مقدمة
للمسألة الكردية تأثير عميق على الاستقرار في المنطقة؛ فالغزو الأميركي للعراق 2003 أحدث تحولات سياسية على مستوى القضية الكردية، ثم جاء الربيع العربي 2011 ليعطي القضية زخمًا؛ مما جعل دور الأكراد يتعزز في البلدان الأربعة (العراق، وسوريا، وتركيا، وإيران) والتي يشكِّلون جزءًا مهمًّا من مكوناتها. ومنذ نشأة الدولة العراقية والنزاع مستمر بين الحكومة المركزية في بغداد، والحركات الكردية التي أصبحت منذ التسعينات تسيطر على شمال العراق، على أن الحدود التي تفصل الأكراد في بلدان المشرق لم تعد لها أهمية تُذكَر؛ حيث يتعلق الأمر بالوعي السياسي للأكراد وبالمشروع الوطني ومظاهر القوة التي اكتسبوها من خلال التقارب النفسي والسياسي والعسكري. وفضلًا عن ذلك كان للأكراد دورهم المشهود في الحرب الدولية على تنظيم "الدولة الإسلامية" مؤخرًا. ومعلوم أن هذه هي ثاني فعالية ينظِّمها مركز الجزيرة للدراسات حول الأكراد فضلًا عن إصدار عدد من الأوراق البحثية، والتحليلات، وأوراق تقدير الموقف حول الموضوع. وفي ضوء التحولات العميقة التي تشهدها المسألة الكردية، ومن أجل إدارة حوار جاد حول هذه المسألة وتأثيراتها العميقة على مستوى الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وكذلك إتاحة الفرصة للمختصين لطرح الأفكار الخاصة بمعالجة هذه القضية، سعيًا لتحقيق مستقبل أفضل لمنطقتنا، وتأتي هذه الندوة للغوص في معرفة الديناميات الجديدة للمسألة الكردية من خلال رصد وتحليل تفاعلاتها داخل الساحة الكردية وبين مكوناتها المختلفة من جهة وبين الأكراد والدول التي ينتمون إليها من جهة ثانية. كما تسعى إلى تقييم السياسات الحالية للدول المعنية لاسيما في العراق وسوريا وما حققته من نجاحات وما عانته من إخفاقات في التعاطي مع المسألة الكردية. فضلًا عن تسليط الضوء على النفوذ المتزايد للاعبين الإقليميين والدوليين في المسألة الكردية وأثره على واقعها ومستقبلها، كما تستعرض انعكاسات الصعود المتنامي للحركات الانفصالية حول العالم على النضال الكردي. وقد شارك في الندوة عدد من الخبراء والأكاديميين المهتمين بالمسألة الكردية، فضلًا عن السياسيين وبعض القيادات الكردية في الدول المعنية بهذه القضية.
الديناميات الجديدة للمسألة الكردية
كانت الجلسة الأولى برئاسة الباحث أول بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتور بشير نافع، وكان عنوانها: "الديناميات الجديدة للمسألة الكردية". تحدث في بداية الجلسة الكاتب والإعلامي الكردي، كفاح محمود، الذي قدَّم عرضًا تاريخيًّا موسَّعًا لمسارات القضية الكردية منذ اتفاقية سايكس-بيكو حتى الوقت الحاضر مُبَيِّنًا أن الحكومات التي تعاقبت على العراق حاولت بدون استثناء خلق جيوب لها وتوجهات تتبعها داخل الجسم الكردي، وهي ميليشيات تتبع الأمن والاستخبارات المركزية في بغداد. على أن مستقبل إقليم شمال العراق أمام خيارين صعبين:
- الأول: هو دولة المواطنة وهو صعب مع وجود الأحزاب الدينية.
- والثاني: إنشاء دولة كردية، وهذا يتوقف على عاملين، هما: الاقتصاد والبعد الدولي والإقليمي.
كما بيَّن محمود أن ممارسة الديمقراطية ظلَّت عرجاء سواء في بغداد أو داخل مناطق الأكراد، لافتًا إلى أن هيمنة مكوِّن بعينه على القرار في الحكومة المركزية العراقية هو ما تسبب في الخلافات الحالية.
الجلسة الأولى - من اليمين: لؤي صافي، جمال الدين توران، مهند سلوم، بشير نافع (مدير الجلسة)، صلاح الدين الزين، عز الدين عبد المولى. (الجزيرة) |
وقد أكد المتحدث الثاني، مهند سلوم، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن كل الدول التي قامت على وفق سايكس-بيكو ظلمت الأكراد في تقسيماتها، مشيرًا إلى أن إيران لم تمنح الأحزاب الكردية أي مكتسبات سياسية أو قومية في ظل وجود سلطة مركزية قوية. وبشأن الاستفتاء في كردستان العراق، أشار سلوم إلى أن الهدف منه كان المحافظة على اللامركزية وعلى الأراضي المتنازع عليها مع بغداد، وأن الخطوة القادمة ستكون دخول أكراد العراق في مفاوضات مع بغداد لإعادة تعريف العلاقة معها والسعي لتحديد جدول زمني لتسوية حول المناطق المتنازع عليها. ويرى سلوم أن ما حدث بعد الاستفتاء قد لا يكون نهائيًّا؛ فقد تعود سيطرة إقليم كردستان على المناطق التي أُخذت منه، وهذا يعتمد على نمط المفاوضات التي ستأخذ مسارها بين بغداد وأربيل، ومدى استطاعة أربيل أن تحسِّن تلك المفاوضات.
