(الجزيرة) |
مقدمة
أعاد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا توجيه دفة الأحداث؛ فقد بدأ النظام السوري في الأشهر القليلة الماضية يفقد مواقعه أمام تقدم المعارضة المسلحة في الشمال الشرقي، وباتت قاعدته الرئيسية في اللاذقية مهددة تهديدًا جديًّا.
وكان يمكن لتغيير موازين القوى على الصعيد الميداني أن يفسح المجال أمام البحث عن حلٍّ سياسي يتضمن رحيل الأسد، لكن التدخل الروسي تحت غطاء حماية النظام ومحاربة الإرهاب خلَطَ الأوراق من جديد وعقَّد مسار التسوية السياسية، وجعل احتمال قبول الأسد بالرحيل أضعف من السابق.
فما هي أسباب وسياقات التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا؟ ما أهدافه واستراتيجيته؟ كيف سيؤثِّر على وضع النظام السوري وحلفائه الإقليميين؟ ما تأثيراته على المعارضة وحلفائها؟ وهل ما زال بالإمكان الوصول إلى تسوية سياسية في المدى القريب؟
حول هذا الموضوع، نظَّم مركز الجزيرة للدراسات، الاثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول، ندوة عامة بعنوان: "التدخل العسكري الروسي في سوريا: أسبابه، وتداعياته، وآفاقه المستقبلية".
وتحدَّث في الندوة المذكورة كل من: الأستاذ جمال خاشقجي، الإعلامي والكاتب السعودي، ومدير عام قناة العرب الإخبارية، والمؤرِّخ الدكتور بشير موسى نافع، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، والشيخ محفوظ ولد الوالد (أبو حفص الموريتاني) مفتي تنظيم القاعدة سابقًا، والأستاذ غالب دالاي، مدير الأبحاث في منتدى الشرق، الباحث التركي المشارك في مركز الجزيرة للدراسات، إضافة إلى ميشيل كيلو، الكاتب والمعارض السوري وعضو الائتلاف الوطني المعارض، والدكتور لؤي صافي، المعارض السوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة حمد بن خليفة.
إنقاذ النظام ومنع الانهيار
وافتتح المعارض السوري ميشيل كيلو الندوة بالقول: إن التدخل الروسي هو عدوان مباشر ومرتبط بسرعة انهيار النظام، وذلك بعد كسر الحصار في الغوطة الشرقية ما أدى إلى انهيار النظام في المنطقة على أييد المعارضة حيث دخلت منطقة تشرين وحي الثورة في دوما بحوزة الثوار؛ الأمر الذي شكَّل تقدمًا مهمًّا مهَّد الطريق للوصول إلى دمشق.
وقال كيلو: إن روسيا ستواجه في سوريا حجم مشكلات هائلة إذ إنها قوة عسكرية متقدمة ولكنها متوسطة في بقية المجالات؛ حيث ستعطِّل قلَّة إمكاناتها الاقتصادية دورَها في بقية مناطق العالم مثل أوروبا الشرقية وأفغانستان والعالم العربي.
وأشار المعارض السوري إلى محاولة روسيا تعزيز دورها في العالم عن طريق دخول سوريا بعد أن كانت ترفض التدخل الغربي فيها، وذلك بهدف الإمساك بمفاصل القرار العالمي.
وختم كيلو مداخلته بالقول: إن الوجود الروسي في سوريا سيطول حتى مع الحل السياسي.
أمَّا الأستاذ جمال خاشقجي فأكَّد أن روسيا أرادت استنقاذ النظام من السقوط وإسقاط الثورة السورية التي حققت نجاحات على الأرض مؤخرًا، مستبعدًا نظريات من قبيل التواجد على الساحل السوري وحماية قواعدهم هناك أو منع قيام دولة إسلامية على يد داعش أو حتى محاولة الحدِّ من وجود الإيرانيين مشيرًا إلى أن هؤلاء لاعبون كبار ومن الصعب إخراجهم من المنطقة، بل على العكس إن الوجود الروسي يعزِّز الوجود الإيراني ويدعمه، كما ترى السعودية.
وأشار الكاتب السعودي إلى التوتر الذي سيخلقه العدوان الروسي مع السعودية، مشيرًا إلى أن دولًا خليجية لا تُقاسِم السعودية نظرتها لهذا العدوان كما حصل في اليمن.
وقال خاشقجي: إن روسيا لن تكتفي بتقسيم سوريا في حالة فشلها في هزيمة المعارضة، مشيرًا إلى أن هذا التقسيم لن تقبل به سوى إسرائيل، فيما تعتبر إيران أن لها حقًّا تاريخيًّا في سوريا وأن ذلك يجب أن ترفضه مصر التي كانت تعتبر الجيش السوري هو الجيش المصري الأول لحمايتها من التمدد الإيراني ولم تعد كذلك الآن.
أزمة طويلة الأمد
من ناحيته، قال الباحث بشير نافع: إن سوريا أهم في علاقات روسيا التحالفية من إيران، مستشهدًا بذلك بالقاعدة الروسية في طرطوس ومراكز التنصت في جبال اللاذقية والتي لا مثيل لها لروسيا في العالم.
ولكنَّ نافع أكَّد أن روسيا تريد أن تُعامَل كقوة رئيسية في العالم منذ ما جرى في جورجيا، وأنها متحسِّسة جدًّا من ملامسة توسُّع الناتو لحدودها إلى درجة نشر صواريخ من دول كثيرة أوروبية عليها ثم جاء انفصال أوكرانيا التي تعتبرها الحاضنة الدينية لها وشبيهة بأهميتها الدينية لأهمية القدس لدى المسلمين ليزيد الطين بلَّة لروسيا.
وقال نافع: إن بوتين تبنَّى منطقًا شبيهًا بمنطق الصين الذي يرى أن تشجيع الولايات المتحدة للتحول الديمقراطي في المنطقة سيصل آسيا وربما أوكرانيا نفسها وهو الأمر الذي دفعه لمعارضة هذا التوسع.
ولهذا كله، يرى المؤرِّخ والباحث الأول في مركز الدراسات أن التدخل الروسي في سوريا هو تدخل بالغ الجدية ويزيد الوضع تعقيدًا، وربما يطول لفترة لا ترتبط بما يحققه من إنجازات على الأرض.
وأكَّد نافع أن روسيا ستحاول مساعدة النظام على استعادة ما فقد من أراض، أو على الأقل السعي لتعزيز وضع النظام في الساحل والسعي دون تحول بقية المناطق إلى مناطق نفوذ لداعش وعدم تقسيم سوريا. وأضاف: إن التدخل الروسي قد لا يصل إلى التدخل الميداني لأنها جرَّبته في أفغانستان وفشل.
ومع ذلك، يشير صافي إلى أنه ليس هناك تطابق في المواقف إذ إن روسيا ضربت مواقع للمعارضة المعتدلة والمدعومة من قبل واشنطن، وأن ما يجري هو عدم اكتراث الدول الأساسية بمصلحة الشعب السوري، وتحويل سوريا إلى منطقة مدمَّرة تحت سيطرة التطرف.
تأخير الانهيار
أمَّا الشيخ محفوظ ولد الوالد فأكَّد من جانبه على أن التدخل جاء بعد اتساع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتلقِّي إيران هزائم كبيرة في سوريا.
وأشار مفتي القاعدة السابق إلى أن التدخل سيؤخِّر من انهيار النظام فقط ولن يمنع ذلك. وأشار إلى أن روسيا كانت تعاني أصلًا من عزلة وأن بوتين مسكون بالقيصرية الروسية وعَكَسَ ذلك من خلال حربه في غروزني، كما أشار إلى مباركة الكنيسة الأرثوذكسية التي اعتبرت حربه على سوريا حربًا دينية؛ الأمر الذي ينذر بتحويل الصراع في المنطقة إلى حرب دينية بالفعل.
جانب من الحضور (الجزيرة) |
ولفت الشيخ محفوظ إلى محاولة روسيا استخدام ترسانتها للعودة إلى المسرح الدولي بعد غياب منذ 1973، وبعد فشل استخدام الفيتو ضد أي قرار ضد سوريا 4 مرات متتالية.
واعتبر مفتي القاعدة أن التدخل الروسي لن يكون حاسمًا في سوريا في ظلِّ الحصار الاقتصادي الذي تعيشه روسيا وهبوط الدخل المعتمد على الطاقة، وعدم دقة الصواريخ التي استخدمتها، مع إمكانية حصول الثوار على صواريخ مضادة للطيران.
سوريا بلا أسد
أمَّا الباحث غالب دالاي فركَّز على الدور التركي ومواجهتها لروسيا في الحرب مشيرًا إلى معاناة تركيا من السياسات الروسية في المنطقة، بما في ذلك اختراق مجالها الجوي مؤخرًا.
وأكَّد دالاي على مطالبة تركيا بسوريا بدون الأسد كشرط لأي حلٍّ سياسي، وأن لا يكون تأثير للجوار بما في ذلك العراق ومحاولة حلِّ مشاكله بالحوار. كما طالب بتجهيز المعارضة بكل ما يلزم بما في ذلك السلاح في حل فشل الحل السياسي في سوريا.
وأكَّد الباحث التركي على مطلب تركيا بمنطقة حظر للطيران في شمال العراق والسماح لقواعدها العسكرية بتوفير ملاذ آمن لحماية المدنيين على أن تتمدد المنطقة العازلة لاحقًا باتجاه الجنوب في وجه الهجرات المتزايدة والتي لا تستطيع تركيا استيعابها بالكامل.
وحذَّر دالاي من تحول الأزمة من محاربة النظام إلى محاربة داعش، مشيرًا إلى منع روسيا من استمرار اختراق المجال الجوي التركي الذي يحتاج لدفاعات الناتو ونشر صواريخ باتريوت لوقفه.
الخلاصة
خلص الباحثون في ندوة التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى أن الهدف كان لإنقاذ النظام الآيل للسقوط بعد سلسلة الانتصارات التي حققتها المعارضة في شمال شرق سوريا واقترابها من اللاذقية. وأكد الباحثون انعدام فرصة التدخل في تحقيق إنجاز وازن لروسيا في المنطقة أو تحقيق قفزة في وضعها الإقليمي، لأسباب اقتصادية داخلية وأسباب خارجية تتعلق بدور المعارضة المتعاظم والدور الغربي الداعم.