جذور الأزمة الصومالية








 

إن حالة الصومال تستدعي أكثر من وقفة تأمل، وليس من سبيل إلى فهم ما يعرفه المجتمع الصومالي من تقاتل وتطاحن بين أبنائه سوى الوقوف عند جذور ما أصبح يصطلح عليه بـ"الأزمة الصومالية".

وقد تكون هذه الأزمة صورة مصغرة عن أزمة مجتمعات ما بعد الاستعمار في محاولتها التوفيق بين المنظومتين الموروثتين عن مجتمع ما قبل الاستعمار، وعن الاستعمار نفسه.

كما قد تعزى هذه الأزمة إلى عوامل داخلية صرفة، تعود إلى طبيعة المجتمع وتشكيلته القبلية والعرقية، واختلال مؤسساته السياسية وعجزها عن استيعاب الاختلاف والمتناقضات المميزة للمجتمع الصومالي.

عناصر الأزمة



"
فشلت الحكومات المتعاقبة على الصومال في معالجة المشاكل الناجمة عن مخلفات الاستعمار الثقافية والسياسية واستغلت القبلية التي تحولت إلى هوية سياسية للوصول إلى السلطة ومعيارا لتقاسمها
"
لا شك في أن أزمة الصومال لا يمكن ردها إلى عنصر واحد، بل إنها نتاج تداخل من العناصر، الدخيلة على المجتمع الصومالي والمتأصلة فيه، ومن بين أهم هذه العناصر نجد:

التركة الاستعمارية
من ثقافة وفكر ومؤسسات وممارسات في مجالات السياسة والإدارة والاقتصاد والاجتماع، ويمكن إجمالها فيما يلي:






  1. تسييس القبيلة، حيث تعامل الاستعمار مع الصوماليين كمجموعات قبلية وليس كقومية واحدة، وعقد اتفاقات مع شيوخ القبائل في مناطقها، واعتبرها مجموعات سياسية مستقلة، مما أفضى إلى تسييس القبيلة الذي أفرز بدوره ما يمكن تسميته بالقبلية السياسية واعتمادها هوية سياسية بدلا من الوطنية والمواطنة الجامعة.



  2. تقسيم الأراضي الصومالية إلى خمسة أجزاء متمايزة، الصومال الإيطالي (في الجنوب) الصومال البريطاني (في الشمال) الصومال الفرنسي (شمال غرب) وأوغادين (المحتلة من قبل إثيوبيا) ومنطقة أنفدي (شمال شرق كينيا حاليا).
    وقد أفرز هذا الأمر تقاليد سياسية متضاربة، بحيث أضحى لكل منطقة من هذه المناطق إرث إداري وسياسي منحدر من التجربة الاستعمارية التي خضعت لها، فضلا عن زرع  بذور الانقسام والصراع بين مختلف هذه المكونات الجغرافية الصومالية.


  3. التقسيم الاستعماري الموروث جعل أول مشروع لدولة الاستقلال السعي إلى تحرير الأراضي المحتلة مما أدخلها في حروب تحرير متوالية أنهكت ميزانيتها واستنزفت اقتصادها الضعيف أصلا بالإنفاق العسكري، وأعاقتها عن التنمية الحقيقية، وعزلتها عن محيطها الإقليمي والدولي.


  4. سياسة الإفقار وانعدام مشاريع للتنمية التي اتبعها الاستعمار أورث الدولة المستقلة حالة اقتصادية متأزمة، وجعلها تعتمد بصورة شبه كاملة على المساعدات الخارجية بسبب عدم وجود برنامج تنموي حقيقي ومدروس علميا يؤدي إلى استغلال الموارد الطبيعية المتوفرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

الصراع على السلطة
أفسح هذا الصرع المجال واسعا أمام إثيوبيا لتسليح وتمويل بعض القبائل لمواجهة حكم سياد بري مما صعد الصراع ، فضلا عن تراجع هيبة الدولة وفقدان سيطرتها مما أدى في نهاية المطاف إلى سقوطها.


الحرب الباردة وتنافس القوى الكبرى
كان التنافس على أشده على منطقة القرن الأفريقي، وهو ما كرس التخلف والتبعية السياسية والاقتصادية وأرهق الصومال بالصراع مع المعارضة المسلحة.


الدور الإثيوبي
تعاظم هذا الدور المدعوم غربيا مقابل تراجع الدور العربي الإسلامي بسبب انكفاء الدور المصري وبقية دول الجوار العربي، مما ساهم في عزل الصومال عن محيطه العربي الإسلامي وإخضاعه لإستراتيجيات دولية وإقليمية مضرة بالبلد واستقراره الداخلي.





"
تعاظم الدور الإثيوبي المدعوم غربيا مقابل تراجع الدور العربي الإسلامي مما ساهم في عزل الصومال عن محيطه العربي الإسلامي وإخضاعه لإستراتيجيات دولية وإقليمية
"

إخفاق الحكومات الوطنية المتعاقبة

فشلت هذه الحكومات في معالجة المشكلات الناجمة عن مخلفات الاستعمار الثقافية والسياسية بسبب قلة الكوادر من ذوي الكفاءة العلمية والإدارية، حيث استغلت القبلية للوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها، مما أفرز اعتماد القبلية بدل الكفاءة كمعيار لتقاسم السلطة وكرس القبلية كهوية سياسية تميز الأفراد والجماعات.

النظام الشيوعي
اعتمدت حكومة الانقلاب سنة 1969 على النظام الشيوعي والذي كان ضد تقاليد ودين وحضارة الشعب الصومالي، وتغذية  ثقافة التمرد على الأخلاق، مع تهميش دور المثقفين والمفكرين وعلماء الدين ومحاربة التدين، وقد أصبح الاستبداد ومبدأ الحزب الواحد مميزا لعهد سياد بري، إضافة إلى محاباته واعتماده على أبناء قبيلته ومحاربته القبائل الأخرى، مما حرض الآخرين على التنافس للوصول إلى السلطة كمصدر للنفوذ والثروة والتميز.


استفحال الفساد العام
وتمثل ذلك أساسا في نهب المال العام واستغلاله بطرق غير قانونية بالإضافة إلى المحسوبية، وقد أدى كل ذلك إلى التكالب على بعض المناصب ذات العلاقة بالثروة ومشاريع التنمية الممولة من الخارج كمجال للنهب والثراء.


عجز المعارضة السياسية
إن المعارضة السياسية خارج اعتمادها على القبيلة، لم تكن تملك أي مشروع سياسي قومي واضح المعالم يمكن أن يشكل مخرجا للشعب الصومالي من الدكتاتورية القبلية لحكومة سياد بري.


عودة لملتقى الصومال