الموقف الروسي من الثورات العربية

روسيا لم ترحب بالثورات العربية، وظلت تساند الأنظمة القائمة، تمسكا بمصالحها الراهنة، وخوفا من انتشار الثورات إلى داخلها، وتصديا للدور الغربي في النظام العربي الوليد.
1_1061165_1_34.jpg







 

نورهان الشيخ


على مدى العقد الماضي عادت روسيا بوضوح كقوة كبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولكن بأولويات لسياستها الخارجية تختلف جذرياً عن تلك التي حكمت السياسة الخارجية السوفيتية على مدى ما يزيد عن سبعين عاماً، وأصبحت السياسة الروسية أكثر برجماتية وتحرراً من القيود الأيديولوجية، وتحكم حركتها وتوجه دفتها المصالح لاسيما الاقتصادية. وفى هذا الإطار، نجحت القيادة الروسية في إحداث نقلة نوعية في علاقة موسكو بالمنطقة العربية خاصة العلاقات الروسية الخليجية التي شهدت تطوراً غير مسبوق، وإقامة علاقات تعاون وثيقة على أسس مصلحية وشراكة اقتصادية لا تخضع للتقلبات السياسية، ويصعب على روسيا التخلي عنها. الأمر الذي أكسب المنطقة العربية مكانة خاصة في أولويات السياسة الروسية، وجعل موسكو أكثر حرصاً على استقرار المنطقة باعتبار ذلك الضمانة الأساسية للمصالح الروسية. ولعل هذا يفسر جزئياً التأني الروسي الشديد في اتخاذ موقف واضح من الثورات العربية.


ويهدف هذا التقرير إلى فهم وتحليل الموقف الروسي من الثورات العربية، والعوامل المؤثرة والحاكمة لهذا الموقف، ثم تداعياته المحتملة على مسار الثورات، ومستقبل العلاقات الروسية العربية على ضوء التغييرات المتوقعة في النخب والأنظمة القائمة في الدول التي تجتاحها هذه الثورات.


الإدراك الروسي للثورات العربية: المفاجأة والتحفظ
عوامل الموقف الروسي: المصالح وهواجس الداخل والتحدي الغربي
تداعيات الموقف الروسي: شلل وحيرة أمام نظام جديد


الإدراك الروسي للثورات العربية: المفاجأة والتحفظ 


تفاوت الاهتمام الروسي بالثورات التي اجتاحت العالم العربي منذ ديسمبر/ كانون الأول 2010 من دولة عربية لأخرى. فقد حظيت التطورات المتسارعة في مصر ثم ليبيا وسوريا بالاهتمام الأكبر من جانب روسيا. يلي ذلك اليمن ثم البحرين مع تفاوت واضح في الاهتمام، في حين لم تحظ تونس باهتمام يذكر. وتظل هناك قواسم مشتركة ميزت الموقف الروسي من كل هذه الثورات، أهمها:






  1. أكدت موسكو على أنها تريد استقرار الأوضاع في بلدان الشرق الأوسط لأن أية قلاقل في المنطقة تضر إضرارا مباشر بمصالح روسيا.
    التحفظ النسبي والتأني الواضح في المواقف الروسية تجاه الثورات العربية، الذي وصل حد البطء في رد الفعل. وعادة ما ألتزمت روسيا الصمت إزاء الأحداث لحين نضجها وتفاقمها أو إزاحة من بالسلطة كما حدث في تونس ومصر. ففي الحالة التونسية، ورغم بدء التطورات في ديسمبر/ كانون الأول إلا إن روسيا لم تبد موقفاً واضحاً إلا بعد تنحى بن على وهروبه. وفيما يتعلق بمصر جاء الموقف الروسي متحفظاً بل وأميل إلى تأييد النظام والرئيس السابق حتى إقصائه أيضاً عن السلطة. وقد تكرر الموقف الروسي في الحالة الليبية، فأكدت موسكو حرصها على الاستمرار في علاقاتها الدبلوماسية مع السلطات الليبية دون التنديد بالطبع بالثوار. وكان أول موقف واضح ومحدد من جانب روسيا داخل مجلس الأمن هو الامتناع عن رفض القرار 1973. وكذلك الأمر في الحالة السورية حيث استمر التحفظ الروسي عن إطلاق أي تصريحات تعبر عن موقف واضح إلى أن تفاقمت الأوضاع في ظل تصاعد العنف من جانب السلطات السورية تجاه المواطنين، ومحاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي تدويل القضية وفرض عقوبات أممية وغير أممية على سوريا.


  2. التأكيد على أهمية التغيير السلمي ونبذ العنف، والدعوة إلى الحوار والحل السياسي ضمن الأطر القانونية وعلى أساس الوفاق الوطني، ورفض استخدام القوة من جانب السلطة في مواجهة المواطنين دون تنديد أو شجب يمثل انتقادا مباشرا للسلطات الحاكمة. وقد اقتصر ذلك على السلوك اللفظي ممثلاً في تصريحات المسؤولين الروس والبيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الروسية دون تدخل مباشر أو طرح مبادرات أو محاولة وساطة مباشرة، في كل الثورات بلا استثناء.


  3. التأكيد الدائم على رفض التدخـل الخارجي في مسار الأحداث. فقد رأت روسيا أن شعوب المنطقة قادرة على تقرير مصيرها وتحديد مستقبل بلادها دون أي تدخل خارجي في شؤونها وفرض وصفات للإصلاح عليها. ورغم أن روسيا لم تستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، الذي يقضى بالتعامل مع التهديدات التي يتعرض لها المدنيون في بنغازي وغيرها من المناطق الليبية بفرض حظر جوي على ليبيا، إلا إنها عادت وانتقدت بشدة الطريقة التي تنفذ بها الولايات المتحدة وحلفاؤها القرار، وأكدت مراراً أنها انحرفت عن المسار الشرعي الذي حدده القرار، وأنها ترفض التدخل على هذا النحو من جانب حلف الأطلنطي.

عوامل الموقف الروسي: المصالح وهواجس الداخل والتحدي الغربي 


هناك مجموعة من العوامل والاعتبارات حكمت الموقف الروسي تجاه الثورات العربية.


أولاً، المصالح الروسية، والأهمية الإستراتيجية للدولة العربية التي شهدت ثورات في ضوء هذه المصالح. فعلى مدى السنوات العشر الماضية استطاعت روسيا إعادة بناء علاقاتها مع عدد من الدول العربية التي تعتبر حلفاء تقليديين لها في المنطقة وفى مقدمتهم مصر وليبيا وسوريا. وأصبح لروسيا مصالح حقيقة في هذه الدول ستتأثر حتماً ولو مرحلياً بعدم الاستقرار الذي يجتاحها وقد تضار كلية بتغيير النظم الحاكمة بها. وترتبط المصالح الروسية بثلاثة قطاعات رئيسية، وهى: الطاقة (النفط والغاز)، والتعاون العسكري، والتعاون التقني في المجالات الصناعية والتنموية.


فالتدفق الرئيسي للاستثمارات الروسية في مصر يرتبط بقطاع الطاقة، حيث تستخرج شركة "لوك أويل" سنويا في مصر حوالي 650 ألف طن من النفط؛ ومنذ العام 2004 ، تقوم الشركة بأعمال التنقيب الجيولوجي عن حقول نفطية، فيما تقوم شركة "نوفاتيك" بالتنقيب عن حقول الغاز في مصر منذ العام 2008. وتكتسب ليبيا أهمية أيضاً بالنظر إلى الاستثمارات والمشروعات الروسية في مجال الطاقة. فقد أعلن رئيس مجلس إدارة شركة "تات نفط"، رستام مينيخانوف، أن خسائر الشركة في ليبيا في حال تغيير السلطة قد تتراوح بين 240 و260 مليون دولار.


كما وقّعت ليبيا في عام 2008 عقودا تقدر قيمتها بملياري دولار مع روسيا لتوريد أسلحة وقطع غيار للأسلحة السوفيتية الصنع والتي تمثل 90% من أسلحة ومعدات القوات المسلحة الليبية. وتتعاظم المصالح الروسية في الحالة السورية حيث قُدرت خسارة روسيا في حالة إلغاء عقودها العسكرية مع الجزائر وسوريا عند نشوب اضطرابات في هاتين الدولتين بأكثر من 6 مليارات دولار، وفقاً لتصريحات المدير العام للمركز الروسي لتحليل تجارة السلاح العالمية أيجور كوروتشينكو.


يضاف إلى هذا الأهمية الإستراتيجية لقاعدة طرطوس البحرية السورية التي تستخدمها القوات البحرية الروسية والتي تعتبر قاعدة التموين الوحيدة للأسطول الروسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط. كما أن عدم الاستقرار في اليمن يهدد تنفيذ العقود المبرمة في إطار التعاون العسكري التقني بين البلدين والذي يقدر حجمه بمليار دولار. أما تغيير الحكومة في تونس فلم يؤثر على التعاون الروسي مع هذه الدولة لأن الجيش التونسي مجهز بنماذج من الأسلحة الغربية الصنع.


يضاف إلى ذلك عشرات المشروعات المشتركة التي تم الاتفاق والتعاقد بشأنها، وتقدّر قيمة عقودها بمليارات الدولارات، وستتأثر حتماً إما بالإلغاء أو التأجيل نتيجة موجة عدم الاستقرار التي تجتاح الدول العربية.


وعلى ضوء التداعيات السلبية المتوقعة لهذه الثورات على المصالح الروسية، أكدت موسكو على أنها تريد استقرار الأوضاع في بلدان الشرق الأوسط لأن أية قلاقل في المنطقة تضر إضرارا مباشر بمصالح روسيا.





فشلت المساعي الغربية في 28 أبريل /نيسان في إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدين سوريا لاستخدامها العنف في قمع المتظاهرين بسبب معارضة روسيا والصين.
ثانياً، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كتوجه عام حاكم للسياسة الخارجية الروسية، وذلك منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وغياب الصبغة الإيديولوجية للسياسة الروسية. فروسيا تسعى إلى تحقيق مصالحها في المنطقة من خلال التعاون والشراكة، ودون هيمنة مباشرة أو تدخل صارخ في الشأن الداخلي، وهو منحى يختلف تماما عن نظيره الأمريكي الذي يسعى إلى تحقيق المصالح الأمريكية من خلال الاحتلال والتدخل المباشر.


ثالثاً، خبرة الداخل الروسي، التي تجعل روسيا متمسكة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأكثر حذراً من المد الثوري داخلها، رغم أن قادتها نفوا هذا التخوف من جانبهم. فروسيا من الدول التي شهدت موجات عنيفة من عدم الاستقرار خاصة في منطقة القوقاز الروسي طوال التسعينات، وحتى الاستفتاء على الدستور الشيشانى الجديد عام 2003.


واستخدمت القوة بصرامة للقضاء على التمرد الشيشانى، ولا يمكنها انتقاد نظم تستخدم ذات الأسلوب لقمع المعارضة في الداخل. كما تشهد روسيا احتجاجات من آن لآخر مطالبة بمزيد من الحريات والديمقراطية، وكان هناك انتقادات لحزب "روسيا الموحدة" الحاكم فيما يتعلق بإداراته للانتخابات المحلية التي أجريت في مارس/ آذار 2010، وأثارت تحفظات الحزب الشيوعي والحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب "روسيا العادلة"، التي اتهمت السلطات المحلية وحزب "روسيا الموحدة" بتزوير نتائج الانتخابات. ومن ثمّ فإن تأييد الثورات في الخارج قد يؤدى إلى تشجيع مثل هذه الاحتجاجات الداخلية.


رابعاً، موقف القوى الإقليمية وتداعيات الثورات على الاستقرار الإقليمي. فالموقف الروسي يتأثر بمواقف القوى العربية والفاعلة إقليمياً، وردود أفعالها المتوقعة تجاه ما تنوى موسكو اتخاذه من خطوات. وعلى سبيل المثال، أشار وزير الخارجية الروسي لافروف إلى أنه "بدون وجود موقف واضح من قبل جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، التي تعتبر طرابلس عضوا في كليهما، فإن موسكو لا تستطيع النظر في أية خطوات جديدة". ولا شك أن ترحيب عدد من الدول العربية بالقرار 1973 بل ومشاركة بعضها في عمليات حلف الأطلنطي ضد ليبيا، كان أحد العوامل التي دفعت روسيا إلى عدم رفض القرار. من ناحية أخرى ترى روسيا أن سورية بمثابة "حجر زاوية" في أمن منطقة الشرق الأوسط، وعدم استقرار الوضع فيها ونشوب حرب أهلية سيؤدي حتما إلى زعزعة الوضع في بلدان مجاورة خاصة في لبنان، وتؤدي إلى صعوبات في المنطقة كلها. وإن تدخل القوى الخارجية في الشأن السوري يمكن أن يشكل تهديدا حقيقيا للأمن الإقليمي.


خامساً، تراكم الخبرة فيما يتعلق بالموقف من الثورات العربية، خاصة ليبيا، وتأثيرها على الموقف الروسي من الحالة السورية. فقد وجهت انتقادات داخلية شديدة للرئيس ميدفيديف نتيجة عدم استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 بشأن ليبيا، من جانب رئيس الحكومة فلاديمير بوتين الذي ندد بالقرار ورأى إنه "معيب وخاسر ومدمر لأنه يسمح بكل شيء ويذكر بدعوات من القرون الوسطى إلى شن حملات صليبية، ويجيز التدخل في أراضي دولة ذات سيادة". وأوضح استطلاع للرأي أن 90% من الروس يوافقون بوتين الرأي. كما دعا مجلس الدوما (البرلمان) مجلس الأمن الدولي إلى وقف إطلاق النار والعنف والهجمات على السكان المدنيين في ليبيا، ودعا برلمانات فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وكندا وغيرها من الدول المشاركة في العملية العسكرية إلى مساندة وقف العمليات القتالية الحالية، التي تلحق أضرارا بالبنى التحتية المدنية الليبية وتؤدي إلى وقوع ضحايا بين المدنيين.


الأمر الذي أحدث تحولا واضحا في الموقف الروسي الرسمي تجاه ليبيا، ودفع الرئيس ميدفيديف إلى الدعوة إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي، "بنصه وروحه، وليس وفق التفسيرات العشوائية التي قدمتها بعض الدول"، واعتبار عمليات حلف الأطلنطي "تدخلا سافرا في شؤون الدولة الليبية". وفي ختام اجتماع مجلس "روسيا - الناتو" في بروكسل في 29 مارس /آذار، طلب مندوب روسيا الدائم لدى حلف شمال الأطلسي ديمتري روجوزين من الناتو تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي حرفيا دون "التفنن في تنفيذه".


ولا شك أن تجاوز الدول الغربية نص القرار بشأن ليبيا وتطبيقه وفق تفسيراتهم أثّر على الموقف الروسي من سوريا، وأدى إلى حذر موسكو ورفض تكرار سيناريو التدخل الأمريكي تحت مظلة حلف شمال الأطلنطي في الحالة السورية. فقد فشلت المساعي الغربية في 28 أبريل /نيسان في إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدين سوريا لاستخدامها العنف في قمع المتظاهرين بسبب معارضة روسيا والصين. وأكدت موسكو أنها لا تفضل حل الأزمة السورية عن طريق فرض عقوبات على دمشق، وتعطي الأولوية للوسائل الدبلوماسية والسياسية.


كما كانت روسيا من بين الدول التسع التي صوتت ضد قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول سوريا في اجتماعه يوم 29 أبريل /نيسان، الذي جاء بمبادرة أمريكية، ووافقت عليه 26 دولة من أصل 47 دولة، ويشجب القرار الاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات السورية بحق المتظاهرين. وحذرت موسكو من مغبة التدخل الخارجي في سوريا، واعتبرت أنه لن يؤدي إلا للمزيد من العنف وقد يشعل حربا أهلية.


إن روسيا أيقنت من الدرس الليبي، وقبله العراق وإيران، أن عائد التفاهم مع الولايات المتحدة وإبرام صفقات خاصة بالمواقف الروسية داخل الأمم المتحدة لا يتناسب أبداً مع حجم الخسائر التي تلحق بها من جراء التدخل الأمريكي السافر في هذه الملفات، ويتضمن ذلك الخسائر الاقتصادية المباشرة نتيجة إلغاء العقود المبرمة، وأيضاً النيل من صورة روسيا ومصداقيتها كحليف أو شريك يعول عليه. ولذا فإن احتمال تكرار القيادة الروسية لموقفها من ليبيا في الحالة السورية يبدو ضعيفاً، خاصة وأن روسيا قد استعادت مكانتها كقوة كبرى وتستطيع مقاومة الضغوط الأمريكية ورفض الانصياع للإرادة الأمريكية، بل والوقوف بحسم في وجه المخططات الأمريكية كما حدث في أزمة أوسيتيا الجنوبية عام 2008.


تداعيات الموقف الروسي: شلل وحيرة أمام نظام جديد 


يمكن بلورة أهم تداعيات الموقف الروسي في إطار محورين أساسيين:






  1. أكدت موسكو أنها لا تفضل حل الأزمة السورية عن طريق فرض عقوبات على دمشق، وتعطي الأولوية للوسائل الدبلوماسية والسياسية.
    الأول،
    يتعلق بمسار الثورات العربية. وهنا تبرز محدودية التأثير الروسي في ظل التحفظ الشديد الذي تبديه موسكو حيث ترفض التدخل المباشر لدعم طرف ضد أخر. ورغم أنها ترفض العنف واستخدام القوة ضد المتظاهرين، فإنها لا تتدخل لدعمهم، وتستمر في الاحتفاظ بعلاقاتها مع السلطة القائمة سواء في ليبيا أو في سوريا باعتبارها الممثل الشرعي للبلاد. ويقتصر التأثير على ما تتخذه روسيا من مواقف داخل الأمم المتحدة، ولهذا أهميته على الأقل على المستوى السياسي والدبلوماسي، وتأثيره غير المباشر على مسار الثورات من خلال إتاحة أو رفض تدخلات الدول الأخرى.


  2. أما المحور الثاني، فيتعلق بمستقبل العلاقات الروسية العربية. فالتغيير قادم لا محالة وإن تباطأ لبعض الوقت بفعل مقاومة السلطات في ليبيا وسوريا للمتظاهرين. ويتضمن هذا فرصا وتحديات لروسيا. فالثورات نجحت في فك الارتباط التقليدي بين النخب الحاكمة والولايات المتحدة في بعض البلدان، إلا إنها قد تنجح أيضاً في إنهاء العداء التقليدي بين البعض الآخر والولايات المتحدة وفى مقدمتها ليبيا وسوريا. ولا شك أن هذه التطورات سوف تؤدى إلى بروز متغيرات إقليمية جديدة تماماً. وبنهاية مرحلة التحول سوف يعاد تعريف الحلفاء وكذلك الخصوم أو المنافسين، الأمر الذي سيؤثر حتماً على السياسة الروسية وتحالفاتها. فالمنطقة بأكملها يعاد رسم خريطة القوى والتحالفات بها، وذلك بالنظر إلى التغير السريع والجذري الذي تمر به، والذي سيغير دون شك من حسابات روسيا ومعطيات اتخاذ قرارها الخارجي. ويعتبر هذا التغير في حد ذاته تحديا هاما يواجه السياسة الروسية. فما إن استطاعت روسيا ترتيب أوضاعها في المنطقة بجهد كبير وزيارات متتالية قامت بها قيادتها لدول المنطقة على مدى السنوات الست الماضية، حتى هبت رياح التغيير لتعصف بكل الأوراق، وتطرح ضرورة إعادة ترتيبها من جديد.

ولا شك أن روسيا حريصة على استمرار روابطها مع العالم العربي وتنمية التعاون المثمر بينهما في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإستراتيجية. وهى أميل إلى ترجمة أهدافها ومصالحها إلى علاقات تعاونية تخدم مصالحها ومصالح الأطراف العربية.
__________________
أستاذ العلوم السياسية، ومدير وحدة دراسات الشباب، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.