عقد مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر ندوة حوارية عن بُعد، يوم الثلاثاء، 27 أبريل/نيسان، 2021، للبحث في أسباب وتداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان، وللتفاكر في الحلول التي بالإمكان أن تُخرجه منها.
وأوضحت الندوة أن أسباب تلك الأزمة ليست جديدة وإنما تعود بجذورها إلى ما بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 وعدم قدرة البلاد على تأسيس نظام سياسي مستقل، غير مرتَهن للخارج، وليس في احتياج إليه ليكون حَكَمًا في حل كل خلاف ينشأ بين القوى السياسية، فضلًا عن الفشل في تأسيس اقتصاد إنتاجي غير ريعي، بعيدٍ عن الفساد وخالٍ من الاحتكارات.
وقدَّم المشاركون في الندوة جملة من الرؤى والتصورات التي في تقديرهم بإمكانها أن تُخرج لبنان من أزمته الراهنة. بعض تلك الحلول خاصة بتعديلات دستورية، وبعضها له صلة بالتعامل المباشر مع الوضع الراهن وضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة، وإنشاء شبكة أمان اجتماعي تمتص تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعاني منها قطاعات واسعة وعريضة من اللبنانيين.
وكانت الندوة سابقة الذكر قد انعقدت تحت عنوان "لبنان: الأزمة السياسية وتداعيات الانهيار الاقتصادي"، وشارك فيها: حسام مطر، الباحث السياسي والمحاضر الجامعي، وميشال أبو نجم، منسق الأبحاث في معهد الدراسات المستقبلية ببيروت، وجورج بكاسيني، الكاتب الصحفي، وشفيق شقير، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات.
وبعد أن استعرض المتحدثون الخلفيات التاريخية للأزمة السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان حاليًّا، ومناقشة أسباب تفاقمها، كما تراها الأطراف المختلفة، سواء من زاوية حزب الله أو تيار المستقبل أو من وجهة نظر التيار الوطني الحر، انتقل الحديث إلى كيفية خروج لبنان من هذه الأزمة المستحكِمة، وفي هذا الصدد تعددت الأفكار وتنوعت الرؤى على النحو التالي:
نسخة جديدة من اتفاق الطائف
رأى الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، شفيق شقير، أن بداية الحل تكون بمعالجة العيوب التي ظهرت أثناء تطبيق اتفاق الطائف الموقَّع عام 1989، وأن البلاد باتت بحاجة إلى نسخة جديدة مستحدثة منه، يغلب عليها روح جديدة؛ تستثمر في التوافق وليس في الانقسامات وتحقيق الانتصارات، وقد يكون مناسبًا -إذا ما تم الحديث في التفاصيل- أخْذُ فكرة إنشاء مجلسٍ للشيوخ بجدية.
ورأى شقير أن يكون في لبنان "وطنية اجتماعية جديدة"، تعتمد في أساس تكوينها على تلك الشرائح الاجتماعية التي ظهرت في الحراك السياسي الحالي، والذي اجتمع فيه أبناء الشمال مع الجنوب، ورفعوا معًا مطالب إصلاحية واحدة، تنقذ البلاد من الخلل السياسي الراهن، وتعالج رقعة الفقر التي ما فتئت تتسع لتطول سكَّان الشمال والجنوب على السواء.
معالجة ثغرات النظام السياسي
من جانبه، رأى ميشال أبو نجم، منسق الأبحاث في معهد الدراسات المستقبلية ببيروت، أن الفرصة للإصلاح لا تزال موجودة حتى رغم "هذا الانهيار الحاصل"، وذلك إذا أراد اللبنانيون وكل القوى السياسية التي تمثلهم الاعتبار من دروس الماضي، والاتعاظ من التجارب السياسية والاقتصادية الخاطئة، والانطلاق في البناء من جديد.
وبالنسبة لإعادة النظر في البناء السياسي اللبناني الحالي، قال أبو نجم: إنه لابد أن تُؤخذ مطالبات التعديلات الدستوري المطروحة حاليًّا بعين الاعتبار، على أن يتم ذلك بـ"الحوار والتوافق"، وأن يكون النظام السياسي المرتجى "قادرًا على الاشتغال بفاعلية مع الاحتفاظ بالواقع التمثيلي الحالي"، وغير مضطر إلى حَكَمٍ خارجيٍّ كلما نشب الخلاف بين مكوناته.
وأشار أبو نجم إلى أن ثمة تعديلات يجب أن يشملها النظام السياسي اللبناني تسد الثغرات التي تعطِّل تشكيل الحكومة، واختيار الرئيس، وعمل البرلمان، وأن ذلك ضرورة من أجل الذهاب بإخلاص نحو بناء الدولة.
توسيع دائرة المشاركة السياسية
أما حسام مطر، الباحث والأكاديمي، فقد شدَّد على الحاجة إلى إقامة شبكة أمان اجتماعي تمتص التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة الحالية، وتحمي الشرائح الأكثر تضررًا، وتتيح لها، على مدار السنوات المقبلة، أن تتكيف مع تداعيات هذه الأزمة وتتجاوزها.
وعن الدعوات لتغيير بعض بنود اتفاق الطائف، قال حسام مطر: إن لبنان بحاجة إلى العودة لهذا الاتفاق من أجل تطبيق مجموعة من البنود كان من المفترض أن تطبق بين عامي 1991 و1992 لكنها لم تطبق، وإن الوقت قد حان لأن توضع تلك البنود على طاولة النقاش والإقرار.
وأكد مطر على أن بإمكان اللبنانيين الذهاب إلى بعض التعديلات الدستورية "بما لا يُحدِثُ خللًا في التوازنات، أو يتسبب في إخافة بعض الأطراف والمكونات الاجتماعية، لأن هذه التعديلات بالفعل يمكنها أن تساعد في ترشيد النظام السياسي الحالي.
واختتم حسام مطر رؤيته لخروج لبنان من أزمته الراهنة بقوله: علينا أن نوسع القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي الراهن، من خلال قانون انتخابي جديد، يسمح للقوى الجديدة وللأحزاب الصغيرة أن تدخل إلى البرلمان، وأن تخوض الإصلاحات من داخل مؤسسات الدولة، لإحداث التغيير المنشود.
الابتعاد عن الشعبوية وثقافة الهيمنة
أما الكاتب الصحفي، جورج بكاسيني، فرأى أن تكون بداية حل الأزمة اللبنانية الراهنة من الإسراع في تشكيل الحكومة "وفقًا للمبادرة الفرنسية التي حدَّدت مواصفات الحكومة المقبلة بما يتناسب والمصلحة اللبنانية".
وفيما يتعلق بدعوات تعديل الدستور، قال بكاسيني: "إنَّ المشكلة ليست في بنود الدستور وإنما في القوى السياسية التي ترفض الالتزام بها ولا تطبقها".
كما شدَّد بكاسيني على أهمية خروج بعض القوى السياسية اللبنانية مما وصفه بـ"أوهام السيطرة والهيمنة على الآخرين"، وتخليها عن "ثقافة الشعبوية التي تنحاز غالبًا إلى الشعارات وتبتعد عن البرامج والأرقام التي تقود فعلًا إلى حلول".