مقدمة
هناك اتفاق عالمي متزايد على أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المسؤول عن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، يحتاج إلى إصلاح أو إعادة هيكلة ليعكس ميزان القوى الحالي. وهناك أيضًا توافق متزايد في الآراء بين العديد من الدول والمنظمات والتكتلات على أن إفريقيا تستحق وجودًا دائمًا وموسعًا في المجلس.
إن مجلس الأمن هو الجهاز المركزي لمنظمة الأمم المتحدة الذي تقع على عاتقه، بموجب المادة 24 من الميثاق، المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، والذي تُكرَّس له، بموجب المادة 12، سلطة هائلة على أي جهاز آخر، بما في ذلك الجمعية العامة التي تضم 193 دولةً عضوًا. ويتألف المجلس من ممثلين دائمين من جميع القارات باستثناء إفريقيا، فهذه القارة التي تتكون من 54 دولة ويبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، ليست ممثلة كعضو دائم في هذا المجلس. وهكذا، وبعد الاستعمار العسكري والوصاية السياسية والهيمنة الاقتصادية والإستراتيجية، لا تزال إفريقيا تعاني من التمييز الذي يبقيها خارج المفاوضات العالمية والقرارات الإستراتيجية داخل أهم هيئة دولية.
وتناقش الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنوات إصلاح مجلس الأمن، لكن الزخم نما في السنوات الأخيرة حيث أدت المنافسات الجيوسياسية إلى طريق مسدود في المجلس بشأن العديد من القضايا، لاسيما بعد أن غزت روسيا، العضو الدائم الذي يتمتع بحق النقض، أوكرانيا.
كما اتخذ النقاش منعطفًا جديدًا، عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إنشاء مقعدين دائمين جديدين للبلدان الإفريقية.
إن التشكيل الحالي لمجلس الأمن لا يعكس الحقائق الجيوسياسية اليوم. وبالنسبة لإفريقيا، على وجه الخصوص، فإن الحصول على مقاعد دائمة كاملة العضوية في مجلس الأمن لا يتعلق بتصحيح ظلم تاريخي فحسب، بل إنه أيضًا مسألة تتعلق بشرعية المجلس ومصداقيته.
تناقش هذه الورقة أسئلة تتعلق، أولًا، بدوافع الإعلان المتكرر والمتجدد عن منح قارة إفريقيا العضوية الدائمة والموسعة في مجلس الأمن الدولي، وثانيًا: التحديات المطروحة أمام تنفيذ هذه الخطوة على أرض الواقع، وثالثًا: آفاقها المستقبلية.
الدوافع: محاولات لتصحيح تمثيل غير عادل
إن الرغبة في توسيع عضوية إفريقيا في أجهزة صنع القرار في الأمم المتحدة، ولاسيما في مجلس الأمن، تقوم على أربعة دوافع أساسية:
أولًا: إصلاح مجلس الأمن
كان إصلاح مجلس الأمن باستمرار موضوعًا للمناقشة في الجمعية العامة منذ فترة ما بعد الحرب الباردة؛ حيث كانت مبادرات الإصلاح تُطرح كلما اندلعت أزمة دولية تكشف عن نقاط الضعف الهيكلية للمجلس. اكتسب الضغط من أجل التغيير زخمًا مع إنشاء الفريق المعني بإصلاح مجلس الأمن في أوائل التسعينات، والذي انبثقت عنه سلسلة من التقارير(1)، لكن لم يؤدِّ ذلك إلى تغيير حقيقي. ويشير "إصلاح مجلس الأمن" إلى خمس مسائل رئيسية: فئات العضوية في المجلس، ومسألة حق النقض، والتمثيل الإقليمي، وحجم المجلس الموسع وأساليب عمله، والعلاقة بين المجلس والجمعية العامة(2).
لكن في أغلب الأحيان يتم التركيز على توسيع المجلس المؤلف من 15 عضوًا، بما فيهم أعضاؤه الدائمون والمنتخبون على حدٍّ سواء، وتنظيم استخدام حق النقض. وقد أسفرت هذه الأسئلة الشائكة عن مجموعة متنوعة من مبادرات الإصلاح خلال العقود الماضية. ولم ينجح أي منها منذ عام 1965 عندما تم توسيع المجلس من 11 إلى 15 عضوًا.
