ندوة للجزيرة للدراسات: "الأزمة اليمنية: حقيقة الصراع وأبعاده"

2015469584395734_20.jpg
المشاركون في الندوة (الجزيرة)

ملخص
جاءت عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية مع حلفائها الخليجيين والعرب، لمحاولة منع حلف الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ومن خلفهم إيران، من السيطرة على البلاد.

وأدخلت هذه العملية المنطقة في مرحلة جديدة، وتم تدمير الكثير من أذرع الحوثي وقوات صالح، ولكن بقي من الصعوبة بمكان أن تنجح قوى خارجية في السيطرة على البلد.

وقدَّر الباحثون أن العملية أعادت ثلاثة اعتبارات للموقف العربي، وهي: إعطاء الأولوية لوقف التدخل الإيراني في المنطقة بدلًا من التركيز على محاربة تنظيم الدولة، والدفاع عن شرعية الأنظمة، والمبادرة إلى التدخل بدلًا من مجلس الأمن.

مقدمة

جاءت عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية مع حلفائها الخليجيين والعرب، لمحاولة منع حلف الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ومن خلفهم إيران، من السيطرة على البلاد.

وعقد مركز دراسات الجزيرة ندوة بعنوان "الأزمة اليمنية: حقيقة الصراع وأبعاده" شارك فها أربعة من الباحثين، وهم: مدير مكتب الجزيرة في اليمن سعيد ثابت، وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء د.عبد الباقي شمسان، والباحثان في المركز د. جمال عبد الله والحواس تقية.

وقال الباحثون: إن توقيت العملية جاء قبل يوم من اجتماع مجلس الجامعة العربية وعلى أبواب انتهاء مفاوضات حساسة بين القوى الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وأدخلت هذه العملية المنطقة في مرحلة جديدة، وتم تدمير الكثير من أذرع الحوثي وقوات صالح، ولكن بقي من الصعوبة بمكان أن تنجح قوى خارجية في السيطرة على البلد.

وأشار باحثون إلى أنه ربما تكون "عاصفة الحزم" نقطة تحول للعمل العربي والإقليمي تجاه اليمن ومحاربة الطائفية فيه واستيعاب الوضع القبلي وإدماجه في الدولة.

وقدَّر الباحثون أن العملية أعادت ثلاثة اعتبارات للموقف العربي، وهي: إعطاء الأولوية لوقف التدخل الإيراني في المنطقة بدلًا من التركيز على محاربة تنظيم الدولة، والدفاع عن شرعية الأنظمة، والمبادرة إلى التدخل بدلًا من مجلس الأمن.

مرحلة جديدة

دشَّنت السعودية وحلفاؤها بعملية "عاصفة الحزم" مرحلة جديدة في الأزمة اليمنية؛ حيث انخرطت المملكة بشكل عسكري مباشر في منع حلف الرئيس المخلوع صالح والحوثيين، ومن خلفهم إيران، من السيطرة على البلد، ودفعت الولايات المتحدة إلى مساندة حملتها وتأجيل الحملة على القاعدة ببلاد الحجاز، فباتت هذه الحرب تحولاً في وجهة الحرب، وقد تتطور إلى تحالف عربي جديد بمواجهة إيران التي تفرض وجودها في سوريا والعراق واليمن.

فما هي الحسابات السعودية والخليجية من "عاصفة الحزم"؟ وهل ستحسم العملية الوضع لصالح الشرعية بقيادة الرئيس هادي؟ وكيف ستؤثر في حسابات الدول العربية والحسابات الأميركية وإيران والملفات الإقليمية والدولية؟ وما هي آفاق اليمن بعد "عاصفة الحزم"؟

حاولت ندوة لمركز الجزيرة للدراسات الإجابة على هذه التساؤلات بمشاركة أربعة من الباحثين.

خلفيات الأزمة

استهل مدير مكتب الجزيرة، سعيد ثابت، الندوة بالحديث عن الخلفيات السياسية وأدوار الأطراف المختلفة في الأزمة اليمنية، وقال: إن بداية الأزمة تمثلت بتصفية الثورة الشبابية التي قامت في فبراير/شباط 2011؛ حيث تم إعطاء الحصانة للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ليمارس بعد ذلك عملًا سياسيًّا خطيرًا وتحديدًا محاولة ضرب التجمع اليمني للإصلاح مستخدمًا بذلك سيطرته على المؤسسة العسكرية وتحالفه مع جماعة الحوثي.

وبدأت عملية التصفية للمعهد العلمي (سلفي) في دماج برضى الرئيس هادي وبعض قوى الثورة، ومن ثم تطهير التجمع القَبَلي في عمران وآل الأحمر، لينتهي ذلك بسقوط الفرقة الأولى مدرع وجامعة الإيمان في صنعاء. وقال الباحث: إن قوى الثورة استمرت في التصدي للحوثي الذي لم يتمكن من فرض نفوذه وهيمنته على المدن التي سيطر عليها إلا بتخلي الجيش له عنها بدون مقاومة.

واختُتمت جولة التيار المناهض للثورة بالسيطرة على منزل هادي وملاحقته إلى عدن التي لجأ إليها، ومحاولة الوصول إلى مضيق باب المندب.

ورأى سعيد أن الضربة العسكرية لم تغيِّر في المزاج الشعبي الذي يرى أن المشكلة هي إقليمية وليست يمنية خالصة، وختم بالقول: إنه  تم تدمير الكثير من أذرع الحوثي وقوات صالح، ولكنه اعتبر أنه من الصعوبة بمكان أن تنجح قوى خارجية في السيطرة على البلد. كما رأى أن إسقاط صالح مرتبط بتجفيف المنابع المالية عنه ومواجهته سياسيًّا وعسكريًّا.

الفضاء المجتمعي للأزمة

أما أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء د.عبد الباقي شمسان فقد سلَّط الضوء على الفضاء المجتمعي الذي حدثت فيه الأزمة، وقال: إن البلد يتناوشه مشروعان عائليان: الأول: مشروع استدعاء الإمامية بقيادة الحوثيين والآخر المشروع العائلي للرئيس المخلوع. وأضاف: إن هذا الأخير قوَّض التركيبة المجتمعية من خلال استدعاء القبائل وتهميش القوى الوطنية وتسريح أبناء الجنوب من الجيش بعد الوحدة.

وأشار إلى أن تهميش الزيدية، الفئة المهمة في المجتمع والتي تقول بانتمائها للسلالة الهاشمية من قبل النظام السابق، أدى إلى تحويل الحوثيين اهتمامهم تجاه إيران.

واعتبر شمسان أن "عاصفة الحزم" ربما تكون نقطة تحول للعمل العربي والإقليمي تجاه اليمن ومحاربة الطائفية فيه واستيعاب الوضع القبلي وإدماجه في الدولة. كما رأى أنه بعد العاصفة ربما تكون هناك ضرورة للمصالحة مع الذاكرة الوطنية، مشيرًا إلى أنه لا يوجد حرب بين الزيدية والشافعية وإنما حرب ضد المشروعين العائليين.

مواقف الدول الخليجية

أما الباحث في مركز الجزيرة للدراسات د.جمال عبد الله فقد ركَّز على مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من الحرب، وقال: إن الرياض قررت "عاصفة الحزم" كضرورة بعد أن استفحل التغول الحوثي وقوات صالح بمعاونة إيران في البلاد لدرجة أنه شكَّل تهديدًا للمملكة السعودية ولباب المندب وحركة التجارة العالمية فيه، فضلًا عن المناورات التي أجراها الحوثيون بالذخيرة الحية على حدود السعودية واستخدموا فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.


جانب من الحضور (الجزيرة)

وقال د.عبد الله: إن مما سرَّع العملية هو انتقال السلطة في السعودية من الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الملك سلمان، معتبرًا أن الإعلان عن العملية من خلال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير فيه نوع من التحدي للولايات المتحدة الأميركية التي أخفقت في وضع حدٍّ لإيران وللنظام السوري.

وأشار إلى توقيت العملية الذي جاء قبل يوم من اجتماع مجلس الجامعة العربية وعلى أبواب انتهاء مفاوضات حساسة بين القوى الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وتحدث الباحث عن شرعية العملية العسكرية التي قال: إنها جاءت من أربع نواح؛ وهي الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة والمادة (5) من ميثاق الجامعة العربية ومعاهدة مهام قوة التدخل السريع العربية والطلب الرسمي للتدخل العسكري من قبل الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي.

وأشار الباحث إلى تفرُّد عُمَان بإحجامها عن المشاركة، نظرًا لأنها تتبع سياسة خارجية قائمة على النأي بالنفس والشريط الحدودي الطويل الذي يربطها بإيران وعلاقتها المميزة مع طهران.

وتحدث الباحث عن موقف قطر المؤيد بقوة للعملية العسكرية وهي التي طالما تميز موقفها بالدفاع عن الشرعيات المنتخبة في المنطقة، كما تحدث عن البحرين التي رأت في العملية دعمًا غير مباشر لها في إطار صراعها مع الشيعة الذين يحاولون السيطرة على البلاد، وتدخل درع الجزيرة لحماية النظام هناك.

أما الكويت فقد تميزت بعلاقات متينة مع السعودية مستدعيًا وقوفها مع القيادة الكويتية إبَّان غزو العراق للكويت عام 1990. كما ذكر أن الإمارات تميزت هي الأخرى بعلاقات جيدة مع السعودية.

تبدل الأولويات العربية

من ناحيته سلَّط الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، الحواس تقية، الضوء على مواقف الأطراف العربية الفاعلة من العملية، التي قال: إنها أدخلت ثلاثة اعتبارات للموقف العربي، وهي: إعطاء الأولوية لوقف التدخل الإيراني في المنطقة بدلًا من التركيز على محاربة تنظيم الدولة، والدفاع عن شرعية الأنظمة، والمبادرة إلى التدخل بدلًا من مجلس الأمن.

ورأى تقية أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، جاء لمحاولة إعادة دمج المكون السني في الدولة والذي استثناه رئيس الوزراء السابق المالكي، ولكن العبادي بقي في النهاية مرتهَنًا للميليشيات ولإيران. وأشار إلى محاولة العبادي الانفتاح على تركيا.

وفي هذا السياق، تحدث الباحث عن تنظيم الدولة الذي قاتل السُّنة كما الشيعة، وأنه بالإمكان التخفيف من غلوائه بالتركيز على قتال القوى الشيعية في العراق ومواجهة نفوذ إيران المتنامي هناك.

أما الموقف السوري فيبدو أنه سيشهد دخولًا سعوديًّا محتملًا لحل الأزمة من خلال تقديم استحقاق لتركيا التي تريد إسقاط الأسد ونظامه بدلًا من التركيز فقط على محاربة تنظيم الدولة.

وفيما يخص الموقف المصري، رأى أنه قد يكون هناك تبدل محتمل في أولويات السعودية من دعم النظام المصري في مواجهة الإخوان إلى مواجهة إيران وحلفائها لاسيما أن التحالف الذي قادته السعودية فيه دول تدعم الإخوان؛ ما قد يستدعي تقديم الرياض تنازلات لهذه الدول تتعلق بالموقف من سوريا ومن مصر.

وختم بالقول: إنه لكي تندمج مصر في التحالف الجديد فإنها قد تجد نفسها مطالَبة بتقديم تنازلات في الحرب على الإسلام السياسي.

الخلاصة

طُرحت في الندوة تقديرات وآراء ولكنها أجمعت على أن المنطقة دخلت بعملية "عاصفة الحزم" في اليمن مرحلة جديدة قد تؤسس لعمل عربي مشترك؛ حيث تم تدمير الكثير من أذرع الحوثي وقوات صالح، ولكن بقي من الصعوبة بمكان أن تنجح قوى خارجية في السيطرة على البلد.

وفيما يتناوش اليمن مشروعان عائليان: الأول: مشروع استدعاء الإمامية بقيادة الحوثيين والآخر المشروع العائلي للرئيس المخلوع، فإن ذلك يستدعي بعد العاصفة المصالحة مع الذاكرة الوطنية.

ورأى الباحثون أن "عاصفة الحزم" جاءت كضرورة بعد أن استفحل التغول الحوثي وقوات صالح، بمعاونة إيران، في البلاد لدرجة أنه شكَّل تهديدًا للمملكة السعودية ولباب المندب وحركة التجارة العالمية فيه، فضلًا عن المناورات التي أجراها الحوثيون بالذخيرة الحية على حدود السعودية واستخدموا فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

وعن إعادة الاعتبار لأولويات الموقف العربي تمت الإشارة إلى أن "عاصفة الحزم" أدخلت ثلاثة اعتبارات للموقف العربي، وهي: إعطاء الأولوية لوقف التدخل الإيراني في المنطقة بدلًا من التركيز على محاربة تنظيم الدولة، والدفاع عن شرعية الأنظمة، والمبادرة إلى التدخل بدلًا من مجلس الأمن.
________________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات