نظَّم مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر ندوة حوارية بعنوان "أزمة الحدود بين السودان وإثيوبيا: إلى أين؟"، يوم الثلاثاء، 16 فبراير/شباط 2021، عبر التواصل المرئي، شارك فيها الباحث السوداني، تاج السر عبد الله، والإثيوبي، نور الدين عبدا، والصومالي، ليبان أحمد شري، والمصري، أحمد فريد مولانا.
وقد استعرضت الندوة خلفيات التوتر السياسي والعسكري القائم بين السودان وإثيوبيا وعلاقته بأزمة سد النهضة والخلافات الناشبة بين دول المنبع والمصب حول تقاسم مياه النيل.
كما ناقشت انعكاس ذلك التوتر على أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي، وتطرق المتحدثون إلى احتمالات التصعيد الجاري حاليًّا أو تخفيف حدَّته خلال المدى المنظور.
قدَّم المتحدثون قراءة البلدان التي ينتمون إليها للأزمة الناشبة بين السودان وإثيوبيا ثم علَّقوا على تلك الرؤية وفقًا لمنظورهم وزاويتهم الخاصة.
استراتيجية التهدئة
وفيما يتعلق بالموقف السوداني من أزمة منطقة الفشقة الحدودية، فقد قال الباحث، تاج السر عبد الله: إن الخرطوم لا تسعى لتصعيد الموقف العسكري، وإن الجيش السوداني موجود في أرضه، كما أن السودان يريد الهدوء والاستقرار في هذه الفترة الانتقالية حتى يستتب الأمر للنظام الجديد الذي خلف نظام الرئيس، عمر حسن البشير.
وأضاف تاج السر أن إثيوبيا -كما يقرأ موقفها- لن تقوم بالتصعيد العسكري، حتى لا تستنزف جهدها الذي تحتاج إليه في تنمية البلاد، وإن ثمة دلائل تؤشر إلى ذلك، منها رغبة إثيوبيا في حل مشكلة سد النهضة سلميًّا، وكذلك مسعاها لحل الخلاف الذي كان قائمًا بينها وإريتريا بالطرق السلمية أيضًا. وخلص تاج السر إلى أن النزاع حول منطقة الفشقة لن يخرج عن هذا الإطار ولن يتم تصعيده نظرًا لاستراتيجية التهدئة، سابقة الذكر، التي تتبناها إثيوبيا.
وقال تاج السر: إن السودان يُعوِّل على الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن للوصول بالصراع الدائر حاليًّا حول سد النهضة إلى حل. كما أن الخرطوم تتوقع دورًا أكثر تأثيرًا من الاتحاد الأوروبي الذي ينسق مع الولايات المتحدة في هذه المشكلة، خاصة أن واشنطن –والكلام لتاج السر- تريد دفع النفوذ الصيني عن المنطقة.
المُعادِل الصيني للضغوط الأميركية على إثيوبيا
من جانبه، قال الباحث الإثيوبي، نور الدين عبدا: إنَّ سد النهضة هو العامل الاستراتيجي الذي يؤثر على المنطقة وليس النزاع الدائر حول منطقة الفشقة.
وأضاف أن الإدارة الأميركية السابقة، في عهد دونالد ترامب، حوَّلت المفاوضات المتعلقة بسد النهضة من مفاوضات ثنائية بين مصر وإثيوبيا أو ثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان إلى مفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية نفسها وإثيوبيا، في مسعى منها للضغط على أديس أبابا، وقد فشلت في مسعاها ولم تستجب إثيوبيا لتلك الضغوط.
وأشار عبدا إلى أن إثيوبيا تمتلك العديد من أوراق الضغط التي بإمكانها أن تستخدمها للتعامل مع الضغوط الأميركية أو الأوروبية الممارَسة عليها بشأن سد النهضة، ومنها الورقة الصينية؛ ذلك لأن علاقة الصين وإثيوبيا -كما يشير– علاقة متينة، وأن الاستثمارات الصينية في إفريقيا عمومًا وفي القرن الإفريقي خصوصًا استثمارات كبيرة وتعكس مدى الاهتمام الصيني، وهو ما تعلمه الولايات المتحدة وتعلم أن من مصلحتها إبعاد النفوذ الصيني عن إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي؛ ومنه يتوقع أن تتعامل إدارة بايدن مع أزمة سد النهضة بطريقة متوازنة.
وأضاف نور الدين عبدا أن الجانب الإثيوبي يرى أن السودان لا يصعِّد مشكلة الفشقة دبلوماسيًّا لكنه ميدانيًّا، وعلى الأرض، فإن ما حدث أنه قام بعملية عسكرية متكاملة الأركان.
ويرى عبدا أن إثيوبيا مقبلة على المرحلة الثانية من التعبئة ويهمها تهدئة الوضع الداخلي والخارجي لذلك فإنها ليست في وارد التصعيد سواء بالنسبة لمشكلة الفشقة أو لأزمة سد النهضة.
وساطة الاتحاد الإفريقي وحدها لا تكفي
أما الرؤية الصومالية، كما يعكسها الباحث الصومالي، ليبان أحمد شري، فإنَّ قوامها مرتكز على سيناريوهيْن؛ الأول: يرى أن فرص الحل الدبلوماسي والتفاوض والبحث عن حلول سلمية بمساعدة وساطة طرف ثالث قائمة وأنها تصب في مصلحة جميع الأطراف، سواء أطراف الأزمة أنفسهم أو الدول الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة في عدم تصعيد الخلافات في منطقة القرن الإفريقي.
