مشاركون في ندوة استشرافية عن تونس يتوقعون مزيدًا من تأزيم الأوضاع السياسية والاقتصادية

المشاركون في الندوة من اليمين: جوهر بن مبارك، غازي الشواشي، رابح الخرايفي، أحمد إدريس، عبد اللطيف الحناشي، عز الدين سعيدان. وأدارتها المذيعة وعد زكريا. (الجزيرة).

نَظَّمَ مركز الجزيرة للدراسات، بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، ومركز الدراسات المتوسطية والدولية بتونس، ندوة حوارية عن بُعد، يوم الاثنين، 15 أغسطس/آب 2022، بعنوان "دستور تونس الجديد: حل للأزمات أم مزيد من التعقيد؟"، شارك فيها: غازي الشواشي، الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، وأحمد إدريس، مدير معهد تونس للسياسة ورئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية، ورابح الخرايفي، الأكاديمي والعضو السابق بالمجلس الوطني التأسيسي، وعبد اللطيف الحناشي، أستاذ الفكر السياسي بالجامعة التونسية، وعز الدين سعيدان، الخبير الاقتصادي، وجوهر بن مبارك، القيادي في جبهة الخلاص الوطني، وأدارتها وعد زكريا، المذيعة بقناة الجزيرة مباشر.

استشرفت الندوة تطور المشهد السياسي التونسي بعد الاستفتاء الذي أُجري على الدستور الجديد في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي، وما أسفر عنه من تعميق للأزمة السياسية وتقليص لفرص الحوار والتوصل إلى حلول وسط بين الرئيس قيس سعيِّد ومعارضيه.

وحاول المشاركون في الندوة رسم ملامح المشهد الجديد للجمهورية التي يسعى الرئيس سعيِّد إلى إقامتها، والكيفية التي سيسهم بها الدستور الجديد في بنائها، والأسلوب المحتمل أن يتعامل به مع المعارضة الواسعة لخياراته وللدستور الذي لا تعترف بشرعيته.

وفي هذا الصدد، خلصت أغلب آراء المشاركين إلى أن الأزمة السياسية التونسية ستتواصل، وسيزداد المشهد تعقيدًا، وذلك لاتجاه الرئيس قيس سعيِّد نحو تأسيس منظومة سلطوية جديدة يتحكم فيها فرد واحد، وتنحيته المؤسسات؛ وبخاصة البرلمان والقضاء، وعدم اكتراثه بالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.   

وخلص المتحدثون إلى أن المعارضة التونسية ستظل مشتتة، ومفتقدة للرؤية الجامعة وآليات العمل المتفق عليها، ما لم تتحاور فيما بينها لتوحيد قواها، والوقوف صفًّا واحدًا أمام المحاولات الدؤوبة الجارية حاليًّا للعودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد.

أما عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومسارها وتداعياتها فقد وصف عز الدين سعيدان، الخبير الاقتصادي، تلك الأوضاع بأنها خطرة، وقال: إنَّ من المحتمل أن تزداد خطورة في المستقبل وتصل لدرجة يصعب السيطرة عليها، فتتحول من ثمَّ إلى أزمة اجتماعية تُفضي إلى اضطرابات سياسية أخطر مما تعيشه تونس راهنًا.

وقال سعيدان: إنَّ من مؤشرات هذه الأزمة عجز الحكومة عن سداد الدَّيْن الداخلي منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، مضيفًا أن كل الدول التي تمر بأزمات خطيرة مشابهة تبدأ بالتعثر في تسديد الدين الداخلي، يتبعها التعثر في سداد الدين الخارجي، وأن هذا هو المتوقع في تونس ما لم تقم بالإصلاحات المطلوبة على وجه السرعة.

وأضاف سعيدان: إنَّ الاقتصاد التونسي فقد قدرته على تحقيق الوظائف الأساسية لأي اقتصاد؛ بعد أن عجز عن تحقيق النمو، وخلق فرص عمل. وأشار إلى أن عجز الميزان التجاري التونسي وصل إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ البلاد، وذلك بعد أن ناهز ملياري دينار تونسي شهريًّا (الدولار= 3.15 دنانير)، أي إن العجز وصل خلال الأشهر السبعة الأخيرة إلى 14 مليار دينار، وإن استمر الوضع على ما هو عليه -يضيف سعيدان- فسيصل بنهاية السنة إلى 25 مليار دينار، ومما يزيد الأمر خطورة وتعقيدًا أن هذا العجز لا يُسدد إلَّا بالعملة الأجنبية التي عزَّ وجودها في تونس. وأوضح سعيدان أن هذه المرحلة التي وصل إليها الاقتصاد تأتي في ظل التراجع المستمر للقوة الشرائية للمواطن التونسي على مدار السنوات العشر الأخيرة بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50%، مع الزيادة المطردة للتضخم، والتآكل المتواصل للطبقة الوسطى التي تمثل عامل استقرار سياسي واجتماعي مهم.

وأكد سعيدان أن هذه التداعيات إنما هي نتيجة للسياسات الاقتصادية الخاطئة التي اتبعتها البلاد منذ العام 2011، وأن ما وقع في 25 يوليو/تموز 2021 على يد الرئيس قيس سعيِّد، وما قام به من إجراءات استثنائية، لم ينعكس إيجابًا على الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية، بل زاد الأمور تعقيدًا لأن شيئًا لإنقاذ الاقتصاد لم يُتخذ حتى الآن.

واختتم سعيدان مداخلته بالقول: إنَّ الأوضاع تتجه نحو المزيد من التأزم لغياب الاستثمارات الداخلية والخارجية، بعد أن أصبحت تونس بيئة غير جاذبة للاستثمارات، وبعد أن صنَّفتها المؤسسات الائتمانية الدولية تصنيفًا سلبيًّا فأوصلتها إلى "سالب سي سي سي"، وهو ما يعني أن العالم أصبح ينظر إلى تونس من الناحية الاقتصادية على أنها دولة "ذات مخاطر عالية جدًّا"، مما سيصعِّب عليها التعامل مع الخارج ماليًّا وتجاريًّا واقتصاديًّا.

وخلصت الندوة إلى أن الأوضاع المتأزمة في تونس لن تُحل فقط بالتوافقات السياسية حتى وإن تمت، ولا بدستور جديد يظن قطاع من الرأي العام أن الأمور بعده ستتجه نحو الانفراجة واليُسر، وإنما بإستراتيجية تنموية شاملة، وبإجراءات وسياسات جادة وجريئة وسريعة لإنقاذ الاقتصاد من الأزمة الخانقة والدوامة التي دخل فيها. وأنه ما لم يحدث ذلك في القريب العاجل فإنَّ الأوضاع تتجه نحو الأسوأ، وسيُترجَم ذلك كله إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة يصعب التنبؤ بمآلاتها.

يُذكر أن الندوة سابقة الذكر قد بُثَّت على قناة الجزيرة مباشر والمنصات الرقمية لمركز الجزيرة للدراسات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن لمن فاتته متابعتها إعادة مشاهدتها من خلال الروابط التالية: