تشكل اليونان وبلغاريا ورومانيا بانتمائها للاتحاد الأوروبي، شريطًا مسيحيا يفصل إستراتيجيا بين تركيا والبلقان (الجزيرة) |
إن فهم العلاقات بين "دول البلقان وإثنياتها" بـ"الدول الأوروبية" (*) يعتمد على فهم أوجه الشبه والاختلاف بين المجموعتين على مستويات ثلاث على الأقل:
على صعيد المستوى الأول
إن وصف "الدول الأوروبية" ينطبق -وبنفس المعايير- على كلتا المجموعتين والتمييز بينهما بالوصف أمر مغلوط. إن التفريق المُمَنهج بين أوروبا والبلقان أدّى إلى فهم خاطئ بأن البلقان ليس جزءًا من أوروبا، وأن دول البلقان لا تنتمي إلى الدول الأوروبية. وأضحى في البلقان سؤال: متى سنلحق بأوروبا؟ يشير إلى أننا -نحن البلقانيين- لسنا في أوروبا، وأننا لن ننتمي إلى أوروبا إلا إذا حققنا جملة شروط الالتحاق التي رسمتها هي لنا؛ وهنا علينا الإشارة إلى التالي: إن شبه الجزيرة البلقانية جزء لا يتجزأ من أوروبا، وكذا كل البلدان التي يتألف منها البلقان هي بلدان أوروبية. كما أن المسلَّمات التاريخية تثبت بلا شك أن شبه جزيرة البلقان عرفت دينامية جعلتها تسبق باقي دول القارة الأوروبية في تطورها الحضاري.
المسألة إذن تتعلق بتوحيد كل الدول الأوروبية في منظمة سياسية واقتصادية، وهو الهدف الإستراتيجي الذي تم تحديده بوضوح منذ أول يوم لتأسيس الاتحاد الأوروبي، وهنا يكمن أول مستوى مهم لتحليل العلاقة بينهما.
المستوى الثاني
أهم ما في العلاقات بين المجموعتين: الاتحاد الأوروبي ودول البلقان، يتعلق بالمشترك التاريخي بينهما وكذلك ما عرفاه من اختلافات تاريخية وسياسية وإثنية، إضافة إلى السياق الجغرافي لبلدان البلقان كوحدة جغرافية مستقلة في مجموعها، وتمتلك حدًّا أدنى من المشتركات التي تسمح بتصنيفها ضمن خارطة موحدة تختلف من الناحية النوعية عن التصنيف الذي ينطبق على دول الاتحاد الأوروبي.
المستوى الثالث
يتضمن فهم العلاقات بين الدول البلقانية ونظيراتها الأوروبية في العمق، العلاقات الإثنية في عدد من دول البلقان، وما يرتبط بها من خصوصيات ديموغرافية لمكونات هذه الدول.
المنطق الذي يتبعه هذا العرض يؤسَّسُ على ذات المنطق المتعدّد للإثنيات والديانات واللغات الذي يحكم مجموع المجتمعات المنتظمة في نوع من الوحدة السياسية، سواء كانت كونفيدرالية، فيدرالية أو دولة بسيطة غير مركبة.
ولبيان ذلك، ينطلق التقرير من مسلَّمة مفادها أن الاتحاد الأوروبي يمثل تلك الوحدة السياسية والاقتصادية والإثنية واللغوية، ومن ثمّ يقارن ذلك بالولايات المتحدة الأميركية، وهي ذلك التنظيم الذي يمثل اتحادًا بين مجموعة من الدول كما تشير إلى ذلك تسميتها الرسمية المعتمدة.
إذا كان كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية يشتركان في الأسس السياسية الفلسفية التي يقوم عليها نظاماهما السياسيان، وإذا كانا على نفس المستوى من التقدم التقني ويعتمدان فعليًّا نفس النظام الاقتصادي، فإن بين هاتين الوحدتين السياسيتين اختلافات دراماتيكية فيما يتعلق بالفعالية التي يبديانها أثناء تعاطيهما مع مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد وإدماج شعوبها.
وبعيدًا عن التفاصيل، فإن أوروبا اليوم تواجه عددًا من المشاكل والصعوبات مع مختلف دول الاتحاد بدرجات متفاوتة، أكثر مما تواجهه أميركا مع ولاياتها، ويظهر ذلك مثلاً في الاختلاف بينهما حول مسألة الموقف من التعدد الثقافي واللغوي والمفهوم الاجتماعي السائد المتعلق بها؛ حيث تتبنى الولايات المتحدة الأميركية نظامًا واضحًا ومركزيًّا لا تلعب فيه حكومات الولايات المكونة للاتحاد دورًا مؤثرًا، ولا تتمتع باستقلالية فيما يتعلق برسم وإدارة المسائل المتعلقة بالثقافات المختلفة للإثنيات وخصوصياتها الحضارية والثقافية والتقاليد الخاصة بها، وتعتمد لغة رسمية واحدة (الإنكليزية) في الإدارة والمؤسسات الرسمية.
في حين ينتظم الاتحاد الأوروبي كوحدة مؤلفة من عدد من الدول ذات سيادة مطلقة تحترم فيما بينها خصوصياتها الإثنية والوطنية والدينية والحضارية، واحترام مبدأ تعدد اللغات الذي تتوخاه إدارة الاتحاد في التعاطي مع الدول الأعضاء.
