اليمن: نهاية الفوضى المنظمة

أقام الرئيس اليمني نظامه على تفريق القوى الاجتماعية، ومؤسسات تابعة له بديلة عن مؤسسات الدولة، لكن القوى الاجتماعية تجاوزت خلافاتها واتحدت على تنحيته، ومؤسسات الدولة راحت تتخلى عنه.


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


عادل الشرجبي


انطلقت حركة الاحتجاجات في تعز والعاصمة صنعاء في 11 /2 /2011، وفيما اتخذت في تعز شكل الاعتصام، فإنها اتخذت شكل المظاهرات اليومية المتصلة في العاصمة صنعاء، والمتقطعة في كل من عدن والحديدة. وفي 19 فبراير/شباط، تحولت المظاهرات في صنعاء إلى اعتصام دائم، وتحولت المظاهرات في مدينة الحديدة إلى اعتصام في ساحة حديقة الثورة من 25 فبراير/شباط، بالتزامن مع بدأ تنظيم مسيرات ومظاهرات في محافظة صعدة. وخلال الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار 2011، انخرطت باقي المحافظات في حركة الاحتجاجات، بحيث شملت 21 محافظة من محافظات اليمن ال22.


القوى الاجتماعية للحركة الاحتجاجية واستراتيجياتها


شكّل الطلاب والشباب طليعة قوى الثورة، وقد أطلق المحتجون في ساحة الحرية في تعز على أنفسهم تسمية حركة شباب نحو التغيير (ارحل)، وأطلق المعتصمون في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء على أنفسهم تسمية ائتلاف شباب الثورة اليمنية السلمية، وأطلق المتظاهرون والمعتصمون في مدينة البيضاء على الساحة التي ينظمون فيها أنشطتهم الاحتجاجية تسمية ساحة أبناء الثوار، وقد عبّر الشباب في مختلف محافظات الجمهورية عن دعمهم للشباب المحتجين. ففي 17 فبراير/شباط، دان الاتحاد العام لشباب اليمن، فرع عدن، استخدام العنف والقتل الذي تعرض له الشباب المتظاهرون في المنصورة، وذلك رغم موالاته للحكومة. وفي وقت لاحق، دعا أمين عام اتحاد شباب الجنوب ( التابع للحراك الجنوبي), كافة أنصاره في عدن والمحافظات الجنوبية إلى ترديد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".




لم يعلن شباب التغيير في الساحات بنية تنظيمية وقيادة واضحة، حتى لا يقوم النظام باحتوائها، الأمر الذي أربك النظام في التعامل مع قوة الاعتصام، وعوضاً عن ذلك وظفوا شبكة المعلومات الدولية الانترنت، في بناء تنظيمات افتراضية، على شكل جماعات على مواقع التواصل الاجتماعي
مع بداية الأسبوع الثاني، بدأت الحركة الاحتجاجية تتحول من حركة طلابية وشبابية إلى ثورة تقودها كتلة تاريخية، تتكون من كل مكونات المجتمع، سواء الحديثة أو التقليدية، فقد التحق شباب القبائل بالحركة الاحتجاجية، سواء من خلال تدشين حركة احتجاجية في عواصم محافظاتهم، أو من خلال الالتحاق بساحة التغيير بصنعاء، أو بساحة الحرية في تعز. ففي 4 مارس/آذار، بدأ شباب مجلس تحالف قبائل مأرب والجوف، وشباب فرع مجلس التضامن الوطني، في إعداد ساحة اعتصام في محافظة مأرب.

رفع الشباب شعار " لا حزبية ولا أحزاب.. الشعب يريد إسقاط النظام"، على الرغم من ذلك فإن القطاعات الطلابية لأحزاب اللقاء المشترك بشكل عام، والقطاعين الطلابيين للتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني بشكل خاص، لعبا دوراً نشيطاً في المظاهرات والاعتصامات الأولى. وفي 16 فبراير/شباط 2011، وقبل نهاية الأسبوع الأول من الاحتجاجات، التقى بعض قادة اللقاء المشترك مع ممثلين عن المحتجين، مع ذلك فقد ظل الشباب في ساحات التغيير والحرية محتفظين باستقلاليتهم عن الأحزاب، بل على العكس من ذلك فإن الأحزاب هي التي أعلنت الالتحاق بثورة الشباب.

