز إلى جانب الشرعية، ولا حجم القوات التي انهارت روحها المعنوية وقررت إدارة ظهرها للحرب، أو حجم من قررت الاصطفاف إلى جانب الحوثيين، سواء لأسباب مذهبية أو براغماتية بحتة. بيد أن المؤكد أن الحوثيين خسروا الغطاء السياسي، والشعبي-القبلي المحدود، الذي كان يوفره التحالف مع صالح، وباتوا في ساحة المعركة منفردين، بكل حمولتهم الأيديولوجية المذهبية.
بصورة عامة، يمكن النظر إلى الأزمة اليمنية من مستويين مختلفين، بالرغم من التداخل بين هذين المستويين: الأول: بصفتها أزمة داخلية بحتة، تقف فيها قوة مذهبية، أيديولوجية، سلالية، مسلحة، في مواجهة النظام الجمهوري، بكافة قواه السياسية، وإطاره الجامع لليمنيين، بغضِّ النظر عن ميراث الجمهورية غير الباعث على الفخر دائمًا. أما المستوى الآخر، فيتعلق بصراع إقليمي بالغ الحدة بين معسكرين، تقود أولهما السعودية، وتقود الثاني إيران.
في المستوى الأول، يسعى الحوثيون لتحقيق أهداف مطلقة وكبرى، تكفل سيطرتهم على اليمن الشمالي، على الأقل، وتأسيس حكم سلالي مذهبي. مثل هذا الهدف لا يمكن إنجازه دون توقف الحرب المعلنة عليهم، واعتراف دول الجوار بسيطرتهم على البلاد ولكن هذه الشروط لا تبدو ممكنة التحقق في الأمد المنظور. في المقابل، يبدو معسكر الشرعية الجمهورية أكثر مرونة، مستهدفًا وضع نهاية لسيطرة الحوثيين العسكرية، مع استعداد لقبول وجودهم كقوة سياسية، بل ومشاركتهم في الحكم.
في المستوى الإقليمي، تسعى السعودية لتحقيق نصر فعلي وملموس على الحوثيين، يفتح المجال لحلفاء السعودية اليمنيين للتفاوض من موقع القوة، ويُخرج اليمن من دائرة النفوذ الإيراني. في المقابل، تبدو إيران أكثر مرونة في أهدافها، سواء مقارنة بحلفائها الحوثيين، الذين تستخدمهم كأوراق في صراع أكبر، أو مقارنة بالأهداف السعودية. من وجهة النظر الإيرانية، ليس ثمة ما يمنع القبول بصفقة، تضمن للحوثيين دورًا ملموسًا في النظام اليمني، من جهة، وتنازلات إقليمية سعودية في مناطق الجوار الأخرى، بعد أن تُستنزف السعودية في اليمن بما يكفي لبدء التفاوض.
وإلى أن تلتقي إرادات القوى المتصارعة، اليمنية والإقليمية، ليس ثمة ما يدعو إلى التفاؤل باقتراب نهاية الأزمة اليمنية ومعاناة اليمنيين.