إيران والولايات المتحدة في ظل عودة ترامب: صراع أم مصالحة؟

تشير الأدلة المتاحة إلى أن ترامب قد يعتمد على نهج الاتفاق عبر وسطاء مثل اليابان أو السعودية. من جانبها، تبدو إيران مستعدة لوضع خيار المفاوضات المباشرة على جدول أعمالها إذا ضمنت حماية مصالحها الوطنية. مع ذلك، يبقى القرار النهائي مرهونًا بتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة ومدى جديتها في تحقيق تفاهمات حقيقية.
الرئيس الإيراني متحدثا خلال احياء الذكرى الخامسة لاغتيال أميركا لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني (الأناضول)

يرى العديد من النخب ومراكز البحث داخل إيران وخارجها أن المواجهة بين إيران والولايات المتحدة قد بلغت ذروتها. بناءً على ذلك، لم تعد إستراتيجية طهران القائمة على مبدأ "لا حرب ولا تفاوض"، تلبي متطلبات عهد بايدن أو التحديات المستقبلية التي أفرزها عهد ترامب. ومن الطبيعي أن يكون التوصل إلى اتفاق مشرف وعقلاني هو الخيار الأقل تكلفة لإدارة التوتر القائم بين البلدين، إلا أن زيادة التوتر قد تؤدي إلى تصعيد العقوبات وضغوط قصوى، كما شهدنا خلال الولاية الأولى لترامب.

في ظل التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة من جهة، والحركة الدبلوماسية النشطة في طهران من جهة أخرى، تبرز آفاق جديدة مع بداية العام الجديد. ويعيد دخول ترامب إلى البيت الأبيض إثارة تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين طهران وواشنطن، سواء من خلال استمرار الأعمال العدائية، أو اعتماد توجهات تصالحية.

هذا المقال يهدف إلى تقييم وتحليل المنظور المستقبلي للعلاقات الإيرانية الأميركية بناءً على مقاربات الطرفين.

تقييم نهج الولايات المتحدة

ركز القادة الأميركيون، الدیمقراطیون والجمهوریون علی حد سواء، على مجموعة من المفاهيم في سياستهم تجاه إيران. ويمكن تلخيص النهج الأميركي تجاه الجمهورية الإسلامية على مدى العقود الخمسة الماضية في أربعة عناصر رئيسية:

  1. المصالحة (Detente): يعود هذا النهج إلى فترة رئاسة علي خامنئي، ويشمل أحداثًا مثل ما عرف باسم "إيران-كونترا" (1985-1987)، أو قضية ماكفارلين، التي وقعت خلال رئاسة رونالد ريغان وشهدت بيع أسلحة أميركية لإيران سرًا، مقابل إطلاق سراح رهائن أميركيين في لبنان.
  2. الاتفاق (Compromise): يتمثل أبرز مثال على هذا النهج في توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) عام 2015، بهدف حل الخلاف مع إيران بشأن برنامجها النووي.
  3. الاحتواء (Containment): تمثل سياسة الاحتواء المزدوج تجاه إيران والعراق أحد أبرز الأمثلة لهذا النهج، وقد أُعلن عنها لأول مرة عام 1993 من قبل مارتن إنديك في معهد واشنطن لسیاسة الشرق الأدنی، على اعتبار أن هاتين الدولتين من أكثر دول الشرق الأوسط عداءً لإسرائیل والولايات المتحدة.
  4. التغيير (Change): يشمل هذا النهج محاولات تغيير النظام الإيراني عبر وسائل متعددة، مثل التدخلات العسكرية أو العقوبات الاقتصادية. وقد تم وضعه مرارا علی أجندة الدیمقراطیین والجمهوریین على السواء، ويمكن التمثيل له بحادثة صحراء "طبس" لتحریر رهائن السفارة الأميرکیة في طهران، أو الدخول مباشرة في حرب بين إيران والعراق استمرت ثماني سنوات، إلى جانب حرب ناقلات النفط خلال تلك الفترة.

 وبالعودة إلى العناصر الرئيسية الأربعة، يمكن مناقشة في أيّ اتجاه سيذهب دونالد ترامب بعد دخوله البيت الأبيض لولاية ثانية. وبشكل عام، ينبغي تقييم نهج ترامب على أساس البنية والفعل. وبقبول هذا الافتراض، ستكون هناك قضيتان مهمتان: الأولى، السياسة الخارجية لترامب، ويمكن تحديدها بثلاث مقاربات:

أ) الأحادية تجاه إيران.
ب) اللامبالاة بالمجتمع الدولي.
ج) اتباع الفردية وإجراء الصفقات.

وبهذا، تشير المعرفة المتاحة عن سياسات ترامب في ولايته الأولى، وخاصة شعارات حملته، إلى اعتماد المقاربة الثالثة، وهي إستراتيجية الاحتواء بنفس تكتيك الضغط الأقصى.

لكنّ المشكلة، أو القضية الثانية، هي أن ترامب يواجه غموضين رئيسيين؛ الأول ذاتيّ طوعي، والثاني غير مرغوب فيه ويتسبب فيه الوسطاء الذين يعينهم كفريق إداري كبير.

لذلك يمكن الاعتقاد بأن نهج ترامب لا يحل المشكلة، بل يُركز فقط على تقليل التكلفة حتى بإزالة عبارة المشكلة. وهذا النهج يشبه ما تبناه ترامب في عام 2016 مع كوريا الشمالية. والسؤال المطروح: هل تم حل الأزمة بين الكوريتين؟ ربما سيتبع ترامب نفس النهج في حالة غزة ولبنان وحتى أوكرانيا. وهذا السلوك من ترامب يُفهم جيدا من شعار حملته الانتخابية "أميركا أولا". لذا فإن تراجع الولايات المتحدة هو القضية الرئيسية التي ستقلق ترامب في ولايته الثانية.

تمتلك الولايات المتحدة ما يزيد عن 26% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي في 2024، كما تتحمل في الوقت نفسه 50% من تكاليفه. ويريد ترامب أن تستمر بلاده في كونها القوة الرائدة والمهيمنة في العالم. ومن المتوقع أنه في ولايته الثانية، سيفصل صفوفه عن أوكرانيا وأوروبا بسبب الاختلافات في أوروبا. كما سيسعى للحفاظ على النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وفرض نظام جديد، وعدم مواجهة أوروبا.

إن السيناريوهات المحتملة التي تمت مناقشتها ينبغي أن تأخذ في الاعتبار التوتر بين الفصيلين الرئيسيين في الحزب الجمهوري، الفصيل الانعزالي المتوافق مع رؤية ترامب "أميركا أولا"، والفصيل الأكثر نشاطا الذي يدعم صعودا أميركيا قويا.

تقييم نهج الجمهورية الإسلامية الإيرانية:

يمكن تلخيص الاستراتيجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة في العناصر التالية:

  1. البراغماتية: تتبنى إيران نهجًا براغماتيًا في مواجهة الأزمات، معتمدة على موافقة القيادة الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية.
  2. تعزيز الردع السياسي: إن مهمة حكومة الرئيس مسعود بزشكيان واضحة في هذا الخصوص، وهي تحويل الردع العسكري إلى ردع سياسي، بما يفتح المجال أمام مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، أو من خلال تفاوض جماعي، ولكن قد يكون من مصلحة طهران الدخول في مفاوضات مباشرة مع واشنطن.
  3. مواجهة العقوبات الاقتصادية: رغم تأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني، فإنها لم تعرقل التقدم في المجالات الصناعية والدفاعية. وإذا حققت حكومة بزشكیان نجاحا کبیرا في حل معضلة عدم التوازن في الطاقة والاقتصاد والنقد، فإن تطوير البنیة التحتیة الاقتصادیة سيتحسن إلی حد کبیر خارج إطار العقوبات. وفي المحصلة فإن نجاح الحكومة في تحقيق توازن اقتصادي قد يعزز قدرتها التفاوضية.
  4. الموقع الجيوسياسي: يشكل الموقع الجغرافي لإيران ميزة إستراتيجية في التفاعلات الإقليمية والدولية.
  5. القضية النووية: تسعى إيران إلى استعادة قوة الردع لديها، خاصة بعد التطورات الأخيرة في سوريا ولبنان، بما يعزز موقفها في أي مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة.

الخاتمة

تشير الأدلة المتاحة إلى أن ترامب قد يعتمد نهج الاتفاق عبر وسطاء مثل السعودية، أو اليابان لدورها التاريخي قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية. من جانبها، تبدو إيران مستعدة لوضع خيار المفاوضات المباشرة على جدول أعمال دبلوماسيتها الرسمية إذا ما ضمنت حماية مصالحها الوطنية. ومع ذلك، يبقى القرار النهائي مرهونًا بتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة ومدى جديتها في تحقيق تفاهمات حقيقية.

نبذة عن الكاتب