فمنذ فترة طويلة كانت هناك دعوات إلى مجلس أكثر تمثيلًا، ويبدو أن هناك بعض الاتفاق بين الدول الأعضاء على أن الإصلاح من شأنه أن يجعل المجلس، إن لم يكن أكثر فعالية، على الأقل أكثر تمثيلًا بطريقة تعزز شرعيته. ولكن ليس هنالك بعدُ اتفاق بشأن الشكل الذي ينبغي أن يتخذه هذا الإصلاح.
وهناك بعض الآراء المختلفة بشأن التوازن بين الأعضاء الدائمين وغير الدائمين. لكن من المقبول على نطاق واسع أنه يجب أن تكون هناك مقاعد دائمة جديدة لإفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا، وكذلك ألمانيا واليابان.
كما أن الاقتراحات الخاصة بفئات جديدة من المقاعد، على سبيل المثال التي سيتم تناوبها بين الدول داخل منطقة ما أو التي تشغلها المنظمات الإقليمية، هي أيضًا إشكالية(3).
فلم يتغير هيكل مجلس الأمن إلا مرة واحدة في تاريخه عام 1965 الممتد لثمانين عامًا، حين تم تعديل قرار الجمعية العامة XVIII 1991- لعام 1963 لتوسيع عدد أعضائه غير الدائمين من 6 إلى 10 أعضاء(4).
اليوم، تمثل إفريقيا حضورًا زائدًا إلى حدٍّ كبير في المشاكل التي يعالجها المجلس: في عام 2018، كان أكثر من 50٪ من اجتماعات المجلس و70٪ من قراراته تتعلق بالسلام والأمن في إفريقيا(5)، لكن تركيبة المجلس لا تزال كما كانت في عام 1945. ويضم المجلس 5 أعضاء "دائمين" يتمتعون بحق النقض، بالإضافة إلى 10 أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة بالتناوب لمدة عامين وليس لديهم حق النقض، ومن مجموع 15 مقعدًا، هناك 3 مقاعد إفريقية يتم التناوب عليها كل سنتين دون امتلاك حق النقض.
في عام 2005، اعتمد الاتحاد الإفريقي وثيقتين لتكونا بمنزلة إطار لموقفه المشترك بشأن إصلاحات الأمم المتحدة، الأولى هي "توافق إزولويني" و"إعلان سرت". وتضمن الدعوة إلى "تمثيل إفريقيا تمثيلًا كاملًا في جميع أجهزة صنع القرار في الأمم المتحدة، وخاصة في مجلس الأمن"؛ حيث ينبغي أن يكون للقارة ما لا يقل عن مقعدين دائمين "مع كل امتيازات العضوية الدائمة بما في ذلك حق النقض"(6).
ثانيًا: تصحيح ظلم تاريخي
لقد أقرَّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأن "أكبر ظلم في مجلس الأمن هو عدم وجود دولة إفريقية كعضو دائم"(7). ومن المثير للاهتمام أن إفريقيا لعبت دورًا مهمًّا في تغيير عام 1971 في مقعد جمهورية الصين إلى جمهورية الصين الشعبية. إن الوجود المتزايد لإفريقيا في مجلس الأمن أمر منطقي نظرًا لصعودها الديمغرافي؛ فواحد من كل أربعة بشر سيكون إفريقيًّا بحلول عام 2050، وبحلول نهاية القرن، من المتوقع أن تكون إفريقيا القارة الأكثر اكتظاظًا بالسكان. تمتلك الدول الإفريقية 28٪ من الأصوات داخل الجمعية العامة، متقدمة على آسيا (27%)، والأميركتين (17%)، وأوروبا الغربية (15%)(8). بالإضافة إلى ذلك، فإن العدد الكبير من الصراعات في القارة، من السودان إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومنطقة الساحل وغيرها، يستدعي بالتأكيد مشاركة أكبر من جانب الأفارقة في حلها.
إن الهدف من الموقف المشترك لإفريقيا هو تصحيح "الظلم التاريخي" الناجم عن سوء التمثيل ونقص الاعتراف والمظالم العديدة التي عانت منها القارة لقرون على جميع المستويات. منذ نهاية الحرب الباردة في عام 1991، هيمنت الصراعات الإفريقية على جدول أعمال مجلس الأمن؛ فإفريقيا (بشكل دائم) على القائمة، لكن الأفارقة ليس لديهم مقعد (دائم) على الطاولة.
في عام 1945، حين اجتمع قادة العالم لإنشاء الأمم المتحدة، كان من بين 51 دولة عضوًا أربع دول إفريقية: مصر وإثيوبيا وليبيريا واتحاد جنوب إفريقيا(9).
ولا تزال وسائل الإعلام والأكاديميون والفاعلون السياسيون العالميون يعتبرون القارة مجتمعات متخلفة تتلقى دائمًا المساعدات، ومصدرًا للأزمات والحروب والهجرة السرية والأوبئة... بدلًا من كونها أصل البشرية ومن المساهمين في السلم والتقدم والرخاء.
ثالثًا: ضمان شرعية المنظمة
أحد أكثر الانتقادات إدانة التي تُوجَّه باستمرار إلى مجلس الأمن يتعلق بافتقاره إلى الشرعية، وينظر بشكل متزايد إلى تكوينه على أنه غير ممثل للمجتمع الدولي. وعلى وجه الخصوص، كثيرًا ما يُنظر إلى هوية الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض على أنها تتعارض مع الحقائق السياسية العالمية الحالية.
لطالما شعرت الدول الإفريقية بالإهمال من قبل القوى الرائدة في الهيئة. وقد أدى الفشل في حل الصراعات الكبرى والأزمات من مناخ وفقر وإرهاب وأوبئة وحروب أهلية إلى إضعاف مصداقية المؤسسة. فإذا كانت المؤسسات غير عادلة، يتوقف الأعضاء عن التعاون معها لأنها "تقوض مبادئ الإنصاف والشمولية والمساواة في السيادة بين الدول"(10). إنها ليست مجرد مسألة أخلاق وعدالة فحسب، بل إنها أيضًا ضرورة إستراتيجية يمكن أن تزيد من القبول العام لقرارات المجلس، لصالح إفريقيا والعالم.
رابعًا: الاعتراف بالمساهمات الإفريقية
إن مجرد إلقاء نظرة على العقد الماضي ستكشف عن تخصيص قدر كبير من جدول أعمال المجلس للسودان وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجميع مواقع عمليات حفظ السلام المنتشرة(11).
حيث كانت إفريقيا مساهمًا نشطًا في نجاح مهامه؛ حيث تولى أمينان عامان إفريقيان الأمانة العامة للمنظمة.
مع حصول المزيد من الدول الإفريقية على استقلالها، قاموا بالدفع بقوة من أجل الإصلاح عام 1965، كما تطورت ممارسات الأمم المتحدة وفقهها القانوني من خلال نشاط الدول الإفريقية(12).
كما اضطلع الاتحاد الإفريقي بعدد من عمليات السلام الخاصة به، وأسهم الأفارقة في بعثات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم؛ حيث يشرف على 10 عمليات سلام، تضم أكثر من 70.000 فرد، منتشرين في 17 دولة إفريقية(13). علاوة على أن أربعة بلدان هي: رواندا، وغانا، والمغرب، وإثيوبيا تُعتبر بين أكبر 10 مساهمين في بعثات حفظ السلام عالميًّا(14). كما قاد الأعضاء الأفارقة المتعاقبون داخل مجلس الأمن إصلاحات أخرى غير رسمية(15).
