خلصت ندوة حوارية عقدها عن بُعد مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، في 17 فبراير/شباط الجاري، بعنوان آفاق تسوية الأزمة الليبية خلال عام 2022، إلى أن عمق الأزمة وحدَّة الانقسامات وتضارب المصالح يجعل من الصعب توقع أن تكون الانتخابات الرئاسية القادمة -حتى وإن أُجريت- هي السبيل المضمونة لإعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد، وأرجعت السبب في ذلك إلى وجود أطراف فاعلة في المشهد الليبي الراهن تعتبر أن التوصل إلى تسوية سياسية جذرية هو بمنزلة "إعلان وفاة" لها؛ إذ لن يعود ثمة مسوِّغ لوجودها، كما الشأن بالنسبة للبرلمان والمجلس الأعلى للدولة بحسب المشاركين في الندوة.
واستبعد المشاركون في الندوة أن يصل الخلاف الذي ظهر على السطح مؤخرًا بين وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، ورئيس الحكومة المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بشأن الترشح للانتخابات الرئاسية إلى حدِّ الصدام المسلح بينهما، وأرجعوا السبب في ذلك إلى جهود الوساطة التي تقوم بها تركيا بين الرجلين وما تتوفر عليه تلك الجهود من فرصِ نجاحٍ، كذلك إلى رغبة كل منهما في أن يكون رئيسًا شرعيًّا لكل ليبيا حال فوزه في الانتخابات، وليس رئيسًا على جزء من الأرض الليبية لا يعترف به الجزء الآخر، فضلًا عن كونهما من مدينة واحدة (مصراتة) مع ما لهذا البعد الجهوي من أهمية في المجتمع الليبي.
وكانت الندوة سابقة الذكر قد بثَّتها قناة الجزيرة مباشر والمنصات الرقمية لمركز الجزيرة للدراسات على مواقع التواصل الاجتماعي، الخميس الماضي، وشارك فيها الباحثون المتخصصون في الشأن الليبي: إسماعيل القريتلي، وعبد الرحمن الغراري، وعبد السلام الراجحي، والحسين الشيخ العلوي، وقد أشاروا فيها إلى جملة من التحديات التي تواجه ليبيا، بالإضافة إلى قضية الانتخابات الرئاسية سابقة الذكر، وفي مقدمها غياب الثقافة السياسية التي تدفع نحو تمكن الليبيين من الحوار المفضي إلى التوافق، وأوعزوا السبب الرئيس في ذلك إلى ضعف التنشئة السياسية نتيجة السنوات الطويلة لحكم القذافي وما طبعت به المجتمع من سمات الأحادية الفكرية والسياسية والانغلاق السياسي. وأوعزوا السبب أيضًا إلى غياب المؤسسات الراسخة التي تعرف كيف تدير مصالح المواطنين وتحفظ تماسك الدولة من التفكك والانهيار، فضلًا عن مشكلة مزمنة لم تجد مكانها على طاولة الحوار الوطني بعد وهي مشكلة الهوية التي تختلف السرديات بشأنها ليس على مستوى الجهة والإقليم فحسب بل كذلك على ما هو أصغر وهو مستوى المدينة الواحدة.
وانتهى المشاركون في الندوة إلى أن ليبيا بحاجة إلى مزيد من الحوار الوطني لبناء تفاهمات اجتماعية تضمن ما يتم التوصل إليه من تسويات سياسية، وإلا كانت هذه التسويات هشة ومؤقتة، سرعان ما تعود البلاد بعدها إلى ما كانت عليه من نزاع وشقاق.
ويمكن لمن فاتته فرصة مشاهدة الندوة الاطلاع عليها عبر الرابط التالي (اضغط هنا).