أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي وعودة طالبان؟

يتناول التقرير فشل عملية "مشترك" باعتبارها محطة في الخلل الذي تعاني منه القوات الأميركية والأفغانية في مواجهة طالبان، ويستعرض السيناريوهات التي تصممها مختلف الجهات للتعامل مع عودة طالبان الأكيدة.







 

د. أحمد موفق زيدان


ربما سيذكر المؤرخون كثيرا عمليات " مشترك" على منطقة مرجة في ولاية هلمند الأفغانية، التي شنتها القوات الأميركية والأفغانية المشتركة في شباط / فبراير من العام الجاري، كعلامة فارقة ونقطة تحول في تاريخ الحرب الغربية على طالبان.

فهذه العمليات توقع لها القادة العسكريون الغربيون أن تكون نقطة تحول مهمة في القضاء على معاقل طالبان، وتمكين القوات الأفغانية من ملء الفراغ الذي ستخلفه القوات الأجنبية حال انسحابها العام المقبل، إلا أنها شكلت انتكاسة حقيقية للجهود الغربية في الحرب على القاعدة وطالبان، ورفعاً قوياً لمعنويات طالبان والقاعدة، خصوصا وقد انتهى هذا الفشل بعودة قوية لطالبان إلى مرجة نفسها، بالإضافة إلى التأخر الأميركي في عمليات قندهار التي كانت مرتقبة  بعد عمليات مرجة.

وهو ما تبعته الخلافات التي دبت بين قادة البنتاغون أنفسهم، وانطلاق لعبة التلاوم بين السياسين والعسكريين، ودخول الأمم المتحدة على خط تصالحي جديد تمثل في تغيير أسماء القائمة السوداء لقادة طالبان المطلوبين بعد تصريح الرئيس الأفغاني حامد كرزاي من أن هزيمة طالبان عسكريا أمر مستحيل.

المفارقة الكبرى بنظر المراقبين العسكريين، هي أن يطلب البنتاغون شراء مروحيات عسكرية روسية من طراز إم آي 17 للجيش الأفغاني بحجة أن هذه المروحيات صممت للقتال في أفغانستان، وهو تماما ما يذكر بتزويد واشنطن للمجاهدين الأفغان بصواريخ ستينغر التي لعبت قبل عامين تقريبا من الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، دورا مهما في تسريع عملية الانسحاب.

الجدل في الدوائر الأميركية والغربية بشكل عام إزاء الحرب في أفغانستان تصاعد لأسباب على رأسها فشل عمليات مرجة، وتأخير عمليات قندهار، والوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي باراك أوباما على نفسه ببدء الانسحاب في صيف العام المقبل.

وهنالك قناعة غربية راسخة بعجز القوات الأفغانية المحلية عن ملء الفراغ الذي ستخلفه القوات الغربية، يضاف إليها التبرم البريطاني الجديد  الذي جاء على لسان رئيس الوزراء الجديد ديفيد كاميرون من البقاء في أفغانستان، وتعهد عدد من الدول ببدء الانسحاب من أفغانستان. وفوق هذا كله التقدم العسكري الكبير لطالبان والقاعدة الحاصل على الأرض الأفغانية الذي يتزامن مع مراجعة الأميركيين لسياستهم في أفغانستان في شهر كانون أول / ديسمبر المقبل لتقرير خطواتهم المقبلة.

في هذه الورقة أود أن أتحدث عن الواقع العسكري في أفغانستان، والخيارات المطروحة، وموقف الأطراف منها، والسيناريوهات المحتملة في أفغانستان ما بعد بدء الانسحاب الغربي منها.

الوضع العسكري
الخيارات السلمية المطروحة
سيناريوهات أفغانية


الوضع العسكري





ما رشح من تصريحات أميركية وبريطانية يشير حتى الآن، إلى مدى التخبط العسكري الذي تعيشه القيادة العسكرية الغربية في أفغانستان، ومنها استقالة المبعوث البريطاني إلى أفغانستان احتجاجا على غموض السياسة البريطانية فيها، كما استقال أيضا قبله قائد القوات البريطانية في أفغانستان الجنرال أندرو ماكي، وذلك قبل أشهر من حلول موعد تقاعده بسبب مطالبته بانسحاب قواته من أفغانستان

ما رشح من تصريحات أميركية وبريطانية يشير حتى الآن، إلى مدى التخبط العسكري الذي تعيشه القيادة العسكرية الغربية في أفغانستان، ومنها استقالة المبعوث البريطاني إلى أفغانستان احتجاجا على غموض السياسة البريطانية فيها، كما استقال أيضا قبله قائد القوات البريطانية في أفغانستان الجنرال أندرو ماكي، وذلك  قبل أشهر من حلول موعد  تقاعده بسبب مطالبته بانسحاب قواته من أفغانستان.

وكان قد سبقته أيضا استقالة أربعة ضباط بريطانيين عاملين  هناك ولنفس الأسباب، وأعقب ذلك تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الجديد ديفيد كاميرون وصف فيه العام الحالي بعام الحسم، بينما وصفته حركة طالبان الأفغانية بعام الفتح، غير أن الطرفين متفقان على أنه عام مهم، ولكن كل واحد يفسره على هواه.

على الصعيد الأميركي برز الخلاف أيضا  بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي مايكل مولن الذي قال إن معركة قندهار ستحدد مصير أفغانستان، وهو ما رد عليه وزير الدفاع روبرت غيتس بالقول إن قندهار ليست كل أفغانستان، وألمح الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف مولر، إلى وجود هذه الخلافات حين قال في مؤتمره الصحافي الأسبوعي" إن أية فجوة بين وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة مولن بشأن الأهمية الإستراتيجية لمعركة قندهار هي في الأساس لغوية لا جوهرية."

ووصل الخلاف إلى أن يهاجم قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، نائب الرئيس الأميركي جو بايدن المعروف عنه أنه يشكك بإستراتيجيته في أفغانستان. فتساءل ماكريستال وهو يبتسم في لقاء مع نشرية رولينغ ستونز:“تريدون طرح أسئلة علي حول جو بايدن؟ مضيفا “من هو  هذا؟"، وقال أيضا أنه شعر بـ ”الخيانة” من قبل السفير الأميركي في كابول كارل ايكنبري العام الماضي، خلال نقاش في البيت الأبيض حول الإستراتيجية في أفغانستان، وقال عنه أنه شخص يريد تغطية عجزه.

ثم أضاف بأنه في حال  فشلنا قد يقول: "قلت لكم هذا". وتطرق بعدها أيضا إلى النزاعات التي ظهرت بين الجيش والبيت الأبيض في الخريف الماضي، عندما كان الرئيس باراك أوباما يدرس قرار إرسال تعزيزات إلى أفغانستان كما طالب الجنرال ماكريستال.

وبين الخلاف اللغوي والجوهري والمفاهيمي يقع الجميع في حرب  تعريفات حقيقية لم تحسم حتى الآن، رغم مرور تسع سنوات على الحرب على طالبان والقاعدة، فقد أعلن قائد قوات حلف الشمال الأطلسي في أفغانستان الجنرال جوزيف بلوتس، أن الحلف يواجه حرب مفاهيم وأن الأيام المقبلة عصيبة وعنيفة.

هجوم قندهار الذي كان متوقعا عقب عمليات مرجة تأخر إن لم يكن قد ألغي، فقد اعترف ماكريستال بأن الهجوم على قندهار يفتقر إلى الدعم المحلي ولذا تم إرجاؤه إلى سبتمبر/ أيلول، وهذا يعني أن مقاتلي طالبان يكسبون دعما محليا، وهو شرط مسبق لنجاح حرب العصابات، ومن باب أولى شرط أساسي لهزيمة الجيش النظامي.

فإلى جانب معركة مخططي السياسة الغربية والأميركية تحديدا، فيما بينهم، ثمة معركة الرأي العام الغربي الذي يتراجع دعمه وتأييده للحرب كما تظهر استطلاعات الرأي، فقد تراجعت شعبية المؤيدين للحرب في أميركا بأربع نقاط، وهو ما يضع الرئيس أوباما في ورطة الالتزام بالانسحاب المقرر في الصيف المقبل، في ظل عدم تحقيق انتصار يمكن أن يكون مبررا للانسحاب.

التراجع العسكري الغربي في أفغانستان عكسه التقرير الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أخيرا، حين كشف عن أن التفجيرات بعبوات ناسفة مزروعة على جانب الطريق تزايدت بنسبة 94 بالمائة في الشهور الأربعة الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

وأشار تقرير الأمين العام إلى أن "الهجمات الانتحارية تقع بمعدل يصل إلى ثلاث هجمات أسبوعيا، نصفها في المنطقة الجنوبية"، مضيفا أن " القنابل بدائية الصنع شكلت أيضا ما يصل إلى الثلث من كافة الأحداث الأمنية في البلاد".

وقال التقرير أيضا إن عدد "الهجمات الانتحارية المركبة"، التي يشارك فيها عدة انتحاريين في تصاعد، في حين شنّ المسلحون عمليات اغتيال بلغت في المتوسط سبع عمليات أسبوعيا، وتركزت بشكل رئيسي في جنوب البلاد.

لكن الأخطر على صعيد التطورات العسكرية الأفغانية هو الذي حصل خلال الأسابيع الأخيرة بتعرض مخازن ضخمة لقوات التحالف الدولية قرب العاصمة إسلام آباد، لهجوم من طالبان نوعي وفريد. فقد  أسفر عن تدمير مئات العربات والشاحنات المحملة بالمؤن والذخيرة للقوات الدولية في أفغانستان، يضاف إليه ما تعيشه قرغيزستان، وتأثير ذلك على خطوط الإمداد الدولية في أفغانستان، وتحديدا قاعدة "ماناس" القرغيزية، حيث  تضرر بشكل كبير تزود ماكينة الحرب الدولية في أفغانستان بـ  45 ألف لتر من النفط يوميا.











الخيارات السلمية المطروحة





الحلف الغربي ومسانديه الأفغان والباكستانيين في حالة شركاء متشاكسين، فكل طرف يسعى إلى ترتيب أوراقه في ظل المتغيرات الحالية والقادمة، وفي ظل عودة لطالبان باتت محتمة، وإن اختلف شكلها ومداها، الكل يعد نفسه للتعاطي مع هذه العودة

الواضح أن الحلف الغربي ومسانديه الأفغان والباكستانيين في حالة شركاء متشاكسين، فكل طرف يسعى إلى ترتيب أوراقه في ظل المتغيرات الحالية والقادمة، وفي ظل عودة لطالبان باتت محتمة، وإن اختلف شكلها ومداها، الكل يعد نفسه للتعاطي مع هذه العودة.

فالرئيس الأفغاني حامد كرزاي اتخذ خطوات لم ترق لأميركا بغية كسب شعبية داخلية تخوله الحوار مع طالبان، فزار الصين وإيران وصدرت عنه  تصريحات ضد الأميركيين، واقترب قليلا من الباكستانيين على أساس أنهم مهمتون بالعلاقة مع طالبان، وهو نفس ما فعله آخر رئيس شيوعي لأفغانستان أيام الغزو السوفياتي لها، نجيب الله، وظهر الخلاف الأميركي مع كرزاي بإبعاده لوزير الداخلية الأفغاني ورئيس الاستخبارات المحسوبين على أميركا والهند والمعاديين حتى العظم لباكستان.

وقد يكون من الاحتمالات الراجحة خروج أميركا وبريطانيا مع حلفائهما من أفغانستان، وبالتالي قد يكون أمامهم خيار خلط الأوراق، بحيث تغرق البلاد في أزمات داخلية تشغلها عن الإضرار بهم وبحليفتهم الإستراتيجية في المنطقة وهي الهند، لكن للهند حساباتها، فهي تسعى إلى تثبيت مواطئ قدم لها خشية من تمدد النفوذ الباكستاني بعد الانسحاب الغربي من أفغانستان.

وثانيا تخشى من أن تكون هي الهدف المباشر والأقرب للمسلحين بعد انسحاب القوات الأجنبية وعودة طالبان، ولعل هذا ما يفسر مطالبة الغرب لباكستان بملاحقة عسكر طيبة المعادية للهند، والمتهمة بتلقي الدعم من الأجهزة الأمنية الباكستانية، والقضاء عليها.

وتساهم حملات الإعلام الأميركي في الضغط على باكستان، فلقد شنت أخيرا هجوما لاذعا على قائد الجيش الباكستاني الجنرال إشفاق كياني مع أنها أشادت به في السابق, و طالبت وسائل إعلام أميركية ومنها مجموعة بوسطن، الرئيس الأميركي باراك أوباما بوقف باكستان عن لعبتها مع طالبان، ويبدو أن واشنطن زادت شكوكها في باكستان بسبب التقارير التي تتحدث عن علاقاتها مع طالبان أفغانستان، وإن كان من الصحيح أن مخططي السياسة الباكستانية يرون في طالبان خط الدفاع الأول عنهم، كما كان المجاهدون الأفغان خط الدفاع الأول ضد التوسع الشيوعي السوفيتي آنذاك.