لم يعلن شباب التغيير في الساحات بنية تنظيمية وقيادة واضحة، حتى لا يقوم النظام باحتوائها، الأمر الذي أربك النظام في التعامل مع قوة الاعتصام، وعوضاً عن ذلك وظفوا شبكة المعلومات الدولية الانترنت، في بناء تنظيمات افتراضية، على شكل جماعات على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد التحاق كثير من النخب القبلية والقوى التقليدية بالثورة، وتفكك الحزب الحاكم واستقالة كثير من أعضاءه وإعلان التحاقهم بالثورة، وتمرد الجيش على النظام وإعلان دعمه لشباب الثورة، برزت لدى الطلاب مخاوف من أن هذه القوى تريد سرقة ثورتهم، وقد تعززت هذه المخاوف في ظل الحملة الإعلامية التي ينفذها النظام، والإشاعات التي يبثها عبر صفحات الفيس بوك ومواقع الانترنت.

فتولدت قناعة لدى شباب الثورة حول ضرورة تشكيل تنظيم لشباب الثورة، وتحديد أهداف للثورة، وقد تم في 21 مارس/آذار انتخاب لجنة تحضيرية لمجلس تنسيق الثورة الشبابية بالعاصمة صنعاء، وتحديد أهداف للثورة تتلخص في:
1-استمرار النضال السلمي لإسقاط مؤسسات النظام ورموزه، وفي المقدمة الرئيس وجميع أقاربه في المؤسسات العسكرية والمدنية والأمنية.
 2-تشكيل مجلس انتقالي من شخصيات مدنية مستقلة مشهود لها بالنزاهة والكفاءة ويشارك فيه شباب الثورة، لإدارة فترة انتقالية لبناء الدولة واستبدال مؤسسات النظام وتشريعاته.
 3-محاكمة كل من له علاقة بجرائم القتل والعنف خلال مرحلة الثورة الشعبية والتي نفذت ضد نشطاء الحراك الجنوبي السلمي وجرائم حرب الإبادة في صعدة.
4- محاكمة كل من يثبت تورطه في الفساد.
 5- رفض أي حوار مع النظام القائم لا يحقق هذه الأهداف وعدم الاعتراف بأية حوارات لا يكون شباب الثورة طرفا رئيسا فيها.






استراتيجيات النظام: التلويح بالفوضى


تبنى النظام إستراتيجية دفاعية تقوم على إخافة المواطنين من التعرض لخسائر، بعضها فردية ومادية مباشرة، وبعضها وطنية وجمعية. فعلى مستوى الخسائر المادية المباشرة هدد النظام بأن التغيير سوف يؤدي إلى الفوضى وما سوف يترتب عليها من سرقة ونهب، بل وقتل وحرب أهلية، وقد كرر الرئيس في معظم خطاباته مصطلح الفوضى الخلاقة، فروج فكرة أن تغيير النظام سوف يؤدي إلى انفصال الجنوب، وإلى إعلان الحوثيين دولة ملكية أو نظام إمامة في محافظة صعدة، وهيمنة القاعدة على المحافظات الشرقية، ونشوب حرب أهلية في باقي المحافظات. ومن الأفكار التي روجها النظام أن اللقاء المشترك يضم ستة أحزاب مختلفة التوجهات الأيديولوجية ( يسارية، إسلامية، قومية ولبرالية)، وأن ذلك سوف يؤدي إلى اختلافها إذا ما وصلت إلى السلطة، وبالتالي نشوب الصراع بينها.




