حل مئات الأحزاب السياسية الإفريقية: خطوة نحو التنظيم أم عودة لحقبة الحزب الواحد؟

حلَّت دول إفريقية مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو أحزابًا سياسية بدعوى "الإصلاح"، بينما اتجهت دول أخرى إلى حل جزئي مما أثار انتقادات لتقييدها الحريات، رغم ادعاءاتها تنظيم الحياة السياسية، وتحاول الورقة قراءة أهداف هذه الإجراءات ومآلاتها.
زعيم الشباب المؤيد للديمقراطية الشيخ عمر ديارا (وسط الصورة) مع بمؤيدين يحتجون على حل الأحزاب السياسية بمالي [الفرنسية]

مقدمة

في خطوة مفاجئة، وجدت مئات الأحزاب السياسية بعدة دول إفريقية نفسها مؤخرًا منحلة، بفعل قرارات رئاسية، جاءت تطبيقًا لمخرجات حوارات وطنية لم تكن شاملة. وقد أثارت هذه القرارات ردود فعل رافضة على المستويين، الإقليمي والأممي، وعُدَّت بمنزلة تضييق على حرية الرأي والتعبير والانتظام داخل أطر تكفلها القوانين الوطنية والدولية.

وفي مقابل هذا الرأي، تَعُدُّ سلطات الدول المعنية والمتمثلة بالأساس في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حل الأحزاب السياسية إجراءً "إصلاحيًّا"، يدخل في إطار "إعادة التأسيس" التي تنشدها الأنظمة العسكرية الحاكمة بهذه البلدان، وذلك من خلال وضع أسس جديدة تحد من الفوضى والتمييع الذي أصاب منذ أمد بعيد الحياة السياسية الحزبية على غرار العديد من المجالات الأخرى في معظم دول القارة.

وإلى جانب هذه الدول الثلاث، توجد فئة أخرى من البلدان اتجهت نحو حل جزئي للأحزاب، ولم تعتمد بالتالي المسح الكلي للطاولة، وتضم هذه القائمة غينيا كوناكري التي أجرت تقييمًا شاملًا، أسفر عن حل عشرات الأحزاب، وتهديد عشرات أخرى بالحل إذا لم تستوف الشروط. وتشمل هذه الفئة كذلك موريتانيا التي اعتمدت ضمن شروط عديدة نتائج الانتخابات البلدية، معيارًا لحل الأحزاب أو بقائها، مع تشديد شروط تأسيسها بالنسبة للراغبين في ذلك.

وهناك فئة ثالثة من الدول كالغابون مثلًا، رأت ضرورة تناسب عدد الأحزاب مع حجم السكان، وسعت إلى تقليص العدد الذي يزيد على المئة، ولكنها أرادت في نفس الوقت أن يكون قرار الحل نابعًا من رؤية تشاركية، وبناء على معايير محددة. 

ورغم أن مسوغات الحل لا تخلو في مجملها من بعض الوجاهة، إلا أن بعضها يُضمر كذلك أهدافًا أخرى، فمن المفارقة مثلًا أن ينشد من اغتصب السلطة بالقوة وأزاح نظامًا منتخبًا، دمقرطة الحياة السياسية والحزبية، خصوصًا إذا كان هو نفسه من ألغى الانتخابات، وعَدَّها ليست من الأولويات.

وفي الحالات الأخرى، فإن سلطة الحل يُخشى من أن تصبح سيفًا بيد الحكام يسلطونه بانتقائية على أحزاب دون أخرى، فيكون ظاهر القرارات تطبيق النصوص القانونية، ولكنها تستبطن أشياء أخرى. ومع ذلك، فإن تنظيم الحياة السياسية في إفريقيا، ودمقرطة الممارسة الحزبية فيها، مسعى مهم وضروري، ولكنه يحتاج بالضرورة أن يشمل عديد المجالات الأخرى حتى لا يتحول إلى نتائج عكسية.

دول تحالف الساحل والمسح الشامل للطاولة

انتهجت دول تحالف الساحل الثلاث، الذي تأسس بعد التوقيع على ميثاق ليبتاغو غورما، في 16 سبتمبر/أيلول 2023(1)، موقفًا موحدًا إزاء الأحزاب السياسية في البلدان الثلاث المشكِّلة للتحالف، وكان الفارق الزمني بين إعلان كل دولة حل الأحزاب داخلها مع الدولة الأخرى طفيفًا جدًّا.

النيجر: منطلق الشرارة الأولى

كانت النيجر أول بلدان تحالف الساحل، التي أعلنت حل جميع الأحزاب السياسية، كإحدى توصيات جلسات وطنية للحوار أغلب المشاركين فيها كانوا من داعمي المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في نيامي.

وقد أوصت إحدى لجان الجلسات الوطنية لإعادة التأسيس، في 19 من فبراير/شباط 2025، بحل جميع الأحزاب السياسية الموجودة في البلاد، وحظر استخدام تسمياتها، مشيرة ضمن المسوغات التي قُدِّمت بشأن هذه التوصية، إلى "ضعف النظام السياسي والانتخابي"، وهو ما يستدعي بالنسبة لها "وضع ميثاق جديد للأحزاب السياسية يتضمن تعددية خاضعة للرقابة، واعتماد دستور يتناسب والقيم الاجتماعية والثقافية والدينية للنيجر"(2).

واعتمد المشاركون فيما عُرِف بمؤتمر إعادة التأسيس، والذين فاق عددهم سبعمئة شخص مدني وعسكري، توصية بحل جميع الأحزاب السياسية البالغ عددها 171 حزبًا، وإلغاء القانون المنظم لها، ووضع قانون جديد يحصر عددها في حزبين أو خمسة أحزاب على الأكثر(3).

وتفاعلًا مع مضامين توصيات المؤتمر، والتي كان من ضمنها تحديد مدة ولاية الرئيس الانتقالي في خمس سنوات قابلة للتجديد، وقَّع الرئيس الانتقالي النيجري، الجنرال عبد الرحمن تياني، في 26 مارس/آذار 2025، على مرسوم يقضي بحل جميع الأحزاب السياسية(4).

ورغم أن نشاطات الأحزاب السياسية في النيجر كانت معلقة منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب، محمد بازوم، في يوليو/تموز 2023، كما أنها لم تشكِّل عامل ضغط رافضًا للانقلاب، وإنما كان أداؤها محتشمًا إلى حدٍّ كبير، فإن كل ذلك لم يشفع لها في تجنب سيناريو الحل.

وتعكس خطوة حل الأحزاب السياسية، أن حكام النيجر العسكريين يريدون إبعاد كل ما من شأنه أن يعرقل أو يشوِّش على بقائهم في السلطة، من أحزاب ومنظمات، وقد توصلوا لقرار الحل بطريقة جعلتهم يأخذون مسافة منه؛ إذ ظهر كما لو أنه مطلب شعبي، من خلال توصيات جلسات الحوار، وبالتالي يكون دور السلطات هو تنفيذ ما اتفق عليه المتحاورون.

بوركينا فاسو: من التعليق إلى الحل النهائي

في اليوم الموالي لوصول النقيب إبراهيم تراوري السلطة في بوركينا فاسو، نهاية سبتمبر/أيلول 2022، إثر انقلاب عسكري على العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، تقرر تعليق نشاطات جميع الأحزاب السياسية في البلاد، وذلك لمنع أي تظاهر أو احتجاج مناهض للانقلاب.

ومنذ ذلك الوقت توقفت نشاطات كافة الأحزاب والمنظمات ذات الطابع السياسي، وأضحى أي تحرك لحزب أو منظمة يجر قادته إلى التوقيف، وبالتالي تمت عسكرة الحريات السياسية في البلاد، وهو إجراء اتُّخذ في مختلف بلدان القارة التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة.

لكن بوركينا فاسو لم تتوقف عند هذا الإجراء فحسب، فقد شكَّل إعلان وزير الأمن محمدو سانا، مساء الاثنين، 21 أبريل/نيسان 2025، عبر التليفزيون الرسمي للبلاد، عن إحباط محاولة انقلابية جديدة ضد النقيب إبراهيم تراوري، وحديثه عن "مؤامرة" قال: إنها تحاك ضد البلاد وأمنها(5)، لحظة حاسمة في مسار الأحزاب السياسية في بوركينا فاسو، رغم تأكيد السلطات أن العقول المدبرة لهذه المحاولة الانقلابية توجد في الخارج.

