انسحاب القوات الأمريكية من العراق وعواقبه

قد تنشب بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق حرب أهلية مكبوحة حاليا، وستعمل أمريكا على إبقاء سيطرتها من خلال شبكة من القواعد، لكنها تواجه صعود قوى مناوئة، فيكون الصراع بين الطرفين حربا باردة جديدة في الشرق الأوسط.


 


 


 


 


 


 


 


 



 


ميشيل غويا


في ليلة 18 أغسطس/آب 2010، عبرت آخر وحدة قتالية أمريكية كانت لا تزال مرابطة في العراق الحدود باتجاه الكويت. ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق بوش كان قد أعلن أن "المهمة قد أُنجِزت" يوم 1 مايو/أيار 2003، فلم تكن هناك أية مراسيم خاصة للاحتفال بنجاح المهمة حين غادرت القوات الأمريكية العراق.

ومن الأكيد أن التقييم السياسي الإجمالي لهذه العملية العسكرية، والتي تُعتبر أكبر مهمة خارجية قام بها الأمريكيون منذ الحرب في فيتنام، يبقى مجهول الملامح. فنحن مازلنا بعيدين عن تحقيق "سلام أفضل"، وهو الهدف من وراء اندلاع كل حرب حسب ليدل هارت.








بلد يواجه خطر التقسيم


من بين أهم المشاكل التي تعترض العراق، هناك إشكالية الانتقال الديمقراطي للسلطة في يد الحكومة العراقية. فإلى جانب كون الحكومة الحالية لديها علاقات مع جارتها إيران، سوف تعاني هذه الحكومة قريباً من صعوبات في الحفاظ على وحدة البلاد، في الوقت الذي أصبحت فيه إمكانية الانقسام أكثر احتمالاً يوماً بعد يوم. ورغم أن نوري المالكي، الذي انتُخِب سنة 2008، تبدو عليه علامات رجل الدولة، فإن المؤسسة السياسية للبلاد لم تنجح في خلق دولة حقيقية منذ انتخابات 2005. ومنذ التوترات التي ظهرت سنتي 2006 و2007، أضحت النعرات الطائفية هي السائدة على المشهد العراقي.




سوف تعاني هذه الحكومة قريباً من صعوبات في الحفاظ على وحدة البلاد، في الوقت الذي أصبحت فيه إمكانية الانقسام أكثر احتمالاً يوماً بعد يوم. ورغم أن نوري المالكي، الذي انتُخِب سنة 2008، تبدو عليه علامات رجل الدولة، فإن المؤسسة السياسية للبلاد لم تنجح في خلق دولة حقيقية منذ انتخابات 2005
وحالياً، تبقى القوانين الأساسية التي تؤطر عملية تنمية البلاد والصناعة النفطية ووضع الأحزاب السياسية والحوكمة الإقليمية موقوفة التنفيذ، مثلها مثل الاستفتاء بشأن مستقبل مدينة كركوك. إضافة إلى ذلك، صُنّف العراق في المرتبة 176 من أصل 180 بلداً فيما يخص النزاهة السياسية، بينما تشبه المنافسة بين الأحزاب السياسية والوزراء كصراع البقاء بين الضواري في الأدغال. وبسبب النظام السياسي العقيم لبغداد، ظهر شرخ بين الحكومة وباقي المجتمع العراقي والإدارات المحلية. ومن بين أعراض هذه المشكلة، هناك تدهور الحالة الأمنية منذ مغادرة القوات الأمريكية للبلاد سنة 2009. ففي الفترة ما بين أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2009، ارتفعت وتيرة تنفيذ العمليات المسلحة في العاصمة بغداد.

وفي ظرف أربعة أشهر، قُتِل ما لا يقل عن 400 شخص، ما أدى إلى تأجيل الانتخابات التشريعية من شهر يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2010. وحتى الآن، مازالت بغداد تُعتبر من بين أخطر مدن العالم، حيث يُقتل فيها ما بين 15 إلى 20 شخصاً يومياً. كما أن الحركات الجهادية مازالت حاضرة، أما موالاتها للسنة فتبين خيبة أملها بالنظر إلى الشعبية السياسية التي يحظى بها السنّيون وتخوفها من التهميش.

وتصبح نتيجة هذه الحالة الأمنية، وعاقبتها كذلك، تجزيء القوات الأمنية، وهو ما بدأ يظهر بجلاء في مدى ولاء هذه القوات للحكومة، حيث تحولت إلى قضية مطروحة على الساحة السياسية. فالمالكي يتحكم في قيادة العمليات داخل بغداد وفي الحرس الرئاسي، بينما القيادة السابع عشرة في جنوب العاصمة، ومعها الفرقة السادسة في المطار والفرقتان الكرديتان (القيادتين 15 و16 في منطقة الجبال)، تضمن الحلقة الثانية في نظام الأمن بالبلاد. وهناك حدث آخر يُبرز مدى تزايد قلق الحكومة من قواتها الأمنية، يتمثل في توقيف خمسين مسؤولاً حكومياً في وزارة الداخلية ثم إطلاق سراحهم بسرعة أواسط شهر ديسمبر/كانون الأول 2008 بعد أن نُسبت إليهم تهمة ’’محاولة تنظيم انقلاب ضد الحكومة‘‘.

فلا يخفى أن وزارة الداخلية تتشكل من جميع القوى الموازية لباقي الوزارات (قوى حماية النفط، حماية الكهرباء، الخ)، وبالتالي أصبحت الجهة الأكثر خلقاً لمناصب الشغل في البلاد، حيث ينتمي إليها أكثر من نصف مليون موظف. وفي مواجهة هذا الشلل الحكومي، بقيت عدة فرق من القوات المسلحة على أهبة الاستعداد. فهناك حركة الصحوة التي شكلت منها حكومة المالكي الميليشيات المسلحة، والتي مازالت متواجدة على الساحة لتكون خياراً محتملاً في حالة نشوب مواجهة مسلحة مع طرف آخر.

نفس الشيء بالنسبة لجيش المهدي، الذي يبدو واضحاً أنه يتربص بيوم مغادرة الأمريكيين للبلاد. ثم هناك الخط الأخضر الفاصل بين إقليم كردستان والأجزاء العربية من العراق، والذي يعرف تعزيزات كبيرة في الجيش، خصوصاً في منطقة كركوك الغنية بالنفط. فبعد فترة التطهير العرقي التي نهجها صدام حسين، رجع الكرد مرة أخرى إلى هذه المنطقة، في انتظار ساعة الاستفتاء الذي نصّ عليه الدستور، والذي سيسمح لهم بضم كركوك إلى باقي منطقة الحكم الذاتي. مثل هذا القرار سوف يكون له تأثير مباشر على تهميش السنة، حيث سيفقدون مصدر دخلهم الوحيد من عائدات النفط. وطبعاً، سوف يكون لمثل هذا التحول تأثير عظيم على تركيا التي لن يُسعدها بالتأكيد أن ترى على حدودها إقليم كردستانٍ قويا ومزدهرا.

أما الأمريكيون، فموقفهم من كل هذا يبقى غامضاً بعض الشيء. فهم يرغبون في الحفاظ على قوة سنية معارضة للحكومة التي أصبحت لها صلة وثيقة بطهران، ولكنهم في نفس الوقت لا يريدون قض مضجع تركيا. إنهم يعتقدون أن ضم الكرد لإقليم كركوك سوف تكون له عواقب وخيمة، ما يعني أنهم يغامرون بإبعاد حليفهم الحقيقي الوحيد بالمنطقة. لذلك، نجدهم يدعمون سن قانون ينص على التوزيع بالتساوي لعائدات المحروقات. في المقابل، رفض جميع الفاعلين السياسيين هذا القانون.

لقد أصبحت لكركوك أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للكرد كما بالنسبة للعرب السنة، بحيث عمد أصحاب المصالح إلى تجميد هذه الوضعية على حالتها الراهنة قبل أن تتحول إلى فتيل لإشعال حرب أهلية بالمنطقة.

ولكن ساعة الحقيقة بدأت تقترب. ففي الوقت الذي مازالت فيه أخبار العراق تتصدر صفحات الجرائد الأمريكية، نجد القوات الأمريكية على الميدان غير قادرة على الحفاظ على وحدتها. لقد اختفى حجر أساس أمن العراق ومعه أهم أداة في السياسة الأمريكية بالمنطقة. غير أنه لا يجب التخلي عن القدرة على الاستجابة للأحداث المحلية والإقليمية. وهذا ما يفسر تحوّل القوات المسلحة نحو لعب دور جديد.






جيوش التحالف المحلية


داخل العراق، نجد أمريكا تحافظ على علاقات قوية مع أكبر جيشين محليين: جيش كردستان المستقل (يتكون من حوالي 200.000 عنصر من البشمرجة)، ثم الجيش العراقي الوطني، الذي يعتمد على الأمريكيين.





لا يعدو الجيش العراقي أن يكون أكثر من مجموعة من كتائب المشاة، فيما تكمن نقاط ضعفه في التجهيزات اللوجستية وخدمات الصيانة. وبالتالي، فإنه بحاجة إلى دعم مستمر من الأمريكيين. بالإضافة إلى ذلك، يكاد الجيش العراقي لا يمتلك سلاحاً جوياً بالمرة

يعتمد الجيش العراقي بشدة على المعدات الأمريكية الصنع، مع كل ما يعنيه ذلك من مصادر دخل عظيمة (1,6 مليار دولار لاقتناء 140 دبابة من طراز M1)، بالإضافة إلى الجانب اللوجستي الذي يُسهّل على الأمريكيين عملية الانسحاب، حيث يمكنهم ترك جزء كبير من معداتهم مع العراقيين. لقد أصبحت هناك حاجة إلى تقوية الجيش العراقي مع انسحاب الجيش الأمريكي الذي يوفر جزءاً هاماً من وسائل النقل والتجهيزات اللوجستية وباقي أشكال الدعم للعراقيين.

فحالياً، لا يعدو الجيش العراقي أن يكون أكثر من مجموعة من كتائب المشاة، فيما تكمن نقاط ضعفه في التجهيزات اللوجستية وخدمات الصيانة. وبالتالي، فإنه بحاجة إلى دعم مستمر من الأمريكيين. بالإضافة إلى ذلك، يكاد الجيش العراقي لا يمتلك سلاحاً جوياً بالمرة، ما يعني أن أي عمل عسكري ضد جيش نظامي آخر سوف يتطلب دعماً جوياً من طرف الأمريكيين.

أما التحول الجاري حالياً في الجيش، فيتمثل في العامل البشري. فالجيش الوطني العراقي يضم في صفوفه 220.000 عنصر، إلى جانب اعتماده على 50.000 جندي أمريكي سوف يغادرون البلاد نهاية هذا العام. هذا البرنامج الزمني وحجم القوة المتوفرة يتناسبان مع الخطط التي أعدّها الأمريكيون سنة 2003 عقِب سقوط صدام حسين. أما حجم القوات الأمريكية، والاستشاريين، وخصوصاً القوات الخاصة التي ستبقى بعد نهاية العام 2011، فلم يُحدد بعد. هناك إشارات عدة تُلمّح إلى أن العدد سوف يكون قرابة 10.000 شخص، ولكن هناك أيضاً إمكانية اللجوء إلى التعاقد مع أطراف مدنية. ففي البنتاغون، أصبح حجم هؤلاء الموظفين المدنيين أكبر من عدد العسكريين، كما أن نشر متعاقدين في زي مدني سوف يساعد على إخفاء التواجد العسكري بالمنطقة إلى أدنى حد ممكن.

ولكن، مازال علينا أن نحدد من سيقود هذا الجيش الأمريكي العراقي. إنه قائد الأركان بنفسه، اللواء زيباري الذي أعلن صراحة أنه يفضل حضوراً أمريكياً طويل المدى في العراق (على الأقل حتى سنة 2020). فهذا من شأنه ضمان فرض احترام الشعب العراقي للجيش بصفة عامة وللطريقة التي يوفر بها الأمن للناس. غير أن هذه الشعبية المتزايدة سوف تجعل من الجيش عامل تهديد في وجه الحكومة الضعيفة.

وإذا ما راجعنا تاريخ العراق الحديث، سوف نجد أنه عاش سبع "انقلابات عسكرية"، وبالتالي لا يمكننا استبعاد إمكانية لجوء الأمريكيين لنفس الإستراتيجية حين تندلع الفوضى، تماماً مثلما وقع سنة 2006، أو في حالة الانحياز إلى صف إيران. بالإضافة إلى ذلك، يبدو من الواضح أن الهدف من بناء القواعد العسكرية في مدن البصرة والموصل وكركوك وأربيل هو إعادة نشر وحدات قتالية برية.






أمريكا:شبكة عسكرية من أجل السيطرة


تبقى "القيادة المركزية"، وهي الأداة العسكرية الأمريكية في المنطقة، قوية إن لم نقل تتعاظم قوتها يوماً بعد يوم. فوظيفتها تتمثل في تقديم الدعم لعدد من القواعد العسكرية في الخليج العربي، بدءاً من معسكر عريفجان بالكويت (الذي يضم 15.000 عنصر)، إلى القواعد الجوية الصغيرة في سلطنة عمان، إلى القواعد الكبرى في البحرين (المنامة، بالنسبة للأسطول الخامس) وقطر (سلاح الجو والتجهيزات اللوجستية).

وقد تجاوزت تكاليف توسيع قاعدتي البحرين وقطر أكثر من 1,5 مليار دولار. كما أن الأسطول الخامس للولايات المتحدة يحتفظ بمجموعة واحدة على الأقل من القوات الجوية البحرية ومجموعة أخرى برمائية. وعلى الجانب الآخر من هذه الأداة الإقليمية، يستفيد الأمريكيون من قواعد مثل ديغو سواريس بجيبوتي، وانجرليك بتركيا. وربما تكون القوات البرية الأمريكية قد أصبحت محدودة، ولكن قوتها الجوية الضاربة مازالت عظيمة.

ثم هناك الحليف السعودي كذلك، والذي مافتئ يزود الأمريكيين بالمعدات منذ الستينات. وعلى مدى العشرين سنة القادمة، سوف تستفيد العربية السعودية من توريد تجهيزات أخرى بقيمة 63 مليار دولار. وربما لهذا السبب تريد الولايات المتحدة أن تجعل من حليفها السعودي حصناً منيعاً في مواجهة إيران والعراق.

أما الجزء الثالث من هذه الأداة الإقليمية، فيتمثل في إدماج قوتين محليتين داخل شبكتين اثنتين. وسوف يكون هدف الشبكة الأولى هو مكافحة الإرهاب انطلاقاً من الأردن؛ فقد تم إنشاء مركز تدريب للوحدات الخاصة من أجل مكافحة الإرهاب في المنطقة. أما الأردن، فهي قاعدة التدريب والتعليم العام لحلفاء الولايات المتحدة العرب، حيث تتلقى مقابل لعب هذا الدور 700 مليون دولار سنوياً.

أما الشبكة الثانية، فتهم مشروع درع مضاد للصواريخ يعتمد على الرادار الوحيد الذي يعمل بالطيف السيني، والذي شُيّد في صحراء النجف بإسرائيل. وتسعى إدارة أوباما الآن إلى الضغط من أجل تشييد رادار مماثل آخر في إحدى دول الخليج. وسيسمح هذان الراداران، بعد ربطهما بأنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت وTHAAD (التي في حوزة بلدان الخليج)، إلى جانب رادارات AEGIS لدى الأسطول الخامس، للأمريكيين بإنشاء شبكة قوية مضادة للصواريخ من أجل مواجهة هجوم بالستي أو نووي محتمل من طرف الإيرانيين. كما ستُدمَج هذه الشبكة في نظام الدفاع الصاروخي الأوروبي الذي يتم تشييده حالياً.

في نفس الوقت، تستغل أمريكا التهديد الإيراني في فرض تعاون غير مباشر بين دول الخليج وإسرائيل والناتو تحت المظلة الأمريكية. غير أن هذا التعاون في برنامج الدفاع ضد الصواريخ يمكن أن يُفَسّر على أنه نوع من القبول بتسلح إيران النووي. أما إيران، فربما سترى فيه نوعاً من العمل العدائي ضدها أو تسلح العربية السعودية نووياً هي الأخرى.

وخلف هذه الشبكة، هناك جنوح نحو خلق حلف بغداد جديد (منظمة المعاهدة المركزية)، سوف يشمل هذه المرة كلاً من العراق ودول الخليج والشرق الأوسط، وربما تركيا أيضاً.






نحو حرب باردة بالشرق الأوسط


من الوهلة الأولى، لا يبدو أن انسحاب القوات البرية الأمريكية من العراق سوف يؤثر على القدرات العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة بصفة عامة. بل يمكننا القول أن هذه القوات قد تزايدت بعد انتشال ما بين خمسة عشر إلى عشرين فرقة مقاتلة من المستنقع العراقي. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا كذلك الجزم أن الاستثمارات التي تم ضخها في البنيات الأساسية بدول الخليج قد ساهمت في تحسين فعالية الجيش الأمريكي بالمنطقة.




هذه المؤشرات تبعث على الاعتقاد بأننا نسير باتجاه حرب باردة جديدة بمنطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة، سوف تدخل في لعبتها الصين بالتأكيد كقوة لتوزيع الأدوار، خصوصاً وأن مصالحها في المنطقة ما فتئت تتعاظم
ولكن، على أرض الواقع، فإن هذه القدرات قد تقلصت مع تزامن انسحاب القوات الأمريكية من العراق مع تعزيز انتشار القوات في أفغانستان. إلى جانب ذلك، فإن الجهود التي بُذلت في الحروب على المنظمات غير التابعة للدول في العراق وأفغانستان قد قلصت بصورة كبيرة من قدرات الجيش الأمريكي ومن معنويات عناصره على المدى المتوسط (46.000 جندي أمريكي قُتلوا أو أُصيبوا، و1000 مليار دولار أُنفِقت). وعليه، فإن قدرات الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط تكمن في معظمها في القوة الضاربة والقدرة الدفاعية.

من ناحية أخرى، أظهرت الحملة العسكرية التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله سنة 2006 أن هذه القدرات لا تتناسب مع الأعداء المحتملين في المنطقة، مثل المنظمات غير التابعة للدول التي تمتد جذورها وسط المجتمعات الشرق أوسطية. وربما يكون خطر تنظيم القاعدة قد قلّ، ولكنها مازالت حاضرة في تخوم العالم العربي (الصومال واليمن).

ولا شك أن الهجمات المتتالية في العراق هي دليل على أن القاعدة قادرة على أن تطفو إلى السطح مرة أخرى متى شاءت ذلك. ولعل الدرس الذي استقيناه من "الحرب على الإرهاب" هو أن العدو الرئيس للقاعدة ليس هو أمريكا في الواقع، وإنما العرب أنفسهم. أما الخطر الثاني، والذي يمكن أن يكون أكثر أهمية الآن، فهو إيران والمنظمات المتحالفة معها مثل حزب الله وحماس، وعلى مستوى أقل أهمية جيش المهدي في العراق.

فإيران تُطوّر نظاماً شبيهاً لنظام حزب الله، ولكن على نطاق أوسع وبقدرات عالية في الدفاع الجوي. ومن وجهة نظر عسكرية، فإن مثل هذا النظام الدفاعي يمكن اعتباره فعالاً جداً ولكن بقدرات هجومية محدودة، خصوصاً بعد إنشاء نظام إقليمي مضاد للصواريخ والقذائف في إسرائيل. واليوم، لدينا أداتين عسكريتين: فمن جهة، هناك إيران وحلفاؤها، ومن جهة أخرى هناك الولايات المتحدة وحلفاؤها.

كلا الطرفين يقصي الآخر، وفي نفس الوقت ليست لديه القدرة على هزيمته. كل هذه مؤشرات تبعث على الاعتقاد بأننا نسير باتجاه حرب باردة جديدة بمنطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة، سوف تدخل في لعبتها الصين بالتأكيد كقوة لتوزيع الأدوار، خصوصاً وأن مصالحها في المنطقة ما فتئت تتعاظم.
_______________
مدير دائرة "الصراعات الجديدة" بمعهد الدراسات الإستراتيجية لمدرسة روس هاسنوت العسكرية