هدد النظام بأن التغيير سوف يؤدي إلى الفوضى وما سوف يترتب عليها من سرقة ونهب، بل وقتل وحرب أهلية، وقد كرر الرئيس في معظم خطاباته مصطلح الفوضى الخلاقة، فروج فكرة أن تغيير النظام سوف يؤدي إلى انفصال الجنوب، وإلى إعلان الحوثيين دولة ملكية أو نظام إمامة في محافظة صعدة، وهيمنة القاعدة على المحافظات الشرقية
العوامل التي ادّعى النظام أنها سوف تساعد على انتشار الفوضى هي نفسها التي منعته من إحداث فوضى منظمة شاملة، وعلى نطاق واسع في المدن، مثل تلك التي نظمها النظام المصري قبل سقوطه، واقتصرت أعمال الفوضى التي نظمها النظام على تشكيل عصابات للاعتداء على المعتصمين في ساحات الحرية والتغيير، تمثلت أكثرها عنفاً في تلك التي حدثت يوم (جمعة البداية) في ساحة الحرية بمدينة تعز، ويوم (جمعة الكرامة) في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء.

والمحاولة الوحيدة لنشر حالة من الفوضى الشاملة هي تلك التي نفذها (بلاطجة) النظام في حي التواهي بمدينة عدن، حيث تم نهب بعض المؤسسات وإحراق بعض الملاهي الليلية يوم الاثنين 21 مارس/آذار 2011، وقد دان حزب التجمع اليمني للإصلاح هذه الأعمال، وقال أنها تمثل أسلوباً همجياً ولا أخلاقيا، تنفذه جهات معروفة بهدف نشر الفوضى والرعب وخلق حالة من الانفلات الأمني.

خلال يومي 22 و 23 مارس/آذار، كادت تحدث حالة من الفوضى والفراغ الأمني في محافظتي الجوف وشبوة نتيجة تفكك بعض معسكرات الجيش والأمن المركزي، إلا أن شباب التغيير وبمساعدة شيوخ القبائل والمجالس المحلية، شكلوا لجانا شعبية لإدارة المديريات التي عانت من الانفلات الأمني.






تصدع القاعدة الاجتماعية للنظام


عمل النظام على إضعاف جميع الفاعلين الرسميين وغير الرسميين الأصلاء، وصنع فاعلين بدلاء لهم، فعوضاً عن الأحزاب الحقيقية دعّم أحزاب التحالف الوطني للمعارضة. وفي مقابل شيوخ القبائل الكبار عمل على صناعة ما أسماه البعض بمشايخ بريمر( في تلميح للحاكم الأمريكي السابق في العراق). وفي مقابل الجيش عمل على تأسيس وحدات عسكرية عائلية هي الحرس الجمهوري والأمن المركزي والحرس الخاص. وفي مقابل جهاز الأمن السياسي، تم تأسيس جهاز الأمن القومي، والذي هو جهاز لأمن النظام، أكثر مما هو لأمن الدولة. وفي مقابل أجهزة الدولة ومؤسساتها تم تسيير وظائف الدولة من خلال لجان خاصة، بل إن النظام عمل على استنساخ مظاهرات واعتصامات، مؤيدة للرئيس. وعندما بدأت الثورة الشعبية، تكاتف الفاعلون الأصليون ضده، والتحموا بالثورة الشعبية، فيما عمل هو على تعبئة الفاعلين البدلاء، إلا أنهم لم يستطيعوا القيام بالوظائف الأساسية التي يريدها منهم، فهم واجهات شكلية.

أسس الرئيس علي عبد الله صالح نظاماً يحمل بذور فنائه، فقد خلق حالة من الفوضى المنظمة، أو من حرب الكل ضد الكل، فسلّط القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية بعضها على البعض الآخر، فعمل على شق بعض الأحزاب واستنساخ بعضها، وخلق حالة من الصراع بين الجماعات الدينية، وأغرق القبائل في حروب وثارات بعضها ضد البعض الأخر، وفي حروبه ضد الجماعات المتمردة، وخلق صراعات بين شيوخ القبائل، وتدخل في إعادة رسم خارطة توزيع القوة القبلية، وتقوية بعض مشايخ الصف الثاني وإضعاف بعض كبار شيوخ القبائل الكبار، وأغرق الجيش في حروب دائمة منذ عام 2004 ضد الحوثيين في الشمال والحراك والقاعدة في الجنوب.