أما السيناريو الثاني الذي يراه شري، فهو سيناريو التصعيد، وهو سيناريو ضعيف في رأيه، لأن أيًّا من أطراف الأزمة (السودان وإثيوبيا) لا يريد أن تنزلق الأمور، لأي سبب، إلى مستوى الحرب الشاملة، وعليه -يختم شري- فإنَّ هذا السيناريو بعيد التحقيق.
أما بخصوص دور الاتحاد الإفريقي، فإن ليبان شري لا يتوقع أن يكون لهذا الاتحاد دور حاسم، ومسوِّغُه في ذلك أنه (الاتحاد الإفريقي) لا يمتلك من الآليات والأدوات ما يُمَكِّنَهُ من القيام بدورٍ فعَّال وملزم، وإنما كل ما يمكنه القيام به -والكلام لشري- إنما هو فقط دور استشاري، والعمل على تهيئة المناخ للحوار والتفاوض، والتقريب بين وجهات النظر، وتكوين لجان مخصصة للتحكيم وحل النزاع ولن يكون لها قرارات إلزامية وإنما مجرَّد توصيات ومقترحات.
سياسة الوصول بالأزمة إلى حافة الهاوية
من وجهة نظره، عرض الباحث المصري، أحمد فريد مولانا، قراءته لموقف القاهرة من أزمة الفشقة، فقال: إن التصعيد النسبي الذي رأيناه في تلك الأزمة إنما هو من أجل الوصول إلى التفاوض وليس لدفع الأمور باتجاه الحرب الشاملة التي لا يريدها أحد.
وحول رؤية مصر لأزمة سد النهضة وطرق حلها، قال أحمد فريد مولانا: إنَّ القاهرة حريصة على التوصل إلى حلٍّ سلمي عبر التفاوض بشأن الخلاف الناشب مع إثيوبيا لكن الأخيرة تماطل حتى اقترب موعد الملء الثاني لخزان سد النهضة. وأضاف أن القاهرة ترى أن أثيوبيا تماطل كذلك في حل مشكلة الفشقة التي تعترف أديس أبابا نفسها بأنها أراضٍ سودانية، وعندما تحركت القوات السودانية لاستعادتها حدث التوتر الأخير.
وعن رؤية القاهرة للدور الذي يمكن للاتحاد الأوروبي القيام به في حل مشكلة سد النهضة، قال: إن مصر تعتقد بأن ثمَّة دورًا مهمًّا يمكن للاتحاد الأوروبي، وبالأخص ألمانيا التي تمثله أحيانًا في مثل هذه النزاعات، القيام به، وترجع أهمية هذا الدور إلى ما يملكه الاتحاد الأوروبي من أوراق ضغط على إثيوبيا.
وحذَّر أحمد فريد من ترك أزمة سد النهضة تستفحل أكثر من ذلك دون حل، وقال: إنَّ الأمور قابلة للتصعيد، وربما تصل إلى مرحلة الحرب، إذا لم تتدخل الأطراف الدولية ذات الوزن والاعتبار. واستشهد بالمثل القائل: "إنَّ معظم النار من مستصغر الشرر"، كما ذكَّر بالحروب الكبرى التي اندلعت وتسببت فيها أحداث صغيرة، كما هي الحال مثلًا مع الحرب العالمية الأولى التي بدأت في أعقاب اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الهنجارية، الأرشيدوق فرانز فرديناند. لذلك -والكلام لفريد مولانا- ينبغي عدم الاستهانة بالنزاع القائم بين مصر وإثيوبيا، لأن مصر تنظر إلى أزمة سد النهضة على أنها أزمة وجودية تهدد حصة مصر من المياه مما ينعكس على الزراعة والصناعة بل والحياة نفسها، لذلك قد تتبنى مصر مجموعة واسعة من الخيارات.
وعن حل أزمة سد النهضة، يرى الباحث المصري أنَّ القاهرة ترى ضرورة وجود وساطات دولية جنبًا إلى جنب الوساطات الإفريقية من أجل نزع فتيلها، أما دون ذلك فإنها ستظل موجودة وقد تخرج عن السيطرة، وأن القاهرة –يضيف فريد مولانا- ترى أنَّ الاتحاد الإفريقي ليس بيده أدوات إلزام، لذلك فإنَّ وجود الوساطة الدولية؛ الأوروبية والأميركية تحديدًا، أمر ضروري حتى لا تندلع حرب ويتبعها حالة من الفوضى في منطقة القرن الإفريقي.
وعن مدى تعويل مصر على الموقف الأميركي في ظل إدارة بايدن، قال فريد مولانا: إنَّ القاهرة حينما صعَّدت موقفها إزاء الأزمة الليبية وقتما أعلنت أن خط سرت-الجفرة خط أحمر وحشدت قواتها فإنَّ ذلك التصعيد قد أسفر عن دفع الدول الكبرى المعنية بالاستقرار في هذه المنقطة إلى البحث عن حلول سلمية مما أحدث اختراقات مهمة، فكذلك -يستنتج فريد مولانا- تود القاهرة أن تفعل في أزمة سد النهضة؛ فهي تمارس نوعًا من أنواع التصعيد لحثِّ الدول الكبرى على التدخل في الأزمة، لكن هذا لن يتحقق إلَّا بالوصول بها إلى حافة الهاوية.