الصومال: قضية للتفاوض مع حركة الشباب

حان الوقت للحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي لإعادة النظر في إستراتجيتهم لإعادة الاستقرار في الصومال وستكون محادثات حقيقية مع حركة الشباب ثم جهود بناء الدولة أساسا لإستراتيجية إنهاء الصراع في الصومال، والوقت جد مواتٍ لبداية هذه لكون الحكومة والشباب يقفان في طريق مسدود.
201222072219795734_2.jpg
بدء الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال محادثات حقيقية مع حركة الشباب سيكون أساس إنهاء الصراع في البلاد (الجزيرة)

واصلت الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال بدعم من حلفائها الدوليين والإقليميين إحراز انتصارات عسكرية على جماعة حركة الشباب المتطرفة التي تصنفها الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية على أنها حركة إرهابية. حيث سيطرت القوات التابعة للحكومة مدعومة بقوات الاتحاد الإفريقي على العاصمة الصومالية مقديشو بعد ثلاثة سنوات من القتال. تتواجد القوات الكينية حاليا في الجنوب بينما تمسك القوات الإثيوبية عدة مناطق من صومالية في مناطق أخرى من الصومال. كما تنشط عدة ميليشيات تابعة لكينيا في قتال حركة الشباب في جنوب ووسط الصومال.

إن خضوع العاصمة مقديشو لسيطرة الحكومة أمر مهم ولكن الإستراتيجية المتبعة حاليا من أجل تحقيق الاستقرار في البلد تأتي بنتائج عكسية ولا يمكن الجزم باستمراريتها على المدى البعيد بل ويعتريها القصور من ناحيتين أولا: تهمل هذه الإستراتيجية المتبعة من طرف الحكومة خيار التفاوض مع جماعات التمرد. ثانيا: تفرط هذه الإستراتيجية في الاعتماد على الدعم العسكري الخارجي وخصوصا من طرف قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي وكذلك القوات التابعة لدول الجوار مثل كينيا وإثيوبيا. ومن وجهة نظرنا نعتقد أن الوقت قد حان لاتخاذ أسلوب عكس هذه السياسات الوهمية وغير الفعالة. يجب على الحكومة الصومالية وحلفائها التركيز على إيجاد فرص حقيقية للتفاوض مع المتمردين الراغبين في إنهاء الصراع بالوسائل السلمية إضافة للاستمرار في بناء قطاع أمني مؤهل.

هل التفاوض جزء من مكافحة التمرد؟

على مدى السنوات الثلاث الماضية تحدثت الحكومة الفدرالية الانتقالية عن عزمها الدخول في مفاوضات مع عدوها الرئيسي: حركة الشباب؛ لكنها لم تتقدم بأية خطة جادة للتعاطي مع الحركة المتمردة وبقي ما يسمى بـ"سياسة الأبواب المفتوحة" التي انتهجتها الحكومة حبرا على ورق لمدة ثلاث سنوات. لهذا على القادة في الحكومة الصومالية، إضافة إلى المجتمع الدولي، تبني خيار التفاوض كسبيل فعال لبناء سلام دائم ودولة فاعلة في الصومال؛ لذا ينبغي اعتبار المفاوضات أداة فعالة في مكافحة التمرد.

هناك أربعة أسباب نقدمها لدعم حجتنا:

  1. أولا: غالبا ما تنتهي الحروب الأهلية إما عن طريق تحقيق النصر العسكري لأحد الأطراف، أو عقد تسوية عن طريق التفاوض. أما في الصومال فلم يحسِم أيُّ طرف الصراعَ لنفسه منذ العقدين الماضين نتيجة لكون أي طرف لم يستطع حسم الصراع العسكري كليا لصالحه ضد الأطراف الأخرى. وتاريخ الجماعات الإسلامية في الصومال مفيد في هذا الاتجاه حيث حاربت جماعةالاتحاد الإسلامي أمراء الحرب والدول المجاورة عدة مرات في التسعينات لكن دون فائدة. ورغم أن مقاتلي هذه الحركة قد هزموا عدة مرات؛ فإنهم أعادوا تنظيم أنفسهم وعادوا للقتال بشكل أكثر قوة وفتكا. لذا تفيد الدروس المستقاة من ماضي الصراع في الصومال أنه لا المتمردين ولا الحكومة بإمكانهما حسمُ هذه الحرب القائمة عسكريا؛ ولهذا فإن الخيار الوحيد المتبقي للجماعات الصومالية لإنهاء هذا الصراع -أو على الأقل التخفيف منه- هو خيار التفاوض.
  2. ثانيا: لم يكن التفاوض، من وجهة نظر الحكومة الفدرالية الانتقالية والمجتمع الدولي، مع حركة الشباب أكثر أهمية منه الآن حيث تعاني الحركة من سلسة انتكاسات عسكرية، فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية طردت الحركة من معاقلها القوية خارج مقديشو بما فيها سوق البكارة التي تعتبر أكبر سوق في البلاد، والتي كانت تشكل أكبر مورد للعائدات بالنسبة للحركة، وهذا أمر مهم حيث ستتمكن الحكومة الصومالية ولأول مرة من التفاوض مع الحركة من موقف قوي.
  3. ثالثا: ينبغي النظر إلى المفاوضات كعامل حاسم في النطاق الأوسع لإستراتيجية محاربة التمرد وبناء الدولة، والحوار أيضا من شأنه أن يضعف شوكة المتشددين في الحركة سياسيا وعسكريا ويقوي الجناح المعتدل فيها، والأهم من ذلك هو أن المفاوضات من شانها التحسين من صورة الحكومة الفدرالية الانتقالية في عين الصوماليين الذين يرون أن الصراع بينهما ذو طبيعة سياسية محضة.
  4. أخيرا: من شأن أي مفاوضات المساهمة في تحديد نقاط قوة اللاعبين الأساسيين في حركة الشباب. من المعروف أنه في حالة عرض الحكومة الانتقالية التفاوض فإن بعض القادة البارزين للحركة سينظرون في الأمر، بينما سيرقب البعض منهم في رفع أسمائهم من قوائم الإرهاب الأمريكية والأمم المتحدة، في حين سيحرص آخرون على إعادة الانخراط في المجتمع والسعي لعفو عام، كما سيطلب آخرون إعادة التوطين في بلد ثالث. كل هذه الحوافز تعتبر رخيصة في سبيل تحقيق السلام في بلد طحنته الحرب الأهلية منذ 1991. وعلى سبيل المقارنة تطرح كل هذه الحوافز على طاولة المفاوضات بالنسبة لحركة طالبان لذا نعتقد أن هذه الإستراتيجية ستكون ذات مردود أكبر لكون الوضع في الصومال أقل تعقيدا منه في أفغانستان.

على طريق المفاوضات
يقول المثل الشهير: إن وجدت إرادة فستكون هناك وسيلة.. وتمر الترجمة الفعلية لهذا المبدأ كسياسات وإجراءات حقيقية على أرض الواقع بثلاث آليات:

أولا: لا بد من وجود دولة أو منظمة ثالثة للأخذ بزمام المبادرة وتمثل قطر وتركيا مرشحين طبيعيين للمساعدة في الأمر لكون كل من الحكومة الفدرالية الانتقالية وبعض، إن لم نقل كل المتمردين، يرون في الدولتين وسيطين حقيقيين ذوي مصداقية. وستكون هاتان الدولتان وسيطتين بين المتحاورين الأمر الذي يتطلب الحذر والكثير من بناء الثقة بين الطرفين.

ثانيا: بدعم من المجتمع الدولي يجب على الحكومة الانتقالية تشكيل لجنة وطنية للمصالحة تكون لها صلاحيات قانونية وسياسية ومالية؛ ويجب تعيين أشخاص معروفين بالنزاهة والمصداقية في هذه اللجنة وتمثل العلاقات التي تربط الكثير من أعضاء الحكومة الانتقالية -حاليا أو سابقا- برموز حركة الشباب فرصة كبيرة لإحراز تقدم في هذا الاتجاه.

ثالثا: يجب على المجتمع الدولي دعم هذه الجهود بشكل علني؛ لأنه حتى الآن تقول الحكومة الانتقالية إن دولا إقليمية تثنيها عن التفاوض مع الحركة لكون هذه الدول تعارض علنا فكرة إشراك الشباب في أي مسار سياسي؛ وهذا أمر سخيف باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها دخلت في محادثات مع حركة طالبان لبعض الوقت. وحتى إثيوبيا، القوة المأثرة في المنطقة والجارة المعنية بالدور المستقبلي الذي قد يلعبه الإسلاميون في الحكومة، قد وقعت بدورها اتفاقية سلام مؤخرا مع جماعة إسلامية متمردة، فعلى أديس أبابا ألا تعارض بشدة فكرة الحديث بين الحكومة الصومالية وبين خصمها اللدود: حركة الشباب المجاهدين.

على الرغم من تفاؤلنا سيكون الحديث مع حركة الشباب بلا شك أمرا معقدا يتطلب رأس مال سياسي ومالي كبير ونظرا للطبيعة المعقدة للحركة سيتطلب الدخول معها في محادثات مخططا دقيقا للعمل تعرف ماذا،, لماذا، أين، ومتى سيتم التعامل معهم.

معالجة المطالب الرئيسية.. هل من خارطة طريق؟

تتفاوض كل حكومات العالم لجميع الأسباب مع جميع أنواع الحركات المسلحة؛ ولكن الإستراتيجية العامة لهذه المحادثات تكاد تكون هي نفسها: استيعاب أو تفكيك العدو. وتحدد أوديري كرونين في كتابها "كيف ينتهي الإرهاب" منهجين رئيسيين للحوار:

أولا: التملق للجماعة المتمردة للتصالح كليا مع الحكومة من خلال تقديم تنازلات كبيرة من أجل بناء هيكل الوحدة الوطنية. تم اتباع هذا المنهج مع الحركات المتمردة التي تمتلك شعبية كبيرة والتي تستغل الدفاع عن مظالم مشروعة، وعادة ما تختار الحكومات المسئولة معالجة هذه المظالم من أجل إنهاء العنف.

في الصومال تم التوقيع على اتفاق جيبوتي 2008 الذي تشكلت بموجبه الحكومة الانتقالية الحالية وذلك انطلاقا من هذه الفكرة نفسها حيث قامت الحكومة الفدرالية الانتقالية السابقة بنجاح في الجلوس مع الإسلاميين الذين كان يهيمن عليهم "تحالف إعادة تحرير الصومال". وقد سمح لتحالف إعادة تحرير الصومال، الذي كان يتخذ من إريتريا مقرا له، بالاندماج مع الحكومة الانتقالية السابقة وبالتالي تمت معالجة مطلبان هما: أولا: انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال وثانيا: التوصل لاتفاق لتقاسم السلطة مما سمح بإضافة عدد متساو من البرلمانيين إلى الهيئة التشريعية القائمة آنذاك. وقد كان هذان التنازلان في مصلحة المعارضة مما أدى وقتها لسيطرة الحكومة الفدرالية الانتقالية الحالية.

ثانيا: المنهج الثاني للحوار الذي تقدمه كرونين هو العمل على شق صف المتمردين وربح الجناح المعتدل منهم وعزل الجناح المتطرف والهدف من هذا التكتيك هو امتصاص طاقة المجموعة وإضعافها في الوقت بدل الضائع. وفي هذه الحالة لا تسعى المفاوضات مع المجموعة من أجل تقديم تنازلات بقدر ما تسعى لتقديم "حوافز"؛ إلا أن المحادثات تعتبر جزءا لا يتجزأ من إستراتيجية العامة المضادة للتمرد ويعطي هذا المنهج فعالية كبيرة إذا استعمل مع المجموعات الغير متجانسة.

أما في الصومال فيجب دمج هذين المنهجين لأنه بناء على تصريحات حركة الشباب تتقدم الحركة بمطلبين: انسحاب القوات الأجنبية وحكومة مبنية على أساس قيم إسلامية وكلا المطلبان يجب التعامل معهما بحسن نية. المنهج الثاني ملائم أيضا بحكم أن حركة الشباب تتكون من فصائل متنوعة ولديها مظالم وتطلعات مختلفة.

أما مطلب الحركة الأول فيسهل التعامل معه وبخصوص دعوة الشباب لحكومة تستند إلى الشريعة الإسلامية خصوصا وأن الحكومة الانتقالية كانت قد صادقت على قانون يقضي يتبنى الشريعة الإسلامية كقانون للبلد؛ لكن الحركة رأت في الخطوة مجرد حيلة لن تنطلي عليها.

ومن الواضح أن هناك توافقا مبدئيا من طرف مختلف الشركاء على دور الإسلام، إلا أن الخلافات تدور حول تأويل وتطبيق وتوقيت الشريعة نفسها. يعتبر الجدل حول تفسير الشريعة معركة خاسرة بالنسبة لحركة الشباب لافتقارها للحجج القاطعة والعلماء المبرزون وعليه نعتقد أن هذا المطلب يمكن معالجته. في الواقع ولتحقيق هذا المطلب ساعد المجتمع الدولي في إيجاد صيغة موافقة للشريعة للدستور الصومالي.