طموحات أمام تحديات حقيقية
إن مسألة إصلاح مجلس الأمن تطرح اليوم إشكالات حقيقية، وذلك بالنظر إلى المواقف المختلفة حول التكوين المستقبلي والإجراءات القانونية والاعتبارات السياسية والرهانات الجيوسياسية لمختلف الأطراف. وبالرغم من أن لحظة إفريقيا في مجلس الأمن قد حانت، إلا أنه لا تزال هناك عقبات وتحديات يتعين تهيئة الظروف الموضوعية للتغلب عليها:
أولًا: تعديل ميثاق المنظمة
من المهم التذكير بأن أي إصلاح لمجلس الأمن يعني من باب أولى تعديلًا لميثاق المنظمة، الذي ينص على إجراءين: الأول هو تعديل من خلال الجمعية العامة بموجب المادة 108 يتطلب تصويتًا وتصديقًا إيجابيًّا من ثلثي الدول الأعضاء بما فيها حتمًا الدول الخمس دائمة العضوية. والثاني هو الإصلاح من خلال مؤتمر دولي بموجب المادة 109 باعتماد ثلثي الأعضاء، مع التصديق مرة أخرى من الثلثين. وتفسر هذه الصعوبة القانونية الطبيعة النادرة للغاية للإصلاحات التي أجريت في الأمم المتحدة. وبالنظر إلى أن الإصلاح من خلال مؤتمر دولي مستبعَد للغاية، فإن الجمعية العامة هي التي ينبغي للدول التي ترغب في توسيع عضوية إفريقيا، بما فيها الأفارقة أنفسهم، أن تعمل على تلبية متطلبات الثلثين.
ثانيًا: استثناء حق النقض
لا يوجد عضو دائم يريد التخلي عن حقه في النقض أو على استعداد لاقتراح إصلاح منهجي من شأنه أن يقلب النظام الجيوسياسي رأسًا على عقب من خلال منح دول إضافية حق النقض.
إن الأفارقة الذين ما فتئوا يطالبون منذ فترة طويلة بعضوين دائمين يريدون أن يكون هؤلاء الأعضاء في المستقبل على قدم المساواة مع باقي الأعضاء الخمسة. فإفريقيا تطالب بإلغاء حق النقض، ولكن إذا أرادت الدول الأعضاء الاحتفاظ بهذا الحق، فيجب توسيعه ليشمل الأعضاء الدائمين الجدد أو إزالته للجميع، تحقيقًا لمبدأ العدالة بين الأعضاء.
إن حرمان البلدان الإفريقية من هذا الحق يعكس الطابع غير المكتمل لعملية تحرير الفكر الغربي من التصور التمييزي ضد إفريقيا. ومع ذلك، ينبغي ألا يشكل ذلك عقبة أمام حصول القارة الإفريقية على العضوية الدائمة؛ إذ يجب أن يكون المبدأ الإفريقي الذي يجب الحفاظ عليه هو إلغاء حق النقض، وليس انتشاره. كما أنه من الأنسب لإفريقيا أن تختار نهجًا يقوم على إستراتيجية التراكم يبدأ بالحصول على مقعد دائم ثم يستمر بطلب حق النقض، بدلًا من رفض الصفقة بالكامل.
ثالثًا: الحسابات الجيوسياسية
إن الإعلان عن منح إفريقيا مقعدين دائمين يأتي في سياق الرد على نكسات الغرب في إفريقيا وسط هجوم دبلوماسي وإستراتيجي من قبل روسيا والصين.
فقد أكد استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب"، في أبريل/نيسان 2024، أن روسيا تشهد زيادة في شعبيتها في القارة، كما أن الصين أصبحت الآن أكثر شعبية من الولايات المتحدة في جميع أنحاء إفريقيا.
إن دعوات روسيا المتكررة إلى "إنشاء نظام عالمي أكثر عدلًا"، بقدر ما هو موجه لاستمالة دول الجنوب، إلا أنه في الأساس موجه ضد المجتمع الغربي الذي تخوض معه حربًا في أوكرانيا. فقد دعت الأفارقة إلى "البقاء يقظين حتى لا يتم السماح لدول غربية جديدة بالانضمام إلى مجلس الأمن". ومن خلال تبني فكرة مكان دائم لإفريقيا، تخوض روسيا حملة تعبئة دولية ضد الغرب يتم نشرها في إطار تكتل البريكس الذي أقر بدعم "توافق إزولويني" و"إعلان سرت" في البيان المشترك لوزراء خارجيتها عقب اجتماعهم في روسيا، في يونيو/حزيران 2024، والذي ضم مؤخرًا عضوين إفريقيين آخرين هما مصر وإثيوبيا إلى جانب جنوب إفريقيا.
وكما تؤيد الصين مطالب إفريقيا فإنها قد رحبت بإدراج هذا الموقف في نص اتفاق القمة الصينية الإفريقية "من أجل المستقبل" الأخيرة. ولمواجهة هذا الهجوم كان على واشنطن أن ترد على روسيا والصين، وتُقدِم على خطوات جدية لأجل إفريقيا، كاستئناف القمم الأميركية الإفريقية، وإطلاق مشاريع واستثمارات جديدة، والدفع من أجل إنشاء مقعد دائم للاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين ومقعدين إضافيين في مجلس الأمن. فلم تذهب لا روسيا ولا الصين، على الرغم من كل مواقفهما كأفضل المدافعين عن الأفارقة، إلى هذا الحد.
ولسنوات، دافع هذان البلدان عن "الجنوب العالمي" لكن دون اتخاذ إجراءات مماثلة داخل أقوى هيئة في منظومة الأمم المتحدة. لذلك، لا ينبغي النظر إلى عرض واشنطن لإفريقيا على أنه عمل خيري. إن إدخال إفريقيا في مجال النفوذ الغربي هو حساب إستراتيجي لمواجهة التأثير المتزايد لروسيا والصين على الشؤون العالمية؛ إذ يتم ذلك عبر استقطاب الأعضاء البارزين في الجنوب العالمي أو إغرائهم للانخراط في هذا التحالف أو ذاك، والدليل على ذلك ما خلَّفه الغزو الروسي لأوكرانيا من انقسام وانحياز غير مسبوق داخل أروقة مجلس الأمن.
إن ظهور نظام عالمي جديد سينتج ضغوطًا وتوترات جديدة على الساحة الإفريقية والدولية. فرغم استمرار الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، في ممارسة قوته بجميع أشكالها، إلا أنه يتراجع في النفوذ، في حين أن التحالف بين دول الجنوب العالمي، بقيادة روسيا والصين، عازم على تعديل النظام الدولي القائم في نهاية المطاف. ويتم التودد إلى إفريقيا، على وجه التحديد، بسبب عدد المصوتين الكبير (يمكن لـ54 دولة أن تشكِّل فرقًا في الاجتماعات المتعددة الأطراف)، وكذلك بشكل أكثر على المستوى الجيو-اقتصادي؛ لأنها ستشكل خزانَ اقتصاد العالم في المستقبل.
رابعًا: مأزق التمثيلية
من بين الذرائع التي طُرحت لتأجيل إصلاح مجلس الأمن إلى أجل غير مسمى، هو عدم التوصل إلى توافق في الآراء بين البلدان والمناطق التي تتقدم بطلب للحصول على المقعد الدائم.
والحقيقة المؤسفة هي أن إفريقيا لا تزال منقسمة على أساس جغرافي ولغوي وثقافي وعلى أساس المصالح الذاتية، كما تكافح للتحدث بصوت واحد حول المسائل الحرجة مثل السلام والأمن والتنمية كأولوية في جدول أعمال الأمن للأمم المتحدة. ومن الواضح أنه لا يوجد حتى الوقت الراهن توافق بشأن البلدان التي يمكن أن تمثل إفريقيا؛ إذ تم التهرب من هذا السؤال إلى حد كبير في قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة.
وهكذا يمكن التكهن بأن جنوب إفريقيا لا يمكن أن تقبل تسمية نيجيريا، والجزائر للمغرب، ومصر لإثيوبيا.. فكلما تصورت القارة عرضًا إستراتيجيًّا واضحًا وتوافقيًّا على مسارات تمثيلها، زادت فرصها في حشد المجتمع الدولي لقضيتها. وفي ظل هذه الظروف، من المرجح أن تكون عملية اختيار اثنين من أعضاء الاتحاد الإفريقي صعبة، بل وربما غير ناجحة.
هل يجب الدفع بالدول بناء على التعداد السكاني أو الاقتصادات الكبيرة والقدرات الدبلوماسية والمالية أو بالإشارة إلى نفقات الدفاع أو المشاركة في عمليات السلام، أو أن يتم التناوب على المقعدين بناء على التمثيلية الإقليمية، أو الوزن الجيوسياسي الذي تحظى به القوى المؤثرة؟ هل ينبغي حجز مقعدين أحدهما لدولة والآخر لهيئة قارية؟
على الرغم من أن "توافق إزولويني" ينص على أن الاتحاد الإفريقي ينبغي أن يكون مسؤولًا عن اختيار ممثلي إفريقيا في المجلس، فإن القارة فشلت حتى الآن في وضع معايير لاختيار المرشحين من بين دولها الأعضاء.
