شهدت إفريقيا في عام 2011 عددا وافرا من الانتخابات البرلمانية والرئاسية, فيما يمكن تسميته بـ"تعاقب الأجيال على الديمقراطية". غير أن هذا التعاقب على الديمقراطية لا يبدو أنه يجد صدا لصوته في الانتخابات المرتقبة لمفوضية الاتحاد الإفريقي. وحين نراجع تاريخ الحراك الديمقراطي في إفريقيا يمكننا أن نلحظ كيف أنه مع مطلع الألفية الثالثة حدثت زيادة لافتة في أعداد القادة المنتخبين ديمقراطيا من المشاركين في قمة الاتحاد الإفريقي.
لقد بدأت المسيرة في ستينيات القرن العشرين مع فترة التحرر وإنهاء الاستعمار, ثم عرف عقد سبعينيات القرن العشرين هيمنة الحزب الواحد على مقدرات كثير من الدول الإفريقية المستقلة حديثا.
أما ثمانينات القرن العشرين فقد عانت من تسلط حكومات الزعيم الأوحد، تلك الحكومات التي احترفت تقديم وعود شفهية للتطلعات الدستورية. وبنهاية الحرب الباردة, في تسعينيات القرن الماضي, بدأ عديد من الحكومات الإفريقية في موجة من الانتخابات التي اقترنت بموجات موازية من العنف والدماء. ومن ثم فإن مضي إفريقيا على درب الانتخابات الديمقراطية هو الدافع الوحيد الأكثر أهمية لتوطيد الديمقراطية.
وفي هذا الصدد، يلعب الاتحاد الإفريقي وغيره من مؤسسات الحوكمة الدولية دورا مفيدا للغاية من خلال تقديم الدعم والمساندة والمراقبة للانتخابات التي تشهدها العديد من دول القارة.
لقد حان الوقت لمراقبة تلك اللجنة المعنية بمراقبة الانتخابات، أقصد الاتحاد الإفريقي نفسه. فعلى رأس جدول أعمال قمة الاتحاد الإفريقي التي ستعقد في يناير/ كانون الثاني 2012 تأتي مهمة انتخاب رؤساء ورؤساء لجان مفوضية الاتحاد الإفريقي.
وأخذا في الاعتبار أن المفوضية بدأت على نحو متزايد في الظهور باعتبارها أحد اللاعبين الأساسيين في إفريقيا, يمكن القول إن الانتخابات المقبلة بوسعها أن تصبح نقطة تحول في توطيد دعائم الديمقراطية والسلام في إفريقيا.
فحين يمكن انتخاب شخصيات مناسبة لتولي تلك المهام القيادية، ستتمكن المفوضية حتما من أن تدير دفة التغيير في القارة نحو المستقبل الذي نطمح إليه. فبدون تغيير أساسي في الحكومات، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، بل وفي الاتحاد الإفريقي نفسه, فإن تحقيق رؤية مستقبلية لإقرار السلم والازدهار والتكامل في القارة سيبقى حلما بعيد المنال.
وغني عن البيان أن طبيعة الانتخابات التي تشهدها مفوضية الاتحاد الإفريقي لا تتمتع بالاهتمام اللازم والحرص الواجب داخل الاتحاد الإفريقي، ومن ثم فإن العملية الانتخابية الحالية قد لا تأتي بنتائج إيجابية لمستقبل القارة.
ومن الناحية الفنية تجرى عملية انتخاب قادة ورؤساء لجان المفوضية عبر الخطوات والشروط التالية:
-
تتقدم الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بطرح أسماء مرشحيها استجابة لطلب المستشار القانوني للمفوضية.
-
يعد المستشار القانوني للمفوضية قائمة بمرشحي الدول الأعضاء، وبناءً على تلك القائمة تتم عملية اختيار أولي على المستوى الإقليمي لتحديد المرشحين عن كل إقليم من الأقاليم الإفريقية الخمس (شمال إفريقيا، غرب إفريقيا، شرق إفريقيا، وسط إفريقيا، وجنوب إفريقيا).
-
تعتمد الانتخابات على المعادلة الشهيرة للتوزيع الجغرافي التي يتبناها الاتحاد الإفريقي، أخذا في الاعتبار أن لكل إقليم من أقاليم إفريقيا الخمسة الحق في التقدم بمرشحين اثنين للتنافس على الحقائب الوزارية العشرة للمفوضية.
-
يجب أن تكون هناك امرأة على الأقل من بين المرشحين الاثنين عن كل إقليم، أي انه من بين العشرين مرشح لحقائب المفوضية لابد أن يكون نصفها على الأقل مخصصا للمرشحات من النساء.
-
الأقاليم التي يُرشح منها الرئيس ونائب الرئيس لا تقدم سوى مرشح واحد فقط لبقية مناصب المفوضية.
-
يشكل المرشحون الذين تم تجميعهم حسب الضوابط السابقة التجمع القاري للمرشحين, وفق القائمة التي يعدها المستشار القانوني للمفوضية مستعينا بفريق من الخبراء الاستشاريين.
-
يتألف الفريق الاستشاري من اثنين من الخبراء المستقلين ممثلين عن كل منطقة من المناطق الإفريقية الخمس، الذين يتأكدون من استيفاء المرشحين للمعايير المطلوبة وضمان تمثيل معطيات أخرى في مقدمتها التوزيع الجغرافي الإقليمي.
-
تبدأ عملية اختيار مركزي أخذا في الاعتبار التوزيع القاري المشترك للأقاليم الجغرافية، واعتمادا على تقرير فريق الخبراء الاستشاريين. ويتم ذلك في اجتماع على مستوى وزاري يحضره وزيران من كل إقليم جغرافي من الأقاليم الخمس.
-
يقدم الاجتماع الوزاري بدوره لائحة المرشحين للانتخابات يتم التصويت عليها من قبل المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي والجمعية العامة للاتحاد. وفي الوقت الراهن الذي نقدم فيه هذا المقال يعكف الاجتماع الوزاري على النظر في تقرير فريق الخبراء الاستشاريين.
وجدير بالملاحظة أن عدد المرشحين ومؤهلاتهم والطريقة التي تقدمت بها الدول الأعضاء بمرشحيها تدعو إلى الاستياء وعدم الرضا. فلم يكن هناك القدر المطلوب والمنتظر من اهتمام وعناية الحكومات الإفريقية بالحدث الذي سيحدد مصير قيادة مفوضية الاتحاد الإفريقي. فعلى الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقها المستشار القانوني منذ أغسطس /آب 2011 ، لم تبعث الدول الأعضاء سوى أسماء 34 فقط من المرشحين.
وتشمل هذه الأسماء مرشحين اثنين فقط لمنصب الرئيس، مرشح واحد لنائب الرئيس، 8 للشؤون السياسية، 7 للشؤون الاجتماعية، 4 للسلام والأمن، 3 مرشحين لكل من البنية التحتية، الطاقة، الصناعة والتجارة؛ ومرشحان لكل من الأقسام المتبقية (الشؤون الاقتصادية, الاقتصاد الريفي والزراعة، الموارد البشرية، والعلوم والتكنولوجيا).
ومما يزيد الأمر إرباكا أن بعض الدول قامت بترشيح أكثر أو أقل من حصتها، فالكاميرون قدمت 8 مرشحين، وبتسوانا وتشاد 3 لكل منهما. أما زيمبابوي التي تقود المجموعة الأكثر نشاطا ورغبة في إجراء عملية انتخابية فاعلة في المفوضية فالتزمت بتقديم مرشحين اثنين.
في المقابل فإن دولا كبرى ومهمة مثل مصر، إثيوبيا، الجزائر، جمهورية الكنغو الديمقراطية، نيجيريا، كوت ديفوار، كينيا، الجابون، غانا، غينيا الاستوائية، بنين، بوروندي، سيراليون، سيشل، ومالي فلم تقدم كل منها سوى مرشح واحد فقط.
أما الكاميرون التي تقدمت بأعلى عدد من المرشحين، فتم استبعاد 5 منها وأبقى فقط على مرشحين اثنين. وفي النهاية تجمع لدى المستشار القانوني واللجنة الاستشارية 34 مرشح تم ترشيحهم إلى 26 فقط.
ويلاحظ في الترشيحات السابقة أن ثمة زيادة في أعداد المرشحين لأقسام الشؤون الاجتماعية والسياسية، وهو ما يخلق تفاؤلا بأن الحكومات الإفريقية تأخذ القيم المشتركة والتنمية على محمل الجد. وعلى مدى السنوات العشر الأولي من عمر الاتحاد الإفريقي، احتل الأمن والسلام موقع الصدارة في جدول أعمال الاتحاد، أكثر بكثير من الركائز الإستراتيجية الثلاثة المتبقية.
وفي هذا الصدد، يلاحظ أن الاتحاد الإفريقي يربط مساري حفظ السلام والأمن معا. ولسنا في حاجة إلى التذكير أو التأكيد على أن التركيز على ركيزتي السلام والأمن لا ينبغي أن يكون على حساب ركائز أخرى مثل القيم المشتركة والتكامل والتنمية وبناء قدرات الاتحاد.
وعلى نحو ما كشفت الانتخابات التي شهدها عديد من الدول الإفريقية مؤخرا والتي ارتبطت بالعنف وحركات التمرد والثورة، أن ممارسة الأشكال "الصلبة" من الأمن لا يمكن أن تحقق نجاحا إلا بدعم من أشكال الأمن "الناعم" المعتني بتنمية القطاعات المناصرة للفقراء من توظيف، وعدالة، وحقوق إنسان، وانتخابات حرة ونزيهة، وتبادل وتكامل تجاري.
ولعل إعادة ترتيب الأولويات بالتحول من التركيز على السلام والأمن إلى القيم المشتركة والتنمية -دون التقليل من أهمية الركائز الأخرى- إنما يكفل نجاح وإنجاز شوط طويل على طريق الأمن والسلام في القارة.
ولأنه لم يتقدم العدد الكافي من المرشحين لمنافسته، يواجه نائب رئيس المفوضية -السيد ايراستوس موينش- من الناحية العملية تصويتا بالتزكية وليس تصويتا بالانتخاب. وكي يبقى في منصبه عليه أن يحظى بدعم ثلثي أعضاء الجمعية العمومية للاتحاد الإفريقي. وإذا لم يتم ذلك، فسيكون من الضروري مرة أخرى الدعوة لتقديم مرشحين جدد.
أما رئيس المفوضية -الدكتور جان بينغ- فسوف يواجه الدكتور نكوسازانا زوما, الوزير الذي خدم طويلا مفوضا عن بلاده جنوب إفريقيا. وحتى شهر يناير/ كانون الثاني 2012, فإن تنافس جنوب إفريقيا على رئاسة المفوضية ستخيم عليه ظلال الممارسات السياسية لرئيس جمهورية جنوب إفريقيا جاكوب زوما ومواقفه في السياسة الخارجية الإفريقية والدولية.
وبالنسبة للعديد من الأفارقة, فإن سياسة الرئيس جاكوب زوما الخارجية في الاتحاد الإفريقي كان يُنظر إليها في أحسن الأحوال على أنها ذات دور بالغ التفكيك والتناقض وربما وجد فيها البعض نهجا "كارثيا".
والجدير بالذكر أن العديد من القادة الأفارقة قاموا بانتقاد السياسة الخارجية لزوما وتقلبها ولا سيما فيما يتعلق بأزمة كوت ديفوار، وقرار مجلس الأمن بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا ومن ثم شن حرب جوية عليها، وتناقض ما تقوله جنوب إفريقيا في البيت الإفريقي في مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا وما تقوله في مقر الأمم المتحدة في نيويورك, فضلا عن اختبار دور جنوب إفريقيا في المجاعة التي ضربت القرن الإفريقي، وبعثات الاتحاد الإفريقي في الصومال ودارفور، وغيرها من القضايا.
وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع الرئيس الحالي للمفوضية الدكتور جان بينغ بمزايا منصبه، واستمراره قويا في عمله، فضلا عن أنه يحظى بدعم أغلب الدول من الأقاليم الغربية والشمالية والشرقية في إفريقيا.
ومقارنة بالانتخابات السابقة لمفوضية الاتحاد الإفريقي، فإن دورة عام 2012 هي الأقل في المنافسة. ففي الدورة الانتخابية لعام 2008, كان هناك ما يقرب من 47 مرشحا، بينما كان هناك 73 مرشحا في عام 2004. وهذه دلالات تعبر من دون شك على تراجع الاهتمام الذي توليه الدول الإفريقية لانتخابات مفوضية الاتحاد الإفريقي.
ومما يدعو إلى الرثاء والسخرية في انتخابات الدورة الحالية، أن بعض الدول الأعضاء أرسلت فقط أسماء المرشحين دون أن ترفقها بالوثائق والمستندات الضرورية ومصوغات الترشح, مثل السير الذاتية والرؤية التي يفترض أن يحملها كل مرشح ومبررات تقدمه لهذه المناصب. كما أن أغلب المرشحين الحاليين هم من الاستشاريين أو الموظفين الذين عملوا أو ما زالوا يعملون في وظائف جارية في مفوضية الاتحاد الإفريقي، أي أنهم يرشحون أنفسهم لشغل هذه المناصب.
ونتيجة لكل ما سبق، فإن معظم المرشحين يدورون في دائرة مغلقة من داخل أروقة الأعمال الإدارية للمفوضية. وكما يتضح من سلوكيات الكاميرون تجاه الترشيح، وافقت بعض الدول الإفريقية على طلبات كل من تقدم من مواطنيها للترشح دون مراعاة للقواعد ذات الصلة، مثل القيود المفروضة على عدد المرشحين حسب الحصة الممنوحة لكل دولة. كما فشلت مثل هذه الدول في أن تضع في اعتبارها آفاق وإمكانات المنافسة والنجاح.
وغني عن البيان أن الدول الأعضاء وما يرتبط بها من تجمعات اقتصادية إقليمية يجب أن ترى في مفوضية الاتحاد الإفريقي امتدادا لاتجاه سياستها الخارجية الوطنية والإقليمية، بحيث تأتي متسقة مع انتمائها للقارة السمراء.
وبالإشارة إلى قلة الاهتمام الذي أولته الدول الأعضاء للاتحاد الإفريقي، يمكن القول إن الانتخابات المقبلة للمفوضية غير معبرة، ولن تكون لنتائجها أية قيمة أو أهمية في ظل الإجراءات والترشيحات التي تمت من خلالها.
وباختصار، وفي ظل عدم جدية أهداف الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، وفي ظل غياب قدر من الاهتمام بمكانة ودور المفوضية من جانب الدول الأعضاء، فإن انتخابات مفوضية الاتحاد الإفريقي لن تكون تنافسية بالدرجة التي تكفي لإخراج أفضل القيادات الإفريقية التي يمكنها تزعم مسيرة القارة نحو المستقبل.
وعلى هذا النحو يتم من جديد تفويت فرص ثمينة كان بوسعها -ومن خلال مشاركة موضوعية من التجمعات الاقتصادية الإقليمية وعملية ترشيح أكثر صرامة على المستوى الوطني- أن تمكن الاتحاد الإفريقي وهيئاته التابعة من الفوز بقيادات وزعامات مناسبة تعبر عن تطلعات وآمال شعوب القارة الإفريقية.
وفي كلمة الختام، ليس من مفر القول إنه من المهم لحكومات الدول الإفريقية أن تدرك وتعي أنه ليس بوسعها الحصول على أية نتائج إيجابية تتعلق بالتكامل والاستقرار والازدهار والسلم والأمن في ربوع القارة السمراء دون الأخذ بعين الاهتمام والاعتبار والتقدير مكانة ودور مفوضية الاتحاد الإفريقي.
___________________
ميهاري مارو-رئيس برنامج فض النزاعات الإفريقية