وعلى مستوى دائرته القرابية، عمل على تعزيز قوة العائلة على حساب قوة العشيرة، فعزز قوة أبناءه وأبناء إخوته، وأضعف الأقارب الآخرين مثل اللواء علي محسن صالح الأحمر، واللواء عبد أللاه القاضي، واللواء محمد علي محسن، وركّز كل مصادر القوة وإدارة موارد الدولة بيده، بما يمكنه من التحكم بتوزيع السلطة وإعادة ترتيب أبنية القوة الرسمية وغير الرسمية، وبناء شبكات الموالاة، وبات على كل من يرغب في الوصول إلى السلطة أو الثروة أو الهيبة الاجتماعية أن يلتحق بالنظام.

نظّم الرئيس توزيع السلطة على أساس مبادئ مباريات خروج المهزوم، فأقصى كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين واحداً واحداً، وبات الجميع خارج اللعبة السياسية والاجتماعية، وبالتالي فإن نظام صالح هو نظام يستطيع خلق أعدائه، أكثر مما يستطيع خلق حلفاءه، فانظم كل المتضررين من النظام، والذين همشهم وأبعدهم عن المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى الثورة الشعبية التي قادها الطلاب وشباب التغيير، فأعلنت الأحزاب الفاعلة المؤتلفة في تجمع اللقاء المشترك التحامها بالثورة الشعبية.

عمل الرئيس على تعبئة النخب القبلية، فعقد مؤتمرات للقبائل في صنعاء، مع ذلك لم يستطع كبح الثورة لعاملين رئيسيين، الأول هو الطبيعة الخاصة لهذه الثورة، والتي يمكن وصفها بأنها ثورة جديدة أقرب للحركات الاجتماعية منها للثورات التقليدية، فهي ثورة شعبية سلمية يقودها طلاب وشباب حضريون، تختلف تماماً عن الثورات التقليدية التي تقوم على العنف، أما العامل الثاني، فيتعلق بطبيعة التحالفات التي تشكلت خلال فترة الثورة، فقد استطاع الشيخ حميد الأحمر تفكيك شبكات الموالاة التي يعتمد عليها الرئيس، فقد شهد النصف الثاني من شهر فبراير/شباط استقالة عدد كبير من شيوخ القبائل من عضوية اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، ويبدو أن ذلك كان بتأثير من الشيخ حميد الأحمر، لذلك استطاع شباب الثورة إسقاط النظام بسلاح العصبية القبلية الذي طالما استخدمه في الدفاع عن بقاءه وإقصاء الآخرين.

شهد يوم السبت 26 فبراير/شباط 2011 تحولاً نوعياً في موقف القوى القبلية من الصراع، فقد أعلن مؤتمر قبائل بكيل عن تأييده لمطالب التغيير، ودعا الرئيس إلى سرعة تنفيذ مطالب الشعب، وأعلن تأييده لبيان العلماء وطالب بتقديم القتلة للمحاكمة، وطالب رئيس الجمهورية بتنفيذ مطالب الشعب المشروعة واتخاذ قرارات هامة وعاجلة. وفي اليوم ذاته أعلن الشيخ طارق الفضلي التحامه بقوى الثورة، ونظم الشيخ حسين الأحمر في ذات اليوم مؤتمراً قبلياً لقبائل حاشد وبكيل في محافظة عمران، طالب خلاله بإسقاط النظام، وهي المرة الأولى التي يطالب فيها هو وشيوخ القبائل الآخرين بإسقاط النظام عوضاً عن إصلاحه، وقد ردد المشاركون وراء الشيخ حسين عدداً من الشعارات المطالبة برحيل الرئيس، منها: "من حاشد ومن بكيل..على الرئيس الرحيل".






تصدع المؤسسة العسكرية


عمل الرئيس علي عبد الله صالح منذ وصوله إلى السلطة على إضعاف مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها، وفي موازاتها أسس مؤسسة عسكرية عائلية، تتكون من الأمن المركزي بقيادة أخيه محمد عبد الله صالح، وتولاها ابنه عمار بعد وفاته، والحرس الجمهوري والحرس الخاص بقيادة ابنه أحمد علي عبد الله صالح، وأضعف الأمن السياسي ليؤسس الأمن القومي، وبالتالي أخرج النخب العسكرية من الميدان السياسي، فاعتمد الرئيس علي عبد الله صالح على هذه الوحدات في حماية نظامه في المناطق الحضرية، أما في المناطق الريفية فقد اعتمد على النخب القبلية.

بدأ تصدع المؤسسة العسكرية يوم 21 مارس/آذار بشكل دراماتيكي متسارع، حيث أعلن معظم قادة وحدات الجيش تمردهم على سلطة الرئيس صالح، وولائهم للثورة، ولم يبق موالياً للنظام سوى الحرس الجمهوري والأمن المركزي، فعقد مجلس الدفاع الوطني جلسة برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح، الذي اعتبر ذلك انقلاباً، وأعلن حالة الطوارئ، وفي ذات اليوم أقال الحكومة، وكلفها بتصريف الأعمال، وأوفد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال إلى المملكة العربية السعودية، لطلب الوساطة، لاسيما أن المملكة العربية السعودية تمتلك تأثيراً على شيوخ القبائل وبعض كبار ضباط القوات المسلحة، وبدأ في إشاعة الفوضى في حي التواهي بمدينة عدن، حيث قام (بلاطجة) بمهاجمة وحرق عدد من الملاهي الليلية.




بدأ تصدع المؤسسة العسكرية يوم 21 مارس/آذار بشكل دراماتيكي متسارع، حيث أعلن معظم قادة وحدات الجيش تمردهم على سلطة الرئيس صالح، وولائهم للثورة، ولم يبق موالياً للنظام سوى الحرس الجمهوري والأمن المركزي
عيّن الرئيس قادة للوحدات التي أعلن قادتها ولاءهم للثورة، وفي اليوم التالي 22 مارس/آذار 2011 قامت قوات من الحرس الجمهوري بمحاصرة القاعدة الجوية في (الحديدة) بهدف فرض القائد الجديد عليها، ومهاجمة بعض وحدات الجيش في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، إلا أنها فشلت في فرض القائدين الجديدين، وفي محافظة الجوف لم يتعاون جنود وضباط اللواء 115 مع القائد المعين، فغادروا المعسكر، بعد أن استولوا على السيارات والسلاح الشخصي. ولمواجهة حالة الفراغ الأمني، شكّل شباب حركة التغيير بمحافظة الجوف يوم 23 مارس/آذار لجنة شعبية من 16 عضواً لإدارة المحافظة، وفي اليوم ذاته سيطرت مجاميع قبلية على 7 معسكرات من معسكرات قوات الأمن المركزي في مديريات ميفعة وحبان ونصاب والصعيد، وفي محافظة شبوة. في ظل ذلك، يبدو أن الرئيس علي عبد الله صالح أدرك فشله في القضاء على التمرد، فأعلن يوم الأربعاء 23 مارس/آذار قبوله بمبادرة اللقاء المشترك التي عرفت بالنقاط الخمس التي كان رفضها قبل ذلك.

موازين القوة ومستقبل الصراع


يبدو أن ميزان القوى يميل كماً ونوعاً لصالح قوى الثورة، وبات تغيير النظام أو إسقاطه أمراً حتمياً، فجل شيوخ القبائل الكبار أعلنوا دعمهم لقوى التغيير، وأساتذة الجامعات، والمثقفون ورجال الدين، وعلى الرغم من أن النظام لازال قادراً على تعبئة بعض الممثلين لهذه الفئات والجماعات، إلا أنهم غالباً من الصف الثاني أو الثالث.

لقد بات وجود النظام محصوراً بالعاصمة صنعاء، فمحافظات صعدة، الجوف، مأرب، أبين، حضرموت، شبوة وأبين، لم تعد خاضعة للنظام، ووجود ممثلي النظام في المحافظات الأخرى بات وجوداً شكلياً، وقد تولدت خلال الأسبوع الماضي قناعة لدى قطاع واسع من المواطنين بأن سقوط النظام بات وشيكاً، بل أن الرئيس علي عبد الله صالح نفسه بات مقتنعاً بذلك، فلم يعد مصراً على البقاء في السلطة، بل بات يناقش كيف ومتى يتم تغيير النظام ولمن يتم تسليم السلطة، وإذا لم تحدث مفاجآت انقلابية فإن ما تبقى من عمر النظام هو أسابيع وليس شهورا.
_______________
أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء.