هل تتشكل جبهة جديدة في البرلمان العراقي؟

تدل التحركات على الساحة السياسية في العراق منتصف 2007 على أن هناك تغييراً سيحصل داخل البرلمان على شكل انسحاب أطراف أو شخصيات منه وإعلان رفضهم العملية السياسية الجارية. ويرصد هذا التحليل الحراك السياسي الحاصل تحت قبة البرلمان.







إعداد/ وليد الزبيدي



النتائج والتوصيات
التحليل
غموض يلف المشروع



النتائج والتوصيات


1. تدل التحركات على الساحة السياسية في العراق على أن هناك تغييراً سيحصل داخل البرلمان على شكل انسحاب أطراف أو شخصيات منه وإعلان رفضهم العملية السياسية الجارية.


2. بسبب ضعف قدرة حكومة المالكي على السيطرة على الوضع الأمني وبسبب اتهامها بممارسة الطائفية، هددت جبهة التوافق بالانسحاب من البرلمان، ولكن قادتها لم ينفذوا تهديدهم بشكل عملي حتى الآن.


3. الأطراف التي هددت بالانسحاب بدأت سلسلة من اللقاءات والاتصالات المكثفة انضم إليها التحالف الكردستاني لتهيئة الأجواء والانتقال إلى مرحلة التحالفات الأوسع، حيث تستثمر هذه الأطراف الظروف المشجعة لذلك، والتي منها توجه الولايات المتحدة لرفع دعمها عن حكومة المالكي، والرفض العربي لحكومته، إضافة إلى بروز إمكانية أكبر للاتفاق بين جبهة التوافق والتحالف الكردستاني.


4. امتدت الاتصالات بغرض تشكيل هذه الجبهة الواسعة لتشمل زيارات عديدة قام بها رموز هذا التحالف الجديد إلى دول المنطقة لبحث إمكانية تشكيل الجبهة الجديدة وتغيير حكومة المالكي.


5. من المتوقع أن تبقى القوى غير المشاركة في العملية السياسية وفصائل المقاومة رافضة لأي تغيير يحصل، وستبقى تركز على مطالبها الأساسية بخروج الاحتلال وإطلاق سراح المعتقلين، وتؤكد رفضها الاعتراف بالدستور ورفض الفدرالية المقترحة.



التحليل






"
تقاسمت القوى الرئيسية المناصب العليا، فالداخلية أسندت للشيعة والدفاع للسنة والخارجية للأكراد، وظهرت كتل أخرى لا ثقل لهل كالقائمة العراقية التي يرأسها إياد علاوي والجبهة العراقية للحوار الوطني بزعامة صالح المطلق
"

تشهد أروقة العملية السياسية في العراق تحركات ونقاشات وحوارات، في محاولة لتشكيل جبهة سياسية داخل البرلمان العراقي. ورغم أن الحديث يجري عن تشكيل مثل هذه الجبهة منذ مدة طويلة، فإنه لم تظهر خطوات جدية وفاعلة على هذا الصعيد.


ثمة العديد من المعطيات والمؤشرات التي تتجه إلى أن تغييرا سيحصل قريبا داخل تشكيلات البرلمان، وسيبدأ بعملية انسحاب أطراف أو أشخاص منه وإعلان رفضهم العملية السياسية التي جاءت بالبرلمان والحكومة الحالية بعد انتخابات 15 ديسمبر/كانون الأول 2005، والتي تعرضت إلى انتقادات حادة من قبل القوى الوطنية، ورأت في العملية السياسية أداة خطيرة لتقسيم المجتمع العراقي وإثارة الفتنة الطائفية، وذلك لاعتمادها القوائم الطائفية والعرقية، إضافة إلى أنها تجري في ظل الاحتلال الأميركي.


لكن خطوات تشكيل الحكومة تواصلت وأسندت رئاسة الوزارة إلى نوري المالكي، بعد أن حصلت اعتراضات على إبراهيم الجعفري، وتوزعت القوى الرئيسية في تشكيلة البرلمان حسب الآتي:




  • الائتلاف الموحد، ويضم الأحزاب والقوى الشيعية.



  • قائمة التوافق، وتضم أحزابا وقوى سنية: مؤتمر أهل العراق، والحزب الإسلامي، ومجلس الحوار الوطني الذي يرأسه خلف العليان بعد انشقاقه عن مجلس الحوار الذي كان يرأسه صالح المطلق.



  • التحالف الكردستاني ويضم: الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال الطالباني، والاتحاد الإسلامي الكردستاني برئاسة صلاح الدين بهاء الدين.

وتقاسمت هذه القوائم المناصب العليا في الدولة والوزارات الرئيسية، كالداخلية التي أسندت للشيعة، والدفاع للسنة، والخارجية للأكراد. كما ظهرت كتل أخرى في البرلمان كالقائمة العراقية التي يرأسها إياد علاوي، والجبهة العراقية للحوار الوطني بزعامة صالح المطلق، إلا أنه لم يكن هناك أي ثقل لهذه القوائم، بسبب هيمنة الكتل الكبيرة واستحواذها على الوزارات والمناصب.


وبعد ظهور نتائج الانتخابات شككت هذه الكتل بالنتائج (جميع الذين اشتركوا في الانتخابات ما عدا الائتلاف الموحد والتحالف الكردستاني)، وأعلنوا عبر بيانات ومؤتمرات صحفية حصول عمليات تزوير كبيرة جدا، ومن ثم تم تشكيل جبهة موحدة أسموها "جبهة مرام" لفضح التزوير والوقوف بوجه الائتلاف الشيعي والتحالف الكردي. إلا أنه سرعان ما انهارت هذه الجبهة، بعد أن حصلت جبهة التوافق على مناصب ووزارات مهمة.


انطلقت عملية تشكيل الحكومة في مايو/أيار العام الماضي، ومع انطلاقتها شهد العراق مرحلة دموية لا مثيل لها، فبينما كان المشاركون في العملية السياسية يتحدثون عن "حكومة وحدة وطنية"، كانت أنهار الدماء تزداد، فأطلقت هذه الحكومة المليشيات الطائفية التي تساندها وتدعمها الأجهزة الحكومية، وبرزت ظاهرة الجثث المشوهة التي يُرمى بها بالعشرات يوميا في المكبات والأنقاض والأنهر والطرقات، كما ازدادت عمليات الاختطاف الجماعي التي تجري في وضح النهار وأمام أنظار أجهزة الداخلية والدفاع.


وكانت الحافلات التي تقل المختطفين تتجه مباشرة إلى مدينة الثورة (الصدر) التي يسيطر عليها بالكامل جيش المهدي، كما انتشرت ظاهرة الاختطاف والقتل على الهوية في مختلف أنحاء العراق. ومع التردي الكبير في الأمن تراجعت الخدمات إلى أسوء درجاتها، واستثمرت بعض الكتل -التي لم تحقق حضورا قويا- هذه الأوضاع لتبدأ حملة انتقادات شديدة ضد الحكومة.


انتقلت حملة انتقاد الحكومة هذه إلى مرحلة التهديد بالانسحاب من البرلمان والحكومة، ثم إلى العمل على تشكيل جبهة جديدة من شأنها تغيير الحكومة الحالية. وجاءت أكثر التهديدات من جبهة التوافق بسبب الممارسات الطائفية لحكومة المالكي.


ورغم مرور أكثر من ستة أشهر على تلك التهديدات، لم ينفذ أحد تهديده. ومن أبرز الذين لوحوا بالانسحاب رئيس جبهة الحوار صالح المطلق، ورئيس الحزب الإسلامي العراقي طارق الهاشمي، ورئيس جهة التوافق العراقية عدنان الدليمي، ورئيس القائمة العراقية إياد علاوي.


وتشير المعلومات إلى أن اتصالات ولقاءات تجري بكثافة لتشكيل الجبهة الجديدة بين الأطراف التي لوحت بالانسحاب، لتهيئة الأجواء والانتقال إلى مرحلة التحالفات الأوسع والتي ستكون مع التحالف الكردستاني.


ويستند الراغبون في تأسيس هذا التشكيل البرلماني الجديد إلى أربعة عوامل أساسية هي:




  • الإنذارات الأميركية المتلاحقة لحكومة المالكي وتحديد فترة زمنية قصيرة لها قد لا تتجاوز الشهرين حسب رأي البعض، مما يعني أن الإدارة الأميركية ستكون داعمة لحكومة أخرى تتصرف بطريقة تقلل من مظاهر العنف بصبغته الطائفية، بعدما سجل هذا العنف أعلى مستوياته في عهد نوري المالكي.



  • الانقلاب على حكومة المالكي عن طريق البرلمان هو الأكثر قبولا من قبل الإدارة الأميركية لأنها ستحقق هدفين في آن معا، إذ ستُزاح حكومة المالكي التي أصبحت عبئا على الأميركيين ولم تحقق شيئا على صعيد التخلص من الجماعات المسلحة، قلق أميركا الأكبر. وسيظهر هذا التغيير أمام العالم على أنه أحد الممارسات الديمقراطية، كما أن هذا الواقع الجديد قد يهيئ الأجواء لإجراء المصالحة التي تعمل الإدارة الأميركية على إنجازها، على أمل التخفيف من إصرار فصائل المقاومة على الاستمرار في شن الهجمات التي تلحق المزيد من الخسائر بالقوات الأميركية والأجهزة الأمنية العراقية.



  • إمكانية الاتفاق مع الكتلة الكردية التي تحاول استثمار هذه الأوضاع والحصول على مكاسب فيما يتعلق بقضية كركوك وبمشروع الفدرالية، ولو كانت هذه المكاسب عبارة عن وعود من قبل السياسيين. كما أن الأكراد لن يرفضوا خطوة تريدها الإدارة الأميركية، خاصة إذا ضمنت لهم ما يريدون من مناصب عليا في السلطة خاصة رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية.



  • الموقف العربي يتجه صوب تغيير حكومة المالكي بسبب ممارساتها الطائفية التي خلقت أجواء مشحونة داخل الدول العربية بحسب ما تعكسه المجالس وما يتحدث به الرأي العام، كما أن شعور الغالبية فيما يخص هدف حكومة المالكي هو القضاء على طائفة بعينها وتسليم العراق إلى إيران التي يرتبط المالكي معها بعلاقات قديمة وقوية. كما أن بعض الحكومات العربية أجرت العديد من الاتصالات مع قادة هذه الكتل التي ترغب في تشكيل جبهة جديدة بهدف تغيير الحكومة، الأمر الذي شجع هذه الكتل على المضي في تحقيق مشروعهم.


غموض يلف المشروع





"
قرار الإدارة الأميركية حاسم في السياسة العراقية الداخلية، إذ لديها توقيتات محددة للسماح لكل الكتل السياسية بإعلان موقفها من حكومة المالكي
"
شهد الشهران الماضيان حركة اتصالات وزيارات كثيفة وواسعة، علنية وسرية. فقد زار إياد علاوي دول الخليج والأردن ودولا أخرى، وتحرك أيضا كل من صالح المطلق وطارق الهاشمي وخلف العليان وعدنان الدليمي، وقد تردد أنهم قدموا أثناء هذا التحرك شرحا وتوضيحا لما يخططون له.

وبهدف ترتيب هذه الأمور، توجه مسعود البارزاني إلى السعودية والتقى كبار المسؤولين فيها. وكان المحور الرئيسي لهذا اللقاء هو إمكانية تشكيل الجبهة الجديدة وتغيير حكومة المالكي. كما أن قادة الكتل التقوا فيما بينهم، وتفيد المعلومات بأنهم عقدوا العديد من الاجتماعات سواء في العراق أو الأردن.


ولكن رغم كل هذه الترتيبات لم تظهر هذه الجبهة بعد إلى الوجود، وقد يقف وراء ذلك تردد جبهة التوافق ومطالبتها التأجيل في كل مرة. ولم يجد المراقبون لذلك سببا واضحا، وإن كان البعض يذهب إلى أن الأمر مرتبط بقرار الإدارة الأميركية التي لديها توقيتات محددة للسماح لهذه الكتل بإعلان موقفها من حكومة المالكي.


كما أن هناك أعضاء في هذه الكتل يرفضون الانسحاب كمرحلة أولى لإرباك البرلمان. ويربط آخرون بين حالة الغموض والتأخير في إعلان موقف واضح من العملية السياسية برمتها، بسبب الرواتب الضخمة التي يتقاضاها النواب مع المخصصات الكبيرة للحمايات والتنقل والسكن وغيرها.


وبسبب كل هذا، فإن المعلومات تفيد بأن عدم الاتفاق على تشكيل هذه الجبهة خلال فترة قريبة قد تدفع بالعديد من أعضاء البرلمان إلى إعلان انسحابهم منه وكشف موقفهم من العملية السياسية والحكومة. ويتردد أن بعض الخلافات قد بدأت تبرز بين أعضاء التشكيلة المقبلة، والتي تتمحور حول المناصب والمسؤوليات في الحكومة.


يثير هذا التحرك مخاوف واسعة لدى الائتلاف الموحد الذي يرأسه عبد العزيز الحكيم. وقد أعلن العديد من أعضاء الائتلاف أنهم لن يسمحوا بمثل هذه الخطوات التي يعتبرونها محاولة لإقصائهم نهائيا من السلطة. وهناك أطراف أخرى في الائتلاف تتحرك للدخول في التشكيلة الجديدة، إذ جرت اتصالات مع حزب الفضيلة الذي أعلن انسحابه من العملية السياسية، وقد طالب مرشده الأعلى المرجع السيد اليعقوبي بتفكيك الكيانات التي تأسست على أسس عرقية وطائفية. ومن المتوقع أيضا أن يلتحق أعضاء التيار الصدري بهذه الكتلة الجديدة.



إذا كان غير واضح ما تريده هذه الكتل، فإن الخط العام الذي تتحدث عنه الغالبية منهم يركز على فشل الحكومة وعدم قدرتها على ضمان الأمن وعدم توفير أبسط أنواع الخدمات للمواطنين. أما الشارع العراقي فإنه لا يتوقع حلولا سحرية للمأساة اليومية، لكن الغالبية تتوق إلى استبدال الحكومة الحالية، على أمل أن يتغير سلوك الأجهزة الأمنية التي تمارس عمليات الاعتقال والاختطاف والتعذيب واقتحام البيوت واقتياد الرجال إلى مصير مجهول.


ومن المتوقع أن ترفض القوى الرافضة للاحتلال وفصائل المقاومة أي تغيير يحصل، وستتركز مطالبها أساسا على إخراج الاحتلال وإطلاق سراح المعتقلين وتنظيف الأجهزة الأمنية والحكومية من العناصر الطائفية والفاسدة وعدم الاعتراف بالدستور ورفض الفدرالية.
_______________
باحث متعاون
العدد الثامن من تقدير موقف صادر بتاريخ 2 يونيو/حزيران 2007