إذن، وحتى تضمن كل من هاتين الوحدتين السياسيتين تجانسها وانسيابية عمل مؤسساتها؛ فعليها المواءمة بين كل هذه الاختلافات وفرض الاحترام المتبادل في إطار تشريعي واضح لكلّ مكوّنات المجتمعات المنتمية إلى الاتحاد.
وفي سياق متصل بما سبق، لابد من البحث عن أسباب إخفاق الديمقراطية في علاقتها مع الحريات والحقوق الفردية، أو بمعنى أدق البحث في أسباب العجز الملحوظ لدى النظم الديمقراطية عند تعاملها مع الحقوق الإثنية واللغوية لفئات من المجتمع في منطقة البلقان كوحدة سياسية، بالمقارنة مع نفس أسلوب التعامل الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي، ثم مقارنة ما يجري في أوروبا بالمنهج المعتمد في الولايات المتحدة الأميركية.
وبشكل عملي، فإن هذا يعني أنّ الطابع السياسي الذي يجب أن يطغى على دول البلقان، لا بد أن يُبنى على مبدأ المصالحة بين جميع شعوب البلقان وحل خلافاتها الإثنية بطرق سياسية وقانونية. واحترام هذا المبدأ نفسه يحدّد مدى الاستقرار الداخلي لكل دولة بلقانية، وهو ما يؤثر بالضرورة على نوع العلاقات مع دول الجوار، كما أنّه ينعكس سلبًا أو إيجابًا على الحفاظ على توازن العلاقات الإثنية داخل مختلف دول البلقان.
خارطة العلاقة بين قوى البلقان وأوروبا
إن خصوصيات الدول البلقانية وجماعاتها الإثنية تفرض استخدام التمثيل الواقعي (جداول إحصائية) وخرائط ديناميكية(1).
يهدف النموذج الأول إلى توصيف الحالة الواقعية في كل دولة من دول البلقان، في حين أن الهدف من التحليل الديناميكي للنماذج المحتملة، الإيجابية منها والسلبية، هو دراسة تأثير الخلافات القائمة على عمليات الاندماج في الاتحاد الأوروبي.
أ- التمثيل الواقعي (الإحصائي)
في البداية من المهم الإشارة إلى أن عضوية دولة كرواتيا في الاتحاد الأوروبي باتت أكيدة بعد اكتمال إجراءاتها، وبهذا ستكون كرواتيا خارج اهتمام هذا التحليل.
لقد أكدت دول البلقان الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عمومًا على طابع التعددية العرقية، في حين أعلن البعض منها عن تبني توجّه يجمع بين التعددية العرقية واللغوية والدينية لمجتمعاتها، باستثناء ألبانيا.
ألبانيا: تتحدث لغة واحدة (مع وجود بعض الأقليات التي تتحدث لغات أخرى كالمقدونيين والبوسنيين وأقليات قادمة من الجبل الأسود والغجر واليونانيين والمصريين..)، وهي بلد متجانس إثنيًّا أيضًا؛ حيث يبلغ عدد السكان من أصل ألباني 93% من مجموع 3,6 مليون نسمة، بحسب إحصاء عام 2003. في حين يبلغ عدد المسلمين الألبان حوالي 80%، مع وجود 12% من الروم الكاثوليك و6% من المسيحيين الأرثوذكس(**).
البوسنة والهرسك: دولة متعددة الأعراق والديانات تقليديًّا، غير أنها موحدة اللغة (البوسنية/الصربو كرواتية) التي تتحدثها كل مكونات المجتمع البوسني. ويبلغ عدد سكان البوسنة وفقًا لأحدث التقديرات 4.8 مليون نسمة، ويمثل البوشناق 58% من عدد السكان، في حين يمثل الصرب 33% والكروات 8.4%، و0.6% للجنسيات الأخرى.
أما التوزيع وفقًا للانتماء الديني فيتبع نفس التقسيم السكاني؛ حيث يأتي المسلمون (البوشناق) أولاً، يليهم المسيحيون الأرثوذكس (الصرب) ثم المسيحيون الكاثوليك (الكروات ) (***).
الجبل الأسود (مونتنيغرو): وفقًا لآخر إحصاء أُجرِي في العام 2003، لا توجد إثنية في الجبل الأسود تتمتع بالأغلبية المطلقة، مع وجود 43% من المونتنغريين يليهم الصرب بنسبة 31% ومن ثَمَّ البوشناق بـ8% والألبان بـ 5%، ثم المسلمون بـ 4% والكروات بـ 1% وآخرون بنسبة 8%. ويتكلم أغلب سكان الجبل الأسود اللغة المونتنغرية (الصربية/البوسنية)، ويسيطر المسيحيون الأرثوذكس بنسبة 74%، يليهم المسلمون بـ 18% ثم الكاثوليك بـ1,2 %.
صربيا: برغم أن المكون الصربي العام متعدد الأعراق والأجناس (يوجد أكثر من 25 إثنية)، إلا أن صربيا بلد متجانس؛ فبحسب إحصاء 2002 يمثل الصرب 82% من مجموع السكان، يليهم المجريون 4% ثم البوشناق 2%. أما الخارطة الدينية لصربيا فلا تختلف كثيرًا عن خارطتها العِرقية؛ إذ يمثل الأرثوذكس 85%، ويمثل الكاثوليك نسبة 5.5%، والمسلمون 4.5%، والبروتستانت 1.2%.
كوسوفو: إن كوسوفو منطقة شديدة التجانس من حيث تكوينها الإثني والديني، مع أنها شهدت صراعات عرقية عنيفة بين عامي 1999-2000. وفقًا لإحصاء عام 2003 بلغ عدد السكان حوالي 2 مليون نسمة، منهم 92% من الإثنية الألبانية و4% من الصرب، 2% بوشناق و1% أتراك و1% من الغجر. يمثل المسلمون أغلبية تبلغ 95% وهي أعلى نسبة دينية تجتمع في دولة واحدة في كامل منطقة البلقان.
مقدونيا: يُظهر إحصاء عام 2002، بعد إلغاء إحصاء 2010 لأسباب لم تتضح بعد، أن نسبة المقدونيين من إجمالي عدد السكان بلغ 64%، في حين يمثل الألبان ما مجموعه 26% والأتراك 4% والغجر 3%، ويتوزع التمثيل الديني بنسبة 62 % للأرثوذكس مقابل 37% للمسلمين(2).
ب- العرض الحيوي (الديناميكي)
خلافًا للرأي السائد، فإن شعوب البلقان ليس لها تاريخ طويل من العداء المتبادل والحروب؛ ففي عهد الدولة العثمانية، كان البلقان، ولمدة أربعة قرون متتابعة، يُعرف بـ"باكس أوتومانيكا Pax Ottomanica" أو منطقة العهد العثماني، وعرفت المنطقة حينها سلمًا واحترامًا للاختلافات الدينية والحقوق الثقافية وحرية التحدث باللغة التي تنتمي لها كل جماعة. أما ما تعيشه المنطقة من صراعات اليوم فيعود إلى تاريخ حديث تبع انسحاب العثمانيين من البلقان مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فأصبحت العلاقات البينية التي تربط دول شبه جزيرة البلقان ببعضها البعض اليوم محمّلة بتجارب مريرة ودموية للصراعات التي عصفت بها خلال القرنين الماضيين والتي كانت تقوم بالأساس على استغلال الأيديولوجيا والدين والانتماء إلى إثنيات مختلفة.
وبقدر أهمية هذا المعطى الواقعي، فإن إلحاق كل دول البلقان بمنظومة الاتحاد الأوروبي يمثّل سببًا واقعيًّا لتجاوز حالة الاحتقان السائدة بشكل فعّال وسريع.
علاقات دول البلقان البينية
إن تحليل علاقات بلدان البلقان الحالية فيما بينها هو بالتأكيد لحظة أساسية في عملية التخطيط لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لكن تعقيد الموضوع وأهميته الاستثنائية، يتطلب مع ذلك ترتيبًا تحليليًّا خاصًّا. وهذا ما يحملنا إلى عرض حالة كل دولة من دول البلقان بشكل منفصل وبيان أبعاد علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي:
ألبانيا: منذ تأسيسها كدولة حديثة بنت ألبانيا تقليديًّا علاقات جيدة مع إيطاليا، فباستثناء فترة عزلها التام عن العالم الخارجي في عهد حكم أنور خوجة، عرفت ألبانيا علاقات ناشطة ومكثفة مع إيطاليا؛ فقد هاجر عدد مهم من الألبان منذ القرن السادس عشر إلى جنوب إيطاليا حيث استقروا في مدن مثل كلابريا وسيسيليا، وباتوا جزءًا من خارطة تلك المنطقة الديموغرافية. كما لألبانيا علاقات توصف بالطيبة مع الجار اليوناني، ويوجد عدد من الألبان يقيمون منذ زمن في منطقة أبيرا. وحافظ كل من ألبان إيطاليا وألبان اليونان على لغتهم ويتحدثون بها فيما بينهم. ولم تعرف ألبانيا خلال تاريخها الحديث أي صراع أو مواجهة مع أي من دول الاتحاد الأوروبي يمكن الإشارة إليها، وعلى مستوى البلقان حافظ الألبان على علاقاتهم المتميزة التي ربطتهم بالمونتنغريين لاسيما العلاقات العائلية منها.
البوسنة: أصبحت البوسنة منذ العام 1943 دولة قائمة بذاتها داخل الفيدرالية اليوغسلافية، وفي هذا السياق يمكن القول: إن تجربة البوسنة كدولة وعلاقاتها بالاتحاد الأوروبي تعود فقط إلى العقدين الأخيرين، ويمكن الحكم على هذه التجربة بأنها إيجابية في عمومها. تظل ألمانيا هي أقرب بلدان الاتحاد الأوروبي إلى البوسنيين الذين كانوا قد بنوا علاقاتهم مع الألمانيين والنمساويين، وأعداد كبيرة منهم اليوم تقيم في هذين البلدين.
