في ندوة مشتركة: المستقبل للربيع العربي رغم العثرات

551419929ae14ea3b011ee54f85e92cc_18.jpg
من اليمين: شفيق الغبرا، الحواس تقيَّة، عبد الوهاب الأفندي، ومدير الندوة (سالم المحروقي)

أكد المتحدثون في ندوة بحثية مشتركة نظَّمها يوم الثلاثاء، 18 يونيو/حزيران 2019، مركزُ الجزيرة للدراسات بالتعاون مع مركز بروكنجز الدوحة وقناة الجزيرة مباشر، في العاصمة القطرية، الدوحة، على أن المستقبل لحركة الشعوب العربية المطالِبة بالحرية والتغيير رغم العثرات التي تعترض الطريق، وأشاروا إلى أن ذلك يستلزم توسيع دائرة المشاركة من أجل صنع تيار أساسي جامع يحمل هذه المطالب دون إقصاء أو تهميش. وألمحوا إلى أن حركة التاريخ في هذه المنطقة من العالم قد بدأت مسيرة انطلاقها نحو الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، وأن النتيجة لا تأتي سريعًا أو جملةً واحدةً، وإنما تتراكم بفعل التجربة، واكتساب الخبرة، وتوحيد الصفوف. 

الزمن في صالح حركات التغيير

وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، في مداخلته إلى أن الربيع العربي جدَّد انتماء المواطن في هذه البقعة من العالم لبلاده، وأن المسار العام -رغم السجون التي مُلِئت بالثوار والمنافي التي أُجبروا على العيش فيها- يتجه نحو الخلاص من أنظمة الاستبداد وإن طال الزمن. وقال: إنَّ من مصلحة الجميع، بمن فيهم الأنظمة الحاكمة نفسها، أن تتجه الأمور نحو التوافق والبحث عن آليات للمشاركة السياسية، لأن البديل هو التصادم الذي نتيجته الخسران للجميع. وأشار إلى أن الربيع العربي الذي انطلقت شرارته الأولى على يد الشباب عامي 2010 و2011 قد اكتسب خبرات سيكون لها ما بعدها في التصدي للتحديات وتخطي العقبات التي تحول دون تحقيق مراد الشعوب في الحرية والتغيير. 

السودان وأهمية استخلاص الدروس الصحيحة

أمَّا الدكتور عبد الوهاب الأفندي، عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، فأبدى في مداخلته -التي قدَّم فيها قراءة للمشهد السوداني- قلقه من وصول الأوضاع في هذه البلد إلى "حرب أهلية" تصيب "المركز" هذه المرَّة بعد أن كانت فيما مضى قاصرةً على "الأطراف". وأرجع السبب في ذلك إلى محاولات بعض القوى الإقليمية اختطاف الجيش السوداني وتحويله إلى "ميليشيات خاصة" تعمل وفق أجندتها وتُنفِّذ مخططاتها، كما أرجعه إلى عامل "فقدان الثقة" بين الجيش والثوار، خاصة بعد الفض الدموي للاعتصام في محيط القيادة العامة بالخرطوم نهاية شهر رمضان الفائت. 

وعن أنجع الطرق لخروج السودان من مأزقه وتجنُّب مثل هذه المسارات الخطرة، قال الأفندي: إنَّ على السودانيين نسيان خلافاتهم في هذه اللحظة الحرجة، إنقاذًا للسودان مما يُخطَّط له، وأن يسعوا جاهدين لتوسيع دائرة المشاركة في الثورة، وعدم إقصاء أو تهميش أحد، وذلك من أجل بناء تيار وطني جامع وقادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية على السواء. 

واختتم الأفندي حديثه بالإشارة إلى أهمية استيعاب الدروس الصحيحة من التاريخ، قائلًا: إنَّ الجميع قادر على استخلاص الدرس لكن هل هو "الدرس الصحيح أم الدرس الخطأ؟". وأشار مرة أخرى إلى ضرورة استصحاب "النهج التصالحي" أثناء السعي نحو الانتقال الديمقراطي، قائلًا: من الأفضل نسيان الماضي، والانتقال للأمام، حتى لا يكثر أعداء الثورة، ولو سألتموني الرأي لقلتُ: إنه لم يكن مناسبًا محاكمة حسني مبارك في مصر، ولا إصدار قانون العزل السياسي في ليبيا، ولا الدعوة إلى إطالة الفترة الانتقالية في السودان. وبالنسبة للأخير فإن الذي يحتاجه ليس إطالة الفترة الانتقالية بقدر ما يحتاج إلى ضمانات دستورية تضعها هيئة مستقلة وتسهر على تنفيذها. 

حراك جزائري ينتظر المزيد 

من جانبه، أجاب الحواس تقيَّة، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، عن سؤال بشأن رؤيته للمتوقَّع من الحراك الجزائري الحالي بقوله: إنَّ الحراك قد نجح في إفشال مخطط إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري لكنه لم يحقق بعد تغييرًا في بنية النظام تضمن عدم إنتاجه مجددًا؛ ما نتج عنه تمسك النظام القائم بتمديد فترة الرئيس المؤقت بعد أن تجاوز مدته الدستورية المحددة بتسعين يومًا؛ الأمر الذي يعني في المحصلة دخول البلاد إلى مرحلة غير دستورية. 

وعدَّد الحواس تقيَّة في مداخلته السمات العامة للحراك الجزائري؛ فقال: إنًّ أبرز ما يميزه هو السلمية واتساع حجم المشاركين فيه، وهو ما جعل تعامل الأجهزة الأمنية معه بالعنف غير مبرر وغير مُجدٍ. كما أشار إلى نجاح الحراك في إجبار السلطات الجزائرية الحالية على محاكمة أسماء كبيرة من رموز النظام السابق ما كان يظن أحد أن بالإمكان تقديمها للمحاكمة.

ومع ذلك -والكلام لتقيَّة- فإنَّ الحراك لا يزال يراوح مكانه فيما يتعلق بالانتقال الكُلِّي للسلطة، وأرجع ذلك إلى عدم وجود "كيان مدني" يُمثِّل المحتجين كما هي الحال -على سبيل المثال- بالنسبة لتجمع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير في السودان.

واختتم الحواس تقيَّة مداخلته باستعراض نتائج دراسة صادرة عن جامعة هارفارد بخصوص عديد الثورات الشعبية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة والتي كان أبرز ما انتهت إليه أنه كلما اتسع نطاق المشاركين في الثورة، والتزمت السلمية، وشارك فيها تيار واسع من المجتمع دون إقصاء أو تهميش، واتفق الجميع على توزيع للسلطة وعدم الاستئثار بها، كانت فرص نجاح الانتقال الديمقراطي أكثر حظًا.