أما المطلب الثاني للشباب فيعتبر أكثر تحديا: فالحركة تطالب بانسحاب القوات الأجنبية من الصومال بما فيهم القوات الإثيوبية والكينية وقوات بعثة الاتحاد الإفريقي. وكثير من الصوماليين يشاركون حركة الشباب الرأي بخصوص انسحاب القوات الكينية والإثيوبية لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالقوات الإفريقية. في الوقت الحالي لا يمكن توقع رحيل تسعة آلاف جندي من كل من أوغندا، وبوروندي وجيبوتي من الصومال في القريب الآجل لكن لا بد من البدء في العمل على بناء وتجهيز قوات صومالية محترفة؛ لأنه في كل الأحوال سيكون بناء جيش قوي، مؤهل واحترافي الضمان الوحيد للأمن والاستقرار في الصومال. وبإمكان المقاتلين السابقين في حركة الشباب الانضمام لهذا الجيش بعد أن يتم تسريحهم وإعادة تدريبهم من جديد.

ومن المتوقع أن تظهر مسائل أخرى للعلن بمجرد بداية التفاوض، فستطرح الحكومة والمجتمع الدولي العلاقة العلنية بين تنظيم الشباب والقاعدة، وعمليات القتل التي لا معنى لها، إضافة لمسالة الردة التي تطرحها الحركة مع قضايا أخرى بدورها ستطرح حركة الشباب أيضا قضايا تريد معالجتها لكننا نعتقد أن جميع هذه القضايا يمكن معالجتها بمجرد انعقاد مفاوضات حقيقية بين الطرفين.

لماذا الآن؟
تمر الحكومة الفدرالية الانتقالية في صراعها مع الشباب بما سماه وليام زارتمان "حالة الإضرار المتبادل" بحيث لا يمكن لأي من الطرفين هزيمة الآخر والأهم من ذلك أن كلا الطرفين يدرك هذا الوقع الآن إضافة لتغير الأمور على الأرض منذ الثلاث سنوات الأخيرة، مما يجبر الطرفين على إعادة النظر في إستراتجيتهما والتحليل التالي الذي نقدمه لوضع كلا الطرفين يوضح ما نعنيه.

الشباب
مقارنة بالسنوات الماضية تعتبر حركة الشباب ضعيفة ومقسمة وتعاني نقصا في السيولة ولا تحظى بشعبية كبيرة. فقد فقدت الحركة السيطرة على سوق البكارة في مايو/ أيار 2011 بعد شهور من المعارك مع تحالف القوات الصومالية وقوات بعثة الاتحاد الإفريقي مما أدى إلى فقدان الشباب لأهم مصدر للإيرادات بالنسبة لهم.

وتوفر سوق البكارة ما يربو على 40% من موازنة حركة الشباب، وقد طورت حركة الشباب نظاما ضريبيا متقنا شمل حوالي أربعة آلاف مصدر منها البنوك والمصانع وأكبر شركات الاتصال بالدولة، وشركات تحويل الأموال والمحلات التجارية العادية. وعندما أدرك مقاتلو حركة الشباب أنه لم يعد بإمكانهم الدفاع عن سوق البكارة قرروا الانسحاب من أغلب مناطق مقديشو التي كانت آنذاك مدينة أشباح ولم تعد تستحق كل تلك الخسائر من المقاتلين. وكانت خسارة السوق بكارة نقطة تحول في سيطرة الشباب على السلطة وعليه تغيرت النظرة للحركة التي كان ينظر إليها ككيان لا يقهر ويصعب اختراقه.

كما كشفت هذه التغيرات الميدانية هشاشة حركة الشباب التي أصبحت الآن مستقطبة، وتوجد الآن هوة عميقة تهز نظرة الصفوف القيادية للحركة للإستراتيجية العسكرية التي يجب اتخاذها بالنسبة للحرب. وفي ظل الانتكاسات الأخيرة التي مرت بها الحركة يوجد جناح في الشباب يدعو إلى القيام بحرب شاملة على غرار حرب عصابات غير متكافئة عوض الحرب التقليدية. ويصر هذا الجناح على اعتبار الحرب التقليدية غير قابلة للاستمرار بشكل فعلي نظرا للتفوق في العتاد والتدريب الذي تحظى به قوات بعثة الاتحاد الإفريقي إضافة للقوات الإثيوبية والكينية. وينضاف إلى هذه الحجة تقلص الموارد المالية وانحسار الدعم الشعبي للحركة؛ لكن الجناح المناوئ للسلم لا يزال يعتقد بإمكانية استمرار الحرب بل وتحقيق نصر عسكري على الطرف الحكومي.

ساهمت ثلاثة عوامل رئيسية في تراجع شعبية حركة الشباب: ولعل أول تلك العوامل هو نهاية التدخل الإثيوبي في الصومال سنة 2009 والذي كان مطلبا رئيسيا لكثير من حركات المقاومة الصومالية ومن بينها حركة الشباب. لكن بمجرد انسحاب إثيوبيا (التي رجعت لبعض المناطق) حولت حركة الشباب وجهتها نحو قوات بعثة الاتحاد الإفريقي التي رغم ارتكابها فظائع ضد حقوق الإنسان لم يقارنها الصوماليون بإثيوبيا التي تعتبر عدوا تاريخيا للصومال. وبمجرد تغيير حركة الشباب لأهدافها من انسحاب القوات الإثيوبية لتطال انسحاب قوات بعثة الاتحاد الإفريقي وتغيير الحكومة الانتقالية التي يسيطر عليها إسلاميون معتدلون بدأت شعبية الحركة بالانحسار. وتجابه التوغلات المتكررة لدول الجوار في إثيوبيا وكينيا باعتراض واسع من طرف الصوماليين. وتستغل هذه الدول أيضا حالة اللادولة في الصومال من أجل خلق مليشيات موالية لها وذلك سعيا لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، ولمعرفتهم بعدم مبالاة الصوماليين بسياسات الدول المجاورة تقوم حركة الشباب باستغلال هذا الوضع وبالتالي تقدم نفسها كحركة وطنية مما يساهم في استعادة جزء من أمجادها المهدورة.

ثانيا: تعاني حركة الشباب من مشكل كبير بخصوص صورتها التي سقطت من أعين الصوماليين بسبب الاغتيالات التي تنفذها والهجمات التي تقوم ضد المدنيين وأهداف أخرى غير مشروعة. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2009 قامت حركة الشباب بتفجير حفل تخرج لطلاب كلية الطب مما نجم عنه سقوط فظيع لصورة الحركة في أعين الناس. وبعد مرور سنتين على الحادث الفظيع تبنت الحركة أفظع وأسوأ تفجير انتحاري في تاريخ الصومال قتل فيه أكثر من 70 طالبا كانوا في انتظار الحصول على منح خارجية في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2011. كان هذا الهجوم بشعا وأثار حالة من الغضب الشعبي ضد حركة الشباب. ودمر ما تبقى من صورتها بشكل لا يمكن إصلاحه.

ختاما، كانت تسيير حركة الشباب لأزمة المجاعة الأخيرة سيئا للغاية عندما أعلنت أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة عن اندلاعها في عدة مناطق جنوبية من الصومال. قامت حركة الشباب بطرد أغلب المنظمات الإغاثية الدولية منها وغير الدولية؛ كما نفت الحركة اندلاع هذه المجاعة أصلا في البلد، وبالتالي لجأ آلاف الأشخاص إلى المناطق الخاضعة للحكومة الفدرالية الانتقالية من أجل الحصول على الغذاء والمأوى، مثل: مقديشو، والدول المجاورة مثل: إثيوبيا وكينيا، واعتبر ضحايا هذه المجاعة الحركة شريكة في معاناتهم.

باختصار تمثل النكسة العسكرية والمالية، التدبير السيئ لأزمة المجاعة المدمرة، وكذلك الصراع الداخلي وانحسار الدعم الشعبي لحركة الشباب فرصة نادرة للتفاوض مع الحركة خصوصا كون العديد من أفراد الحركة –ومن بينهم قادة بارزون- يشعرون بالخيبة والقلق حول مصير واتجاه الحركة كما يشعرون بالقلق أيضا إذ لا أحد قد عرض عليهم بصفة فعلية طريقا للخروج من الحركة قبل القضاء عليها.

الحكومة الفدرالية الانتقالية
تعتبر الحكومة الفدرالية الانتقالية بطبيعتها غير مستقرة، ومقسمة وفاسدة وتنقصها وحدة الأهداف، فمنذ سنة 2000 تعاقب على السلطة ثلاثة رؤساء و ثمانية رؤساء وزراء وعدد كبير من الوزراء. يتغير الوزراء والوزارات كل بضعة أشهر ومع فشلت كل هذه الإدارات في بناء مؤسسات دولة ذات طبيعة مستديمة. وفي كل بضعة أشهر تنشأ صراعات سياسية بين القادة البارزين ففي الثلاث سنوات الماضية عين الرئيس شريف شيخ أحمد ثلاث رؤساء وزراء (عمر عبد الرشيد علي شرمركه، محمد عبد الله فرماجو ورئيس الوزراء الحالي عبد الولي محمد علي). كما حصلت أيضا عدة صراعات داخلية في أوقات مختلفة بين الرئيس ورئيس البرلمان وبينما نكتب هذا المقال ثار أعضاء من البرلمان على رئيسه محاولين استبداله، وللأسف يشكل حجم الأزمات السياسية التي تنشب في كل لحظة تهديدا قويا للنظام الهش.

وتعتبر مصادر دخل الحكومة الفدرالية الانتقالية محدودة جدا، إذ تعتمد في غالبها على المعونات الخارجية وبضع ملايين من الدولارات هي عائدات الضرائب في ميناء مقديشو ومطارها؛ وحتى إن تم تسييرها بكفاءة فهي لا تزال غير كافية. وفي النهاية ينتقد المجتمع الدولي والشعب الصومالي الحكومة الانتقالية بسبب الفساد الذي ينخر عظامها، وثقة الشعب في الحكومة تعتبر ضئيلة إذ لا توجد أية شفافية في تسيير أي قطاع تابع للحكومة مثل عائدات ضرائب الميناء والمطار، وإعطاء المنح الدراسية،و إصدار الوثائق كجوازات السفر والأمن والجيش.

بنية المجموعات المتفاوضة

استنادا إلى بعض المقابلات تتكون حركة الشباب من ثلاثة مستويات على شكل هرمي. على رأس هذا الهرم مجموعة صغيرة ولكنها قوية تسمى "مجلس القيادة"؛ وتسيطر هذه الزمرة على الموارد السياسية والمالية للمنظمة. ويتكون مجلس القيادة من القادة الصوماليين الانعزاليين إضافة لقادة "المجاهدين" وهم مجموعة من المقاتلين الأجانب يحملون جوازات سفر أجنبية وتعتبر هذه الدائرة العنصر الأكثر تطرفا إيديولوجيا في الحركة ويمتلك القوة الحقيقية.  وتكمن السلطة الحقيقية وصلاحيات صنع القرار بيد أفراد قلة في هذه الدائرة.

يليهم في الهرم شبكة تسمى "قادة الميادين" والتي تتكون من عدة مئات من القادة الميدانيين المحليين المنتشرين جنوب ووسط الصومال ويعتبر هذا المكون بمثابة فرقة عمليات الحركة. ويعتبر الشباب الذين يقودون هذه المجموعة بمثابة العمود الفقري للمنظمة لكونهم يشرفون على تنفيذ كثير من القرارات السياسية التي تملى عليهم من طرف مجلس القيادة عادة عبر وسطاء.

وفي الواقع يعتبر هذا المكون أهم جسم في المنظمة، وبالإمكان اعتباره الطبقة الوسطى للمنظمة، وعل عكس أعضاء مجلس القيادة يتكون القادة الميدانيون في غالبهم من فئة الشباب فوق العشرين الذين تربوا في بلد ليس فيه أي قانون، وبعضهم إن لم يكن كلهم أفراد ميليشيات سابقين من أمراء الحرب الصوماليين سيئي السمعة. وهم ينظرون إلى المشاركة مع حركة الشباب كضرب من الفداء ولكن، الأهم من ذلك أنهم قد لا تتبنون بالضرورة الفكر المتطرف الذي ينتجه مجلس القيادة وفي حال إيجاد برنامج قوي يمكن وبنجاح كسب هؤلاء القادة الميدانيين للتفاوض.

وفي أسفل البنية الهرمية لحركة الشباب تأتي القاعدة القتالية العريضة والتي تشكل السواد الأعظم للمنظمة وتم القضاء على نحو مائتين من هؤلاء في شهر واحد من عام 2010 من طرف قوات بعثة الاتحاد إلا فريقي والحكومة الاتحادية الانتقالية في الخطوط الأمامية للقتال في مقديشو مع ذلك فليس لهؤلاء المجموعة أي اطلاع على أية معلومة بمعنى أنهم ليسوا مصدر ثقة بالنسبة للحركة. ويقول بعض المنشقين الصغار إن انعدام الثقة مشترك وإذا أخذنا بعين الاعتبار هذا الأمر يمكن أيضا كسب هؤلاء في التفاوض من خلال برامج إعادة تأهيل وحوافز مادية أخرى.

بالمقارنة مع حركة الشباب تتكون الحكومة الاتحادية الانتقالية من بنى مختلفة حيث يوجد تقسيم للسلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الوزراء (مجلس الوزراء). ومن المفترض أن يكون النظام نظاما برلمانيا يحظى فيه مجلس الوزراء بممارسة معظم الصلاحيات؛ ولكن الثقافة السياسية في الصومال قوت الأفراد الذين يقفون على رأس السلطة ولذا، وبشكل عملي، فإن معظم السلطات تقع في يد الرئيس، وقد استمر هذا الوضع أثناء كل الحكومات الانتقالية السابقة.