ويقول هؤلاء المخططون في السر إن انتصار أميركا في أفغانستان يعني انتصار خط الهند والتحالف الشمالي المعادي لباكستان، وبالتالي انكشاف ظهر باكستان ووقوعها بين فكي الكماشة الهندية والأفغانية، يضاف إلى القلق الأميركي هذا قلق التعاون النووي الصيني ـ الباكستاني الأخير، وتزامن وجود قائد الجيش في بكين مع وصول المبعوث الأميركي إلى كل من أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبرك.

باكستان من جانبها ستكون كبش فداء للانسحاب الغربي أو الخروج الغربي من أفغانستان، حيث يسعى الجميع إلى تحميلها مسؤولية إخفاق الغرب في أفغانستان، فقد أصدرت كلية السياسة والاقتصاد في جامعة لندن تقريرا يتحدث عن علاقة بين الأجهزة الأمنية الباكستانية وطالبان أفغانستان، وكيف أن الرئيس آصف علي زرداري زار نائب زعيم حركة طالبان الملا برادرز،المعتقل في سجن باكستاني، وطمأنه على خروجه.

وبغض النظر عن صحة هذه المعلومات، فإن من المؤكد أن باكستان لم تقطع علاقاتها مع طالبان تماما، وخصوصا هذه الأيام التي يستعد الجميع للتحضير لمرحلة تكون فيها طالبان حاضرة.

الرئيس الأفغاني حامد كرزاي سعى من خلال مؤتمر اللويا جركا في كابول والذي ضم 1600 شخصية إلى استمالة مقاتلي طالبان لكن ردوا عليه بهجمات قوية أدت إلى إقالة المسئولين الأفغانيين، وهما وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات، غير أن ذلك لم يمنع كرزاي من الإفراج عن أكثر من ستة عشر من قادة طالبان وعناصرهم من السجن، في إشارة لحسن نيته تجاه مشروع مصالحته مع طالبان.






سيناريوهات أفغانية


حركة طالبان ومن خلال الخبرات التاريخية،لا تقبل بأية حكومة مشتركة مع الطرف الآخر، وهو تقليد درجت عليه حين كانت في السلطة بين عامي 1996-2001. وحتى أيام حربها ضد الوجود الغربي في أفغانستان رفضت التحالف مع الحزب الإسلامي الأفغاني بزعامة قلب الدين حكمتيار الذي كان يشاركها القتال ضد القوات الأجنبية، وطالبته وقتها فقط بالانضمام إليها ومبايعة زعيمها الملا محمد عمر.




من الصعب التعويل على جهود المصالحة التي يقوم بها كرزاي، خاصة أنه فقد مصداقيته لدى طالبان الرافضة لأي حوار مع حكومته. وهنا يمكن القول إن إحدى الخيارات المطروحة هي الانسحاب الغربي من أفغانستان ومن ثم اندلاع حرب أهلية على غرار ما حصل في مرحلة ما بعد الخروج السوفيتي من أفغانستان، خاصة أن مثل هذا الانسحاب يفتقر إلى وضع آلية للانتقال إلى المرحلة الجديدة
وعلى هذه الخلفية التاريخية لحركة طالبان يبدو من الصعب التعويل على جهود المصالحة التي يقوم بها كرزاي اليوم، خاصة وأنه فقد مصداقيته لدى طالبان الرافضة لأي حوار مع حكومته.

وهنا يمكن القول إن إحدى الخيارات المطروحة هي الانسحاب الغربي من أفغانستان ومن ثم اندلاع حرب أهلية على غرار ما حصل في مرحلة ما بعد الخروج السوفيتي من أفغانستان، خاصة وأن مثل هذا الانسحاب يفتقر إلى وضع آلية للانتقال إلى المرحلة الجديدة مع عجز القوات الأجنبية على تدريب وتهيئة قوات أفغانية كافية لصد أو لمقاتلة طالبان.

لكن البعض يرى أن الحرب الأهلية التي وقعت بعد خروج السوفييت لا يمكن استنساخها الآن بسبب قوة حركة طالبان من جهة، ثم بسبب خروجها منتصرة كطرف واحد وبإيديولوجية قوية وقيادة واحدة بخلاف ما كان عليه الأمر في مرحلة ما قبل الانسحاب السوفيتي من أفغانستان من جهة ثانية.

حركة طالبان الأفغانية تنظر إلى نفسها كحركة منتصرة الآن ضد حلف ضم أكثر من أربعين دولة، وحركة لها امتداداتها الإقليمية في طاجيكستان وأوزبكستان وتركستان الصينية وباكستان وإيران، وفوق هذا القاعدة التي بايعتها، فلماذا ستوافق على الحوار ومشاركة المنهزم بالسلطة؟

أحد السيناريوهات الأخرى المحتملة والتي يتوقعها البعض، وفي حال الخروج الغربي من أفغانستان، أن يصطف التحالف الشمالي الذي يضم الأقليات من الأوزبك والطاجيك والشيعة مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بدعم روسي وهندي وإيراني، وفي المقابل تحظى طالبان بدعم باكستاني وسعودي وإماراتي، والأرجح هنا أنه إذا ما دخلت إيران على الخط، ستعود الساحة الأفغانية ساحة حروب الآخرين على أرض أفغانستان.

الواضح الآن أنه وعلى الصعيد الأميركي أن القادة الأميركيين يسعون إلى الاتصال بشخصيات طالبانية سابقة من أمثال السفير الأفغاني السابق في باكستان عبد السلام  ضعيف ووزير الخارجية السابق وكيل أحمد متوكل، ليلعبا دور الوسيط مع طالبان، والشرط الأميركي حتى الآن، هو تخلي الطالبان عن القاعدة، والتعهد بعدم منحها ملاذا آمنا في أفغانستان المستقبل، لكن يبدو أنه من الصعب على زعيم الحركة الذي فقد سلطته عام 2001 لرفضه تسليم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أن يقبل بهذا الشرط الآن، إذ حينها سيتحمل المسؤولية التاريخية لما جرى في أفغانستان طوال السنوات التسع الماضية.

ربما ما تفتقره القيادة الأميركية والغربية المحاربة في أفغانستان هو فهم طبيعة المجتمع الأفغاني المعقدة، بالإضافة إلى أنه حسب المثل الصيني لا يمكن هزيمة الثوريين إلا بإيديولوجية أقوى من إيديولوجيتهم، والعقيدة التي تحملها طالبان أفغانستان هي العقيدة الإسلامية التي هزمت سابقا الاتحاد السوفيتي، والتي يبدو من الصعب هزيمتها اليوم أيضا.

وعلى هذا الأساس نصحت دراسة أعدها معهد راند وممولة من قبل البنتاغون أخيرا، القيادة الأميركية باللجوء إلى باكستان للقضاء على المسلحين الذين يشكلون بحسب رأي هذه الدراسة أداة بيد السياسة الخارجية والداخلية الباكستانية، مقابل منح الباكستانيين تقنية نووية سلمية.

معضلة الأميركيين هي أنهم دائما ما يتأخرون في تقديم العروض، فباكستان سبقتهم إلى ذلك ووقعت اتفاقيات مع حليفها التقليدي الصين، وباكستان أيضا التي لا يزال لها تأثيرها على طالبان أفغانستان لن تتخلى عنهم ما لم يؤمّن دورها بالمنطقة بحيث تضمن بقاءها في وجه خصمها العنيد الهند. والضمانات المطلوبة هنا تتمثل باختصار في الملف الكشميري أولا، ثم بإبعاد الهند عن المجال الأفغاني الحيوي لباكستان ثانيا.

ثمة من يرى أن السيناريو الأقرب إلى التطبيق العملي في أفغانستان،  هو شبيه بما حصل في ظروف مشابهة تماما سنة 1990، أي الانسحاب السوفيتي من أفغانستان ومنح الأفغان فرصتهم ليقرروا  مصيرهم بأنفسهم، بيد أنه من الواضح اليوم أن الواقع الأفغاني بشقيه السياسي والعسكري يظل يتأرجح بين إستراتيجية خروج وعد بها الرئيس الأمريكي أوباما العام الماضي، وبين جهود المصالحة التي يبذلها الرئيس الأفغاني كرزاي، وما بينهما رفض الطرف الأساسي في المعركة، طالبان، لأي حوار سياسي مع الحكومة القائمة، وهذا ما يزيد من تعقيد المشكل الأفغاني.
_______________
متخصص في الشأن الباكستاني





نبذة عن الكاتب