وكشف جمال الدين توران، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، عن أن روسيا وأميركا يدعمان كيانًا غير دستوري في شمال سوريا وذلك في مرحلة ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية"، مؤكدًا أن أي كيان كردي غير دستوري في شمال سوريا سيزيد نفوذ الغرب في المنطقة. ونوَّه في لمحة تاريخية إلى تطور المسألة الكردية وظهور حزب العمال الكردستاني منذ ثمانينيات القرن الماضي واستناده إلى أفكار ماركسية وسيطرته على مناطق في جنوب شرق تركيا وتحويلها إلى الفكر العلماني في نهاية الحرب الباردة مرورًا بحربي الخليج وزيادة نفوذ أكراد العراق ووصولهم إلى الحكم الذاتي وإقامة علاقات قوية مع الحكومات المختلفة خاصة تركيا وإيران. وأشار إلى أن ظهور الإسلاميين في مرحلة الربيع العربي تم اعتباره خطرًا على إسرائيل والغرب، وهذا ما أدى إلى وقوف الغرب إلى جانب الأنظمة الاستبدادية خصوصًا بعد الحرب الأهلية في سوريا.
من جهته، قال الدكتور لؤي صافي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حمد بن خليفة: إن نموذج الدولة القومية تسبَّب بشكل كبير فيما جرى للأكراد، لافتًا إلى أن الحلَّ يكمن في دولة ديمقراطية تسمح بالتعدد. ودعا لؤي إلى وجود نموذج لدولة متعددة تسمح للقوميات بالاحتفاظ بإرثها الثقافي، وتكون مختلفة عن النماذج القائمة حاليًّا، مؤكدًا أن الأكراد بسبب تجربتهم يستطيعون قيادة دولة قانون بالمشاركة مع العرب وسواهم. كما بيَّن الدكتور لؤي أن الهمَّ الأساسي هو إقامة دولة تحقق الكرامة وتحفظ الحقوق وتسمح بنمو الفرد والمجتمع وأن الخارج استطاع التدخل بالمنطقة من خلال التلاعب بمشاكلها القومية والعقدية. ونوَّه إلى ثلاثة ثوابت كردية، أولها: طموح تاريخي قديم لإقامة الدولة الكردية المستقلة. والثاني: أن الدول القومية التي قامت بعد الاستعمار فشلت في الحفاظ على حقوق المواطنين وانتهت بدولة مركزية استبدادية دون اعتبار للتنوع. والثابت الثالث: التدخل الخارجي للاستفادة من التنافس بين المشاريع الدولية. وأشار إلى فشل الدولة القومية في حفظ الحقوق والحريات. وقال: إن دولة قومية مركزية تبدأ من مناطق حكم ذاتي تحتاج إلى عقد مناقشات حولها، بعد فشل هذا النوع من الدولة الاستبدادية المركزية وإدخالها للمنطقة في صراعات عديدة.
وأكد المعقِّبون على هذه الجلسة أنه من المهم الاعتراف بالمسألة الكردية على أنها مسألة وطنية، وأن هناك شعبًا له أرض وله مظلومية ومعاناة، ومن هنا لابد من التعامل مع المسألة الكردية كواقع لابد من حله. والمشكل له جوانب داخلية تخص الأكراد وتعقيدات تتعلق بالحكومات الأربع في العراق وسوريا وإيران وتركيا فضلًا عن المواقف الدولية. وقد أثار الاستفتاء ديناميات جديدة وهذا يتضح من خلال التطورات في كردستان العراق وفي سوريا، وقد يستعيدون ما خسروا اليوم.
مقاربات التعاطي مع المسألة الكردية: نجاحات وإخفاقات
ترأَّست الجلسة الثانية للندوة، ميادة محمد، المذيعة بقناة الجزيرة الفضائية، وكان عنوانها: "مقاربات التعاطي مع المسألة الكردية: نجاحات وإخفاقات". في البداية حذَّر ياسر نور الدين، النائب في البرلمان الكردي، من أن مسار المنطقة يسير في اتجاه خطأ، وقد تنحرف المنطقة على ذلك الأساس بأي اتجاه بسهولة، موضحًا أن هناك فارقًا بين الأحزاب الكردية التي تمثِّل مجتمعها، وتلك الأحزاب الانفصالية التي يدعمها ويفضلها الخارج. ويظل حزب العمال الكردستاني في تركيا يُنظر إليه على أن طبيعته قومية علمانية تحديثية، وقد غيَّر الثقافة المحلية واللغة الثقافية بسبب أيديولوجيته.