رسم المجتمع الدولي "خارطة طريق"، وحاول فرضها على الأطراف الصومالية، وحدد المجتمع الدولي 45 مهمة يتوجب على القادة واللجان القيام بها، والمنتظر هو أن يقوم كل من الرئيس، ورئيس البرلمان، ورئيس الوزراء والمجموعات المحلية بتنفيذ هذه المهام. وسيشرف المكتب السياسي للأمم المتحدة حول الصومال على التنسيق ما بين هذه المجموعات؛ مما يجعل هذا المكتب الشريك الرئيسي في العملية.

وأي مصالحة حقيقية في الصومال يجب أن تكون شاملة؛ ولكن عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع حركة الشباب لا بد من إقناع القيادة التنفيذية للحكومة الانتقالية كي تكون شريكا حقيقيا في السلام. وحتى الآن لا تزال هذه القيادة مترددة في الحديث مع حركة الشباب بسبب ضغوط سياسية خارجية وكذا حسابات سياسية داخلية.

بين الخيارات المحفزة والتحديات المتوقعة

ينبغي أن يكون الغرض من بدء حديث مع حركة الشباب جزءا من إستراتيجية شاملة لإنهاء الصراع في الصومال؛ ففي الوقت الحالي يخيب أمل الكثير من القادة الميدانيين وكذا قيادات من الصف الأول للتمرد مما يبدو أنها حرب بلا هدف ثابت، وبالتالي ترغب هذه القيادات في إيجاد طريق يخرجها من هذه الهوة، وعليه يجب تقديم حزمة حوافز شاملة تتألف من خمسة عناصر مصممة خصيصا لتلبية احتياجات المجموعات الثلاث المكونة للبنية الهرمية لحركة الشباب وهنا يمكن استلهام التجربة الأفغانية وتطبيقها في الصومال.

أولا: سيكون إصدار عفو عام ضروريا للعناصر التي تود الانخراط في المجتمع من جديد. ثانيا: ستتم الحاجة إلى اللجوء لإعطاء حوافز مالية ووظيفية للمقاتلين الشباب الذين لم يتم ملء رؤوسهم بأفكار متطرفة. وهاتان الخطوتان لهما أهمية خاصة بالنسبة للقادة الميدانيين والمقاتلين الشباب. أما الحوافز المتبقية فينبغي ثالثا أن تركز على القيادات العليا للمنظمة. كما ينبغي رابعا الاستجابة للذين يرغبون في الانضمام للحكومة الصومالية في مراكز عليا مع الضغط على الأمم المتحدة والولايات المتحدة لرفع بعض الأسماء من قوائم الإرهاب الخاصة بهما وهذا ما سيغري بعض الشخصيات الرفيعة المستوى في الحركة. وخامسا: ستتقبل بعض الشخصيات في حركة الشباب فكرة اللجوء في بلد إسلامي آخر وهناك عدة دول يمكنها المساعدة في هذا الأمر.

لوجستيا، وإضافة إلى إيجاد وسيط نزيه يحظى بثقة جميع الإطراف، سيكون إشراك علماء الدين، وشيوخ العشائر وكذا الأعضاء والقادة السابقون لاتحاد المحاكم الإسلامية أمرا مفيدا في تسهيل المفاوضات على النطاقين الضيق والأوسع. إضافة لذلك يجب إشراك بعض الدول الإقليمية وأولها إريتريا بوصفها آوت بعض أبرز قادة حركة الشباب مثل حسن ظاهر أويس كما يجب إشراك إثيوبيا باعتبار أن الحكومة الانتقالية والإدارات الإقليمية وجماعة أهل السنة والجماعة قد يرفضون المشاركة إذا رفضت أديس أبابا المحادثات.