صربيا: تاريخيًّا، وطوال تاريخها الحديث الذي يبدأ نهاية القرن التاسع عشر، كان لصربيا الدولة علاقات مميزة وتقاليد راسخة في التعاطي مع روسيا، أما عن أصدقاء صربيا في الاتحاد الأوروبي فتأتي فرنسا في المقام الأول ثم بريطانيا، وتعود تاريخية هذه العلاقة إلى الحرب العالمية الأولى.
شعب صربيا لديه شعور سلبي ضد ألمانيا، وفي العقد الأخير أصبح الصرب يكرهون الأميركيين بعد تعرض بلدهم لقصف قوات الناتو، أما الحيز الأكبر من الكراهية فيكنّه الصرب للفاتيكان والبابا والكاثوليك، كما أنهم أعداء للإيطاليين، وتقربهم ديانتهم المسيحية الأرثوذكسية من اليونانيين.
إلا أن علاقات صربيا بالجارة بلغاريا، التي تدين بدورها بالأرثوذكسية وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، فتتميز بالكراهية الشديدة المتبادلة، والتي تعود أسبابها العميقة إلى ما خلَّفته حرب البلقان الأولى عامي 1911/1912 من جروح ومشاعر سلبية بينهما، وقد أحيتها الخلافات الأخيرة التي جدَّت بينهما بشأن انتقادات الحكومة البلغارية لبلغراد حول تعاملها المتشدد تجاه حقوق البلغار الذين يقيمون في صربيا.
الجبل الأسود (مونتنيغرو): تتمتع جمهورية الجبل الأسود بعلاقات مميزة مع إيطاليا طوال تاريخها الحديث، وتربط شعبي البلدين علاقات مصاهرة بين ملكي البلدين: فيتوريو إيمانويلي ونيكولا، وتواصلت حميمية تلك العلاقات خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن تقليديًّا ترى جمهورية الجبل الأسود وشعبها في روسيا الحليف والصديق الأقرب.
مقدونيا: لم يكن لمقدونيا علاقات سيئة أو جيدة مع الدول الأخرى، عندما كانت منذ العام 1944 دولة ضمن الاتحاد اليوغسلافي.
ولكن تُشكِّل اليوم البلدان المجاورة لمقدونيا عائقًا أمام انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ألا وهي صربيا وبلغاريا واليونان، والتي تربطها بمقدونيا علاقات طويلة وديانة واحدة أي الأرثوذكسية؛ فصربيا، وإن لم تكن عضوًا في الاتحاد الأوروبي، فإن عدم اعترافها بالكنيسة الأرثوذكسية المقدونية يثير حنق الحكومة والشعب المقدوني. كما أن محاكمة الأب الصربي الذي أسس الكنيسة الأرثوذكسية على الأراضي المقدونية قد يعرقل انضمام مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب عدم احترامها للحريات الدينية(3).
أما مواقف بلغاريا واليونان، وهما عضوان في الاتحاد الأوروبي، فتزيد من تعقيد مسار انضمام مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ فبلغاريا لا تعترف أبدًا بوجود إثنية مقدونية وتعتبر المقدونيين بلغارًا، كما لا يعترف البلغاريون باللغة المقدونية ويرون أنها لهجة بلغارية محرَّفة أي أنه لا تاريخ لمقدونيا غير التاريخ البلغاري. والجدير بالذكر أن للصرب أيضًا نفس هذا الموقف من المقدونيين ويعتبرونهم مجموعة غير مستقرة من أصول صربية. أما اليونان فهي تطالب مقدونيا بتغيير اسمها الرسمي المنصوص عليه في الدستور كشرط أساسي لانضمامها إلى الناتو والاتحاد الأوروبي.
ومن المفارقات، أنه على الرغم من كل هذه الخلافات فإن المقدونيين يعتبرون الصرب والبلغار واليونانيين أصدقاءهم، في حين ينظرون إلى الألبانيين، الذين لم يدخلوا معهم في أي صراع كان على مر التاريخ، على أنهم أشد أعدائهم.
وفي المجمل يمكننا القول: إن نوع العلاقات القائمة بين دول البلقان ودول الاتحاد الأوروبي في الاتجاهين، يقوم أساسًا على المعطى الديني، وبشكل أقل على الانتماء الإثني لأغلبية سكان المنطقة، أو بالأحرى شعوب تلك البلدان.
ماذا تريد دول البلقان من أوروبا؟
يمكن الحديث عن دافعين مركزيين يحكمان طموحات كل الدول البلقانية التي ظلت خارج الاتحاد الأوروبي، أحدهما قومي والثاني اقتصادي، ونظرًا لترابطهما فلا يمكن ترتيبهما حسب الأولوية، كما تختلف أولوية كل دافع من دولة لأخرى، بل من فترة لأخرى. لذلك وجب اعتبار هذين الدافعين على نفس قدر الأهمية بحيث يسمحان بتحقيق الأهداف القومية لتلك الدول ويخرجانها من أزمتها الاقتصادية الخانقة التي تردّت فيها.