وبعد أيام على الإعلان عن إحباط هذه المحاولة الانقلابية، أعلنت الحكومة الانتقالية في واغادوغو عن اتخاذ إجراءات خصوصية، من ضمنها حل الأحزاب السياسية، وإلغاء القانون المنظم لها، وأيضًا إلغاء القانون الذي ينص على الاعتراف بمؤسسة المعارضة ورئيسها(6).

ومن اللافت أن بوركينا فاسو منذ وصول النقيب إبراهيم تراوري إلى السلطة، تعلن من حين لآخر عن إحباط محاولة انقلابية ضده، وتوجه الاتهام لأطراف خارجية عدة، خصوصًا فرنسا وبعض الدول الحليفة لها بالقارة. لكن، ورغم المحاولات الانقلابية العديدة التي أُعلن عنها، لم تلجأ السلطات من قبل إلى إجراء حلِّ الأحزاب السياسية، وإنما ظلت مكتفية بتعليق نشاطاتها، إلى أن تقرر الحل بعد المحاولة الأخيرة، دون تقديم مسوغ مقنع لذلك.

مالي: غويتا يقتفي أثر تياني

أعلنت السلطات الانتقالية المالية، في 13 من مايو/أيار 2025، بموجب مرسوم رئاسي صادر عن الرئيس الانتقالي، الجنرال عاصيمي غويتا، حل جميع الأحزاب والمنظمات ذات الطابع السياسي، كما أصدرت الرئاسة المالية كذلك مرسومًا يلغي النظام الأساسي الذي يحكم نشاطات الأحزاب السياسية في البلاد، ويعود تاريخه إلى العام 2005(7).

ولم يكن هذا القرار مستبعدًا بالنسبة لقادة الأحزاب السياسية المالية، فخلال الأسابيع التي سبقت إعلانه، حذَّر عدد من الساسة في مناسبات عدة من أن تتخذ السلطات الانتقالية في باماكو خطوة مماثلة لنظيرتها في نيامي.

وعلى غرار النيجر، جاء قرار حل الأحزاب السياسية في مالي بعد حوار وطني، أوصى المشاركون فيه -ومعظمهم من داعمي النظام العسكري الانتقالي- بحل جميع الأحزاب، وتشديد الشروط على إنشاء أحزاب جديدة(8)، ومن ضمن تلك الشروط إيداع ضمانة مالية قدرها مئة مليون فرنك إفريقي، وتحديد سن قادة الأحزاب بين 25 و75 سنة، إضافة إلى شرط آخر يتعلق بالتمثيلية الترابية(9).

وإلى جانب تشابههما في قرار حل الأحزاب السياسية، فإن جلسات الحوار في مالي حذت كذلك حذو نظيرتها النيجرية؛ إذ أوصت بتنصيب الجنرال، عاصيمي غويتا، رئيسًا لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد، وتعليق إجراء الانتخابات إلى حين استعادة الأمن على كامل تراب البلاد، وذات الإجراءات اتُّخذت كذلك في بوركينا فاسو.

ويُقدَّر عدد الأحزاب السياسية في مالي بنحو ثلاثمئة حزب، ويحدد القانون المنظم لها -والذي تم إلغاؤه- نسبة تمويلها الحكومي بما يعادل 0.25% من عائدات الضرائب، وتقابل هذه النسبة في النيجر حوالي 30%، أما في بوركينا فاسو فسبق أن أثيرت تهم للأحزاب السياسية تتعلق بـ"الفساد والاختلاس" فيما يتعلق بالتمويل العمومي الذي كانت تستفيد منه(10)، وهو ما أعطى قرارَ الحل بُعدًا آخر يتعلق بالجانب الاقتصادي.

من كونتي إلى دومبويا: الأحزاب السياسية الغينية بين عهدين

من ضمن ما يحسبه الغينيون لرئيسهم الأسبق الراحل، لانسانا كونتي، رغم قبضة الحديد التي حكم بها البلاد على مدى 24 سنة، إرساؤه التعددية الحزبية عام 1990، وتنظيم البلاد في عهده أول انتخابات رئاسية تعددية سنة 1993(11).

ورغم الإقرار الرسمي للتعددية، وإعلان انتهاج المسار الديمقراطي، فإن ذلك ظل شكليًّا إلى حدٍّ بعيد، فالعقيد كونتي الذي وصل السلطة عبر انقلاب عسكري على لانسانا بيفوغوي بعد أسبوع فقط من توليه المنصب استحقاقًا إثر وفاة أول رئيس للبلاد، أحمد سيكو توري، ظل يعاد انتخابه بنتائج تقترب في كل مرة من 100% إلى أن رحل عام 2008.