وسيكون من المهم مراعاة عوامل مثل القدرة، والأهمية الجيوسياسية، والخبرة الدبلوماسية، والتمثيل الإقليمي، والالتزام باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، والقدرة على الصمود والوجود بفاعلية داخل هذا النظام العالمي المتغير والمعقد.
وإذا تم التغلب على جميع التحديات، فإن البلدان المختارة ستكون أمام مهمة صعبة، فبالرغم من أنها استفادت كثيرًا من مشاركة الأمم المتحدة في سعيها لإنهاء الاستعمار، بالإضافة لعملها بشكل وثيق مع الأمم المتحدة في مواجهة تحديات الفقر والتخلف وعدم المساواة واستغلال مواردها البشرية والطبيعية وغيرها، إلا أن خدمة جدول أعمال مجلس الأمن مهمة شاقة بدوام كامل.
وسيتعين على هذه البلدان أن تخصص موارد بشرية ومالية كبيرة، ومهارات قيادية دبلوماسية وقدرة على ابتكار حلول تمكِّن من تحقيق السلام والأمن والتنمية في القارة، كما يجب عليها أن تكون قادرة على مواجهة مختلف الضغوطات التي من المحتمل أن تمارسها القوى التي سمحت لها بالحصول على العضوية الدائمة بما يتماشى مع مصالحها داخل المجلس.
أفق قد لا يتجاوز "إعلانات نوايا"
في 22 سبتمبر/أيلول 2024، تبنَّت الأمم المتحدة ميثاق المستقبل، الذي يدعو، من بين أولويات أخرى معلنة للإصلاح، إلى خطط "لتحسين فاعلية مجلس الأمن وتمثيله، بما في ذلك عن طريق معالجة التمثيل التاريخي الناقص لإفريقيا كأولوية"(24). لقد أصبح إصلاح مجلس الأمن طموحًا تتقاسمه إفريقيا مع الكثير من دول العالم، لكن الشك يسود بين الأفارقة تجاه ما إذا كانت هذه الإعلانات ستتبعها خطوات فعلية وإجراءات ملموسة نحو تحقيق ذلك، فكما جرت العادة، تعتقد الدول الغربية والقوى الأخرى أن هذا النوع من إعلان النوايا سوف يرضي الدول الإفريقية.
من الناحية الفنية، ولكي يرى الإصلاح النور، يجب اقتراحه في تصويت بالجمعية العامة، ثم التصديق عليه من قبل الأعضاء الدائمين. وهي عملية تُقابَل حتى الآن بإحجام وتردد من الأعضاء الخمسة الكبار. ناهيك عن أن بلدانًا مثل البرازيل والهند واليابان تدعو أيضًا إلى إصلاح مجلس الأمن وتوسيعه لصالحها(25).
وعلى الرغم من وجود تأييد واسع النطاق لإنشاء مقاعد دائمة إفريقية، فإنه لا يمكن من الناحية العملية القيام بذلك بمعزل عن غيره؛ إذ يجب اعتباره جزءًا من حزمة إصلاحات أوسعَ نطاقًا، بما في ذلك: المقاعد الدائمة للمناطق الأخرى، وحجم المجلس، وتوسيع عدد الأعضاء غير الدائمين، والفئات الجديدة من العضوية(26). بالتالي، فإن من غير المرجح أن يتم إجراء إصلاح واحد بمفرده بينما تترك القضايا الأخرى متوقفة.
وهناك عدة أسباب أخرى من شأنها أن تجعل مسعى منح إفريقيا العضوية الدائمة من المرجح أن يكون مآله الفشل، وذلك لأسباب:
أولًا: يتردد الأعضاء الخمسة الكبار ذوو المقاعد الدائمة وذوو حق النقض في تقاسمها، خوفًا من إضعاف مصالحهم ونفوذهم.
ثانيًا: إذا كان هناك اتفاق على التوسيع، فمن سيكون جديرًا بشغر المقاعد الجديدة؟ وكيف سيتم اختيارهم؟ فهناك العديد ممن يرشحون أنفسهم، من أميركا اللاتينية وأوروبا وآسيا إلى جانب إفريقيا.
ثالثًا: كيف ستختار إفريقيا ممثليها في المجلس؟
رابعًا: ما الذي قد يضمن ألا تخضع خطوات توسيع العضوية للحسابات الجيوسياسية بين الأعضاء الخمسة الكبار؛ إذ من المحتمل أن يجد الأعضاء الأفارقة الجدد أنفسهم ضمن لعبة استقطاب وسلسلة من محاولات الابتزاز أو الإغراء أو الاستمالة لتبني أو دعم أو المساعدة في تنفيذ أجندات جيوسياسية خاصة على حساب أجندات السلام والأمن الإفريقية والعالمية؟ حيث يذكِّرنا التاريخ الحديث بأنه في عام 2011، أيد الأعضاء الأفارقة الثلاثة غير الدائمين في مجلس الأمن (الغابون ونيجيريا وجنوب إفريقيا) قرار مجلس الأمن رقم 1973، الذي تقدمت به كل من فرنسا والمملكة المتحدة(27)، الذي أجاز القيام بأعمال عسكرية لحلف الناتو في ليبيا، على الرغم من جهود الاتحاد الإفريقي المستمرة لإيجاد حل سلمي للأزمة.
خاتمة
بحلول عام 2045 ستحتفل منظمة الأمم المتحدة بمرور 100 عام على تأسيسها. وعندئذ، سيكون عدد سكان إفريقيا 2.3 مليار نسمة، يشكِّلون 25% من سكان العالم(28). فهل ستظل عضوية مجلس الأمن بالنسبة لإفريقيا كما هي اليوم؟ وهل ستظل القرارات الإستراتيجية في الهيئات متعددة الأطراف التي تعمل على تنظيم الشؤون العالمية لا تزال خاضعة للاحتكار من قبل فئة قليلة من الدول؟
لقد تغيرت طبيعة التهديدات العالمية وتعريف الأمن الدولي تغيرًا جذريًّا منذ عام 1945، ولا يمكن حل هذه التهديدات إلا بمنظمة ومجلس أمن يمثل مصالح ووجهات نظر البشرية جمعاء، لاسيما دول الجنوب.
فلطالما كانت إفريقيا موضوعًا للنقاش بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ولكنها لم تكن أبدًا طرفًا فاعلًا فيه. يجب محو هذا الظلم التاريخي والانحراف الأخلاقي والقانوني والسياسي في أقرب وقت ممكن. إن مصداقية وفاعلية وشرعية صرح الأمم المتحدة بأكمله أصبحت على المحك. إن التحدي كبير: إصلاح الأمم المتحدة من أجل أن تكون قادرة على التكيف مع عالم اليوم، عالم لا يخلو من الأزمات والتقلبات والاضطرابات الجيوسياسية وعدم اليقين الذي من المحتمل أن يقود في أي لحظة نحو الانزلاق الإستراتيجي.
من جهة أخرى، يجب على الدول الإفريقية الاستعداد جماعيًّا للاستفادة الكاملة من الفرص التي يتيحها المشهد الجيوسياسي العالمي الحالي، والتي تتيح إمكانيات كبيرة للحصول على بعض المزايا لصالح إفريقيا، والعمل على التحدث بصوت واحد ووضع عرض إفريقي توافقي حول كيفية تمثيل القارة الإفريقية ومصالحها في المحافل العالمية لاسيما مجلس الأمن الدولي ومؤسسات "بريتون وودز" ومع الشركاء الكبار على غرار الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
10) وتشمل احدى المساهمات إعلان الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية في عام 1973 واعتماد اتفاقية الفصل العنصري الدولية.
12) مثل: تقاسم المسؤولية عن القضايا الإفريقية، وتعزيز علاقات أوثق بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، وضمان استجابة التدخلات الأمنية لاحتياجات الناس في حالات النزاع. وتضغط الدول الإفريقية منذ فترة طويلة على المجلس للحد من الفقر والسيطرة على تدفق الأسلحة كإستراتيجيات لمنع الصراعات وغيرها.