قمع مؤيدي فلسطين بالذكاء الاصطناعي لمأسسة "الترامبية" وتغيير هوية المجتمع الأميركي

يبدو أن الحرب التي بدأتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على الحركة المناصرة للحق الفلسطيني في الولايات المتحدة، وذلك باعتقال الطالب محمود خليل، أحد رموز الحركة الطلابية في جامعة كولومبيا؛ مما جعل هذه الحركة تتصدر عناوين الأخبار، هي إيذان بتطبيق "مشروع أستير"، الذي يشكل جزءًا من "مشروع 2025" الكبير، وهو مشروع اليمين لفرض أجندته على المجتمع الأميركي.
20 مارس 2025
نشطاء مؤيدون للفلسطينيين يشاركون في مسيرة ”الكفاح من أجل حقوقنا“ ودعمًا لمحمود خليل، في ميدان تايمز سكوير بنيويورك في 15 مارس/آذار 2025. (وكالة الصحافة الفرنسية).

مقدمة

في مستهل شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، نشر الباحث تعليقًا عن "مشروع أستير" وأهدافه المعلنة، وعلى رأسها إسكات الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة الأميركية وفي مقدمتها طلبة الجامعات.

وها قد عادت الحركة الطلابية من أجل فلسطين إلى الأخبار مرة أخرى بعد اعتقال إدارة الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة الطالب محمود خليل، أحد قادة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في جامعة كولومبيا. ويبدو أن إدارة ترامب تفي بوعدها بملاحقة الطلاب الأجانب الذين يشاركون في الحركة الطلابية من أجل فلسطين إعمالًا لبنود المشروع المذكور. وقد أصدر ترامب بالفعل العديد من الأوامر التنفيذية في إطار هجومه المكارثي على الجامعات(1).

تتمثل رؤية المشروع في تنظيم وتوجيه جميع الشركاء الراغبين والقادرين في جهد منسق يوظف كل الموارد المتاحة لمكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة. وعبَّر القائمون على المشروع عن أملهم في أن يمثل هذا الجهد فرصة للشراكة بين القطاعين، العام والخاص، عندما تصل إلى البيت الأبيض إدارة راغبة في ذلك. وها قد جاءت إلى البيت الأبيض إدارة راغبة في ذلك وأكثر. فلم يمض على وجودها به أسابيع حتى انبرى رئيسها بنفسه لتطبيق ما جاء في "مشروع أستير" بحذافيره، وجعله في مصاف القضايا الملحَّة والمباهاة بإعماله، وبسخرية. وقد انخرط أعضاء أساسيون في إدارة ترامب في هذه الحرب، ومنهم وزير خارجيته، ماركو روبيو. وهذا يعني وجود فرصة جيدة لأن يصبح ما ورد في وثيقة المشروع المكونة من 33 صفحة سياسة فيدرالية في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب(2).  

منذ بدء طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاه من حرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني، هرع الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، إلى حشد قواته العسكرية لدعم هذه الحرب. وبموازاة ذلك، سخَّر كل قوته الناعمة عبر المؤسسات الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسسات الرياضية والأكاديمية، لتسويغ الإجرام الإسرائيلي وإرهاب الداعمين لحق الشعب الفلسطيني في التحرر لإسكاتهم واتهامهم التهمة الجاهزة "معاداة السامية"، وهم من مشارب فكرية واجتماعية مختلفة. وقد شكَّل طلاب الجامعات طليعة المتضامنين مع الشعب الفلسطيني والمنددين بجرائم الاحتلال. وبعد النجاح الباهر وغير المسبوق الذي حققه هؤلاء في النَّيْل من صورة إسرائيل في العالم، وفضح سرديتها عن حربها على غزة، وكذلك الأساطير المؤسسة للحركة الصهيونية، انزعجت الأنظمة في الغرب وأنصار إسرائيل خاصة في الولايات المتحدة حيث اللوبي الصهيوني أعلى صوتًا، فرأينا عنقاء المكارثية تنبعث من رمادها على نحو أكثر تطرفًا، بعد أن قرر مناصرو إسرائيل توحيد جهودهم لمواجهة "هامان العصر"، ويقصدون به الحركة الداعمة لفلسطين في الولايات المتحدة الأميركية، كما فعلت "أستير" في فارس القديمة، ويصلبونه على الخشبة التي أعدها لصلب "مُردخاي". وهكذا وضعوا إطارًا نظريًّا لعملهم سموه "مشروع أستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية. فريق العمل الوطني لمكافحة معاداة السامية" (Project Esther A National Strategy to Combat Antisemitism. National Task Force to Combat Antisemitism) (3)، كما لو أن "مشروع 2025"، المخطط القمعي للولايات المتحدة المكون من 900 صفحة الذي وضعه عشرات الموظفين السياسيين المرتبطين بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم يكن كافيًا(4).   

إذا ما تذكرنا الحقبة المكارثية، فإن مجرد نفحة من التعاطف مع الفلسطينيين تكفي لوصف منظمة أو فرد بأنه جزء مما يسمى شبكة حماس. وتشير الوثيقة إلى أن أي مجموعة تسعى إلى "تفكيك نسيج المجتمع الأميركي" يمكن ربطها بهذه الشبكة الخيالية؛ ما يجعلها عرضة للتدمير. وعلى هذا الأساس، فإن الحرب ضد المشاعر المعادية لإسرائيل ستكون في الوقت نفسه حربًا ضد أعداء مؤسسة "هيريتيج" (Heritage) (5).  

فما الأهداف الحقيقية لترامب من وراء ادعائه محاربة معاداة السامية؟ وإلى أي مدى ستنجح إدارته ومن ورائها مؤسسات اليمين المتطرف، وفي مقدمتها مؤسسة هيريتيج التي تسعى إلى مأسسة "الترامبية"، في تحقيق أهدافها وإسكات كل صوت مؤيد للقضية الفلسطينية؟

مشروع لمأسسة الترامبية

ساعدت المؤسسة المذكورة في تشكيل سياسات الرؤساء الجمهوريين عقودًا من الزمن، وهي تركز الآن على" مأسسة الترامبية". وقد صاغ الخطة المحارِبة لمعاداة السامية تحالف يضم معهد "أميركا أولًا للسياسات"، الذي غالبًا ما يشار إليه على أنه "البيت الأبيض في الانتظار". ومن المفارقات أن شعار "أميركا أولًا" كان شعارًا يفضِّله بعض المتعاطفين مع النازية قبل الحرب العالمية الثانية، الذين يدينهم "مشروع أستير".

يزعم المشروع أن دوافع الجماعات المؤيدة للشعب الفلسطيني وفهمها للتاريخ يأتيان "مباشرة من صفحات" البيان الشيوعي. ولم يحدد جماعة "الكو كلوكس كلان"، ولا النازيين الجدد أهدافًا محتملة في مخططه، كما لو أن معاداة السامية غير موجودة بين شبكة المنظمات العنصرية البيضاء التي تدعم "ماغا" (MAGA)(6). إن القصد من هذا الربط هو إشارة إلى أن خطر المناصرين للقضية الفلسطينية، مثل "الخطر الشيوعي" الذي هدَّد الولايات المتحدة قبل سبعين عامًا. فانطلقت حملة محمومة في كل من يشتبه فيه بأنه شيوعي، وذلك بعد أن أعلن جوزيف مكارثي، عضو مجلس الشيوخ الأميركي، في شهر فبراير/شباط 1950، أن لديه قائمة تضم 205 موظفين يعملون في وزارة الخارجية الأميركية يُشتبه بأنهم شيوعيون. ونتج عن تلك الحملة قلب حياة العديد من ضحاياها رأسًا على عقب، ومنهم من اضطر لمغادرة البلاد(7).

يقول جوزيف هاولي(Joseph Howle) ، أستاذ في جامعة كولومبيا شارك في تنظيم أعضاء هيئة التدريس اليهود ضد الحرب واستغلال معاداة السامية: "لقد أراد المهيمنون الصهاينة من اليمين المتطرف أن يجعلوا من اليهود المعادين للصهيونية أو غير الصهاينة أو المنتقدين لإسرائيل خارجين عن القانون. وقد نجحوا هذا العام في جعل الجامعات تجعل ذلك سياسة... والآن يريدون جعله قانونًا فيدراليًّا". وأضاف هاولي أن "مشروع أستير"، هو مزيد من الاستبداد المتحمِّس من اليمين القومي المسيحي الأميركي، والذي أصبح أكثر رعبًا بسبب الآلاف من الأرواح التي يكلفها في الخارج واستعداد الكثير من المؤسسات اليهودية في هذا البلد للتوقيع عليه.. إنه أمر مخز"(8).

يتعرض الأميركيون الذين يرفعون أصواتهم ضد دعم الولايات المتحدة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين لقمع واسع النطاق، ولكن "مشروع أستير"، يجسد مسعى يمينيًّا لإضفاء الطابع المؤسسي على القمع من خلال توظيف الحكومة سلاحًا، لاسيما تلك التي يقودها ترامب، الذي حاول أن ينأى بنفسه عن مشروع 2025 بشكل غير مقنع، بالنظر إلى سلسلة العلاقات التي تربطه بمؤلفي المشروع(9).

وكما يقترح مشروع 2025 جدولًا زمنيًّا لا يتجاوز 100 يوم لتفكيك الحكومة الفيدرالية وإعادة بنائها وفقًا لإملاءات اليمين المتطرف، فإن ملحقه "مشروع أستير"، يتصور القضاء على "المشاعر المعادية لإسرائيل"، في الولايات المتحدة في غضون 12 إلى 24 شهرًا فقط. وبنهاية هذه الفترة، وفقًا لمؤسسة "هيريتيج"، لن يوجد المزيد من المظاهرات المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، وسيُرحَّل المتعاطفون مع القضية أو يُسجنون أو يُحرمون أو يُطردون، أو يُدفعون للاختباء تحت الأرض. كما سيجري تطهير المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة من أي عناصر متعاطفة مع القضية الفلسطينية(10).

وتطبيقًا لــ"مشروع إستير"، أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمرًا تنفيذيًّا، في 29 يناير/كانون الثاني 2025، لمكافحة معاداة السامية، يهدف إلى وقف الدعم الأميركي لفلسطين. ونقل بيان صدر قبل توقيع ترامب على الأمر قوله: "إلى جميع الأجانب المقيمين الذين انضموا إلى الاحتجاجات المؤيدة للجهاديين، ننبهكم: بحلول عام 2025، سنعثر عليكم وسنقوم بترحيلكم. سأقوم أيضًا بإلغاء تأشيرات الطلاب لجميع المتعاطفين مع حماس في الحرم الجامعي، والتي أصبحت موبوءة بالتطرف كما لم يحدث من قبل".

ووفقًا لموقع "أكسيوس" (Axios)  الإخباري، فإن وزارة الخارجية الأميركية توسلت بالذكاء الاصطناعي لإلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب "الذين يبدو أنهم مؤيدون لحماس". وقد أطلق وزير الخارجية، ماركو روبيو، حملة في هذا الصدد باسم "القبض والإلغاء" لإلغاء تأشيرات هؤلاء الطلاب. تمثل هذه الحملة، التي تسعى إلى مراجعة عشرات الآلاف من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لحاملي التأشيرات الطلابية، تصعيدًا كبيرًا في مراقبة الحكومة الأميركية لسلوك المواطنين الأجانب وخطابهم. وتبحث بشكل خاص عن أدلة على التعاطف المزعوم مع "الإرهاب" الذي كشف عنه هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويعمل المسؤولون على فحص قواعد البيانات الداخلية لمعرفة ما إذا كان أي من حاملي التأشيرات قد اعتُقلوا خلال إدارة بايدن وسُمح لهم بالبقاء في البلاد. كما يدققون أيضًا في التقارير الإخبارية عن المظاهرات الاحتجاجية ضد إسرائيل والدعاوى القضائية للطلاب اليهود التي تسلط الضوء على المواطنين الأجانب الذين يُزعم أنهم شاركوا في نشاط "معادٍ للسامية" دون عواقب. وتعمل وزارة الخارجية مع وزارتي العدل والأمن الداخلي فيما وصفه أحد كبار المسؤولين في الخارجية بأنه "نهج يشمل الحكومة بأكملها والسلطة بأكملها"(11).

ورغم أن الأمر التنفيذي نفسه لا يدعو بشكل مباشر إلى ترحيل الطلاب، فإن فكرة قمع المتظاهرين الطلاب المشاركين في الأنشطة المؤيدة لفلسطين كانت أحد وعود حملة ترامب الانتخابية في 2024 وأثارت نقاشًا حادًّا في الولايات المتحدة. وسعى الجمهوريون على نطاق واسع إلى تصوير الاحتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة على أنها تعبير عن دعم حماس، ودعوا إلى معاقبة الجامعات التي لا تقمعها.

ووفقًا لمراسل مجلة "بوليتيكو" (Politico) في البيت الأبيض، إيري سنتنر (Irie Sentner)، فإن الجمهوريين أبغضوا الجامعات سنوات، فأمدتهم الاحتجاجات المناهضة للحرب بسبب لمعاقبتها. وقد كان جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي، قد وصفها بأنها "العدو". وطالما أنحى الجمهوريون باللائمة على الجامعات كونها أرضًا خصبة لعدد من قضايا الحرب الثقافية "اليقظة"، أو "الصحوة"، والمشهورة بــ"الووكيزم" التي يهاجمونها الآن، بما في ذلك مبادرات التنوع والمساواة والإدماج والأطر الأكاديمية مثل نظرية العرق النقدية. لقد أعطت الاحتجاجات التي عصفت بالجامعات في الربيع الماضي في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وقودًا للجمهوريين لملاحقة الجامعات(12).

يتوافق هذا النهج بشكل وثيق مع "مشروع أستير" اليميني الذي يدعو لاستهداف الحركة المؤيدة للفلسطينيين. وكان عضو مجلس الشيوخ السابق، ماركو روبيو، قبل أن يصبح وزير الخارجية، قد حث على إلغاء تأشيرات الطلاب الذين احتجوا على إسرائيل بسبب حملتها الانتقامية على غزة. وفي رسالة وجَّهها إلى بلينكن، وصف روبيو المتظاهرين المؤيدين لفلسطين بأنهم "مؤيدون لحماس"، وحث الحكومة الفيدرالية على "إجراء مراجعة كاملة وتنسيق الجهود لإلغاء تأشيرات أولئك الذين أيدوا أو تبنوا نشاط حماس الإرهابي". ويدعو الأمر التنفيذي الوكالات الفيدرالية إلى تحديد "جميع السلطات المدنية والجنائية أو الإجراءات التي تقع ضمن اختصاص كل وكالة" حتى يمكن استخدامها لمكافحة "معاداة السامية في الحرم الجامعي".

وكان الطالب في جامعة كولومبيا، محمود خليل، من فلسطين، أول ضحايا تلك السياسة. يقول المدافعون عن حقوق الإنسان: إن ضباط وزارة الأمن الداخلي احتجزوا (محمود) في منزله في مدينة نيويورك، وهو مبنى سكني مملوك للجامعة. وقد اعتقل خليل وهو مع زوجته الحامل في شهرها الثامن، وهدد الضباط الزوجة بالاعتقال إن لم تترك زوجها وتذهب إلى شقتهما(13).

وفي تعليقه على هذه الحادثة، قال ترامب: إن اعتقال الطالب الفلسطيني، محمود خليل، الذي لعب دورًا بارزًا في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا في نيويورك، ستتبعه اعتقالات أخرى. وأضاف في منشور على منصة تروث سوشيال: "بناء على الأوامر التنفيذية التي وقَّعتها سابقًا، ألقت إدارة خدمات الهجرة والجمارك (ICE) بفخر القبض على محمود خليل، وهو طالب أجنبي متطرف موال لحماس في حرم جامعة كولومبيا. هذا هو الاعتقال الأول من بين الكثير من الاعتقالات المقبلة. نعلم أنه يوجد مزيد من الطلاب في جامعة كولومبيا وجامعات أخرى في أنحاء البلاد شاركوا في أنشطة مؤيدة للإرهاب ومعادية للسامية ومعادية لأميركا، ولن تتسامح إدارتي مع ذلك. العديد منهم ليسوا طلابًا، بل هم مثيرون للفتن مدفوعون. سنبحث عن هؤلاء المتعاطفين مع الإرهاب، ليجري اعتقالهم وترحيلهم من بلادنا، ولن يعودوا إليها مجددًا". ثم خاطب الطالب الفلسطيني: "إذا كنت تدعم الإرهاب، بما في ذلك قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، فإن وجودك يتعارض مع مصالحنا الوطنية والدولية، وأنت غير مرحب بك هنا. ونتوقع من جميع الكليات والجامعات الأميركية الامتثال لذلك". ونشر البيت الأبيض على منصة التواصل الاجتماعي إكس صورة للطالب خليل أرفقها بتعليق "شالوم محمود"، مقتبسًا تهديدات ترامب بشأن الطلاب الذين انخرطوا في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين.

1

ونُقل خليل إلى سجن اتحادي للمهاجرين في لويزيانا، بحسب ما ورد في قاعدة بيانات المعتقلين الأميركية. وجاء نقله في الوقت الذي بدأ محاموه طعنًا قانونيًّا في إجراءات اعتقاله في المحكمة الجزئية بمانهاتن. وحتى قبل اعتقال خليل، أعلنت إدارة ترامب إلغاء 400 مليون دولار من المنح والعقود الممنوحة لمجموعة جامعات من بينها كولومبيا. وهذا ما سيحرم طلابًا كثيرين من جميع مناطق العالم من متابعة دراستهم في الجامعات الأميركية. وعلَّلت إدارة الخدمات العامة إقدام إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على إلغاء تلك المنح بالتقاعس عن مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود وحمايتهم.

وفي تدوينة أخرى، أرفق حساب البيت الأبيض صورة خليل مع تعليق "جرى اعتقاله"، متهمًا المحتجين ضد حرب الإبادة ضد الفلسطينيين بأنهم على صلة بحركة المقاومة الإسلامية حماس.

2

ووفقًا لموقع "زيتيو"(Zeteo) ، فإن محمود خليل طلب من رئيسة جامعة كولومبيا الحماية قبل يوم من اعتقاله. وقال لها في رسالة إلكترونية: "لم أتمكن من النوم، خوفًا من أن تأتي وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك أو شخص خطر إلى منزلي. أحثكم على التدخل وتوفير الحماية اللازمة لمنع المزيد من الأذى". لكن الرئيسة اختارت الانحياز إلى صف ترامب(14).

هل سينجح ترامب في فرض إرادته؟

قد يحقق ترامب، في سعيه المحموم لقمع الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية، بعض النجاح، بترحيل بعض الطلبة الأجانب. لكنه بالتأكيد لن يستطيع تحقيق ما يصبو إليه. فهؤلاء جزء يسير من قاعدة عريضة ما فتئت تتسع من الأميركيين المؤيدين للحق الفلسطيني. وقد بدأ الرأي العام الأميركي يغير موقفه من القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بشكل جذري بعد طوفان الأقصى، خاصة وسط الشباب الجامعي، وهؤلاء الشباب هم قادة المستقبل، وهذا ما يرعب اليمين الأميركي واللوبي الصهيوني في أميركا ومن ورائهم إسرائيل. لقد عصف طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما تلاه من حرب إبادة على غزة بمعظم المنجزات التي حققتها الصهيونية خلال 100 عام من غزوها لعقول الغربيين وقلوبهم. فضلًا عن هذا، سيجد ترامب نفسه في مواجهة القضاء الأميركي الذي اعترض على ترحيل محمود؛ فقد أصدر القاضي جيسي فورمان قرارًا بعدم ترحيله "ما لم تأمر المحكمة بذلك".

لقد أثار اعتقال محمود موجة من النقد والإدانة، وجادل المنتقدون بأن الإشارة إلى عمليات الترحيل في صحيفة الوقائع يمكن أن تنتهك الدستور الأميركي في حال تنفيذها. ومن المنتقدين للاعتقال، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، الذي قال: إن عملية اعتقال محمود "غير مسبوقة وغير شرعية ومناقضة للمفاهيم الأميركية". وقال عنها بن ويزنر، مدير مشروع الخطاب والخصوصية والتكنولوجيا في الاتحاد: "إن إنفاذ قوانين الهجرة الذي يستند إلى خطاب محمي هو أمر غير دستوري". وأضاف: "نعتقد أن الأمر التنفيذي من المحتمل أن يؤدي إلى تجاوزات في تطبيق القانون وإجراءات الهجرة غير القانونية، ولكن علينا أن نرى".

من جهتها، نددت منظمة الأمم المتحدة بالاعتقال، وأكد المتحدث باسم الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، "أنه من الضروري تسليط الضوء على أهمية صون الحق في حرية التعبير والحق في التجمُّع السلمي في كل مكان". كما استنكر نواب في البرلمان الأميركي ومنظمات مدنية اعتقال الناشط محمود، ورأوا أن الخطوة تشكل "سابقة خطرة وانتهاكًا لحرية التعبير المكفولة في الدستور". وحذرت الصحفية إيميلي تامكين، وهي خريجة يهودية من جامعة كولومبيا، من أن تركيز إدارة دونالد ترامب على "معاداة السامية" تجعل اليهود أقل أمنًا، مشيرة في تقرير نشرته مجلة "ذي نيو ريببليك" (The New Republic) إلى أن استخدام ترامب الساخر لمعاداة السامية لتسويغ حملة القمع أدى إلى تعريض كثير من اليهود للخطر. وترى تامكين أن هذه التطورات لا تتعلق بمكافحة معاداة السامية، أو حتى بحماية اليهود. بل يبدو أنها حيلة ساخرة من إدارة مليئة بمن يروجون لمؤامرات معادية للسامية، وهي إدارة مهووسة بمهاجمة التعليم العالي، وحرية التعبير والتجمع، ومعايير الهجرة والإجراءات القانونية الواجبة، مستغلةً اليهود والخوف اليهودي ومعاداة السامية ذريعة لتحقيق ذلك.

وقالت تامكين إنها ليست وحدها على هذا الرأي، فقد كتب لها شيلدون بولوك، الأستاذ الفخري لدراسات جنوب آسيا في جامعة كولومبيا، عبر البريد الإلكتروني: "لقد بذلت إدارة جامعة كولومبيا قصارى جهدها لإرضاء إدارة ترامب، من خلال إنشاء مكتب جديد ضخم للمساواة المؤسسية وبروتوكولات تدريب جديدة، من بين أمور أخرى.. لم ينجح أي شيء وهذه الهجمة لا علاقة لها بمعاداة السامية الفعلية. فالانتقاد المشروع لحملة التطهير العرقي الواسعة التي تشنها إسرائيل يُستخدم ذريعة لتدمير الجامعة الأميركية ومبادئها الأساس المتمثلة في الحرية الأكاديمية وحرية التعبير"(15). وفضلًا عن هذا، فإن أصحاب الشأن من الطلبة يعتقدون أن القمع الذي تتعرض له الحركة المناصرة للحق الفلسطيني يحفز الناس في الحركة على إظهار تضامن أقوى مع بعضهم البعض، "إن الاتهامات تحفزنا في الواقع على النضال أكثر والكفاح بقوة أكبر"(16).

بناء على ما سبق، يتبين أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتخذ من حربه على "معاداة السامية"، ذريعة لتحقيق مآرب أخرى، وهي فرض أجندة يمينية متطرفة تؤمن بتفوق الرجل الأبيض، وتسعى إلى تغيير هوية المجتمع الأميركي. وهذه السياسة لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتنم عن جهل بمنطق التاريخ، ولن تحقق ما تسعى إليه. وهذا ما جعل الكاتب الصحافي، توماس فريدمان، يحذر من أن سياسة ترامب في ولايته الثانية لن تصيب نجاحًا، وأن "انهيارًا عظيمًا يجري على قدم وساق"(17).

نبذة عن الكاتب

مراجع

 (1) Sam Carliner, “How pro-Palestine student activists are fighting increasing repression”, March 11, 2025. (Accessed: March 16, 2025). https://wagingnonviolence.org/2025/03/pro-palestine-student-activists-a…

 (2) Arno Rosenfeld , “The group behind Project 2025 has a new plan to fight antisemitism”, Forward, October 15, 2024. (Accessed: March 12, 2025). https://forward.com/forward-newsletters/antisemitism-notebook/664258/th…

(3) لتراجع المشروع في موقع المؤسسة: https://www.heritage.org/progressivism/report/project-esther-national-s…

 (4) لتراجع المشروع في هذا الموقع الإلكتروني:

chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://static.project2025.org/2025_MandateForLeadership_FULL.pdf 

 (5) Taryn Fivek, "Project Esther: Next chapter of Project 2025…". October 18, 2024. https://shorturl.at/2v83q

(6) اختصار لشعار ("Make America Great Again" -"اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى")، الذي اتخذه دونالد ترامب لحملته الانتخابية في 2016.

تأسست الحركة على الاعتقاد بأن الولايات المتحدة كانت ذات يوم دولة "عظيمة"، ولكنها فقدت تلك المكانة بسبب النفوذ الأجنبي، سواء أكان داخل حدودها (عن طريق الهجرة والتعددية الثقافية) أم خارجها (عن طريق العولمة أو زيادة التكامل بين الاقتصادات الوطنية المتعددة). يعتقد أعضاء الحركة أن هذا السقوط من حالة النعمة يمكن عكسه من خلال سياسات "أميركا أولًا" التي من شأنها أن توفر درجة أكبر من الحمائية الاقتصادية، وتقلِّل إلى حدٍّ كبير من الهجرة، خاصة من البلدان النامية، وتشجع أو تفرض ما يراه أعضاء الحركة قيمًا أميركية تقليدية.

MAGA movement, United States political movement, Britannica,

https://www.britannica.com/topic/MAGA-movement

(7) "ضحايا المكارثية في الولايات المتحدة شملت الشيوعيين وخصومهم أيضًا"،  BBC عربي، 13 مايو/أيار 2019. (تاريخ الدخول: 13/03/2025.

https://www.bbc.com/arabic/world-48258155

(8) Prem Thakker, Project Esther: The Right-Wing Group Behind Project 2025 Has a Plan to Crack Down on America's Pro-Palestine Movement”, oct 29, 2024. https://zeteo.com/p/project-esther-the-right-wing-group-trump-palestine…

(9) Thakker, Project Esther….”.

(10) Fivek, Project Esther: Next chapter of Project 2025…”.

(11) Marc Caputo, Scoop: State Dept. to use AI to revoke visas of foreign students who appear "pro-Hamas", March 6, 20225. (Accessed: March 12, 2025), https://www.axios.com/2025/03/06/state-department-ai-revoke-foreign-stu…

(12) Irie Sentner, Republicans have hated universities for years. Anti-war protests gave them a reason to punish them. Plitoco, 03/11/2025. (Accessed: 03/13/2025), https://www.politico.com/news/2025/03/11/trump-universities-protest-ant…

 (13) Prem Thakker, “DHS Detains Palestinian Student from Columbia Encampment”, March 9, 2025. (Accessed: March 12, 2025), https://zeteo.com/p/breaking-dhs-detains-palestinian

(14) Prem Thakker, “SCOOP: Emails Show Mahmoud Khalil Asked Columbia for Protection a Day Before He Was Detained”, March 10, 2025. (Accessed: March 12, 2025), https://zeteo.com/p/breaking-dhs-detains-palestinian

(15) Emily Tamkin, Trump’s Crackdown on “Antisemitism” is Making  Jews Less Safe. March 11, 2025. (Accessed: March 12, 2025). https://newrepublic.com/article/192576/trumps-crackdown-antisemitism-ma…

(16) Carliner, “How pro-Palestine student activists are fighting increasing repression”,

(17) Thomas L. Friedman, “A Great Unraveling Is Underway”, March 11, 202, The New Work Times. (Accessed: March 13, 2025), https://www.nytimes.com/2025/03/11/opinion/trump-economy-tariffs.html