ما هي "أفريكوم"؟
التدريبات والمناورات
"أفريكوم" لمواجهة من؟
لماذا مقرها في شتوتغارت؟
المنافسة الأميركية الصينية
رشيد خشانة |
وعندما يتطرق الكتاب إلى تجليات تصادم القوة الآسيوية الأولى مع القوى الغربية الجاثمة على صدر أفريقيا يُدرك المرء الأسباب التي تدفع قوة بوزن الولايات المتحدة إلى تطوير خططها للتشبث بمواقعها في القارة ومواجهة النفوذ الصيني الزاحف، بما في ذلك إعادة النظر في الأدوات العسكرية التقليدية.
وتكريسا لهذه الرؤية الجديدة تغيرت السياسة العسكرية الأميركية في أفريقيا، فبعدما كانت الولايات المتحدة تكتفي بعلاقات تعاون عسكرية مع بعض البلدان "الحليفة" وتتحاشى أن يكون لها حضور عسكري مباشر مثلما تفعل الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة، صارت تسعى لتحصيل قواعد واكتساب مواقع نفوذ، وشكلت للمرة الأولى في تاريخها العسكري قيادة عسكرية خاصة بالقارة الأفريقية.
" أضيفت القيادة الجديدة للقيادات الإقليمية الخمس السابقة ومن ضمنها القيادة الأميركية في أوروبا، والقيادة المركزية الأميركية، والقيادة الأميركية للمحيط الهادي " |
وللولايات المتحدة في هذين المجالين حزمة من برامج التعاون العسكرية مع بلدان شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء، نذكر منها ثلاثة برامج رئيسية على الأقل هي أولا تدريب القوات على حفظ السلام في إطار برنامج "أكوتا" للتدريب والمساعدة، وثانيا "أيمت" أي برنامج التدريب والتعليم العسكري الدولي، وثالثا البرنامج الرئاسي لمكافحة الإيدز. وتُقدر موازنته بأكثر من 18 مليار دولار على مدى خمسة أعوام، لكن هذه البرامج قابلة للمراجعة في ضوء ضغوط الأزمة المالية الحالية على الموازنة الفدرالية.
وكان الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش قد استجاب لضغوط استمرت سنوات في صلب المؤسسة العسكرية الأميركية، بالإعلان يوم 6 فبراير/شباط 2007 عن قرار سبق أن اتُخذ قبل سنة في الحقيقة، ويخص تكوين مركز مستقل للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا بعدما كانت مرتبطة بقيادة القوات الأميركية في أوروبا.
وأضيفت القيادة الجديدة للقيادات الإقليمية الخمس السابقة ومن ضمنها القيادة الأميركية في أوروبا، والقيادة المركزية الأميركية، والقيادة الأميركية للمحيط الهادي.
ويُقدم رئيس قيادة "أفريكوم" تقاريره مباشرة إلى رئيس الدولة الأميركية أسوة برؤساء القيادات الإقليمية الخمس الأخرى في العالم. ودل هذا التطور على مؤشرين جديدين أولهما إصرار الولايات المتحدة على دخول حلبة الصراع مع القوى الأوروبية والآسيوية على النفوذ والثروات في القارة الأفريقية، خصوصا مع تزايد أهمية المواد الأولية التي تضاعفت أسعارها في الأسواق العالمية وبالأخص النفط، وثانيهما تصاعد الأخطار التي باتت تهدد السفارات والشركات الأميركية في أفريقيا منذ الهجوم المزدوج على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام سنة 1998، ثم تفجير السفينة الحربية الأميركية "كول" في خليج عدن سنة 2000، وتزايد نشاط تنظيم "القاعدة" في القرن الأفريقي.
وبناء على ذلك تشكلت قيادة انتقالية واختير على رأسها نائب رئيس القيادة الأميركية في أوروبا الجنرال وليم وارد، استنادا إلى معرفته الواسعة بالمنطقة التي كانت تتبع القيادة الأميركية الخاصة بأوروبا في شتوتغارت. وكان الأميركيون قد قرروا في سنة 1983 جعل أفريقيا تحت جناح قيادتهم المركزية في أوروبا بالنظر إلى أن معظم البلدان الأفريقية مستعمرات أوروبية سابقة حافظت على علاقات سياسية وثقافية متينة مع المستعمر السابق. وتشتمل "أفريكوم" مساعدا للقائد العام مختصا في العمليات العسكرية ومساعدا للشؤون المدنية.
" وجد الأميركيون في تزايد نشاط تنظيم "القاعدة" في منطقة شرق أفريقيا منذ عهد الرئيس كلينتون مُبررا لتكثيف الاهتمام العسكري بالقارة وخاصة بعد الضربتين المُوجهتين لسفارتيهم في كينيا وتنزانيا " |
ووجد الأميركيون في تزايد نشاط تنظيم "القاعدة" في منطقة شرق أفريقيا منذ عهد الرئيس كلينتون مُبررا لتكثيف الاهتمام العسكري بالقارة وخاصة بعد الضربتين المُوجهتين لسفارتيهم في كينيا وتنزانيا. ويعتقد المخططون الأميركيون أن هذا الخطر لم يزُل اليوم بل تفاقم مع انتشار الفوضى في الصومال وتعفن الحرب في إقليم دارفور واحتدام الصراع بين إثيوبيا وإريتريا وبين تشاد والسودان وبين إثيوبيا والسودان. ودفع انتشار "القاعدة" في شمال أفريقيا في السنوات الأخيرة بدءا من تبني الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيس "الغريبة" في جزيرة جربة التونسية في أبريل/نيسان 2003 والذي أسفر عن مقتل 22 شخصا بينهم 14 سائحا ألمانيا، وانتهاء بالهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط في وقت سابق من العام الجاري، دفع الأميركيين إلى الانتقال إلى مرحلة أعلى من "التنسيق" العسكري والأمني مع حكومات المنطقة.
وتجلى ذلك شرقا في توسيع القاعدة التي يملكونها في جيبوتي والتي تضم 1800 جندي وضابط ونشر قطع بحرية وجوية حول حاملة الطائرات "أيزنهاور" في سواحل الصومال (وهي عبارة عن قاعدة عائمة). أما غربا وشمالا فتجلى من خلال الجولتين اللتين قام بهما كل من وزير الدفاع السابق رمسفيلد ورئيس مكتب التحقيقات الفدرالي في المنطقة (بشكل منفصل) واللتين تلتهما مطالبة ملحة للحكومات المغاربية بقبول استضافة مقر "أفريكوم". وردت الجزائر علنا على هذه المساعي بالرفض، في حين اختارت العواصم الأخرى إحاطة الملف بالتكتم الذي تقتضيه الملفات الأمنية الدقيقة.
مع ذلك يتفق المراقبون على أن انتقال "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية إلى حضن "القاعدة" شكل علامة فارقة حسمت التجاذب بين الدول المطلة على الصحراء الكبرى والولايات المتحدة في اتجاه إرساء شراكة عسكرية وثيقة جسدتها المناورات السنوية المشتركة في أحد بلدان المنطقة، وإرساء "الشراكة العابرة للصحراء لمكافحة الإرهاب" التي عقدت ندوتها الثالثة في دكار يوم 7 فبراير/شباط 2007 بمشاركة رؤساء أركان كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا (ليبيا غير مشاركة) والنيجر ومالي وتشاد والسنغال ونيجيريا، بإشراف الجنرال وارد الذي كان آنذاك مساعدا لقائد القوات الأميركية في أوروبا. ويمكن تفسير إشراك نيجيريا رغم بعدها عن الصحراء إلى تنامي التيارات الإسلامية فيها على خلفية التنوع الإثني والديني اللذين يُميزانها.
وفسر القائد العسكري السنغالي عبد القادر غاي دوافع تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة بأن مكافحة التنظيمات الإرهابية "تقتضي تطوير التنسيق لتبادل المعلومات الاستخبارية من أجل مواجهة الطابع العابر للبلدان الذي أصبح يكتسيه الإرهاب وتحديث الجيوش (المحلية) التي ما زالت تُعتبر تقليدية ولم يصلب عودها بما يكفي لمواجهة صراعات من نوع جديد تحتاج لمراس في مكافحة الإرهاب". ووضع غاي الولايات المتحدة "في الصف الأول من القوى العظمى التي ينبغي إقامة شراكة معها في هذا المجال".
ويعتبر المحللون أن التجسيد الفعلي لتلك الشراكة بدأ مع المناورات المشتركة التي جرت في يونيو/حزيران 2005 تحت مُسمى "فلينتلوك (Flintlock 2005) في السنغال، والتي باتت تقليدا سنويا. ورمت المناورات إلى تكريس الرؤية العسكرية التي صاغتها القيادة الأميركية في سنة 2003 والتي تقول بأن حماية الولايات المتحدة من الأخطار الإرهابية لا تبدأ من الأراضي الأميركية بل من "منابع الإرهاب" في آسيا وأفريقيا. وركزت تلك الخطة على تطوير قدرات الجيوش المحلية وتأهيل كوادرها كي تستطيع القيام بتلك المهمة بنفسها وليس بحلول قوات أميركية محلها. ويأمل الأميركيون أن تؤدي هذه الخطة إلى حرمان التنظيمات المرتبطة بـ"القاعدة" من العثور على ملاذ آمن في منطقة الصحراء، وخاصة في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومات المركزية مثل شمال مالي.
وتعززت هذه العلاقات في ندوة "الشراكة العابرة للصحراء من أجل مكافحة الإرهاب" التي استضافها السنغال في 2007. وعلى هذا الأساس سيُعهد لـ"أفريكوم" بتطوير التعاون العسكري مع البلدان الأفريقية التسعة و"كذلك قيادة عمليات حربية عند الاقتضاء". كما أن القيادة الإقليمية الجديدة ستُتيح للبنتاغون تحصيل المعلومات الخاصة عن القارة إذ اعتبر مدير "مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية" أن ضمان "حضور دائم للقوات الأميركية في القارة يسهل حصولنا على المعلومات والتعرف عن قرب على الفاعلين الأساسيين في الميدان الأمني، ذلك أن حضورنا يمثل طريقة جيدة في إقامة حوار قوي ومبادلات مع القيادات الأفريقية" على نحو ما ذكر (USINFO, 18 janvier 2007).
وهكذا فإن إنشاء القيادة العسكرية الجديدة في أفريقيا يُشكل ترجمة للرؤى والخطط إلى هيئات نافذة على أرض الواقع بعدما بقيت فترات طويلة في رفوف مراكز الأبحاث السياسية والأكاديمية الأميركية.
رسميا تُعتبر "أفريكوم" من المنظور الأميركي موجهة بالدرجة الأساسية ضد الأخطار التي يمثلها تنظيم "القاعدة". وأكدت التصريحات التي أدلى بها الجنرال وارد بعد تسميته في منصبه الجديد أن الإدارة الأميركية تعتبر منطقة الشمال الأفريقي والساحل والصحراء مُعرضة لتهديدات "القاعدة" وهجماتها. وحسب وارد تتمثل المهمة المركزية لـ"أفريكوم" التي رُصدت لها موازنة سنوية تُراوح بين 80 و90 مليون دولار، في "ضرب قدرة المتطرفين المسلحين على قتل المدنيين الأبرياء أو إصابتهم بجروح" طبقا للطرح الأميركي. وفي هذا السياق أوضح وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أن "أفريكوم" ستمكن الولايات المتحدة "من أن تكون لها نظرة أكثر فعالية وتماسكا في أفريقيا على أنقاض الرؤية الحالية التي هي من مخلفات الحرب الباردة".
أما مساعدته تيريزا والن فاعتبرت في مقال منشور على موقع القيادة الأفريقية أن "أفريكوم" ستكون الجزء الأكثر بروزا من التحركات الأميركية لتعزيز العلاقات في الساحة الأفريقية. واعتبرتها أهم أداة لتقديم العون الأميركي للبلدان الأفريقية في المجالات العسكرية وغير العسكرية أيضا. ومما أورده موقع "أفريكوم" على شبكة الويب أن هذه القيادة ستُؤمن مناخا مضمونا وآمنا للسياسة الأميركية في أفريقيا بالتعاون مع وكالات حكومية وشركاء دوليين.
غير أن دولا أوروبية ذات حضور عتيق في القارة لا تشاطر الرؤية الأميركية وترى فيها مبالغة وتضخيما للأخطار بُغية التمهيد لوضع القدم في المنطقة وإزاحة النفوذ العسكري لمنافسيها الأوروبيين في القارة. وهناك تفسير آخر يُركز على استجلاء المصالح الاقتصادية من وراء هذه المبادرة، فضمان الاستقرار السياسي للولايات المتحدة وتأمين الصلابة لاقتصادها يحتاجان، من بين عناصر أخرى، إلى حماية إمداداتها النفطية الآتية من أفريقيا. ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن 15% من واردات الولايات المتحدة من النفط تأتي من القارة الأفريقية.
ويُرجح الخبراء أن يرتفع الاعتماد على النفط الأفريقي إلى 25% في العقد المقبل، أي ضعف النسبة الحالية، بالإضافة للإمكانات التي ستُفتح في وجه منتوجاتها للوصول إلى الأسواق الأفريقية التي ظلت، تقليديا، حكرا على الأوروبيين والصينيين. وتُفيد الإحصاءات الموثوق بها أن نيجيريا تضم احتياطات نفطية وغازية تُقدر بـ31 مليار برميل وليبيا احتياطات بـ40 مليار برميل والجزائر بـ12 مليار برميل وتشاد بـ1 مليار برميل والسنغال بـ700 مليون والسودان بـ563 مليون برميل والنيجر وتونس وموريتانيا بـ300 مليون برميل لكل منها.
والجدير بالذكر هُنا أن 87% من المبادلات التجارية الأميركية الأفريقية متكونة من النفط ومشتقاته، مع الإشارة إلى أن نقل النفط والغاز من الواجهة الأطلسية لأفريقيا إلى السواحل الشرقية الأميركية أقل كلفة من نقله من الشرق الأوسط وأبعد عن خطر النزاعات التي تهز تلك المنطقة باستمرار.
سعت الولايات المتحدة طيلة الأشهر الثمانية عشر التي استغرقها التحضير لإطلاق "أفريكوم" لإقناع البلدان المغاربية الخمسة وبلدان أخرى مُطلة على الصحراء الكبرى باستضافة مقر القيادة على أراضيها. إلا أن تلك الجهود التي قام بها مسؤولون مدنيون وعسكريون أميركيون جالوا في عواصم المنطقة أكثر من مرة، لم تُكلل بالنجاح. وبرهن إخفاق المساعي الأميركية لدى الدول المغاربية وخاصة الجزائر وموريتانيا، على حرج الدول المعنية من استضافة قيادة تثير من المشاكل أكثر مما تجلب من الفوائد، خصوصا في ظل رئيس أميركي منتهية ولايته. وكان رئيس ليبيريا إلين جونستون سيرليف هو الزعيم الأفريقي الوحيد الذي رحب باستضافة مقر قيادة "أفريكوم" في بلده، لكن الأميركيين هم الذين تحفظوا على ذلك ربما لبعد البلد عن مركز الدائرة التي تهمهم.
مع التراجع النسبي لنفوذ الإمبراطوريات الأوروبية السابقة في أفريقيا (بريطانيا وفرنسا والبرتغال وأسبانيا وبدرجة أقل إيطاليا)، تبدو الصين اليوم أهم مُنازل للولايات المتحدة في القارة الأفريقية، وخاصة في منطقة التماس السودانية التشادية حيث يدور صراع غير مُعلن على نفط دارفور وتشاد. ويقول مؤلف كتاب "الهجوم الصيني في أفريقيا" على لسان الأوروبيين: هل ينبغي التباكي على النفوذ الضائع أم التصدي للهجوم (الصيني) القادم بثبات؟ ويعكس هذا السؤال بلا ريب حالة الحيرة التي طالما طبعت القيادات العسكرية الغربية العاملة في القارة.
ولاشك أن الصينيين استفادوا وما زالوا يستفيدون من مشاعر الكراهية إزاء الإدارة الأميركية، المنتشرة لدى الشعوب، والتي سيُغذيها الوجود العسكري الأميركي المباشر في القارة الأفريقية، وخاصة في ظل الحروب المستمرة في العراق وأفغانستان.
غير أن الجنرال وارد أكد لدى سماعه أمام أعضاء لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي في مثل هذا الشهر من العام الماضي أن دور "أفريكوم" سيقتصر على حماية الحدود وضمان الأمن البحري (أمن السفن) وتنفيذ عمليات في إطار مكافحة الإرهاب. ووضع جانبا أي إمكانية لإقحام الولايات المتحدة في عمليات ترمي لحماية مصادر الطاقة في القارة. وسعيا لإعطاء صورة ناعمة عن القيادة العسكرية الجديدة تقرر إخضاعها لرقابة الأجهزة الأميركية المكلفة بالتعاون من أجل التنمية ربما لنزع الطابع العسكري عنها. ويستدل الأميركيون على ذلك بتعيين مساعدين للجنرال وارد الأول عسكري هو الأدميرال المساعد روبرت موللر المكلف بالعمليات والثانية هي السيدة ماري كارلين يايتز الدبلوماسية في الجهاز الخارجي الذي يسهر على المساعدة التنموية. وإليها أحيلت مهمة التوفيق بين المساعدات العسكرية وتلك ذات الطابع المدني البحت بحكم خبرتها السابقة في كل من وزارة الخارجية ومؤسسة المساعدة من أجل التنمية. ولعل هذه التجربة الجديدة في "أفريكوم" هي المرة الأولى التي يخضع فيها نشاط عسكري أميركي لرقابة مدنيين وتوجيهاتهم.
خاتمة
يُشكل تأسيس قيادة "أفريكوم" انعطافا بارزا في خريطة "البنتاغون" الدولية على نحو منح القارة الأفريقية وزنا أكبر في علاقة بتنامي حاجة الولايات المتحدة إلى النفط الأفريقي. وهي مبادرة تندرج في سياق الحرب الوقائية التي تخوضها الولايات المتحدة ضد ما بات يُعرف بـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وترمي للحيلولة دون حصولها على ملاجئ آمنة في بلدان الساحل أو انتشارها شرقا نحو منطقة القرن الأفريقي. ومن الواضح هنا أن القيادة العسكرية الأميركية تشعر بالقلق من الوضع في شرق أفريقيا لكونها ترى فيه قاعدة خلفية لتنظيم "القاعدة" وجسرا نحو أفغانستان عبر الصومال. وهذا ما حملها على اتخاذ جيبوتي قاعدة عسكرية يتمركز فيها 1800 عنصر من المارينز بالإضافة لتمركز مجموعة من القطع البحرية والجوية الأميركية حول حاملة الطائرات دوايت أيزنهاور في سواحل الصومال المجاورة لجيبوتي. وبهذا المعنى كرس تأسيس "أفريكوم" نقلة في الحضور الأميركي في القارة من الاكتفاء بالحضور السياسي والاقتصادي طيلة نصف قرن، أي منذ مرحلة الاستقلالات الأفريقية، إلى فرض حضورها العسكري المُترافق مع تزايد الاعتماد على مصادر الطاقة في القارة.
لكن الثابت أن تكثيف الحضور العسكري المباشر هذا لا يمكن إلا أن يزيد من إذكاء المشاعر المعادية للولايات المتحدة، والتي تستثمرها الجماعات المتشددة لكسب الأنصار وتوسيع رقعة عملياتها، مما يجعل الشراكة الجديدة التي تُديرها "أفريكوم" والتي تبدو دواء من الإرهاب، ستكون ربما أحد مصادر الداء. فعلى رغم محاولات الطمأنة الأميركية، التي تسعى لإشعار الحكومات الأفريقية المُهددة بعمليات "القاعدة" (الحقيقية حينا والافتراضية في غالب الأحيان) بأن حليفا قويا يقف إلى جانبها، أتت النتائج على عكس الآمال المُعلنة إذ تكثفت العمليات في موريتانيا والجزائر واتخذت منحى تصاعديا في النيجر ومالي وتشاد، مما يوحي بأن تواري القوات الأميركية عن المنطقة يظل أفضل من وجودها.
_______________
كاتب ومحلل سياسي تونسي
أعد هذا التقرير (تقدير موقف) في أكتوبر 2008.