ومن المفارقات الكثيرة في التجربة السياسية لغينيا كوناكري، أن رائد التعددية السياسية، العقيد لانسانا كونتي، وصل السلطة عبر انقلاب عسكري ولم يغادرها إلا عند الوفاة، وأنه بعد 13 عامًا من وفاته سيصل السلطة جنرال هو مامادي دومبويا عبر انقلاب عسكري، ومن ضمن الإجراءات التي سيعمل عليها حل عشرات الأحزاب السياسية وتهديد عشرات أخرى بالحل.

لقد عمل نظام دومبويا الذي وصل سدة الحكم في غينيا كوناكري إثر انقلاب عسكري على الرئيس المدني، ألفا كوندي، في سبتمبر/أيلول 2021، على حل "ثلاثة وخمسين حزبًا سياسيًّا، وتعليق خمسين أخرى لمدة ثلاثة أشهر، ووضع سبع وستين منظمة تحت المراقبة"(12)، وهو ما يعني أن عداد الأحزاب المنحلة قد يتزايد في الفترة المقبلة، خصوصًا في أفق الانتخابات الرئاسية، حتى يضمن الرئيس العسكري أن يكون المسار الانتخابي محسومًا.

ومن شأن الإجراءات المتخذة ضد الأحزاب السياسية الغينية، أن تعمِّق من الأزمة السياسية في البلاد، فبالنسبة للمعارضة انتهت رسميًّا الفترة الانتقالية لرئاسة دومبويا، في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، لكن الرئيس الجنرال أعلن لاحقًا أن 2025 ستكون سنة انتخابية بامتياز، وحدَّد مرسوم رئاسي صادر عنه، في أبريل/نيسان الماضي، 21 سبتمبر/أيلول 2025، موعدًا لإجراء استفتاء على الدستور.

الغابون: من بين ألف توصية حل الأحزاب السياسية

أوصى المشاركون في الحوار السياسي الذي نُظِّم بالغابون، في 2 أبريل/نيسان 2024، واختُتم في 30 من نفس الشهر، بنحو ألف توصية، لكن إحداها أثارت جدلًا واسعًا أكثر من غيرها، وهي المتعلقة بحل الأحزاب السياسية البالغ عددها 106.

وقد دافعت السلطات الانتقالية عن هذه التوصية، معتبرة أنها نتاج حوار شامل شارك فيه المئات من مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، وأن الهدف منها "إعادة تنظيم أفضل للبيئة السياسية في البلاد"، مشيرة إلى أن بعض الأحزاب في البلاد "لم تعقد أبدًا أي مؤتمر، ولم تشارك في انتخابات عامة"(13).

ورغم الاقتناع الذي أبدته السلطات بشأن وجاهة هذه التوصية، إلا أن الجنرال بريس أوليغي نغيما لم يرد المجازفة بالإسراع في تنفيذ الخطوة، حتى لا يفقده ذلك شبه الإجماع السياسي الذي حظي به انقلابه العسكري الذي أنهى نصف قرن من حكم أسرة بونغو، فاهتم بالجانب المتعلق بوضع دستور جديد، وإجراء انتخابات.

وبعدما ضمن الفوز في الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في 12 من أبريل/نيسان 2025؛ إذ حصل على نسبة ناهزت 85% من أصوات الناخبين، ونُصِّب، في 3 من مايو/أيار، رئيسًا لولاية من 7 سنوات قابلة للتجديد، بادر نغيما إلى العودة لمقترح الحوار المتعلق بحل الأحزاب السياسية، فدعا قادتها لاجتماع في القصر الرئاسي، وأوضح لهم أن "من غير المعقول أن توجد في بلد مثل الغابون، الذي لا يتجاوز عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة، 106 أحزاب"(14).

واتفق الجنرال الذي انقلب، في 30 من أغسطس/آب 2023، على الرئيس المدني المنتخب، علي بونغو أونديمبا، مع قادة الأحزاب السياسية على تشكيل لجنة تُعنى بوضع معايير ستُعتمد في قانون جديد ينظم الأحزاب السياسية في البلاد، وهو ما يُفهم منه التوجه نحو تقليص عدد الأحزاب لا حلها النهائي الشامل.

موريتانيا.. بين الحل وتشديد الشروط: هل يوجد طريق يبس؟

يثير تعديل القانون الخاص بالأحزاب السياسية في موريتانيا، والذي صادق عليه مجلس الوزراء، في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية المعارضة؛ إذ ترى أن الشروط التي يشترطها في تأسيس الأحزاب وحلِّها مجحفة.

ويشترط القانون الجديد المعدل، من أجل تأسيس أي حزب سياسي مجموعة من الشروط منها أن يكون عدد أعضاء جمعيته العامة التأسيسية مئة وخمسين عضوًا يمثلون كل ولايات الوطن، مقابل عشرين عضوًا كانت في القانون السابق، وأن تتم تزكية برنامج الحزب من طرف 5 آلاف مواطن ينتمون إلى نصف ولايات البلاد على الأقل، إضافة إلى اعتماد مبدأ التناوب في تجديد ثلث أعضاء الهيئات القيادية على الأقل بعد كل دورة عادية لمؤتمر الحزب(15).

وينص القانون كذلك على إمكانية حل الحزب السياسي، إذا توافرت أسباب من بينها عدم حصوله في اقتراعين متواليين في انتخابات بلدية عامة على 2% من الأصوات المعبَّر عنها في كل اقتراع، أو لم يشارك كذلك في اقتراعين متواليين في انتخابات بلدية عامة(16).

وفيما ترى الحكومة الموريتانية التعديلات الجديدة لقانون الأحزاب السياسية، الذي يعود صدوره إلى العام 1991، تاريخ التعددية الحزبية في البلاد، مهمة من أجل "تنقية المشهد من الشوائب، والرفع من أداء الأحزاب لمهامها وجعلها ذات مصداقية"، فإن بعض الأطراف الفاعلة في المعارضة ترى هذه التعديلات بمنزلة "عراقيل في وجه ترخيص الأحزاب السياسية" وأن من شأن ذلك أن يخلق تراجعًا في الديمقراطية والحرية بموريتانيا(17)

وكانت وزارة الداخلية الموريتانية قد أصدرت قرارا بحل حوالي ثمانين حزبًا سياسيًّا، بناء على تعديل لقانون الأحزاب صدر سنة 2018، وبذلك تقلص عددها الذي كان يزيد على مئة حزب إلى خمسة وعشرين حزبًا(18). وفي عام 2023، أصدرت ذات الوزارة قرارًا بحل خمسة أحزاب أخرى، لعدم حصولها على نسبة 1% من الأصوات خلال الانتخابات البلدية، ومن ضمن هذه الأحزاب "الحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد" الذي كان حاكمًا في عهد الرئيس الأسبق لموريتانيا، معاوية ولد سيد أحمد الطائع(19).

ردود فعل داخلية وخارجية

خلَّفت الإجراءات المتخذة بشأن الأحزاب السياسية في الدول المذكورة أعلاه ردود فعل داخلية وخارجية مختلفة، لكن أغلبها يشترك في مطلب التراجع عن حل الأحزاب والتضييق عليها.

ففي مالي، تظاهر المئات في باماكو ضد قرار حل الأحزاب، في مظهر احتجاجي لم تشهده العاصمة منذ العام 2021(20). ومن ضمن ردود الفعل الخارجية المندِّدة بالقرار، دعوة الأمم المتحدة من خلال المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان صادر عنه، السلطات المالية إلى إلغاء المرسوم القاضي بحل الأحزاب السياسية، والعودة إلى احترام الحقوق السياسية بالكامل في البلاد(21).

وبخصوص حل الأحزاب السياسية في النيجر، أعربت منظمة الأممية الاشتراكية التي يرأسها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشير، عن أسفها لهذا القرار معتبرة إياه "انتهاكًا" و"تراجعًا خطرًا للديمقراطية"، داعية السلطات النيجرية إلى التراجع عنه و"تسريع عملية العودة إلى النظام الديمقراطي" في البلاد(22).

وفي بوركينا فاسو، لم يمر قرار حل الأحزاب، وإعلان الرئيس الانتقالي، النقيب إبراهيم تراوري، أنه "لم يسبق لأي بلد أن تقدم بفضل الديمقراطية" دون انتقاد، فقد اتهم بـ"الدكتاتورية"(23).

ولم تتخلف غينيا كوناكري عن ركب رفض حل الأحزاب السياسية؛ فقد نددت "القوى الحية" في البلاد، وهي تجمع يضم عدة أحزاب ومنظمات بقرار الحل، ورأت أنه يعكس "رغبة مكشوفة من المجلس الوطني للديمقراطية والتنمية )المجلس العسكري الحاكم( لإضعاف الأحزاب الأكثر تمثيلًا في البلاد، بل وإبعادها عن الساحة السياسية"(24).

وفي الغابون، لم تتبلور بعد رؤية نهائية بشأن ما إذا كانت كل الأحزاب السياسية ستُحل، أم ستوضع شروط معينة للحد منها فقط، وهو ما جعل قادة الأحزاب السياسية في البلاد منقسمين بين متخوف من "القضاء على الأحزاب القائمة دفعة واحدة"، وداعٍ إلى "تطهير الطبقة السياسية"، ومن يفضل "الانتظار والترقب"(25).

وفي موريتانيا، تدافع الحكومة عن التعديلات الجديدة لقانون الأحزاب السياسية الذي صادق عليه البرلمان، في 28 يناير/كانون الثاني 2025، وترى أن من شأنها إضفاء المزيد من الجدية والتنظيم على المشهد الحزبي في البلاد، لكن طيفًا واسعًا في المعارضة يتمسك بمطلب سحب هذا القانون بصيغته الجديدة، ويراه "مناقضًا للديمقراطية"(26).

خاتمة

تضع القرارات التي اتخذتها عدد من الدول الإفريقية حدًّا لمئات الأحزاب السياسية في هذه البلدان، وخصوصًا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو حيث يهم قرار الحل أزيد من 670 حزبًا في البلدان الثلاثة المنخرطة ضمن إطار ثلاثي يجمعها يعرف بتحالف دول الساحل.

وبقدر ما يثير قرار الحل من مخاوف بشأن مستقبل التعددية الحزبية، وحرية تأسيس الأحزاب، والعودة إلى مربع الحزب الواحد الذي عانى منه عديد الدول الإفريقية خلال عقود ما بعد الاستقلال، فإنه يستدعي كذلك التريث لمعرفة ما إذا كان هذا القرار سيؤسس بالفعل لمرحلة جديدة من تنظيم ودمقرطة المشهد الحزبي الذي يعرف مستوى كبيرًا من الفوضى في القارة الإفريقية.

ومع ذلك، فإن وضع أسس جديدة لترخيص الأحزاب السياسية في بعض الدول الإفريقية التي تمر بمراحل انتقالية عسكرية، يثير الشك بالنسبة للكثير من الساسة والفاعلين في المجتمع المدني؛ إذ يعتبر هؤلاء أن من ألغى الانتخابات، وأكد عدم أولويتها في الوقت الحالي، رابطًا تنظيمها بالاستقرار الأمني المفقود منذ أزيد من عقد، ولا تبدو هناك مؤشرات بشأن مستقبل عودته، من الصعب أن ينظم الحياة الحزبية ويوليها الاهتمام؛ إذ إن وجود الأحزاب مرتبط بشكل كبير بتنظيم الانتخابات، وفتح الباب أمام التنافس على الرئاسة، والمجالس التشريعية والبلدية.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1) تحالف دول الساحل بين آمال التوسع وتحديات الفشل، الجزيرة نت، 8 يناير/كانون الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2025)، https://urls.fr/DHh_P-

2) انظر الموضوع:

Assises au Niger: les partis politiques sont dissous, publié le 21 Février 2025, vu le 21 Mai 2025, https://urls.fr/70UNFP

3) مؤتمر إعادة تأسيس الدولة بالنيجر يوصي بفترة انتقالية وحل الأحزاب، الجزيرة نت، 20 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 22 مايو/أيار 2025)، https://urls.fr/DBtmPD

4) انظر الموضوع:

Le Chef de l’Etat AbdourahmaneTiani ordonne la dissolution des partis politiques au Niger, publié le 26 Mars 2025, vu le 22 Mars 2025,https://urls.fr/zPi2Gg

5) انظر الموضوع:

Ce que l’on sait du "grand complot" déjoué au Burkina Faso selon les autorités de la junte, publié le 22 Avril 2025, vu le 22 Mai 2025,https://urls.fr/oz4Rl2

6) بوركينا فاسو.. مظاهرات داعمة للمجلس العسكري بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة، الجزيرة نت، 1 مايو/أيار 2025، (تاريخ الدخول: 22 مايو/أيار 2025)، https://urls.fr/POcS3s

7) انظر الموضوع:

Mali: Assimi Goita dissout les partis politiques, publié le 13 Mai 2025, vu le 22 Mai 2025,https://urls.fr/17KGjT

8) انظر الموضوع:

Mali national dialogue recommends naming junta leader Goita president with five-year term, published on April 29,2025, seen on May 22,2025,https://urls.fr/gYABjT

9) حكومة مالي تعلق أنشطة الأحزاب السياسية حتى إشعار آخر، العلم، 7 مايو/أيار 2025، (تاريخ الدخول: 22 مايو/أيار 2025)، https://urls.fr/7XOwzu

10) انظر الموضوع:

Est-ce la fin du multipartisme dans l’AES?, publié le 04 Mai 2025, vu le 26 Mai 2025,https://urls.fr/7KF0Tp

11) انظر الموضوع:

Aujourd’hui: 03 Avril 1984, Lansana Conté arrive au pouvoir avec le CMRN, publié le 03Avril 2025, vu le 26 Mai 2025,https://urls.fr/eBnTZP

12) عدم اليقين: تجليات وتحولات انتهاء الفترة الانتقالية في غينيا كوناكري، قراءات إفريقية، 23 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار 2025)، https://urls.fr/lKpsgC

13) انظر الموضوع:

Suspension des partis politiques: «Les recommandations issues du DNI ne sont pas encore revêtues d’une quelconque autorité» (ministre de l’intérieur), publié le 21Mai 2024, vu le 27 Mai 2025,https://urls.fr/fZsADE

14) تجاوز الـ100.. الغابون تخطط لتقليص عدد الأحزاب السياسية، إرم، 11 مايو/أيار 2025، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2025)، https://urls.fr/p7WMmY

15) مجلس الوزراء يصادق على مشروعي قانونين يتعلقان بالأحزاب السياسية ومدومة الحالة المدنية، الوكالة الموريتانية للأنباء، 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 29 مايو/أيار 2025)، https://urls.fr/xOemm6

16) نفس المصدر السابق.

17) موريتانيا تعدل قانون الأحزاب والمعارضة ترفضه، صحيفة الشرق الأوسط، 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 2 يونيو/حزيران 2025)، https://urls.fr/tL-hWE

18) تعديل قانون الأحزاب بموريتانيا.. الحكومة تؤيد والمعارضة متخوفة، رأي اليوم، 7 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 2 يونيو/حزيران 2025)، https://urls.fr/Y2PIIO

19) قرار من وزارة الداخلية بحل 5 أحزاب سياسية، موريتانيا اليوم، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 2 يونيو/حزيران 2025)، https://urls.fr/-FSYJs

20) مالي: المئات يتظاهرون رفضًا لحل الأحزاب السياسية، الأخبار، 3 مايو/أيار 2025، (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2025)، https://urls.fr/ue2ypM 

21) مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يدعو مالي إلى إلغاء حل الأحزاب السياسية، أفريكان بيرسبسيون، 17 مايو/أيار 2025، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2025)، https://urls.fr/TGQxLN

22) انظر الموضوع:

Dissolution des partis politiques au Niger: un recul grave de la démocratie selon l’internationale socialiste, publié le 28 Avril 2025, vu le 04 Juin 2025, https://urls.fr/hYVf3Z

23) انظر الموضوع:

Mali, Burkina Faso, Niger… La fin du pluralisme politique, publié le 4 Juin 2025, vu le 05 Juin 2025, https://urls.fr/y-BXU1

24) انظر الموضوع:

Dissolution et suspension de partis politiques en Guinée: les forces vives dénoncent une «volonté d’éliminer les partis les plus représentatifs», publié le 15 Mars 2025, vu le 05 Juin 2025, https://urls.fr/Z6N1IY

  25) انظر الموضوع:

Gabon: réforme ou disparaître, les partis politiques invités à choisir, publié le 12 Mai 2025, vu le 05 Juin 2025, https://urls.fr/yFg_t3

  26) تعديل قانون الأحزاب بموريتانيا.. الحكومة تؤيد والمعارضة متخوفة، الجزيرة نت، 7 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 2 يونيو/حزيران 2025)، https://urls.fr/VMR0HS