أزمة صباح الماليزية: بين تهديد السيادة والمناورات السياسية

تتقاسم ماليزيا جزيرة برونيو مع سلطنة بروناي وإندونيسيا، حيث ولاية صباح الأقرب إلى جنوب الفلبين المضطرب ما جعلها ملجأ لكثير من المهاجرين والمسلحين أحيانا. أثارت أزمة المتسللين الفلبينيين إلى ولاية صباح والعملية العسكرية التي صاحبتها علامات استفهام كثيرة يحاول هذا التقرير تقديم إجابات عنها.
201341103350533734_20.jpg
تتقاسم ماليزيا جزيرة برونيو مع سلطنة بروناي وإندونيسيا، حيث ولاية صباح الأقرب إلى جنوب الفلبين المضطرب ما جعلها ملجأ لكثير من المهاجرين والمسلحين أحيانا (الجزيرة)

تشكل ولايتا صباح وسراواك في جزيرة برونيو بالقسم الشرقي من الاتحاد الفدرالي الماليزي، وتتقاسم ماليزيا جزيرة برونيو مع سلطنة بروناي وإندونيسيا، وتعتبر صباح الولاية الأقرب إلى جنوب الفلبين المضطرب ما جعلها ملجأ لكثير من المهاجرين والمسلحين أحيانا. وقد أثارت أزمة المتسللين الفلبينيين إلى ولاية صباح والعملية العسكرية التي صاحبتها علامات استفهام كثيرة بشأن التوقيت ودافع "جيش سولو السلطاني" لتحدي سلطة الدولة الماليزية، وذلك على الرغم من السياق التاريخي بما يتعلق بعلاقة ولاية صباح بجزيرة سولو في جنوب الفلبين، ولم تعلن الحكومة الماليزية إطارا زمنيا لعمليتها  العسكرية الواسعة، أو إمكانية حل سياسي باستثناء الطلب من المسلحين الاستسلام بدون شروط.

ضبط النفس

فوجئ المواطنون الماليزيون بتصريح تصدر صحافتهم في 12 مارس/ آذار 2013 منقول عن قائد شرطة ولاية صباح حين قال: إن وضعا متفجرا تم تفاديه بعد دخول نحو مائة فلبيني بينهم مسلحون إلى منطقتي لاهد داتو وسِمبورنا في ولاية صباح، وإن السلطات الماليزية فضلت الحوار لإقناع المتسللين بالعودة من حيث أتو. انتشر انطباع واسع أن هدف الدخلاء الفلبينيين هو المطالبة بزيادة أجرة الولاية لسلطان سولو الذي يقدر بألف وثمانمائة دولار، حيث إن تقليدا متبعا منذ أكثر من مائتي سنة بدفع أجرة لسلطان سولو ورثتها الحكومة الماليزية عن الاستعمار البريطاني بناء على وثيقة تأجير موقعة في العام 1878 ولم تعد هذه الأجرة مجدية.

توالت تداعيات المشكلة بين تصريحات ماليزية تتسم بضبط النفس وأخرى للسلطان جمال الكرام الثالث -الذي يدعي الإرث السلطاني لجزيرة سولو في جنوب الفلبين- بتبعية الولاية لسلطنته، وحقه في استرجاعها، إلى أن أعلن عن مقتل عنصرين من قوات الشرطة الخاصة وإصابة عدد آخر إثر تعرضهم لكمين في القرية التي كان الدخلاء الفلبينيون يتحصنون فيها، وذلك بعد انتهاء مهلة أخيرة منحتها السلطات الماليزية للمتسللين بالعودة إلى بلادهم أو الاستسلام. وبمقتل الشرطيين الماليزيين انتهى الحديث عن عودة المسلحين وبقي شرط واحد لإنهاء الأزمة هو تسليم المسلحين أنفسهم للسلطات الماليزية ومواجهة مصيرهم.