وبدوره، استعرض خليل إبراهيم، عضو الهيئة العليا لاتحاد برلمانيي كردستان، تاريخ القضية الكردية وأهم المقاربات السلبية والإيجابية التي على أساسها تم تعامل الحكومات العراقية والإيرانية والتركية المتعاقبة مع المسألة الكردية. كان للأكراد دور مهم في المنطقة بوصفهم جزءًا أساسيًّا من النسيج الاجتماعي لها، لكنهم قوبلوا بعنصرية وشوفينية وإقصاء. لقد أصبح وجود الأكراد على أرضهم مشكلًا، وكان السعي عمومًا هو القضاء على الأكراد لا حل مشكلهم. كانت البداية هي الصَّهر العنيف والقسري للأكراد في المجتمعات الأخرى، مع أن مطالب الأكراد كانت الاعتراف بالثقافة والحقوق ورفع المظلومية، وفي أقصاها نوع من الاستقلال. وفي النصف الثاني من القرن العشرين كان التعامل الأمني هو المعمول به في كل الدول الأربع (العراق وسوريا وإيران وتركيا)، بل بلغ في العراق حدَّ التصفية. وقد ولَّد هذا الوضع نوعًا من عدم الثقة بين الحركات الكردية وحكومات المنطقة التي لا تعتمد سوى المقاربة الأمنية لمواجهة الأكراد. وتبقى عقلية فرض سياسة الدولة المركزية هي المعمول بها وهذا واضح فيما حدث في كركوك مؤخرًا. والخلاصة، بحسب خليل إبراهيم، أن المقاربة الأمنية هي الأصل في التعاطي مع القضية الكردية من قِبَل الدول الأربع، وأحيانًا كان هناك تحالف بين بعض هذا الدول لوأد المشروع الكردي وطَمْسِه. وهذه المقاربة تعقِّد المسألة ولا تقضي أبدًا على المشكلة. لابد من وقفة مسؤولة وحوار ونقاش بنَّاء الهدف منه حل المشكلة.
الجلسة الثانية - من اليمين: جمال الدين توران، ياسر نور الدين، خليل إبراهيم، ميادة محمد (مديرة الجلسة)، هشام الهاشمي، صلاح الدين الزين، عز الدين عبد المولى (الجزيرة) |
من جهته، أشار الباحث والخبير العراقي، هشام الهاشمي، إلى أن المناطق المتنازع عليها التي كان يُمنع نظام صدام من الطيران فوقها، وكانت تحت حماية دولية، هذه المناطق التي هي محل تنازع بين بغداد وكردستان توجد في نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى وواسط، ومساحتها 38 ألف كلم مربع فيها تعرجات لنهر دجلة وفيها نسبة كبيرة من ثروات العراق وفيها جميع المكونات الاجتماعية العراقية. كانت كردستان تدير هذه الأراضي منذ الاحتلال الأميركي للعراق حينما اجتاح تنظيم "الدولة الإسلامية" الكثير من الأراضي العراقية فوجدت قوات البيشمركة فرصة لتحرير هذه الأراضي وضحى الأكراد بالكثير من القتلى، وقد رُسِمت الحدود -كما يقول البارزاني- بالدم، وصارت 28 وحدة إدارية حررتها البيشمركة من تنظيم الدولة تحت إدارة أحادية لكردستان. وكانت بغداد مشغولة بتحرير الموصل ولم تستطع وضع اليد على تلك الوحدات.
أما الأستاذ الجامعي والنائب في البرلمان الإيراني، جلال جلالي زادة، فأوضح أن القضية الكردية عمومًا ينبغي أن يُنظر إليها في سياق حقوقي، فالله أعطى الكل حقوقًا ولا يمكن سلبها منهم، ولابد من التعاطي الإيجابي من طرف الحكومات التي فيها أكراد مع ذلك. فهؤلاء تغتصب حقوقهم ويتهمون بالانفصالية وهذا مؤسف، لذلك لابد من حل مشكلتهم في سياق دستوري في الدول الأربع دون اعتماد العنف بين المسلمين. في أوروبا، تعيش الشعوب تسامحًا وسلمًا بعيدًا عن العنف والظلم والشرق الأوسط ليس بحاجة للحروب خصوصًا مع ظاهرة تنظيم الدولة التي ولَّدت خسائر كبرى في العالم الإسلامي. "إن الحوار والنقاش مسار حتمي لابد منه لشعوب منطقتنا، والأخوة الإنسانية والدينية هي ما نحتاج إليها، خصوصًا أن الشعب الكردي له مرجعية ثقافية وتاريخية في سياق الحضارة الإسلامية".
وأكد خبراء وباحثون، عقَّبوا على هذه الجلسة، على أن المسألة الكردية ليست مستجدة أو طارئة على المنطقة بل هي منغرسة في تاريخها وجغرافيتها وديمغرافيتها منذ إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط على ضوء ترتيبات سايكس-بيكو قبل مئة عام.
كما أشاروا إلى العديد من التطورات والديناميات التي تضفي مزيدًا من الأهمية على المسألة الكردية مثل تطلعات الأكراد إلى تحقيق حلم الدولة القديم عقب ثورات الربيع العربي وفشل الاستفتاء الكردي في شمال العراق مؤخرًا. ومن جهة أخرى، فإن تبني الحل العسكري والمقاربات الأمنية أثبتت فشلها في كل مرة.
نفوذ اللاعبين الإقليميين والدوليين وتأثيراته في المسألة الكردية
وفي جلسة تحت عنوان "نفوذ اللاعبين الإقليميين والدوليين وتأثيراته في المسألة الكردية"، قال لقاء مكي، رئيس قسم الإعلام في جامعة بغداد سابقًا، "إن التدخل الأجنبي في المسألة الكردية أضرَّ بالأكراد ومنعهم من قدرة الاندماج في الدولة الوطنية"، مضيفًا أن هذا التدخل كان يُستخدم عن طريق استغلال المسألة لمصالح تلك الدول الأجنبية لكنه ينتهي كل مرة بخذلان الأكراد لا بنفعهم.
وقد استعرض لقاء مكي مختلف حيثيات التدخلات الأجنبية بالعراق بدءًا بالاستعمار البريطاني الذي ابتزَّ ملك العراق والحكومات العراقية التي عاصرت الاستعمار البريطاني. والدول الأكثر تورطًا في القضية التركية هي روسيا في عهد ستالين الذي سيطرت قواته على مناطق فيها وجود كردي، وقد أطَّر الروس إنشاء حكومة مهاباد ذات الأغلبية الكردية قبل أن ينسحب السوفييت ويقوم شاه إيران بإجهاض هذا المشروع واستعادة مهاباد. وبعد سقوط الملكية بالعراق وقع نوع من التفاهم بين الحركة الكردية والحكومة العراقية القريبة من موسكو حينها. وفي سنة 1971، حصل متغير خطير، وهو انسحاب بريطانيا من الخليج واحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، وقد وقف العراقيون مع الإمارات مما دفع بشاه إيران إلى دعم الأكراد في شمال العراق واستخدامهم ورقة ضغط على بغداد. ومنذ بداية التسعينات صار إقليم كردستان منطقة تُستغل من طرف القوى الغربية وإسرائيل للضغط على العراق. والتدخل الأجنبي في المسألة الكردية أضرَّ بالأكراد ومنعهم من الاندماج.
وفي السياق ذاته، رأى محمد الشرقاوي، باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات، أن منطق الحوار ينبغي أن يسود هذه المنطقة بعيدًا عن سرديات المظلومية عند الأقليات والمغالبة عند الأكثرية. والسؤال هو: ما مدى تأثير القوى الدولية في المسألة الكردية؟ ما مكانة الأكراد في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة؟ وهل الاستراتيجية الأميركية واضحة في هذا الخصوص؟ السياسة الأميركية متدرجة حسب المصلحة الأميركية، وربما تكون هناك استراتيجيات متعددة وغير متجانسة ومتأرجحة. هنالك تعقيدات من بينها أن إيران ترى أن الاستفتاء في كردستان هو مشروع غربي استعماري تقوده أميركا، كما أن تركيا مستاءة من التحالف الأميركي مع الأكراد. هناك تباين بين موقع ترامب وبين مواقف القيادات النافذة في الحزب الجمهوري فمثلًا السيناتور الجمهوري، جون ماكين، يرى ضرورة التعامل مع الأكراد بصفتهم الأكثر مصداقية في المنطقة. مشاركة الأكراد مهمة عند أميركا ميدانيًّا لكنها لم تصل إلى التماهي الأميركي مع المشروع الكردي في المنطقة فهناك مخاوف حقيقية لدى أميركا بشأن مسألة استقلال الأكراد بسبب المضاعفات والتأثيرات التي قد تنجم عنها في إيران وتركيا، كما أنها لا تريد خروجًا عن الحكم المركزي في بغداد رغم دعمها للحكومة المحلية في كردستان العراق.
الجلسة الثالثة - من اليمين: محمد الشرقاوي، لقاء مكي، غالب دالاي، تمبيسا فاكودي (مدير الجلسة)، ليونيد أساييف، صلاح الدين الزين، عز الدين عبد المولى (الجزيرة) |
وفي تفسيره للموقف الروسي، اعتبر الخبير في سياسات روسيا تجاه العالم العربي، ليونيد أساييف، أن المسألة الكردية ليست أولوية بالنسبة لروسيا وحتى خلال مرحلة الاتحاد السوفيتي. وبالتأكيد، فإن روسيا استعانت في المسألة بما يتعلق بالعلاقات الإيرانية-الروسية أو العلاقات التركية-الروسية. ولكن مع هذا ليس هناك استراتيجية طويلة الأمد من روسيا تجاه هذه الأزمة عكس السياسة الروسية تجاه تركيا. الأولوية في القرن التاسع عشر كانت منطقة البلقان بالنسبة لروسيا، "وكنا نرغب في علاقات مستقرة مع العثمانيين ومع الفرس، واليوم لم يتغير الوضع كثيرًا، فليس هناك دعم روسي للأكراد". إن موسكو تنتهج منهجًا براغماتيًّا وتسعى لعلاقات جيدة مع جميع الفاعلين في المنطقة، لذلك فإن روسيا لن تدعم الأكراد واستقلال إقليم كردستان.
وعن المنظور التركي، قال غالب دالاي، مدير البحوث في منتدى الشرق: إن القضية الكردية تؤثر في المنطقة بشكل واضح. أما عن ردة فعل تركيا على الاستفتاء فإنها تنظر إليه باعتبارها قضية إقليمية لا تنفصل عن التوترات التي تعرفها المنطقة؛ فالأمور مرتبطة ببعضها البعض. لابد من التعامل مع بنيات الدول الإقليمية وفحصها، فبنيات هذه الدول وطبيعتها وغياب النظام سواء أكانت قومية عربية بعثية أو قومية تركية كمالية أو الحالة الإيرانية فإن كل هذا أثَّر في القضية. إن القضية الكردية ليست ناتجة عن التدخل الخارجي، وإنما بسبب غياب الحوكمة الرشيدة، غير أن العامل الخارجي فاقم القضية، معتبرًا أن الحل ليس جغرافيًّا وحدوديًّا بقدر ما هو مرتبط بوضع بنية حكومة عادلة تستجيب لتطلعات الشعوب وترتبط أيضًا بتوازن القوى.
كانت ردَّة فعل إيران وتركيا متشابهة ونتيجة لبنية الدولتين فإن على الأكراد أن ينظروا إلى قلق هاتين الدولتين: هل الاستقلال هو النموذج الوحيد؟ أو هل السيادة هي تعريفات القرن الثامن عشر والتاسع عشر؟ وما المقاربة التي ينبغي أن نحدد بها سيادة الدولة؟ وهل يتمتع السكان بحقوقهم الكاملة؟ وما شكل النظام: هل هو علماني أو قومي؟ المسألة الكردية، يقول دالاي، تجعلنا نفكر في نظام الحوكمة والتعاون السياسي.
وقد عقَّب العديد من المناقشين على هذه الجلسة مركزين على أفكار من أبرزها كيفية التعامل مع التوجهات الانفصالية، فضلًا عن موقف دول المنطقة -وعلى سبيل المثال إسرائيل- من القضية الكردية، وهي أمور لابد أن تُطرَق وتُناقش عند الحديث عن القضية الكردية، وكيف يمكن مراجعة شكل الدولة ومفهوم سيادتها.
انعكاسات الصعود المتنامي للحركات الانفصالية حول العالم على الحراك الكردي
أدار هذه الجلسة عبد القادر فايز، مدير مكتب الجزيرة في طهران. وفي البداية ذكر رانج علاء الدين، الخبير بمركز بروكينغز الدوحة، أن موضوع القضية الكردية حساس ويمكن النظر إليه في سياق أوسع خصوصًا مع ظهور توجهات انفصالية في بريطانيا وإسبانيا مما "يجعلنا نتحدث عن إخفاقات العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين وحول الهوية الوطنية". وما حدث في بريطانيا وإسبانيا لا يمكن فصله عن التحديات المتصلة بالأزمة المالية العالمية التي ظهرت سنة 2008، حيث "شاهدنا تزامنها مع ظهور مزيد من المطالب عند الحركات الشعبوية في أوروبا. إن الديمقراطية المعمول بها في أوروبا لم تمنع الشرطة الإسبانية من مهاجمة الناخبين الكاتالونيين في مراكز الاقتراع".
لكن في بريطانيا وفي غيرها من الدول الأوروبية فإن الأمر لا يعود إلى قوة البندقية بل إلى المؤسسات، فهي التي تغيِّر الواقع، وقوة القانون هي التي تحدد قوة أي مشروع سواء كان قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي أو قدرة على التغيير نحو الحكم الرشيد، وهو أمر لن يكون مفيدًا للكرد فقط بل العرب السُّنَّة، وحتى داخل الشيعة هناك أزمة حُكم وأزمة سلطة وصدامات بين الميليشيات والقبائل حول المصادر الطبيعية والأموال.
كما أشار السيد حيدر سعيد، الباحث في المركز العربي بالدوحة، إلى ما تلا الاستفتاء في كردستان العراق من دراسة؛ حيث ركَّز على عاملين:
- العامل الداخلي.
- الرفض الإقليمي لما حدث.
وهنالك درسان مستخلصان، وهما أنه لابد من توافق داخلي كردي، والدرس الثاني: لابد من قبول إقليمي ليس في بغداد فقط بل لابد من قبول أنقرة وطهران.
ومن الواضح أن موقف القوى الدولية من الاستفتاء كشف عن أن النظام الدولي لا يدعم هذا الاستفتاء، وليس بصدد رسم خريطة سياسية.
إن النظام الدولي لا يقبل -كما يبدو- بتفتيت الدول إلا في حالات تفكك الإمبراطوريات؛ كما حدث مع الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وكما حدث من تفكيك الاتحاد السوفيتي، وما عدا ذلك كان الثابت الأساسي، البقاء على الدولة كما حددها النظام الويستفالي منذ القرن السادس عشر.
وما يحدث هو أن النظام الدولي يقف دون تغيير الحدود لكنه يعيد النظرة في هيكلة سيادة الدولة، فهو نظام يميل إلى استقرار الدولة لكن يميل أيضًا إلى إعادة صياغة السيادة.
ومع هذا، هناك عوامل مؤثِّرة على القضية الكردية من بينها عدم قابلية النخبة العربية لدولة ذات سيادة مركَّبة، وهو ما يستدعي الوصول إلى اتفاقات سياسية وبناء رؤية للتعامل بين الأكراد والسُّلطة في بغداد.
وقد نبَّه أليو قرنق، منسق وحدة دعم الوساطة في منظمة إيغاد، إلى أن نتائج تقرير المصير ليست دومًا الانفصال، ففي بعض المرات يؤول الاستفتاء إلى حكم ذاتي داخل الدولة القائمة. وهناك استفتاءات انتهت بالاستقلال كما حصل مع أريتريا وتيمور الشرقية وجنوب السودان، بينما بعض الأقاليم اختار البقاء في الدولة الأم مثل إقليم كيبيك الكندي.
وأحيانًا، تحدث استفتاءات غير دستورية مثل الاستفتاء الأحادي في أبيي، ومع أن نتائجه كانت شفافة واضحة لكنه غير مقبول، وكذلك استفتاء كردستان كان أحاديًّا. ومن الأمثلة المشاهَدة جمهورية أرض الصومال التي لا يُعترف بها في منطقة الإيغاد.
إن من نتائج الاستفتاء غير القانوني، رفضًا دوليًّا واحتواء إقليميًّا، وفي أدنى الحالات يحدث نوع من الفتور الدولي وإحباط داخلي قد يقود الى العنف كما حدث مع رد فعل السلطة المركزية في بغداد. إن أي استفتاء لابد له من شروط، وهي:
- قبول الدولة الأم واعترافها بالنتائج.
- قبول دولي بالاستفتاء واعتراف بالدولة المستقلة الجديدة.
- ألا ينجر عن الاستفتاء عنف.
إن مبدأ تقرير المصير يجب أن يُعالج في إطار كل الدول التي بها أقليات عبر حل أزمة الحكم وإنهاء المظالم.
وقد ذكر سليمان سنسوي، رئيس المركز التركي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية (TASAM)، أن منطقة الشرق الأوسط تمر بزمن متغير، والكل يتأثر بما يحدث، بما في ذلك المسألة الكردية. وأن العالم ظل في سلسلة من التفتيت؛ ففي بداية القرن العشرين كان عدد دول العالم في حدود عشرين دولة، والآن توجد 194 دولة عضو في الأمم المتحدة، وفي الأفق القريب قد يصل عدد دول العالم إلى 400 دولة أو أكثر. والواقع أن المسألة الكردية لم يساعدها التاريخ لذلك ظل طابعها العام هو الخسارة. وأضاف سنسوي أن الأكراد الذين يرون حلم كردستان الكبير لابد أن ينظروا إلى الشعوب الموجودة بجوارهم، وأن ينتظروا التاريخ ليعطيهم فرصة. وفي تركيا، فإن الشعب الكردي قد نال جملة من الحقوق لم يشهد التاريخ مثلها.
وقد ركز سنان حتاحت، الباحث بمنتدى الشرق، على الحركات الانفصالية في أوروبا وتأثيرها على الحركات في المشرق مؤكدًا أنه لا يوجد خطر حقيقي من دعوات الانفصال في أوروبا فهذه موجة صغيرة بالنسبة لما لحق الاتحاد السوفيتي وما حدث في يوغسلافيا وتفتتها إلى دول صغيرة. إن العامل الاقتصادي لعب دورًا أساسيًّا في تأجيج النزعات الانفصالية في أوروبا؛ فالأزمة المالية 2008 أيقظت ذلك الهاجس. إن الحركة الانفصالية بإقليم الباسك كانت حركة دموية انفصالية وكانت منظمة إيتا مصنفة إرهابية وكانت تمارس الاختطاف لكنها اليوم هادئة بعد اتفاق 2011 وبعد حصول إقليم الباسك على استقلال مالي فلم تعد توجد دواع لإحياء النزعة الانفصالية.
الجلسة الرابعة - من اليمين: مترجم مداخلة سنسوي، سليمان سنسوي، رانج علاء الدين، عبد القادر فايز (مدير الجلسة)، أليو قرنق، سنان حتاحت، حيدر سعيد، صلاح الدين الزين (الجزيرة) |
وفي بلجيكا، لم تعد أكثرية الفلامنز تريد الانفصال عن "الوالون"، فالعامل الاقتصادي ساعد الفلامنز على ركوب موجة الاقتصاد الخدمي فتمت إعادة بناء العقد الاجتماعي في بلجيكا ودخل الفلامنز الحكومة وصارت بلجيكا مستقرة. أما الدولة القومية في العالم العربي، فقد قامت بعد جلاء الاستعمار لتتحكم فيها مجموعة ضيقة تعتمد مبدأ الإقصاء والتهميش والاستبداد.
وقد شُفعت هذه الجلسة بتعقيبات ركزت على أن سيادة الدولة المطلقة فكرة متخيلة وهناك تحول في مفهوم السيادة؛ حيث أصبحت هناك أجهزة مراقبة وهناك أدوار يمارسها المجتمع المدني والقوى الدينية وغيرها وهي أمور تحد من السيادة التقليدية للدولة. كما تطرقت بعض التعقيبات لمقارنة إقليم كردستان بجنوب السودان وأن هناك اختلافًا بيِّنًا بينهما؛ ففي جنوب السودان كان هناك توافق سياسي والاستفتاء كان برعاية دولية مشهودة وبموافقة الدولة الأم وموافقة الإقليم والمجتمع الدولي وهو ما لم يحصل في كردستان.
الآفاق المستقبلية للمسألة الكردية
تناولت الجلسة الخامسة والأخيرة الآفاق المستقبلية للمسألة الكردية في سياق الأوضاع المتقلبة في منطقة الشرق الأوسط، وقد ترأَّسها صلاح الدين الزين، مدير مركز الجزيرة للدراسات.
في البداية، قدَّم علي سر زعيم، الخبير بمراكز الأبحاث التابعة لرئاسة الجمهورية الإيرانية، تحليلًا تناول البُعد الاقتصادي للأزمة مُبَيِّنًا ضرورة عرض أي تحول على معادلة الربح والخسارة، فما المنافع والخسائر التي ستجني أو ستخسر حركة الانفصال الكردية في العراق؟
هناك تحديات كبيرة على مستوى الاقتصاد؛ حيث تم عزل الإقليم بل وحصاره، وحتى لو تم الانفصال فإن ذلك سينعكس على علاقته ببغداد وطهران وأنقرة. هناك أربعة لاعبين معنيين بالقضية: العراق وسوريا وإيران وتركيا، لابد من حسابات الربح والخسارة بالنسبة لهذه الدول الأربع. هل بإمكان هذه الدول تقويض مساعي الانفصال؟ وهل إذا تحالفت سيكون الحلف معتمدًا على طبيعة علاقتها بالانفصال؟ وأي دولة ستكون أقرب للإقليم المنفصل؟ لا شك أن هناك جهودًا قوية مشتركة بين الدول الأربع من أجل تقويض مساعي الانفصال وخصوصًا العراق وتركيا وإيران، وقد نجحت إلى حدٍّ كبير في تحطيم أحلام الانفصال.
في حين وجَّه محمد مختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية في كلية قطر للدراسات الإسلامية، نظره إلى المسألة الكردية في سياق الجغرافيا السياسية، فالعالم الإسلامي يشكِّل كتلة متميزة؛ حيث يسميها الدكتور المصري، جمال حمدان، الهلال الإسلامي، بينما يرى الشنقيطي أنها أقرب إلى الطير منها إلى الهلال. ولهذا الطائر ثلاث قوى إحداها في رأسه، وهي تركيا، والأخريان في جناحيه، وهما: مصر وإيران، وأي تقارب بين دول هذا المثلث سيحقق للطائر الإسلامي توثبًا وانطلاقًا.
وبخصوص الأكراد، فهم موجودون في رأس الطائر الإسلامي وفي صدره وفي جناحه الشرقي مما يجعل موقعهم في الخريطة الإسلامية بالغ الأهمية. وعمومًا، هنالك ثلاثة خيارات تطرحها القضية الكردية في هذا السياق الجغرافي السياسي، وهي:
- خيار الإدماج البشري والسياسي القسري، وهو خطأ وقعت فيه تركيا الكمالية والدول القومية العربية فضلًا عن إيران منذ عهد الشاه، وهو خيار غير عملي ونتائجه عكسية.
- خيار الانفصال التام، وهو -وإن كان مطلبًا شعبيًّا كرديًّا- فإنه لا يقبله الإقليم ولا يشجعه النظام الدولي بشكل عام.
- الاندماح التعددي في سياق تفاهمي؛ فالأكراد مصدر توحيد والتئام وقد ظلوا عامل توحد في التاريخ الإسلامي؛ حيث نلاحظ أن للرمز الإسلامي، القائد صلاح الدين الأيوبي، هوية مركبة فهو نسبًا كردي، وثقافيًّا عربي، وعسكريًّا وسياسيًّا تركي. وهذ الصورة التاريخية مهمة وينبغي على الأكراد أن يحسنوا توظيف مكانتهم.
ثم إنه من المفيد -كما يؤكد الشنقيطي- ضرورة عدم التشبث بمظالم الماضي، فليس الأكراد من عانوا من التحكم في مسارهم الطبيعي؛ فقد وعدت بريطانيا العرب بدولة قومية إن وقفوا معها في الحرب العالمية الأولى ثم خذلتهم. والكرد بإمكانهم أن يؤسسوا فيما بينهم اتحادًا مرنًا في قلب العالم الإسلامي، يبنون من خلاله أمة ثقافية كردية بدل بناء دول مستقلة سياسيًّا. هذا ليس حرمانًا اليوم بل هو دعوة للعب دور في العالم الإسلامي، ونحن نلاحظ أن سكان إقليم كيبيك الكندي أمة داخل الاتحاد الكندي ولهم كل الحقوق الثقافية دون أن يكون هناك انفصال سياسي.
ويعتقد فريد أسسرد، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في كردستان، أن الظروف التي تمر بها كردستان تدعو إلى تنظيم العلاقة مع المركز وإعادة صياغة العلاقة فضلًا عن إعادة ترتيب البيت الداخلي الكردي وتفاعله مع المحيط الإقليمي. ولعل هذا الاستفتاء سيكون فرصة لإعادة هذه العلاقة التي أخفقت في الماضي. "لاحظنا أن هناك تعاونًا ثلاثيًّا (عراقيًّا، وإيرانيًّا، وتركيًّا) ضد الإقليم، وهو تحالف غير مسبوق، نتج عنه حصار تسبب في خنق الاقتصاد الكردستاني الضعيف أصلًا وإهمال الإقليم وإغلاق المطارات، كما فُقد الكثير من المناطق التي كانت تحت إدارة الإقليم بعد تدخل بغداد العسكري".
الجلسة الخامسة - من اليمين: عبد الباسط سيدا، صلاح الدين الزين (مدير الجلسة)، محمد مختار الشنقيطي، عز الدين عبد المولى (الجزيرة) |
وقال أسسرد: إن هناك حاليًّا جهودًا لإعادة ترميم العلاقات من خلال البدء بمفاوضات بين الطرفين لإيجاد حلول لكن التصلب العراقي وفرض شروط على الأكراد هو الحاصل الآن. وقد بدأ الحديث عن ضرورة التفاوض على أساس الدستور العراقي المتفق عليه، وهذا يمكن أن يسهم في إيجاد حلول للمشاكل التي كانت قائمة. على أنه سيكون هناك ظلم للأكراد إذا تم الرجوع إلى الدستور بالطريقة التي تراها بغداد. إن هناك حقوقًا كردية لا يمكن المساس بها سواء نجح النقاش حول الدستور أم لم ينحج وقد تتوتر العلاقة مع بغداد أكثر. كما يجب، في نظر المتحدث، إنهاء الخلاف حول المناطق المتنازع عليها فذلك هو المشكِل الذي ينغِّص العلاقة بين الطرفين، ومن المعلوم أن النظام في العراق قائم على التوافق والمشاركة في نظام اتحادي، والأكراد على العموم يشكِّلون ثقلًا انتخابيًّا لا مراء فيه، فنسبتهم تناهز 20% من البرلمان العراقي. إن هذا الثقل الانتخابي قد يعزِّز دور الأكراد في خلق التوازن الطائفي المطلوب داخل العراق. كما أن الاستفتاء أعطى فرصة لظهور قيادات شبابية كردية جديدة قد ترمم العلاقات بين مختلف الطوائف.
أما عبد الباسط سيدا، رئيس الائتلاف الوطني السوري الأسبق، فيرى أن على الباحث في القضية الكردية أن يتعامل معها من منطلق الباحث لا من منطلق السياسي والمناضل؛ فالباحث هو من يلتزم منطق البحث لا المنطق الرغبوي الذي يحاول تطويع الوقائع للرغبة. إن هناك ظلمًا تاريخيًّا وجغرافيًّا ومجتمعيًّا مورس على الأكراد وهذا الظلم ولَّد مظلومية نتجت عنها توترات وصراعات. تم تقسيم الشعب الكردي بين أربع دول فيها تطور اقتصادي مختلف وفيها أنظمة سياسية وثقافية ولغوية مختلفة. وقد تم اضطهاد الكرد بشكل مركب بل تعرضوا أحيانًا لإبادة كما حدث مع استعمال العراق في حربه ضدهم للسلاح الكيمياوي، كما واجهتهم إيران وتركيا بعد الحرب العالمية الأولى بجملة من المجازر (ثورة الشيخ سعيد). مع حزب العدالة والتنمية بتركيا كانت هناك محاولة إيجابية في التعامل مع الأكراد.
وتبقى هنالك ثلاثة تحديات منها الوطني ومنها الإقليمي ومنها الدولي.
وعمومًا، فقد وقف المشروع الوطني بالشرق الأوسط عاجزًا عن طمأنة الجميع؛ فالدولة القُطرية التي تأسست بعد استقلالات دول الشرق الأوسط لم تكن مُطمْئِنة للأكراد. واليوم، فإن الجميع مطالَب بازالة الهواجس وتعزيز الثقة والاتفاق على آلية لحل الم