نعتقد أن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع حركة الشباب ليس أمرا صحيحا فسحب بل هو أمر ضروري لوضع حد لفترة عشرين عاما من حالة عدم الاستقرار التي يمر بها الصومال؛ لكننا ندرك مدى صعوبة وتعقيد هذه المهمة التي تنتظرها الكثير من العقبات مستقبلا. ويمكن اعتبار النقاط التالية أهم ثلاثة تحديات في هذا الصدد:

  1. أولا: يتوقف نجاح أو فشل هذه المبادرة على دعم المجتمع الدولي، وعلى دعم الدول الإقليمية كإثيوبيا وكينيا والقوى الأخرى خصوصا الولايات المتحدة تشجيع الحكومة الانتقالية للدخول في المفاوضات بحسن نية. علاوة على ذلك يشكل التواجد المستمر للقوات الإثيوبية والكينية داخل الصومال عقبة كبيرة في سبيل إنهاء الصراع فبالإضافة لاحتلالها لبعض المناطق الصومالية تعارض الحكومة الإثيوبية علنا أي محادثات مع حركة الشباب مما يمكن الانتهازيين في الحكومة الاتحادية الانتقالية استخدام هذا الرفض كذريعة للمطالبة في قبول المحادثات. لهذا نعتقد أن مشاركة المجتمع الدولي ستشكل ضغطا على أديس أبابا للتراجع عن موقفها.
  2. ثانيا: وضع الحكومة الاتحادية وضع انتقالي، ومؤسساتها ذات طبيعة هشة، ولا يمكن لأحد التنبؤ بما سيحدث في الشهر المقبل، ونتوقع أن تحدث تغييرات في الحكومة حتى قبل أن تبدأ المحادثات مع الشباب: برلمان جديد، قادة جدد وحتى ظروف جديدة. وبغض النظر عمن سيكون في الرئاسة فيجب اعتماد المحادثات كسبيل لبناء الدولة ومكافحة التمرد. بعبارة أخرى يجب أن ترتبط أي محادثات لإنهاء الصراع بنظام محدد في مقديشو؛ لذا يجب اعتبار الأمر إستراتيجية بعيدة المدى.
  3. أخيرا كأي مجموعة متطرفة سيرفض بعض قادة الشباب المحادثات، ويستخدمون طرقا عنيفة لإيقافها وهذه وسيلة قاتلة تستخدمها الحركة؛ خصوصا أن الحكومة الانتقالية غير قادرة على حماية العناصر المعتدلة من الحركة والتي تريد الالتحاق بالمحادثات. ومؤخرا تم قتل بعض القادة الذين تخلوا عن الحركة في مقديشو بينما بقي الذين نجوا من القتل مختبئين في مناطق متعددة من العاصمة لخشيتهم على حياتهم. وتكمن أحسن وسيلة لمواجهة هذا التحدي في خلق بيئة آمنة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة الاتحادية الانتقالية.

في بداية فبراير/ شباط 2012 أعلن تنظيم القاعدة بصفة رسمية انضمام حركة الشباب للتنظيم وعلى الرغم من كون حركة الشباب قد أعلنت ولاءها للتنظيم منذ حوالي السنتين، ويمكن اعتبار هذا الإعلان بمثابة محاولة لإضعاف الجناح الوطني في حركة الشباب، كما يمكن أيضا أن يكون محاولة لمنع أية فرصة للمصالحة بين الشباب والحكومة الانتقالية. من ناحية أخرى يمكن أن يساهم في بلورة التوتر المتصاعد بين القادة البارزين في حركة الشباب.

خاتمة

مع دخول الصراع في الصومال عقده الثالث قد حان الوقت للحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي لإعادة النظر في إستراتجيتهم لإعادة الاستقرار في الصومال. وستكون بداية محادثات حقيقية مع حركة الشباب ثم جهود بناء الدولة الوجهين الرئيسيين لإستراتيجية إنهاء الصراع في الصومال. وكما أكدنا أعلاه فإن الوقت جد مواتٍ لبداية هذه المحادثات لكون كلا الطرفين يقفان في طريق مسدود إذ لا يمكن لأي منهما كسب الحرب عسكريا، وكلاهما يدركان ذلك. ونحن نعتقد بوجود طرف ثالث يمكنه القيام بدور الوساطة بين الأطراف الصومالية. مع أنه في النهاية توجد عدة عقبات تعترض سبيل هذه المحادثات؛ إلا أننا نعتقد بإمكانية التغلب عليها، ويعتبر الوقت الآن مواتيا لتغيير اتجاه البوصلة وإشراك حركة الشباب بصفة جدية في نفس الوقت الذي يتم فيه بناء قطاعات الأمن التابعة للدولة التي تعتبر الضامن الأساسي للأمن والاستقرار.
________________________
د. أفيار عبدي علمي: أستاذ مساعد في معهد الدراسات الدولية في جامعة قطر.
عبدي آينتى: صحفي في قناة الجزيرة الانجليزية.
ترجمة الحاج ولد إبراهيم الصحفي والباحث الموريتاني في شؤون الإعلام والاتصال.