فوض رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق أمر التعامل مع الدخلاء الفلبينيين إلى قوات الجيش والشرطة، وفي المقابل أعلن السلطان جمال الكرام رفضه دعوة المسلحين للانسحاب من صباح وترك أمر التفاوض أو القتال للمسلحين بقيادة أحد أشقاءه عقبيمو الدين الكرام. وبعد شهر على الأزمة وصل عدد القتلى إلى أكثر من ستين شخصا بينهم عشرة من الشرطة الماليزية، ورفضت السلطات الماليزية عرض وقف إطلاق النار الذي أعلنه من طرف واحد السلطان جمال الكرام الثالث ودعا الحكومة الماليزية إلى الرد بالمثل.

العامل الديموغرافي

يقدر عدد المواطنين الفلبينيين الذين يعملون في ولاية صباح بحوالي ثمانمائة ألفٍ يعملون في المصانع والزراعة خاصة نخيل الزيت وقطاعي البناء والخدمات، كما يقدر عدد الفلبينيين في الولاية الذين تعود أصولهم إلى جزيرة سولو بما يزيد عن سبعين ألفا. ومن خلال التصريحات الماليزية والفلبينية يبدو واضحا تساهل السلطتين وغض الطرف عن الحركة السكانية بين جنوب الفلبين وولاية صباح الماليزية، وهو ما عبر عنه قائد الجيش الماليزي الجنرال ذو الكفل بن محمد زين أثناء تبريره عدم الكشف المبكر لتسلل المسلحين إلى الأراضي الماليزية بأن أقرب نقطة فلبينية لا تبعد سوى 15 دقيقة في قارب تجاري أو سياحي، وأن السكان يتبادلون المعاملات التجارية وسط البحر.

لكن أحد رموز الحزب الحاكم "منظمة الاتحاد الملاوي الوطني" المعروفة اختصارا باسم أمنو حذر من التهديد الديموغرافي الذي تشكله عمليات التسلل لولاية صباح في الجزء الشرقي من ماليزيا، وذلك في ذروة العملية العسكرية التي أطلق عليها اسم "هيبة الدولة"، وبمشاركة كافة قطاعات القوات المسلحة والشرطة، ووصف رزالي حمزة عضو البرلمان الماليزي في بيان صحفي عمليات منح الجنسية بطرق غير شرعية لمواطنين فلبينيين في ولاية صباح بأنها نذير شر يهدد السيادة ويشكل خطرا على السكان الأصليين، في الوقت ذاته انتقد رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد الإجراءات الأمنية على الحدود خاصة المائية منها ودعا إلى تعزيز أمن الحدود. وعزز إعلانُ السلطات الماليزية مقتلَ أحد المتورطين في قتل رجال الشرطة على أيدي قرويين ماليزيين وجودَ توتر مجتمعي على الرغم من حرص السلطات الماليزية المستمر على بث شعور بالطمأنينة والهدوء، وعدم فرض منع التجوال، ودعوة السكان إلى ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بل إن القلق من انفلات الأمور وإغلاق الأسواق وصل إلى أماكن بعيدة عن مناطق تحصن المسلحين الفلبينيين.

لم يتوقف تفاعل العامل الديمغرافي على الفلبينيين والماليزيين وانضم إلى الجدل بشأن الوضع الامني منظمات ما يعرف بالسكان الأصليين، ففي ختام مؤتمر لمناقشة حقوق السكان الأصليين في آسيا عقد في كوالالمبور برعاية الأمم المتحدة في 12 و13 مارس/ آذار 2013 كان لافتا دعوة بيان -تحدث بالنيابة عن السكان الأصليين في صباح- الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تقص للحقائق على أن تضم ممثلين عن صباح والسكان الأصليين والمنظمات غير الحكومية. وانتقد منسق تحالف منظمات حقوق الإنسان في صباح أندرو أمبروس العمليات العسكرية الجارية هناك لما تشكله من مضايقات على السكان الأصليين وتحد من حركتهم دون أن يوجه الاتهام للمسلحين الفلبينيين عن ما يجري، ما يشير من طرف خفي إلى أن المشكلة تكمن في وجود السلطة وليس في المتسللين، وهو مخالف للتصريحات الحكومية السابقة التي تبرر التدخل العسكري لمنع تغيير ديمغرافي في الولاية، كما حذر عضو البرلمان عن ولاية صباح عبد الرحمن دحلان من محاولة تدويل الأزمة.

نظرية المؤامرة

بغض النظر عن ما يبدو استغلالا للأزمة انتخابيا من قبل الحكومة والمعارضة الماليزيتين فإن الاتهامات المتبادلة بينهما سوّقت نظرية المؤامرة حول ما يجري في صباح بقصد أو عن غير قصد. ففي الأيام الأولى للأزمة اتهم أحد قادة المعارضة الحكومة بفبركة الأزمة وتضخيمها للفت الأنظار عن فشلها وإخفاقاتها قبيل الانتخابات. وردت الحكومة بالتهديد بإحالة الزعيم المعارض للقضاء باعتبار هذه التصريحات قد تصل إلى درجة الخيانة الوطنية.

شنت الحكومة حملة إعلامية مضادة استهدفت زعيم المعارضة أنور إبراهيم من خلال اتهامه بإقامة علاقات مع جماعة سلطان سولو، مستندة في ذلك إلى تقارير إعلامية فلبينية. وبمرور الوقت تحولت انتقادات المعارضة للحكومة إلى كيفية معالجة القضية والحديث عن إمكانية تفادي مقتل عناصر الشرطة لو أن الحكومة تعاملت مع القضية على أنها ليست مجرد مسألة دخلاء أو متسللين. وعادت بعد ثلاثة أسابيع لتغير خطابها بوصم الدخلاء بالإرهابيين، وتجاهلت إثارة القضية للنقاش في البرلمان، وعزز نظرية التآمر توقيت الأزمة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الماليزية.

في ظل التراشق الحزبي المتبادل تراجع الاهتمام بالوضع الميداني وحقيقة ما يجري في المناطق التي أعلنت منطقة أمنية مغلقة. ولم تتمكن وسائل الإعلام الحكومية أو المستقلة ومنظمات المجتمع المدني من الوصول إليها على الرغم من الانتقادات المتزايدة بهذا الشأن؛ من ذلك القلق الذي أعربت عنه منظمة هيومان رايتش ووتش تجاه الوضع في صباح وانتقدت تطبيق قانون الإجراءات الخاصة للجرائم الأمنية ودعت إلى توجيه الاتهام للمعتقلين أو الإفراج عنهم. وفي بيان مشترك للعشرات من مؤسسات المجتمع المدني الماليزية والفلبينية أعرب عن القلق ذاته تجاه ما يحصل في صباح خاصة بما يتعلق بالوضع الإنساني الغامض في المناطق المحاصرة.

الأبعاد الإقليمية

دخلت الحكومة الفلبينية على خط الأزمة منذ اليوم الأول وذلك بدعوتها المتسللين إلى الانسحاب من الأماكن التي سيطروا عليها وعرضت إرسال سفينة لإجلائهم، لكن جيش سولو السلطاني رفض هذا العرض وأظهر تحديا واضحا بالقول إن المدنيين والمسلحين من سلطنة سولو في أراضيهم وعلى الحكومة الماليزية التفاوض لتحديد مصير الولاية. وبعد اندلاع القتال عرضت مانيلا إرسال سفينتين إحداهما طبية لإجلاء الجرحى والنساء والأطفال لكن الحكومة الماليزية لم تتجاوب مع الطلب الفلبيني وحصرت حل الأزمة باستسلام المسلحين جميعا لقوات الأمن الماليزية، وذلك بعد أن غيرت الخطاب من نعتهم بدخلاء ومتسللين إلى إرهابيين.

لعل ذلك يكون الجانب الإنساني الناعم من البعد الفلبيني في الأزمة، بينما يرى كثير من المراقبين أن نطاق المشكلة يتجاوز مجرد حلم باستعادة إرث تاريخي لسلطنة سولو التي كانت تهيمن على الأمور في جزر أرخبيل سولو في حقبة ما قبل الاستعمار إلى محاولة تحجيم دور ماليزيا الإقليمي بعد نجاحها في التوصل إلى اتفاقي سلام خلال الأشهر القلية الماضية، الأول على حدودها الشرقية في جنوب الفلبين والثاني على حدودها الشمالية في جنوب تايلاند، كما أن الاتفاق الموقع في منتصف أكتوبر الماضي بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية بزعامة مراد إبراهيم برعاية ماليزية أشعر جماعات ومنظمات أخرى بالتهميش، منها سلطان سولو وجبهة تحرير مورو الوطنية. أثار عرض زعيم جبهة تحرير مور الوطنية نور مسواري الوساطة بين ماليزيا ومسلحي سولو وجود تفاهم بين الجماعتين سبَبُه التهميش الذي يخشيان منه إذا ما تم تنفيذ اتفاق السلام بنجاح، فبعد تجاهل عرض مسواري للوساطة كشف عن تورط ماليزي في تسليح منظمته في سبعينات وثمانينات القرن الماضي في سعيها للاستقلال أو التوصل إلى حكم ذاتي لمسلمي جنوب الفلبين، كما أن قادة من جبهة تحرير مورو الوطنية أعربوا عن عدم قدرتهم على السيطرة وضبط الآلاف من أبناء مناطق باسيلان وسولو وزامبوانغا الذي يستعدون للزحف على صباح.

حاولت الحكومة الفلبينية في البداية حمل العصا من الوسط في أزمة صباح من خلال دعوة من وصفوا بالدخلاء إلى العودة إلى بلادهم وهو موقف يتماشى مع الموقف الماليزي، لكن مانيلا بدت في مرحلة لاحقة تتعامل مع القضية على أنها مسألة قومية فلبينية وأنها تدافع عن أرواح مواطنيها، وقد يكون ذلك مجاراة الرأي العام المحلي الغاضب من جهة وإضفاء شرعية على مطالب سلطان سولو من جهة أخرى لا على الطريقة المستخدمة لتحقيق هذه المطالب. فكان انتقاد مانيلا استخدام القوة مع طلب الاستسلام، واحتواء لتوتر الموقف بين مانيلا وكوالالمبور لم يكن أمام وزير الخارجية الفلبيني سوى موافقة ماليزيا في استخدام مصطلح الإرهاب ضد جيش سولو السلطاني. ولعل إحدى محددات الموقف الفلبيني في هذه الأزمة حرصها على تجنب انهيار عملية السلام التي بدأتها مع جبهة تحرير مورو الإسلامية في جنوب الفلبين وتأمل أن تلحق بها المنظمات الأخرى، حيث من المفترض أن يبدأ تنفيذ الاتفاق في أبريل المقبل كما أن البلاد تشهد انتخابات نصفية منتصف العام الجاري.

آفاق المستقبل

يظهر من التصريحات الماليزية المتعاقبة التركيز على تجريم عملية اختراق الحدود دون المساس بالصبغة الاعتبارية لسلطان سولو، ولم تَرُدّ الحكومة على مطالب المعارضة باتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطان جمال الكرام الثالث، منها الامتناع عن دفع الأجرة التقليدية الرمزية التي ورثتها ماليزيا عن الاستعمار وتدفع بشكل تلقائي منذ أكثر من قرنين. وقد فسر ذلك برغبة الحكومة الماليزية في البحث عن إغلاق ملف صباح مع سولو إلى الأبد عن طريق السلطان وقد يكون بدفع مبالغ مالية غير معلنه تشجعه على تغيير موقفه؛ خاصة وأن ماليزيا كانت قد وعدت بالمشاركة في عملية التنمية في جنوب الفلبين في حال نجح اتفاق السلام الذي رعته. وإن كانت الحكومة الماليزية تحاول من خلال آلتها الإعلامية دفع الحكومة الفلبينية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطان وجماعته، مثل إشادتها باعتقال 35 عنصرا من جيش سولو السلطاني أثناء محاولتهم العودة للفلبين والتلميح إلى أن الفلبين ستتعامل مع السلطان جمال الكرام وزمرته وفق القانون الجنائي الفلبيني.

