في ندوة بحثية: دور الأونروا ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين

d0a837cd2f6842bb954d9e91f1425153_18.jpg
من اليمن: كرما نابلسي، فرانشيسكا ألبانيز، ليلى هلال، غادة كرمي، إيلان بابيه، عرفات شكري (الجزيرة)

أوصى باحثون وأكاديميون بارزون بزيادة الدعم الدولي المقدَّم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بهدف الحفاظ على تأمين خدماتها المستقبلية لملايين اللاجئين، في ظل تواصل أزمتها المالية. جاء ذلك خلال جلسات مؤتمر بحثي بعنوان "70 عامًا على تأسيس الأونروا: مقاومة الأزمات وبناء مستقبل عادل"، انعقد يوم السبت، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بالشراكة بين مركز الجزيرة للدراسات ومركز العودة الفلسطيني والمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بجامعة إكستر البريطانية. 

وسلَّطت المفوض العام السابقة لـ"الأونروا"، كارين أبو زيد، الضوء على الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، في ظل الاحتلال والحصار والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة؛ حيث عاشت هناك مع اللاجئين الفلسطينيين من عام 2000 إلى 2010. وأبرزت أبو زيد، التي شغلت منصب نائب المفوض العام لـ"الأونروا" من عام 2000 إلى عام 2005، قبل تعيينها في عام 2005 مفوضًا عامًّا للوكالة، النقص العام للحريات في قطاع غزة المحاصر، بما في ذلك الحق في تجاوز الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل، مما أدى إلى "استحالة التمتع أو حتى العيش فيما يمكن اعتباره في مكان آخر حياةً طبيعية".

وقالت مديرة الشؤون القانونية في "الأونروا"، راشيل إيفرز: إن استمرار وجود "الأونروا" مرتبط بتوفير احتياجات اللاجئين الفلسطينيين الأساسية نتيجة لعدم وجود حل سياسي لمحنتهم حتى اليوم. واعتبرت "إيفرز" المزاعمَ الأميركية بأن "الأونروا" تطيل مشكلة اللاجئين "غير دقيقة"، لأن وجود الوكالة مقترن بعدم وجود حل سياسي لقضيتهم على النحو الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتابعت قائلة: "لا يزال اللاجئون الفلسطينيون لاجئين طالما لم يتم إيجاد حل لقضيتهم"، لافتة النظر إلى أن "أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني مؤهلون اليوم للحصول على خدمات الأونروا في المناطق الرئيسية لعملياتها". وأفادت أن آلاف اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا مشرَّدين بعيدًا عن أراضيهم وعائلاتهم، ويحتفظون بمفاتيح منازلهم التي أجبرهم المحتل الإسرائيلي على الخروج منها، عام 1948.

وشدَّد مايكل لينك، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، على دور الأونروا في الحفاظ على حق العودة باعتباره "حقًّا فرديًّا متينًا"، مضيفًا أن الوكالة لا تزال الضامن الرئيسي لبقاء اللاجئين الفلسطينيين والرمز الرئيس لالتزام المجتمع الدولي تجاههم. ودعا لينك إلى حلٍّ عادل ودائم لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في إطار حقوق الإنسان والقانون الدولي.

وأكد السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، أن الرواية التي تثيرها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن الأونروا تطيل أمد الصراع غير صحيحة وإنما هي قصة يقف وراءها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وشدَّد السفير الفلسطيني على أن حق العودة حي في قلوب وعقول الفلسطينيين.

وقالت المحاضرة في قسم الهجرة القسرية في جامعة أكسفورد، آن عرفان: إن دعم ولاية الأونروا واستمرار عملها لا يعتبر إحسانًا من المجتمع الدولي للفلسطينيين، بل هو حق مشروع لهم. لذلك، فإن قطع خدمات الوكالة يعد انتهاكًا لحقوق الفلسطينيين.

وطرح أستاذ السياسة في الشرق الأوسط بجامعة إكستر، مايكل دومبر، خلال الجلسة، السيناريوهات المحتملة التي تؤثر على مستقبل الأونروا، بعد 70 عامًا على تأسيسها. وقال إنه من الصعب حقًّا تصور وجود الأونروا في نفس الولاية خلال 20 عامًا، وشدَّد على الحاجة إلى زيادة الدعم للوكالة من أجل مساعدتها في الحفاظ على خدماتها في المستقبل. 

وفي جلسة برئاسة كارين أبو زيد، قدمت الأستاذة المشاركة في برنامج المرأة والمجتمع والتنمية في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة، صوفي ريختر ديفرو، عرضًا تقديميًّا عن كيفية تحدي اللاجئين الفلسطينيين الشباب لمفهوم الدولة والوطن وفقًا لتصورهم الخاص للاجئين. وقالت ديفرو: إنه في أذهان اللاجئين الفلسطينيين الشباب، يُنظر إلى المخيمات على أنها مساحات يجب إرفاقها بالدولة، كبيت لهم، وليس كمكان يمكن محوه بمجرد انتهاء الاحتلال.