لا شك أن دول البلقان تركز اليوم على إعطاء دفعة قوية لهويتها القومية وتحقيق البرامج المتعلقة بها والمتفرعة عنها. وهكذا في الوقت الذي استعاضت فيه الولايات المتحدة الأميركية في كل ولاياتها الفيدرالية، ونيوزيلندا وأستراليا، عن الهوية القومية بتفعيل مفهوم المواطنة، فإن دول البلقان ما تزال تصرّ على هويتها القومية أكثر من أي وقت مضى ويغيب عن وعي شعوبها الجمعي مفهوم المواطنة أو يكاد.
وتبدو هذه اللحظة التي تمر بها دول البلقان غير مواتية بالمرة ولا تتقاطع إطلاقًا مع عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, بمعنى أن الأهداف الرئيسية لدول البلقان وطموحها المركزي في دخول النادي الأوروبي مبني على طموحات وتوقعات شعوب تلك الدول لاسيما توقها إلى تأكيد هويتها القومية ولغتها القومية وثقافتها القومية وبرنامجها القومي، وهو ما يخالف جملة وتفصيلاً أسس قيام الاتحاد الأوروبي وقيمه التي بُنِي عليها.
من الجانب الأوروبي، وتحديدًا في الدوائر الأوروبية المطلعة على أوضاع دول البلقان والواعية بهذه المعطيات يسود شعور عام يلفه الشك تجاه بلدان البلقان وشعوبها، وهو ما يؤكّد أن المعطى القومي ما يزال هو المتحكم في الوعي الجمعي.
من ناحية أولى، على الاتحاد الأوروبي والدول البلقانية الراغبة في الانضمام إليه، العمل على التخفيف من هذا الشعور القومي ومحاولة تخطيه بحذر لبلوغ بلدان البلقان الانتظام في الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن بلدان هذا الأخير تؤكد أنها لن تضم دولاً يغلب على شعوبها طابع قومي متشدّد.
من ناحية ثانية، إن الوضع الاقتصادي المتردي الذي توجد فيه دول البلقان منذ الحقبة الشيوعية عندما كانت في ظل "الاتحاد اليوغسلافي"، باستثناء ألبانيا التي لم تكن تنتمي إليه، لكنها تشترك مع دول البلقان في سوء الحالة الاقتصادية، هذا الوضع جعل سقف توقعات شعوب البلقان عاليًا، وزاد من رغبتهم في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي لتجاوز أزمتهم الاقتصادية، ورأوا في عضويتهم ملاذًا آمنًا يحقق لهم ازدهارًا اقتصاديًّا سريعًا.
وبهذا فقد باتت دوافع شعوب ودول البلقان الاقتصادية أكثر أهمية وأولوية من دوافعهم السياسية التي تحرّك رغبتهم في الانتماء إلى المنظمة الأوروبية.
وبقطع النظر عن كل الاختلافات القائمة بين دول البلقان، فإن رغبتها في تأكيد هويتها القومية والثقافية وتحسين أوضاعها الاقتصادية وحّدت رغبتها في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي كهدف مركزي تسعى إلى إنجازه.
العلاقة بأوروبا وتأثرها بالعلاقات البينية البلقانية
في الواقع، إن علاقة دول البلقان بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في كل أوجهها تتأثر سلبًا وإيجابًا بعلاقة الدول البلقانية أساسًا ببعض الدول الأوروبية الأكثر تأثيرًا وصنعًا للقرارات داخل الاتحاد الأوروبي، ومن شأن طبيعة العلاقات الجيدة بين الجانبين أن تيسّر عملية التفاوض المؤدية إلى تحقيق هدف دول البلقان بالالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. إلا أن العلاقات الحالية بين مجموعتي الدول يطبعها من الجانب البلقاني تركيز كبير على تنفيذ البرامج ذات التوجه القومي لهذه الدول، بما لا يترك مجالاً للتفاؤل بالتوصل إلى الحل المنشود، أي تحقيق انضمام دول البلقان إلى الاتحاد الأوروبي.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أنه في حالة قبول عضوية الدول البلقانية فرادى على فترات زمنية متتابعة، فإن هناك إمكانية لعرقلة انضمام الدول البلقانية التي سيحاول بعضها تأخير أو تعطيل انضمام جاراتها. ومثال ذلك ما حدث عندما عطّلت سلوفينيا، وهي أولى الدول لحاقًا بالاتحاد الأوروبي، قبول طلب عضوية كرواتيا بإثارتها للخلاف الحدودي حول منطقة إيستري (وهو الخلاف الذي تم حلّه في وقت وجيز نظرًا لتوفّر الرغبة لدى الاتحاد الأوروبي في ذلك). كما استعملت اليونان حق الفيتو للاعتراض على عضوية مقدونيا في حلف الناتو، وقد أثارت اليونان لتبرير اعتراضها خلافًا يعود إلى أكثر من 20 عامًا مع مقدونيا يتعلق بطلب يوناني أحادي الجانب بتغيير الاسم الرسمي لدولة مقدونيا، ولم يتدخل الاتحاد الأوروبي للتوسط بين البلدين لعدم توفّر الرغبة لديه في قبول عضوية مقدونيا.
ومن المتوقع أن تسعى كل دولة بلقانية تتمكن من اكتساب صفة عضوية الاتحاد الأوروبي قبل جاراتها البلقانية، إلى عرقلة انضمام سواها ممن تختلف معهم أو قد تلجأ لاستعمال حق الاعتراض، أي الفيتو الذي يتيحه لها نظام الاتحاد الأوروبي لمنع عضوية الدول التي لها معها خلافات.
وبشكل عملي وبصورة أوضح، فإن ترشيح صربيا للعضوية الأوروبية سيلاقي بكل تأكيد اعتراضًا كرواتيًّا في حال كان لها صفة العضوية قبل صربيا، وفي الحالة العكسية فإن صربيا كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ستستعمل حق الفيتو لمنع كرواتيا من الانضمام إليه.
البوسنة بدورها قد تعترض على قبول كرواتيا في عضوية الاتحاد، وذلك سيكون بإصرار من ريبوبليكا صربسكا بعد مشاورات مع بلغراد، في حين قد توافق البوسنة على عضوية صربيا دون إثارة أية إشكالات.
عضوية كوسوفو في الاتحاد الأوروبي ستكون بدورها مستحيلة في حال كانت صربيا عضوًا في الاتحاد عند مناقشة الطلب الكوسوفي، أما في الحالة المقابلة فإن كوسوفو لن تعترض، في الغالب، على قبول عضوية صربيا.
وفي الحالة الألبانية فإن صربيا ستكون أول المعترضين، وقد تذهب إلى حد استعمال الفيتو ضد انضمام ألبانيا إلى الاتحاد إلا إذا وافقت تيرانا على شروط صربية محددة، في حين ستواجه عضوية مقدونيا اعتراضًا يونانيًّا وفيتو من بلغاريا التي يرى رئيسها أن مقدونيا، دولة مصطنعة وليست أصلية.
قد لا تعترض مقدونيا على انضمام أي من الدول البلقانية الأخرى، رغم ما يقال عن خلافها مع كوسوفو، التي اعترفت بها الحكومة البلغارية كدولة مستقلة، وذلك رغم التوجه العام للشعب المقدوني الرافض للاعتراف باستقلال كوسوفو.
من ناحية أخرى، قد تعترض صربيا على عضوية مقدونيا خاصة بعد وصول توميسلاف نيكوليتش إلى سدة الرئاسة، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار تصريحات نيكولتش (الرافضة للتسمية الرسمية لمقدونيا التي أقرت في دستورها تسمية جمهورية مقدونيا كردّ منه على اعتراف مقدونيا باستقلال كوسوفو) (4).
وقد تمر عضوية الجبل الأسود دون مشاكل تُذكَر، باستثناء ما قد تثيره صربيا من محاولات عرقلة.
وإذا أخذنا كل الذي سبق في الاعتبار، فيمكننا القول: إن واقع العلاقات بين مختلف دول البلقان اليوم لا يترك سوى مجال واحد ممكن لعضوية الدول البلقانية في الاتحاد الأوروبي، وهو أن يتم قبولها كلّها دفعة واحدة ضمن الاتحاد الأوروبي. أما ألبانيا فقد يكون انضمامها إلى الاتحاد أيسر شريطة ألا تكون أي من الدول الأخرى عضوًا في الاتحاد حين دراسة طلبها.
الدور الأوروبي الممكن وتأثيره في الأزمة البلقانية مستقبلاً
تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين الدول البلقانية والاتحاد الأوروبي ثنائية الأطراف؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه دول البلقان إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فإن مؤسسات هذا الأخير هي التي تملك حق قبول تلك العضوية ووحدها التي تحدد شروط العضوية، ولا تقبل قراراتها النقض أو الاعتراض من قبل دول البلقان. وبعد إبداء هذه الملاحظة المهمة، فإن ما يميز هذه العلاقة هو عدم توازنها، وهنا نطرح التساؤل التالي: هل لأوروبا وحدها تقدير المواصفات التي تراها ضرورية في الدولة المرشحة للانضمام إليها؟ وبالتالي يعتمد موقفها من انضمام أي دولة إلى الاتحاد على رضاها عن التوجهات السياسية العامة لتلك الدولة، وبذلك تصنف الدول إلى دول قابلة للانضمام وأخرى غير قابلة له.
علينا هنا القول: إن أوروبا ومنذ نشأة اتحادها أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك تحفظها على الإسلام والمسلمين، وقد كرّر مسؤولوها مرارًا وتكرارًا مغالطة أن أوروبا قارة مسيحية خالصة وأن الإسلام، بصفته ديانة شرقية، غريب عن أوروبا، وأدت هذه المغالطة الكبرى إلى سلبية في العلاقة أثّرت في الجانبين.
وقد بات من الضروري العمل على كافة المستويات الأوروبية، من المقررات المدرسية إلى وسائل الإعلام المؤثرة، على إصلاح وإعادة قراءة منهجية لهذه المغالطة القائلة بمسيحية أوروبا الخالصة، وذلك ليس فقط من أجل الحقيقة فحسب، بل وأيضًا من أجل إعادة بناء علاقة سليمة وعادلة بين أوروبا والإسلام والمسلمين، وكذلك من أجل إدراك حقيقة أوروبا لذاتها ومصالحتها مع تاريخها.
فأسطورة مسيحية أوروبا الخالصة لابد من إبدالها بحقيقة أن المسيحية في أصلها لم تنشأ في أوروبا بل في الشرق الأوسط حيث ظهرت أيضًا الديانتان: اليهودية والإسلامية، وأن ليس لأوروبا ديانة أصلية خاصة بها، ولا يمكن بحال قبول مقولة مسيحية أوروبا الخالصة.
كذلك لابد هنا من التذكير بأن الإسلام، وفي أشكاله التنظيمية السياسية والاقتصادية والثقافية، كان حاضرًا وبقوة في أرجاء القارة الأوروبية، وسبق وجوده في أوروبا معرفة بلدان أوروبية كثيرة للمسيحية، وقد كانت الأندلس تحتضن أول دولة مسلمة (عام 712 للميلاد) ومثلت عاصمة الثقافة والعلوم والفن الأوروبية، وهو ما يعني وجود دولة الأندلس المسلمة 300 سنة قبل دخول المسيحية إلى الدول الإسكندنافية أو الدول الواقعة في شمال وشرق أوروبا وروسيا.
تشهد العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي ودول البلقان في الوقت الحاضر توجهًا عامًّا تسيطر عليه روح المغالطة الأيديولوجية التي عمل الغرب على نشرها وروج لها في العالم حتى باتت كحقيقة مسلَّم بها، وهي أن أوروبا قارة مسيحية خالصة. وبأخذ هذا المعطى في الاعتبار، فإن معطى آخر لابد من إقراره هنا وهو أن ثلاثة من بلدان البلقان تعيش فيها أغلبية مسلمة، وهي عين البلدان التي لم تبدأ بعد في عملية المفاوضات من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي دول البوسنة والهرسك وكوسوفو وألبانيا. في حين أن البلدان الثلاث الأخرى المتبقية: صربيا والجبل الأسود ومقدونيا، تعيش فيها أقلية مسلمة لا يقارَن حجمها بعدد السكان المسيحيين الأرثوذكس.
كما يضيف موقف المماطلة الذي ينتهجه الاتحاد الأوروبي إزاء قبول عضوية تركيا فيه دليلاً إضافيًّا على رفض أوروبا لعضوية الدول الإسلامية أو الدول ذات الأغلبية المسلمة بحجة تخوفه من أن تكون أكبر دولة أوروبية بأغلبية غير مسيحية! وقبلت مؤخرًا عضوية بلغاريا ورومانيا في الاتحاد الأوروبي وبشكل سريع، رغم أنهما لا يتوافران على كل الشروط المطلوبة أوروبيًّا؛ ما جعل عددًا من المختصين يعتبرونه موقفًا عدائيًّا موجهًا ضد الإسلام على الأرض الأوروبية.
فهذا التصرف المخالف لقوانين وقواعد قبول عضوية البلدان في الاتحاد الأوروبي رأى فيه عدد من المعنيين دليلاً على حالة الإسلاموفوبيا التي تعيشها أوروبا وتتصرّف على ضوئها، فبانتماء بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد الأوروبي، ضُرِب حزام سياسي واقتصادي وأيديولوجي بين تركيا وباقي بلدان البلقان(5). وفي نفس هذا الاتجاه يمكن تفسير قبول عضوية كرواتيا، التي تفصل جغرافيا أوروبا المسيحية عن باقي دول البلقان الستة الأخرى، بما يضع المزيد من الصعوبات أمام سعي دول البلقان لعضوية الاتحاد الأوروبي.
كما يمكن أيضا النظر إلى تسريع عملية قبول عضوية كرواتيا على أنّه رغبة أوروبية في أن تلعب هذه الدولة دورا إضافيا يتمثّل في حماية أوروبا من الإسلام البلقاني، وعزل دول البلقان الستة الأخرى وسد الطريق أمام بلوغها عضوية الاتحاد الأوروبي.
ولا بد من التذكير هنا بأن كرواتيا كانت قد تقدمت بطلب عضوية الناتو في نفس الوقت مع مقدونيا وألبانيا اللتين ما زالتا تنتظران وستنتظران طويلا قبل حصولهما على الرد من بروكسل.
إن النسبة العالية لأعداد المسلمين في هذه المنطقة ذات الخلفية الثقافية الإسلامية لقرون عديدة، جعلت من البوسنة وجزءًا من صربيا والجبل الأسود (السنجق) وكوسوفو ومقدونيا منطقة حذر بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وصعّبت من عملية التحاق هذه البلدان بالنادي الأوروبي.
ولأن المسألة تتعلق بموقف سلبي، أو على الأقل "متحفظ"، فإن هذه البلدان ذات الكثافة السكانية المسلمة ظلت متخلفة عن جاراتها في السباق نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بقطع النظر عن الجهود التي بذلتها في سبيل ذلك على طريق الاستجابة لشروط العضوية.
تبقى ألبانيا تشكِّل الاستثناء رغم أن نسبة المسلمين فيها تبلغ 80%؛ فألبانيا تُعرَّف أوروبيًّا ودوليًّا على أنها دولة علمانية مع تطفيف التأثير المسيحي الروماني في تاريخها والتقليل من التأثير الإسلامي فيه. وهذا بدوره لم يمنع من أن تُعامَل ألبانيا بنفس الأسلوب فيما يتعلق بمسألة عضويتها للاتحاد الأوروبي، وإن كان بشكل غير واضح تمامًا مثلما هو الحال مع جاراتها المسلمة.
وأخيرًا، إن هذا التوجه المحكوم بالتشدد الأيديولوجي والتركيز على نقاط التصادم والتنافر لن يسمح بتنقية الأجواء في الفضاء الأوروبي، والبلقان جزء لا يتجزّأ منه, وإنما مصير كل الشعوب والدول الأوروبية يبدو واحدًا، ولتحقيق هذه الوحدة فإنه من الضروري تجاوز كل تلك الأحقاد والحسابات السياسية والأيديولوجية والتصالح مع الوقائع والتاريخ الحقيقي للمنطقة والعمل المشترك من أجل بناء مصير موحد للجميع، وإلا فإن المنطقة ستظل على ما هي عليه. على أوروبا أن تتقبل الاختلاف داخلها وتسمح بالتعددية الدينية واللغوية والثقافية وأن تترك المجال لحق شعوبها قاطبة في التأكيد على هوياتها المختلفة لما فيها من إثراء للقارة ولشعوبها.
_____________________________
(*) ملاحظة: النص الأصلي للتقرير باللغة البوسنية.. ترجم النص إلى العربية كريم الماجري.
فريد موهيتش - محاضرا لمادّة الفلسفة بجامعة القديسين سيريل وميثوديوس بالعاصمة المقدونية سكوبيا. أستاذ زائر بالمعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية بكوالالومبور الماليزية. وأستاذ زائر في جامعة فلوريدا الحكومية وجامعة سيراكوز بنيو يورك، وجامعة السوربون الباريسية وعدد آخر من الجامعات الغربية والإسلامية.
المصادر
(**) البلقان من الداخل،13 أكتوبر/تشرين الأول 2003.
http://www.balkaninsight.com/en/page/albania-home
(***) قاعدة بيانات موقع سي آي إيه الأميركي 2012
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geo s/bk.html
هوامش المترجم
(1) المقصود هنا هو اعتماد منهج المقارنات والمقاربات لتحديد خرائط توزع الإثنيات العرقية المتغيّرة دومًا في مختلف دول البلقان, وقياس مدى قوة تأثيرها في إعادة تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي والأمني على المستويين المحلي-الداخلي، والخارجي-الإقليمي.
(2) لابد من الإشارة إلى التضارب الكبير الموجود في الإحصاءات الخاصة بالسكان في دول البلقان واستحالة العثور على مقاييس موحّدة لضبط التوزيع الإثني بشكل قطعي، وهي معضلة يواجهها الباحثون على اختلاف مشاربهم. والكاتب هنا اعتمد على إحصاءات حديثة نسبيًّا وتقديرات محَدَّثة قد لا يتفق على دقتها الجميع، لكنّها في كل الأحوال موثقة وتم إرجاعها إلى مصادرها التي أُخِذت منها.
(3) القضية تتعلق بقسّ صربي تتهمه السلطات المقدونية ببناء كنيسة دون ترخيص من السلطات المقدونية الإدارية والدينية واعتبرته متجاوزًا للقانون وأحالته إلى القضاء، لكن صربيا ترى أنّ للقسّ الحق في ممارسة دينه وأن بناء الكنيسة شأن ديني خالص خاصة وأن الصرب المقيمين في مقدونيا يحتاجون إلى مكان للعبادة.
(4) تعترض اليونان على تسمية دولة مقدونيا باسم "جمهورية مقدونيا"، ومبررات هذا الاعتراض الذي تم رفعه إلى الأمم المتحدة منذ العام 1991، هو وجود عدة مناطق يونانية يسكنها مقدونيون يونانيون لا علاقة لهم البتة بجمهورية مقدونيا ولا ينتسبون لها لا تاريخيًّا ولا جغرافيًّا، كما تتهم أثينا سكوبيا بتزوير التاريخ اليوناني الأصيل وذلك بنسبها إسكندر المقدوني وغيره من الأبطال المقدونيين اليونانيين إليها، ثمّ إن تسمية جمهورية مقدونيا تتداخل مع ما يسمّى بالمنطقة اليونانية من مقدونيا وكذلك لارتباطها بما كان يسمّى مملكة مقدونيا والتي كانت تضم أراضي من اليونان وصربيا وبلغاريا وألبانيا. وبسبب هذا الخلاف فإن عضوية جمهورية مقدونيا في الاتحاد الأوروبي ما تزال معلّقة, بحكم الفيتو اليوناني، لحين تغيير مقدونيا اسمها الدستوري، وفي انتظار ذلك فإن الدول التي لا تعترف باسم جمهورية مقدونيا غيرت اسمها الرسمي إلى جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة كأحد الحلول المقترحة.
(5) لأنه بهذا تشكِّل كل من اليونان وبلغاريا ورومانيا، وهي بلدان مسيحية، شريطًا حدوديًّا بين غرب تركيا وشبه الجزيرة البلقانية، بغاية فصل عمقهما الإستراتيجي، ومنع كل محاولات التقارب بينهما ومراقبتهما عن قرب.