أما بما يتعلق بالوضع الأمني في ولاية صباح فإن الطوق الأمني الذي فرضته القوات الماليزية برا وبحرا مرشح للاستمرار مدة طويلة. وأشار إلى ذلك قائد الجيش الجنرال ذو الكفل بن محمد زين، الذي شبه الوضع في صباح بالوضع في ولاية سراواك المجاورة أثناء أعمال العنف التي شنها الاشتراكيون في سبعينات القرن الماضي، ولم ترفع القوانين الشبيهة بالأحكام العرفية إلا بعد أن تم تفكيك المنظمات الاشتراكية المسلحة بالكامل، وقد يتسبب الوضع الأمني في المناطق التي فرض عليها حصار أمني إلى تأجيل الانتخابات فيها إلى وقت لاحق.

خلاصة

يعتبر تراجع الطابع المحلي للنزاعات والصراعات أحد أبرز سمات النزاعات في العصر الحديث كما يقول خبراء في شؤون الصراعات، لتصبح الصراعات في مجملها اليوم إقليمية ودولية، ومع محاولة ماليزيا تجنب أي أبعاد إقليمية ودولية من خلال فرض طوق مغلق على الأزمة ميدانيا وإنسانيا وسياسيا فإن الأزمة أضفت كثيرا من التفاعلات الداخلية والإقليمية، وتركت نتائج أبرزها قد يتمثل في الآتي:

  • بعد التردد الذي بدت عليه الحكومة الماليزية بذريعة إتاحة الفرصة لحل سملي أظهر رئيس الوزراء حزما في التعامل ما وصفه بالأمن القومي الماليزي، وقد يحسِّن ذلك من شعبيته في الانتخابات التشريعية التي يجب أن تعقد قبل نهاية يونيو/ حزيران من العام الجاري، وذلك بعد أن كانت المعارضة تتهمه بالضعف، وتركز في حملتها الدعائية ضده بأن شخصية زوجته طاغية على شخصيته.
  • نبهت الأزمة ماليزيا إلى ضرورة تعزيز أمن الحدود، ليس فقط مع الفلبين وإنما مع تايلاند كذلك، وذلك بعد أن كانت تسعى إلى التوصل لحلول سياسية في المنطقتين تجنبها وصول الشرر إليها.
  • على الرغم من البعد الإقليمي للأزمة إلا أن ماليزيا نجحت في منع تدويلها، باستثناء تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة الحل السلمي ووقف العنف فإن دول الجوار خاصة أعضاء منظمة آسيان أبقت على صمتها دون تدخل؛ التزاما باتفاقية عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول آسيان، باستثناء الموقف الفلبيني الذي تشابه أخيرا مع الموقف الماليزي من حيث نعت المتسللين بالإرهاب.
  • لفتت الأزمة الأنظار إلى من يشعرون بالتهميش في اتفاق السلام الذي رعته ماليزيا بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية، وهذه المرة بمحاولة نخس ماليزيا في خاصرتها.
  • نجح سلطان سولو في التذكير بالإرث التاريخي لسلطنته ووضعه الاعتباري حتى لو لم يتمكن السلطان جمال الكرام من تحقيق نتائج ملموسة على الصعيدين الميداني أو السياسي.
  • اتسم موقف الحكومة الماليزية بالميوعة والضبابية تجاه السيادة على ولاية صباح، بما يعني أنها تركت الباب مفتوحا أمام إثارة القضية في أي وقت.
  • حركت أزمة المسلحين الفلبينيين مشاعر الأعراق الصغيرة أو من يوصفون بالسكان الأصليين في صباح وغيرها من الولايات الماليزية، وقد يكون ذلك من خلال أيد خارجية لها أجندة خاصة، أبرزها مسألة التبشير حيث إن بعض منظمات السكان الأصليين ذات الارتباط الخارجي حاولت الربط بين الوضع الأمني في صباح وبين قضيتي الهوية والدين، مع أن الرابط بين القضيتين مستبعد إن لم يكن غير وارد في أذهان الأطراف المنخرطة في الأزمة (مسلحو سولو والحكومة الماليزية والحكومة الفلبينية).
  • سلطت الأزمة الضوء على الصراعات المحلية التي تعتبر واحدة من أبرز معوقات الوصول إلى هدف مجموعة آسيان في إقامة مجتمع موحد وسوق مشتركة لدول جنوب شرق آسيا بحلول العام 2015، حيث أن إنهاء الصراعات الداخلية للدول العشرة الأعضاء في المجموعة شرط في دخول مجتمع الآسيان، وكانت ماليزيا قالت إنها تحاول مساعدة الفلبين في تجاوز أزمة الجنوب من خلال التوصل إلى اتفاق سلام في جنوب الفلبين.

 تطور المواقف الفلبينية تجاه صباح

لقد دقت ادعاءات السلطان جمال الكرام الثالث بتبعية ولاية صباح لسلطنته جرس إنذار لأهالي صباح ومقر إدارة الحكم في بوتراجايا، خاصة أن الأمر يتعلق بالسيادة لا بالأجرة التقليدية التي يتقاضاها ورثة السلطنة، وذكّرت بمطالب فلبينية بهذه المنطقة كلما سنحت الفرصة، ولدى استقراء المواقف الفلبينية تجاه السيادة على صباح يظهر اضطراب والتقلب في المواقف الفلبينية وفق الوضع السياسي في كل مرحلة، وهذا تسلسل تاريخي مختصر للموقف الفلبيني من مسألة صباح:

  • في عام 1658 منح سلطان برونيو القسم الشمال الشرقي من الجزيرة لسلطان سولو جمال العالم مكافأة له على المساعدة في كبح تمرد ضد سلطة برونيو.
  • شكل عقد تأجير منطقة صباح من قبل السلطان جمال العالم إلى شركة الهند الشرقية التي تحولت إلى شركة برونيو نقطة تحول تاريخية في 22 يونيو/ حزيران 1878م، ونقطة الخلاف الكبرى في هذه الوثيقة هو ما يحمله عقد الإجارة من معنى التعاقب الدولي أو إجارة، علما بأن العقد ينص على المصطلحين وأنه مفتوح إلى الأبد.
  • في 22 يوليو/ تموز 1878م أي بعد شهر من التوقيع على وثيقة تأجير صباح، وقع سلطات سولو على وثيقة التنازل عن كافة الصلاحيات السيادية على أملاكه إلى اسبانيا، وبذلك فإن سيادته على صباح تكون قد سقطت، لكن الفلبينيين يجادلون بأن صباح لم يرد ذكرها في هذه الوثيقة.
  • في مارس 1885 تم التوقيع على بروتوكول مدريد بين اسبانيا وبريطانيا وألماني يقضي بتنازل  إسبانيا عن أي ادعاءات لها في جزيرة برونيو والتي كانت تابعة لسلطة سولو.
  • 29 أبريل 1902 وقع سلطان سولو جمال الكرام وثيقة تقضي بالتنازل عن سيادته على برونيو على الرغم من أن برتوكول مدريد والاتفاقيات السابقة تقضي بأن لا سياد له على المنطقة.
  • تغير وضع السلطان في عام 1915 عندما جردته الولايات المتحدة من جميع صلاحياته مع الإبقاء على لقب السلطان، وذلك أثناء احتلال الولايات المتحدة للفلبين بالكامل، ولم تكن الولايات المتحدة ترغب في مناطق بورنيو فأصبح السلطان يدعي اسميا تبعيتها له بما يناقد الوثائق السابقة.
  • في عام 1935 نص الدستور الفلبيني على السيادة على جميع المناطق التي كانت تابعة لها تاريخيا بما يحمل معنى ما كان تحت سيادة سلطان سولو، وفي العام الذي يليه ألغيت سلطنة سولو لكن لم يتم التعرض لوضع السلطان، وبذلك اسبح سلطانا بلا سلطنة.
  • عام 1939 أقرت المحكمة العليا في برونيو أن وثيقة 1978 كانت بيعا وتنازلا عن السيادة وأن الأجرة التي تدفع للسلطان هي مقابل التنازل عن السيادة.