وتناول الباحث المستقل، تيري ريمبل، سياسات التشريد الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لحرمانهم من حقهم في العودة إلى ديارهم وأماكنهم الأصلية. بينما ناقش أحمد حسين، الرئيس التنفيذي لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا ورئيس قسم الإعلام في مركز العودة الفلسطيني، الوضع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والمجتمعات في سوريا التي مزقتها الحرب، وعمليات الأونروا قبل النزاع وبعده.

وقدَّم حسين إحصائيات محدَّثة حول عدد الضحايا والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتَكَبة ضد مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي السورية. وعرض مجموعة من التوصيات خلال مداخلته ومنها تأكيد الحاجة إلى توسيع الأونروا لخريطتها الجغرافية لتشمل اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في تركيا ومصر وجهات أخرى.

وافتتحت الجلسة الأخيرة للمؤتمر، بعنوان "العدالة للاجئين الفلسطينيين"، الباحثة الفخرية في معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر، غادة كرمي، قائلة: إن وضع اللاجئين الفلسطينيين سياسي، وبالتالي من المستحيل على الأونروا أن تبقى خارج السياسة.

وألقى أستاذ التاريخ ومدير المركز الأوروبي للدراسات بجامعة إكستر، إيلان بابيه، الضوء على السياسات الأخيرة لإدارة ترامب لنزع الصبغة السياسية عن القضية الفلسطينية، مؤكدًا أن هذه السياسات تهدف إلى إغلاق جميع الأبواب أمام حل سياسي للقضية الفلسطينية، وتحويلها إلى شأن اقتصادي.

وتطرقت الباحثة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، في عمَّان، ليلى هلال، إلى أنجع الوسائل لضمان تحقيق العدالة للاجئين الفلسطينيين. وقالت الباحثة في معهد دراسات الهجرة الدولية بجامعة جورج تاون، فرانشيسكا ألبانيز: إن الهجمات المستمرة ضد "الأونروا" تهدف إلى توفير حل يتجاهل حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وبيَّنت ألبانيز أنه في حالة فلسطين، فإن القانون الدولي لم يوفر العدالة، بل يخدم مصالح إسرائيل.

في حين قدَّم أستاذ السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، كارما نابلسي، وصفًا شاملًا لـ"الأونروا" خلال الجلسة الأخيرة للمؤتمر، مؤكدًا أنها ليست وكالة للعودة، بل هي تذكر بالمسؤولية الدولية تجاه الفلسطينيين.

كانت انطلقت في العاصمة البريطانية لندن، صباح السبت، أعمال المؤتمر الأكاديمي حول أزمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بالشراكة بين مركز الجزيرة للدراسات ومركز العودة الفلسطيني والمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بجامعة إكستر البريطانية. واحتضنت قاعة المكتبة البريطانية، فعاليات المؤتمر وتتخلله 4 جلسات عمل عُرضت فيها أوراق بحثية ناقشت واقع وتحديات "الأونروا"، في ظل أزمتها المالية المتفاقمة، والضغوط الأميركية المتواصلة عليها لمنع تجديد ولايتها. 

وافتتح المدير العام لمركز العودة الفلسطيني، طارق حمود، جلسات المؤتمر بالتأكيد على أن "الأونروا كانت وستظل إلى الأبد شاهدًا دوليًّا على معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وطبيعة هويتنا، ووضع اللاجئ الذي لن يتغير إلا عندما يتحقق حقنا في العودة إلى الأرض".

وأشار حمود إلى أهمية تصويت 170 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لصالح مشروع قرار لتجديد ولاية "الأونروا" لثلاث سنوات جديدة، على الرغم من الحملات التي شنَّتها الولايات المتحدة وإسرائيل لإلغاء ولاية الوكالة. وشدَّد على أن هذا التصويت بمنزلة "رفض لا لبس فيه للحملة الإسرائيلية للقضاء على وجود الأونروا وإلغاء الحقوق غير القابلة للتصرف للاجئين الفلسطينيين، وأبرزها حق العودة".

وأفصح حمود عن نية المركز إطلاق حملة دولية لجمع توقيعات اللاجئين الفلسطينيين "للتعبير عن الرفض الحازم لجميع محاولات إبطال حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة".

وفي كلمة مركز الجزيرة للدراسات، أكد الباحث عرفات ماضي، على أهمية انعقاد هذا المؤتمر، الذي قال إنه فرصة عظيمة لإلقاء نظرة جديدة على عمل "الأونروا" بعد 70 عامًا من تأسيسها، ولتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها والموارد التي تحتاجها، والدور الذي يمكن أن تلعبه لتأمين مستقبل أفضل للاجئين الفلسطينيين.