تشريعيات مصر: الغالبية للإسلاميين في الجولة الثانية

نتائج المرحلة الثانية في الانتخابات البرلمانية المصرية عززت مكاسب الإسلاميين، ويأتي الإخوان في المرتبة الأولى مع احتمال تجاوزهم عتبة الخمسين بالمائة في المستقبل، والسلفيون في الثانية، بينما عجزت الأحزاب الأخرى بمختلف توجهاتها عن الوقوف في وجوههم.
20111231122632595734_2.jpg

مقدمة

عُقدت الانتخابات المصرية البرلمانية للمرحلة الثانية، في تسع محافظات أخرى، على جولتين: الأولى، يومي الأربعاء والخميس 14-15 ديسمبر/كانون الأول، والثانية بعد أسبوع واحد، يومي الأربعاء والخميس 21-22 ديسمبر/كانون الأول 2011. وجرى التنافس في هذه المرحلة على 180 مقعدًا (مقارنة بـ 160 للمرحلة الأولى)، ولكن تعقيدات العملية الانتخابية -وكما شهدت المرحلة الأولى- أدت إلى تأجيل الانتخابات في المقاعد المخصصة للقوائم في محافظة أسوان بكاملها، كما في دائرتين أخريين؛ مما يعني أن النتائج المعلنة تناولت 170 مقعدًا وحسب. وقد بلغت نسبة التصويت 64% متجاوزة مستوى التصويت في المرحلة الأولى بكثير.

ومرة أخرى، يُكذِّب المصريون توقعات الانتخابات الدموية وغير الآمنة؛ فقد انتهت الانتخابات في كافة دوائر هذه المرحلة بدون حادثة أمنية تُذكر، حتى في الدوائر التي شهدت منافسات حادة، سواء الحضرية منها أو الريفية. وبخلاف المرحلة الأولى، كانت تجاوزات الأحزاب والقوائم محدودة، ولكن شكوكًا شابت عملية الفرز وإعلان النتائج في عدد من المواقع، لاسيما في محافظتي الإسماعيلية والشرقية؛ حيث كانت التوقعات تشير لفوز كبير لمرشحي الحرية والعدالة من الإخوان المسلمين وحلفائهم. ويسود اعتقاد في أوساط إخوانية وغير إخوانية أن جهات ما في أوساط الدولة ترغب في ألا يتجاوز نصيب الإخوان وحلفائهم الأربعين بالمائة من الأصوات.

ليس من السهل الجزم بهذه الشكوك، ولكن الملاحظ، على أية حال، أنه حتى إن وقع تلاعب في بعض النتائج فإنه يظل ضئيلاً، ويصعب أن يؤثر في النتائج النهائية. وتجعل طبيعة العملية الانتخابية التلاعب ممكنًا في نتائج القوائم، ولكنه يظل بالغ الصعوبة في حساب المقاعد الفردية، التي تُعلن في مراكز الدوائر نفسها، تحت سمع وبصر المراقبين، ولا تتطلب نقل أرقام الأصوات وحسابها في اللجنة العليا للانتخابات كما في نتائج القوائم. ويمكن التأكيد على أن المرحلة الثانية من الانتخابات تقدم أدلة إضافية على أن ليس ثمة إرادة في أي من دوائر الدولة للقيام بتزييف منهجي لنتائج الانتخابات، مهما كانت الأخطاء أو التلاعبات المحدودة هنا وهناك.

النتائج

شهد يوم السبت 24 ديسمبر/كانون الأول، عندما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات النتائج الرسمية، وكما كان متوقعًا، تداول العديد من الأرقام في أوساط الأحزاب والقوى السياسية. ويعيق التعقيد الذي يحيط حساب المقاعد المخصصة للقوائم، التوصل إلى أرقام دقيقة للنتائج التي يُرجَّح أن لا تُعرَف نتائجُها النهائية قبل نهاية العملية الانتخابية كلية، بما في ذلك المرحلة الثالثة للانتخابات والدوائر التي أُجِّلت فيها انتخابات المرحلتين الأولى والثانية. أما نتائج المقاعد الفردية، فقد حُسِمت بما لا يدع مجالاً للتخمين.

تقديريًا، إذن، حصلت قائمة الحرية والعدالة في المرحلة الثانية على ما يزيد عن 90 مقعدًا بقليل، منها 40 مقعدًا في الدوائر الفردية، من مجمل 60 مقعدًا فرديًا جرى التنافس عليها. بذلك، وطبقًا لتقديرات مصادر الحرية والعدالة، تكون القائمة قد فازت بـ 158 مقعدًا من 320 مقعدا في الجولتين الأولى والثانية، علما أن إجمالي مقاعد مجلس الشعب المقبل هي 498. ما تعنيه هذه النتيجة التقديرية أن قائمة الحرية والعدالة حصلت حتى الآن على 49 بالمائة من المقاعد التي جرى التنافس عليها فعلاً.

ويُقدَّر فوز قائمة حزب النور بـ 39 مقعدًا في المرحلة الثانية، منها 13 من المقاعد الفردية؛ بذلك، وطبقًا لمصادر الحزب، فقد حصلت القائمة في المرحلتين الأولى والثانية معًا على ما يقارب 90 مقعدًا؛ أي ما يزيد على 25 بالمائة من المقاعد التي جرى التنافس عليها حتى الآن.

وحققت قائمة حزب الوفد في هذه المرحلة نتائج أفضل نسبيًا من الأولى، مقارنة بمنافستها الليبرالية الرئيسة، الكتلة المصرية؛ إذ حصلتا بالترتيب على 11 مقعدًا و8 مقاعد فقط. وبهذه النتيجة يتساويان في مجموع مقاعد المرحلتين البالغة 23 مقعدًا لكل منهما. وكما أظهرت نتائج المرحلة الأولى، فقد جاءت نتائج قائمة حزب الوسط وقائمة ائتلاف الثورة مستمرة مخيبة للآمال، بحصولهما بالترتيب على 3  مقاعد و2 فقط من مقاعد المرحلة الثانية. بذلك، بلغت حصيلة الوسط من المرحلتين 7 مقاعد، والثورة مستمرة 6 مقاعد. أما العدد القليل المتبقي من مجموع مقاعد المرحلتين فقد ذهب إلى أحزاب صغيرة، بعضها من الأحزاب الجديدة كلية، أو تلك التي شكَّلتها بقايا الحزب الوطني؛ إضافة إلى عدد من المرشحين المستقلين.

دلالات

بظهور نتائج المرحلة الثانية، يكون التياران الإسلاميان الرئيسان في مصر، الإخوان المسلمون، ويمثلهم الحرية والعدالة، والسلفيون، ويمثلهم حزب النور، قد عزَّزا موقعيهما في مجلس الشعب المقبل بصورة لا تقبل الجدل؛ فقد حصل الإخوان والسلفيون معًا على ما يزيد عن 70 بالمائة من المقاعد المتنافَس عليها في المرحلتين، ولم يعد ثمة شك كبير في أن هذه ستكون النتيجة النهائية لتوزيع مقاعد مجلس الشعب، عندما تكتمل انتخابات المجلس في منتصف يناير/كانون الثاني المقبل. الطرف الأكبر، والمؤهَّل للهيمنة على المجلس المقبل وتشكيل مركز ثقله، هو بالتأكيد حزب الحرية والعدالة وحلفاؤه، الذي لم يعد مستبعدًا أن يتجاوز حاجز الخمسين بالمائة من مقاعد المجلس، بعد أن كان قانعًا بأي شيء فوق نسبة الأربعين بالمائة.

بيد أن هذا لا يعني أن الحرية والعدالة في وضع مريح تمامًا؛ فقد فوجئت قيادة الحزب، كما فوجئ قطاع واسع من المراقبين بأداء السلفيين وحلفائهم، ليس في المرحلة الأولى من الانتخابات وحسب، بل وفي الثانية كذلك. والتفسير الراجح لهذه الظاهرة هو أن ابتعاد السلفيين عن العمل السياسي طوال العقدين الماضيين، ورغبة النظام السابق في توفير فرصة لهم لمنافسة الإخوان المسلمين لكسب ولاء القطاع المتدين من المصريين، قد ساعد التيار السلفي على تحقيق انتشار واسع في أنحاء البلاد.

ليس من السهل، بالطبع، توقع المسار الذي يمكن أن تأخذه ظاهرة البروز السلفي في مصر ديمقراطية وتعددية، لاسيما أن التيار حديث عهد بالعمل السياسي، ولكن المؤكد أن ثمة عددًا من العوامل التي ستؤثر تأثيرًا مباشرًا على مستقبل الدور السلفي، من أداء حزب النور السياسي إلى قدرة حزب الحرية والعدالة على تحقيق مستوى مقنع من الإنجازات في حال توفرت له قيادة الحكم في المرحلة المقبلة. والأرجح، أن قادة الحرية والعدالة سيفكرون مليًا قبل أن يقرروا التحالف مع الكتلة السلفية في مجلس الشعب، ليس فقط لما قد يولده تحالف إسلامي بهذا الحجم من انطباعات سلبية، ولكن أيضًا لأن أحدًا لا يعرف طبيعة المطالب والتوقعات السلفية من مثل هذا التحالف.

من جهة أخرى، أعادت نتائج المرحلة الثانية بعض الاعتبار لحزب الوفد وقائمته الانتخابية، بعد أن كاد يتوارى كلية خلف الكتلة المصرية، التي بدت في المرحلة الأولى وكأنها تحوز معظم أصوات الشق الليبرالي-العلماني من الناخب المصري. ولكن التحسن الطارئ في أداء الوفد، على أية حال، يظل نسبيًا ومحدودًا، وليس ثمة دليل، بعد حسم ما يقارب ثلثي مقاعد مجلس الشعب، على أنه يشكل منافسًا جادًا للحرية والعدالة، ولا حتى للسلفيين. والحقيقة، أن حجم الصوت الإسلامي في هذه الانتخابات من الثقل بحيث يبدو أن مجلس الشعب الأول بعد الثورة المصرية سيكون ساحة للتنافس الإسلامي-الإسلامي.
__________________________
بشير نافع-مؤرخ وخبير بالشؤون العربية

نبذة عن الكاتب