  • عام 1950 وافق مجلس الشيوخ الفلبيني على قرار بالإجماع الطلب من الحكومة العمل على إعادة صباح للسيادة الفلبينية.
  • عام 1957 قرر ورثة سلطان سولو فسخ عقد 1878 لتأجير صباح.
  • عام 1962 سلم السلطان اسماعيل الكرام الحكومة وثيقة تخولها المطالبة باستعادة السيادة على شمال برونيو (صباح) وبموافقة الحكومة على استلام الوثيقة فإنها تكون أعادت الاعتراف ضمنيا بسلطان سولو الذي أدى اليمين الدستوري وتعهد باستعادة صباح بالطرق السلمية.
  • عام 1966 أعلن الفلبيني فرديناند ماركوس اعترافه بماليزيا، وهذا يعني ضمنيا الاعتراف بأن صباح جزء من ماليزيا، وكان يهدف بذلك إلى تعزيز وحدة منظمة آسيان، لكن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كادت أن تنهار عندما كشف النقاب عن مجزرة جوديباه، وتبين أن الفلبين تدعم مشروع استقلال صباح بما يعني أن الاعتراف بماليزيا لم يكن إلا تكتيكا، وفي عام 1968 صدر القانون الجمهوري العام الذي يعتبر صباح جزءا من الفلبين ويسري عليها القانون، وفي 24 مايو 1974 توجت مانيلا باحتفال رسمي سلطان سولو وذلك بعد أن أصدر ماركوس مرسوما خول فيه سلطان سولو المطالبة بحقوق الفلبين التاريخية على المناطق التي كانت تابعة لسلطنته.
  • في مؤتمر آسيان عام 1977 في كوالالمبور أعلن ماركوس سحب بلاده ادعاءات المطالبة بصباح من أجل استقرار الآسيان، وفي عام 1989 أعلن السلطان جمال الكرام تنازله عن المطالبة بصباح إلى الحكومة الفلبينية.
  • في 24 مايو 2008 أقسم نور مسواري أمام سلطان سولو فؤاد الكرام الثالث على أن يعمل من أجل استعادة صباح وذلك في مؤتمر للسلام عقد في مدينة دافواو.
  • 16 يوليو 2011م أقرت المحكمة العليا الفلبينية أن المطالبة بولاية صباح ما زالت قائمة ويمكن تفعيلها في المستقبل.
  • في 20 فبراير 2013، نقلت الصحافة الفلبينية عن مسؤول في القصر الرئاسي قوله إن مانيلا لا تملك ما يثبت تبعية صباح لها، وفي اليوم ذاته دعا عضو في مجلس الشيوخ الفلبيني إلى تفعيل المطالبة بصباح، وقال إن مطالبة سلطان سولو بصباح تعتمد على مرجعية تاريخية قوية،  لكن الرئيس الفلبيني بينينغو أكينو وسط الضغط الشعبي وخشية انهيار دبلوماسي مع ماليزيا وحرصا على الوضع المعاشي لـ 800 ألف فلبيني في صباح دعا المسلحين إلى العودة إلى سولو. 

_________________________________
سامر علاوي - مدير مكتب شبكة الجزيرة - أفغانستان

نبذة عن الكاتب