دلالات الأهداف التي قصفتها إسرائيل لجماعة أنصار الله الحوثية

الملاحظ في اختيار الأهداف التي قصفتها إسرائيل لجماعة أنصار الله (الحوثية) هو ارتباطها بمصادر الطاقة التي تستفيد منها الجماعة وتستخدمها في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ويعني التأثير على هذه المصادر تعطيل القدرة التشغيلية لتلك المنشآت الحيوية.
الطيران الإسرائيلي يشن غارات على مخازن الوقود في ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون. (الفرنسية)

بالتزامن مع الضربات التي توجهها إسرائيل لحزب الله في لبنان، شنَّ طيرانها الحربي سلسلة غارات على مناطق حيوية تخضع لسيطرة جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن أمس (الأحد، 29 سبتمبر/أيلول 2024). شملت هذه المناطق خزانات الوقود في مينائي الحديدة ورأس عيسى، ومحطتي توليد الكهرباء في منطقتي الحالي ورأس كثيب. فما طبيعة هذه الأهداف؟ ولماذا بدأت بها إسرائيل؟ وأي تأثير محتمل لهذه الضربات على القدرات العسكرية والمدنية لجماعة أنصار الله؟ وهل ستكتفي إسرائيل بذلك أم ستواصل قصف أهداف أخرى؟

الملاحظ في اختيار الأهداف الإسرائيلية سابقة الذكر أن لها علاقة بمصادر الطاقة التي تستفيد منها جماعة أنصار الله وتستخدمها المناطق الخاضعة لسيطرتها، وأن التأثير في هذه المصادر يعني تعطيل القدرة التشغيلية لتلك المنشآت الحيوية. فمخازن الوقود في ميناء الحديدة، على سبيل المثال، تقوم بدور مهم في تزويد مرافق الميناء بالوقود اللازم لتشغيله، والحال نفسها بالنسبة لمخازن الوقود في ميناء رأس عيسى الذي يستخدم في المقام الأول في تصدير النفط. كما أن الوقود المخزَّن في مينائي الحديدة ورأس عيسى يستخدم في توليد الكهرباء من محطتي الحالي ورأس كثيب، وهما محطتان رئيسيتان تعتمد عليهما محافظة الحديدة والمناطق المجاورة لها، وأي ضرر يلحق بهما يعني التأثير المباشر في الطاقة المتولدة واللازمة لتشغيل المرافق الأساسية من المحافظة، من المياه والصرف الصحي والمنشآت التجارية والاقتصادية، فضلًا عن الاستخدامات المنزلية، وهو ما يزيد الضغط الاقتصادي على تلك المناطق، ويرفع من مستوى المعاناة التي يتكبدها السكان.

فضلًا عن ذلك، فإن تعطيل العمل، كليًّا أو جزئيًّا، في مينائي الحديدة ورأس عيسى، يحرم جماعة أنصار الله من مصدر مالي كبير تتحصل عليه من عائدات الضرائب والجمارك خاصة من ميناء الحديدة الذي يعتبر الميناء الأهم في استيراد الشعب اليمني لاحتياجاته من السلع والبضائع.

كما أن تعطيل العمل في الميناءين المذكورين يؤثر بشكل أو بآخر على عمليات تهريب الأسلحة التي تتم أحيانًا عبرهما.

من السابق لأوانه تقييم حجم الضرر الذي لحق بهذه المنشآت، وما إن كان بمقدور جماعة أنصار الله إصلاح الضرر الذي لحق بها، لكن خطورة ما حدث ربما يكمن في الكشف عن النوايا الإسرائيلية تجاه محور المقاومة الممتد من حزب الله، والجماعات العاملة في سوريا والعراق، وصولًا إلى إيران التي تدير هذا المحور وتوجهه. ومن الواضح أن إسرائيل بدأت إستراتيجية من شأنها تفكيك محور المقاومة وعزل ساحاته ومنعه من مساندة غزة، وإن استمرار عملياتها ضد أهم مكونات هذا المحور في العالم العربي وهو حزب الله، يعني عزمها على مواصلة ضرباتها ضد جماعة أنصار الله، وعدم التوقف عند حدِّ استهداف منشآت الطاقة سابقة الذكر.

من المؤكد أن إسرائيل ستواجه صعوبات وتحديات في اليمن نظرًا للبعد الجغرافي، ولطبيعة الأرض (الجبلية الوعرة)، ولقدرة الحوثيين على استغلال هذه الطبيعة في إخفاء أسلحتهم. لكن، ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه الصعوبات وتلك التحديات، فإن أخذ إسرائيل زمام المبادرة بنفسها في استهداف القدرات العسكرية والاقتصادية لجماعة أنصار الله وعدم الاعتماد كليًّا -كما كان يحدث منذ يناير/كانون الثاني الماضي- على العملية العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، المعروفة باسم "بوسيدون آرتشر" (Poseidon Archer)، وبغياب حزب الله أو انشغاله بنفسه عن تقديم دعمه وخبراته لجماعة أنصار الله، فضلًا عن ضبابية المشهد في ما يتعلق بعزم إيران الاستمرار في تقديم ذات المستوى من الدعم العسكري للحوثيين، في ظل الحسابات التي بدأت تجريها في أعقاب الخسائر التي مُني بها حزب الله خلال الأسبوعين الماضيين، كل ذلك ربما يؤشر إلى أن الفترة المقبلة ستكون صعبة عسكريًّا واقتصاديًّا على جماعة أنصار الله وعلى البيئة الحاضنة لها. لكن ذلك لا يعني أن الضربات الإسرائيلية ستنجح في المدى المنظور في عزل هذه الساحة نهائيًّا عن باقي الساحات أو تضع حدًّا لنشاط أنصار الله العسكري في البحر الأحمر.

نبذة عن الكاتب