(الجزيرة) |
ملخص وحاولت الحلقة الإجابة عن تساؤل: هل سيؤدي هذا الحوار إلى نتائج ملموسة في الواقع أم أنه سيُسهم فقط في تلميع صورة الرئيس عمر حسن البشير خاصة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في سياق يشهد انقسام المعارضة وضعفها؟ |
مقدمة
تناول الدكتور صلاح الدين الزين المقدمات التي أدَّت لدفع الرئيس البشير للدعوة إلى الحوار الوطني العام الماضي وتفاعلات القوى السياسية ومواقفها من هذه الدعوة، وقال: إن التصويت على انفصال جنوب السودان الذي اقتطع ثلث أراضيه و75% من ثروته النفطية، كان يُفترض أن يؤدي إلى هزَّة كبرى داخل وخارج الحزب الحاكم، ولكن تزامنه مع أحداث الربيع العربي أدَّى إلى ضعف التفاعل الشعبي مع هذا الحدث المصيري خصوصًا أن الكثير من أبناء الحركة الإسلامية بذلوا من دمائهم وأرواحهم للحيلولة دون انفصال جنوب السودان.
وأثار هذا الانفصال قضية الإصلاح الداخلي واستتبعها انقسامات داخل الحزب الحاكم ومحاولة انقلابية فاشلة عام 2012 تزعمها الرئيس القوي السابق لأجهزة الاستخبارات السودانية صلاح قوش و12 آخرون؛ حيث عمل قوش أيضًا مستشارًا رئاسيًّا قبل إقالته من مهامه بداية 2011.
وتطرَّق "الزين" إلى التفاعلات الداخلية داخل صفوف مؤيدي الحكومة بعد الانفصال، ورغم انشغال البلاد في مناوشات مع جنوب السودان، فإن ذلك لم يمنع استمرار الخلافات والتي كان من ضمن نتائجها انشقاق غازي صلاح الدين، الرجل القوي في الحزب الحاكم ووزير الإعلام السابق والمستشار السابق لرئيس الجمهورية عام 2013، وذلك في ثاني انشقاق يتم داخل المؤتمر الوطني والذي سبقه خروج د .حسن الترابي وتكوين حزب المؤتمر الشعبي في العام 1998.
وجاء هذا الانشقاق في أعقاب مقتل نحو 200 متظاهر خرجوا إلى شوارع المدن الرئيسية احتجاجًا على قرار الحكومة زيادة أسعار المواد النفطية كجزء من حزمة إصلاحات اقتصادية في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر العملة المحلية منذ أن أصبح جنوب السودان دولة مستقلة في يوليو/تموز 2011.
عوامل التقارب
وناقشت الحلقة عوامل التقارب الجديدة بين الحزب الوطني الحاكم والحزب الشعبي المعارض بقيادة حسن الترابي، وقال "الزين": إن الحرب على الإسلاميين التي بدأت 2012 ووصلت أشدها عام 2013 بالانقلاب في مصر كان لها كبير الأثر في التقارب بين الحزبين، هذا فضلًا عن انفضاض شركاء الحزب الشعبي المعارض عنه وتفتُّت المعارضة وتشظيها.
وأشار في هذا الخصوص إلى إعلان الصادق المهدي زعيم حزب الأمة تأييده للانقلاب في مصر وتأثير ذلك وغيره من العوامل في الانقسامات التي شهدتها المعارضة.
ورأى "الزين" أن أزمة الحزب الحاكم والانشقاقات التي تعرض لها من جهة وتفتت المعارضة من جهة أخرى دفع إلى الحوار بين الطرفين خصوصًا بعد إطلاق الرئيس البشير دعوته للحوار بين كافة الأطياف بما فيها المسلحة والعمل على نهضة سياسية واقتصادية مطلع العام 2014.
مواقف القوى السياسية بعد دعوة الحوار
وقدَّم الدكتور صلاح الدين تقسيمًا لمواقف القوى السياسية من دعوة الرئيس للإصلاح، وقال: إنها عبارة عن أربع مجموعات:
-
المجموعة الأولى: وهي الأحزاب المشاركة في السلطة حاليًا، وكان منها تأييد كامل للمبادرة، وتشمل تحديدًا إلى جانب المؤتمر الوطني الحاكم كلًّا من الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني، والحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجَّل) بزعامة جلال الدقير، وحركة التحرير والعدالة الدارفورية بزعامة التجاني سيسي، ومؤتمر البجا (شرق السودان) بزعامة موسى محمد أحمد، مساعد رئيس الجمهورية، فضلًا عن مجموعة من الأحزاب الصغيرة الأخرى.
-
المجموعة الثانية: وأيَّدت بشكل مباشر هذه الدعوة لأنها ترى أنها الخيار الوحيد للإصلاح من داخل السلطة مع الإبقاء على النظام، وتشمل المؤتمر الشعبي المعارض، وحزب الصادق المهدي.
-
المجموعة الثالثة: وتشمل الأحزاب اليسارية والقومية مثل الناصري إضافة للشيوعي، وقد وضعت شروطًا للحوار، منها: الإجراءات التي تمهد له، مثل: إطلاق الحريات العامة وحرية التعبير وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، ومنها الصحفية، والإفراج عن المعتقلين.
-
المجموعة الرابعة: وتشمل الحركات المسلحة في دارفور والحركة الشعبية-قطاع الشمال وغيرها. وهذه تناغم موقفُها مع المجموعة السابقة فضلًا عن اشتراط الوساطة الخارجية في حلِّ الصراع على الأقاليم.
ورأى "الزين" أن الخلافات زادت قبل انتخاب البشير هذا العام، وذلك إثر إجازة البرلمان تعديلًا بمهمات جهاز الأمن وتحويله لقوة نظامية وتعديلًا آخر أعطى الرئيس صلاحية تعيين ولاة الولايات بدلًا من انتخابهم في خطوة لتعزيز الحكم الاتحادي.
مستقبل الحوار بعد الانتخابات
تطرَّق "الزين" إلى أوضاع السودان بعد الانتخابات الرئاسية التي تم فيها التجديد للبشير لخمسة أعوام قادمة، وقال: إن فرص النظام تعزَّزت خصوصًا بعد تحسُّن العلاقات الإقليمية للنظام بعد عاصفة الحزم وتراجع الحركات المسلحة واستمرار ضعف المعارضة السياسية.
ورغم أن النظام لم يعد قويًّا بعد الانشقاقات التي حصلت فيه، إلا أنه يشعر أنه تحرر من الضغوط الداخلية أمام ضعف الآخرين وعزوف الشباب عن العمل السياسي ما أغراه بمزيد من القمع السياسي جنبًا إلى جنب دعوته للحوار.
وبشأن مستقبل الحوار في السودان، قال "الزين": إنه الخيار الوحيد أمام الحكومة والمعارضة باستثناء المسلحة وأحزاب اليسار التي تريد إسقاط النظام وليس التصالح معه.
وأكد أن إعادة انتخاب البشير لمدة خمسة أعوام قادمة والتعديلات الدستورية التي نفَّذها تعزِّز من فرص نجاح الحوار.
وتشكَّك "الزين" في مخرجات عملية الحوار التي قال: إنها يكتنفها الغموض خصوصًا ما إذا كانت ستؤدي إلى تغييرات جذرية أم لا.
الخلاصة
مرَّت العلاقات بين القوى السياسية في السودان بمراحل مختلفة ما بين مدٍّ وجزر، إلا أن اللاعب الأهم بقي هو الرئيس السوداني عمر البشير الذي تحسنت حظوظه بعد الانتخابات الأخيرة.
ولا تزال مخرجات عملية الحوار التي أطلقها البشير غير واضحة في ظل معارضة تقليدية لا تريدها أن تصل للانقلاب على نظام الدولة حتى لا تتضرر هي نفسها، ومعارضة يسارية وثورية تسعى للإطاحة بالنظام ما قد يسبِّب المزيد من الانقسام الجغرافي في هذا البلد الذي فقد ثلث مساحته بانفصال الجنوب عنه.
وما بين هذا وذاك يتأرجح الحوار في السودان دون أن يحقق نتائج ملموسة إلى الآن.
_______________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات