افتتاح مكتب طالبان في الدوحة: المواقف والنتائج

افتتح مكتب حركة طالبان رسميا في الدوحة، بعد محاولات دامت أكثر من سنتين، ولقي ذلك احتجاجا شديدا من قبل الحكومة الأفغانية وموافقة وترحيبا من قبل الإدارة الأميركية وأطراف أخرى. تبحث الورقة أهمية هذا الحدث كخطوة في سياق تعزيز المصالحة ووضع حد للحرب الدائرة في أفغانستان.
201371185818720580_20.jpg
مساعد وزير الشؤون الخارجية القطري علي بن فهد الهاجري (الثاني يمين) يقص شريط افتتاح مكتب حركة طالبان في الدوحة مع عضو المكتب السياسي لطالبان جان محمد مدني (ثاني يسار) (الأوروبية)

اُفتتح مكتب حركة طالبان رسميًا في الدوحة، بعد محاولات دامت أكثر من سنتين تقريبًا. وهو ما قوبل برد شديد اللهجة من قبل الرئيس الأفغاني حامد كرزاي؛ حيث توعد في تصريحات اعلامية بأنه: سيفضح الدول التي تتدخل في مشروع الصلح الأفغاني حماية لمصالحها. لكن الموقف الرسمي الأفغاني شهد تراجعا حيث قال البيت الأبيض في بيان صحفي "أن الولايات المتحدة وأفغانستان ما زالتا تؤيدان الحوار مع حركة طالبان، وأن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي تفاهم مع نظيره الأميركي باراك أوباما بشأن موافقته على فتح مكتب للحركة في قطر بعدما كان يعارض ذلك."

ويعد افتتاح المكتب أهم حدث في سياق وضع حد للحرب الدائرة في أفغانستان وللمصالحة الوطنية الأفغانية، وقادت هذه الخطوة إلى ردود أفعال كثيرة عالميًا وإقليميًا ومحليًا.

المكتب ضرورة للطرفين

يرى محللون أن فتح المكتب السياسي لحركة طالبان ضرورة لجميع أطراف الصراع في أفغانستان؛ فالإدارة الأميركية، وهي على أعتاب سحب قواتها من أفغانستان، تحتاج أن تُجري محادثات مع الحركة التي خاضت ضدها إحدى أطول معاركها في تاريخها المعاصر. ستكون هذه المحادثات حول كثير من القضايا العالقة بين الطرفين؛ فالحرب لم تصل إلى نتيجة، والأهداف التي لم تتوصل إليها واشنطن عن طريق استخدام السلاح ستحاول تحقيقها عن طريق الحوار مع طالبان. أما حركة طالبان فتشعر كذلك بضرورة إيجاد مكتب سياسي لها لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة الأميركية التي تحتفظ بعدد كبير من أعضائها في معتقلاتها، وتقاتل الحركة ضدها لإجبارها على سحب قواتها من أفغانستان، يقول أحد أعضاء الحركة في هذا الصدد: المشكلة الأساسية التي كانت تواجهها حركة طالبان منذ اثنتي عشرة سنة هي عدم وجود مكتب سياسي، تستطيع من خلاله تقديم مطالبها المشروعة أمام المجتمع الدولي وتوصيل رسالتها للعالم بالاستفادة من الحصانة الدبلوماسية لممثليها. وحصلت في الفترة الماضية حوادث أكدت الحاجة لوجود مكتب سياسي لحركة طالبان؛ فعلى سبيل المثال واجهت حركة طالبان مشاكل متعددة خلال تبادل خمسة من قياداتها المعتقلين في سجون الحكومة بالصحفي الإيطالي دانييلي ماسترو جاكومو عام 2007م، وكذلك حصلت مشاكل في إطلاق سراح 23 شخصًا من المبشرين الكوريين في يوليو/تموز عام 2007م في غزني، كما أن قضايا إطلاق سراح معتقلين آخرين من مختلف الدول تواجه عقبات لعدم وجود مكتب سياسي لحركة طالبان.

واشنطن وحركة طالبان والهدف

لا يخفى على المتابع أن الإدارة الأميركية عندما تدخلت في أفغانستان عام 2001م أعلنت أنها خطت هذه الخطوة حفاظًا على أمنها القومي، وكان قادتها حينذاك يصرّحون باستمرار أن الهدف من الحرب على الإرهاب، كما كانوا يسمونها، هو القضاء على الجهات والمجموعات التي تهدد أمنها الوطني؛ لئلا يصل التهديد إلى الشعب الأميركي من أفغانستان كما حدث ذلك في 2001م في حوادث تفجيرات مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون وغيرها. وحاولت هذه الإدارة أن تقضي على المجموعات الإرهابية حسب تعبيرها، وأن تخنقها ماليًا، وكان من بين تلك المجموعات حركة طالبان الأفغانية، كما أنها وضعت خطة للقضاء على الدول التي تساند الإرهاب حسب التعبير الأميركي(1)، وأنفقت، وما زالت تنفق، مبالغ طائلة في هذه الحرب، وتقدر دراسة أميركية أجرتها جامعة هارفارد ونشرت نتائجها وكالة الصحافة الفرنسية في مارس/آذار الماضي، أن الحرب في العراق وأفغانستان ستكلّف الولايات المتحدة ما بين أربعة آلاف وستة آلاف مليار دولار على المدى البعيد.

وساند العديد من دول العالم هذه الحرب التي أشعلت واشنطن فتيلها في شتى المناطق من العالم فكسبت بعض جولاتها وخسرت أخرى إلا أنها لم تتمكن من القضاء على حركة طالبان في أفغانستان في ميدان المعركة. ومع المقاومة التي كانت تزداد ضراوة بمرور الوقت، بدأت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية تتعاظم على كاهل الحكومة الأميركية. دفعت هذه العوامل حكومة أوباما إلى قرار بسحب القوات الأميركية، لكن الهدف الذي وضعته الإدارة الأميركية لهذا الهجوم لم يتحقق، إلى جانب ذلك بدا من الواضح أن الولايات المتحدة ستخسر مصالح اقتصادية واستراتيجية كبيرة في المنطقة وعلى مستوى العالم إن سحبت قواتها من أفغانستان دون ترتيبات معينة، ومن هنا قررت أن تجلس مع حركة طالبان على مائدة المفاوضات للوصول إلى النتائج التي لم تتوصل إليها عن طريق الحرب والقتال، وتتطلب المفاوضات كما يتطلب الحوار أن يكون لحركة طالبان تمثيل دبلوماسي ومن هنا وافقت على فتح مكتب لها.

أما حركة طالبان فكانت مع حجمها العسكري الكبير في أفغانستان مغيبة عن المسرح السياسي، ولم تكن يُسمَع لها رأي، ولا تستشار في أمر، فأرادت بفتح مكتبها في الدوحة أن تقضي على عزلتها السياسية وأن تُسمِع العالم رأيها، إلى جانب ذلك تشعر حركة طالبان بأن المرحلة تتطلب أن تجلس مع الأطراف العالمية والمحلية للصراع على مائدة المفاوضات والحوار؛ فالحل العسكري لمشكلة أفغانستان بات غير ممكن وتغلّب طرف على آخر في ميدان المعركة والحرب أصبح من الأمور الصعبة، وقد عدّد الناطق الرسمي باسم مكتب حركة طالبان في الدوحة هذه الأهداف في حفل افتتاح المكتب، وأعلن أن الحركة تريد من هذه الخطوة الوصول إلى الأهداف التالية:

  • بناء العلاقات وإجراء الحوار مع دول العالم، وتحسين العلاقات بالمجتمع الدولي.
  • دعم حل سياسي سلمي لقضية أفغانستان ليمكن عن طريقه الوصول إلى إنهاء الاحتلال وإنشاء حكومة إسلامية ليتحقق عن طريق ذلك أمنية الشعب الأفغاني، وهي استتباب الأمن والسلام الحقيقيين في أفغانستان.
  • التواصل مع الأطراف الأفغانية والتفاوض والحوار معها حسب مقتضيات الزمان والتوقيت.
  • التواصل مع الأمم المتحدة والمنظمات العالمية والمحلية والمؤسسات غير الحكومية.
  • الإدلاء بالتصريحات الصحفية حول الأوضاع السياسية(2).

ويلاحظ أن حركة طالبان أغفلت هذه المرة مطالبها السابقة والشروط التي كانت وضعتها لبدء المحادثات، وكان منها إطلاق سراح عدد من معتقلي غوانتنامو، وإخراج أسماء قيادات حركة طالبان من القوائم السوداء.

لم اُختيرت الدوحة مقرًا؟

اقتُرحت عدة دول لاستضافة المكتب السياسي لحركة طالبان، مثل: تركيا والمملكة العربية السعودية وغيرهما، إلا أن حركة طالبان رفضت إيجاد مكتب سياسي لها في تركيا؛ لأن الجيش التركي جزء من قوات الناتو التي تحارب طالبان في أفغانستان، ولأن تركيا لها علاقات وطيدة بالجهات المعارضة لحركة طالبان. ورفضت حركة طالبان، أن تستضيف المملكة العربية السعودية المكتب لسببين أساسيين؛ أولهما: الشروط التي وضعتها المملكة للوساطة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، وهي ذات الشروط التي كانت تضعها أميركا وحكومة كرزاي، فصارت المملكة العربية السعودية في نظر حركة طالبان الخصم والوسيط والحكم في وقت واحد، وهو أمر مرفوض في نظرها. وفي الوقت ذاته كانت حركة طالبان تريد الخروج من وصاية جهات استخبارية باكستانية في هذه المحادثات ونظرًا للعلاقات الباكستانية-السعودية الوطيدة لم يكن هذا ممكنًا، فكان فتح المكتب في المملكة العربية السعودية مثل فتحه في باكستان في نظرها.

ومن أهم أسباب اختيار الدوحة لاستضافة المكتب السياسي لحركة طالبان رغبة حركة طالبان والإدارة الأميركية معًا في تقليص الدور الباكستاني في القضية؛ فصانع القرار الأميركي يشعر بأن باكستان تستغل الظروف الأمنية لتواجد القوات الأميركية في أفغانستان في ابتزازها ماليًا بحجة التعاون في الحرب على الإرهاب، عن طريق استبقاء ورقة طالبان بيدها لإيجاد مزيد من الضغط عليها للحصول على مزيد من المكاسب. وكانت حركة طالبان أيضًا تشعر بقوة بأن الجهات الباكستانية لها أجندتها ومصالحها الخاصة، وتستخدم حركة طالبان كورقة لتحقيق ذلك، ومن هنا حاولت بشتى الطرق أن تبقى على صلة بها وفي الوقت ذاته أن تخرج عن سيطرتها وسيطرة استخباراتها العسكرية. ولأجل الخروج من الوصاية الباكستانية بدأت حركة طالبان تبحث عن جهات أخرى تقف إلى جانبها وتساعدها في حربها، وفي سبيل ذلك وطدت علاقاتها بإيران وبعض الدول الأخرى، وبدأت تتلقى مساعدات عسكرية وتموينية منها. ولأجل ذلك اختارت حركة طالبان والولايات الأميركية المتحدة قطر لتستضيف المكتب السياسي للحركة، وقد قدمت حركة طالبان في سبيل ذلك تضحيات كبيرة، فحاولت باكستان بشتى الطرق والوسائل أن تثنيها عن عزمها بفتح المكتب في الدوحة؛ فاعتقلت مجموعة كبيرة من أفرادها المؤيدين لفكرة التخلص من سيطرة باكستان ووصايتها، وحاولت أن تسلط على قيادة حركة طالبان مجموعة موالية فيها لباكستان، وكادت أن تحدث انقسامات كبيرة داخل حركة طالبان بسبب ذلك، كما أن باكستان حاولت بعد ذلك أن تُفشل خطة فتح المكتب عن طريق التقارب بين الحكومة الباكستانية والأفغانية. ووضعت باكستان خطة سُميت بـ"خارطة الطريق للمصالحة الأفغانية"(3) التي صيغت من قبل بعض الجهات الباكستانية، ومنحت باكستان دورًا محوريًا في المصالحة الأفغانية، لكن الخطة فشلت عندما رفض علماء دين باكستانيون التعاون في تنفيذها، وقد عوقب رئيس لجنة علماء باكستان طاهر أشرفي من قبل الاستخبارات الباكستانية لرفضه المشاركة في اجتماع مشترك بين علماء أفغانستان وباكستان، فاتُهم بشرب الخمر بعد مشاركة في حفل في إحدى السفارات الأجنبية، وتهدده الجهات الأمنية بأنها تملك صورًا تظهره في حالة مزرية. ولأجل الخروج من سيطرة الاستخبارات الباكستانية اختيرت الدوحة لفتح المكتب السياسي لحركة طالبان. ومن جانب آخر فقد أثبتت الدولة القطرية جدارتها في التعاون في حل عدد من القضايا الساخنة على مستوى العالم الإسلامي، دون أن يكون لها أطماع أخرى في المنطقة.

موقف الحكومة الأفغانية

كان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي قد أعلن قبل افتتاح مكتب حركة طالبان في الدوحة أن وفدًا من المجلس الأعلى للمصالحة الأفغاني سيسافر إلى قطر للمشاركة في المفاوضات مع حركة طالبان، لكن المكتب افتُتح من غير أن يحضر ممثل عن الحكومة الأفغانية. حمل المكتب اسم "إمارة أفغانستان الإسلامية" مع رفع علم حركة طالبان على المبنى. وعلى إثر ذلك استدعى حامد كرزاي قادة الأحزاب الجهادية والهيئة الإدارية للمجلس الأعلى للمصالحة في القصر الرئاسي للتشاور، وأصدر المجلس بيانًا قرر فيه مقاطعة المحادثات في قطر عن طريق مكتب طالبان. وورد في البيان المذكور أن المكتب افتُتح على خلاف التوافق الذي تعهدت الإدارة الأميركية برعايته، وأضاف البيان: إن الحكومة الأفغانية لن تشارك في المفاوضات مع طالبان في قطر في ظروف يتم التأكيد فيها على الحرب وإراقة الدماء (في إشارة إلى ما صرح به مندوب طالبان من أنهم سيواصلون الحرب). وأضاف البيان: إن الحوادث الأخيرة تُظهر أن القوى الأجنبية تقف وراء افتتاح مكتب طالبان في قطر، ولن يشارك المجلس الأعلى للمصالحة في مفاوضات قطر ما لم تتم "أفغنة" مشروع المصالحة تمامًا(4).

وقد كان كرزاي يعارض إجراء محادثات السلام خارج أفغانستان إلا أنه صرّح بأنه قَبِل بفتح مكتب لحركة طالبان في قطر بضغوط من بعض الدول الأجنبية، وأن الحكومة الأفغانية وضعت شروطًا لقبولها بذلك، وتعهدت بها الإدارة الأميركية، وقدمت ضمانات لرعايتها، وتلك الشروط هي: 

  • أن المكتب المذكور سيكون مجرد عنوان لحركة طالبان لتمكين التواصل معها من خلاله، وأنه لن يستخدم للدعاية السياسية لها.
  • تكون المفاوضات في ذلك المكتب تحت رعاية الحكومة الأفغانية وتحت رعاية المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية.
  • أن لا يستفاد من المكتب المذكور بصورة مكتب سياسي ومكتب للتواصل مع الدول الأجنبية.
  • أن لا يسمى المكتب المذكور باسم "إمارة أفغانستان الإسلامية"، وأن لا يُرفع عليه علم طالبان.
  • أن يحمل أعضاء المكتب خطابًا من الملا محمد عمر للتعريف بهم(5).

ولما رأت الحكومة الأفغانية أن الحكومة الأميركية أهملت دورها تمامًا في موضوع فتح المكتب قررت تعليق المحادثات بخصوص توقيع الاتفاقية الأمنية، وعللت ذلك بأن أميركا تناقض أقوالها أفعالها(6)، ويرى المحللون أن الإدارة الأميركية وإن استدركت الأمر بعض الشيء بإنزال علم طالبان من المبنى ورفع لوحة "إمارة أفغانستان الإسلامية" إلا أن هذا التعامل الأميركي المشين مع كرزاي وحكومته ينم عن العلاقات السيئة بين الجهتين، ويبدو أن الإدارة الأميركية كانت تريد أن تبلغه رسالة مفادها أنها تستطيع أن تتجاوزه إذا اقتضت مصالحها ذلك.

توقيت افتتاح المكتب

يأتي افتتاح المكتب متزامنًا مع التحركات التي قامت بها حركة طالبان في الآونة الأخيرة ومنها سفر وفدها إلى إيران، مع أن حركة طالبان كانت على صلة بإيران منذ عدة سنوات، وخاصة بعد قرارها بأن تخرج من سيطرة الجهات الباكستانية، إلا أن تسريب أخبار عن هذه العلاقات إلى وسائل الإعلام يتم لأول مرة. ومع اعتراف حركة طالبان رسميًا بوجود العلاقات بينها وبين إيران، أرادت الإدارة الأميركية أن تتقدم خطوة لقطع الطريق على هذه العلاقات لكي لا تتطور مستقبلاً وتستفيد منها إيران.

إلى جانب ذلك أرادت أميركا أن تلقن حامد كرزاي درسًا في أنه إن حاول البقاء في كرسي الحكم والتملص من إجراء الانتخابات الرئاسية كما يبدو من بعض تحركاته فإنه من الممكن تجاوزه تمامًا والتعامل مع جهات أخرى، حتى إن كانت تلك الجهات من أعدى أعدائها.

الآثار والنتائج لفتح المكتب

لاشك في أن فتح المكتب حدث مهم على المسرح السياسي الأفغاني، لكن الأهم منه النتائج التي ستترتب على افتتاح هذا المكتب، وتلك النتائج يصعب التكهن بها إلا أنه من الممكن استشراف المستقبل في ضوء ما يجري الآن على الساحة.

وافقت الإدارة الأميركية على افتتاح مكتب طالبان ولم تعترض في البداية على أن يكون ذلك المكتب باسم إمارة أفغانستان الإسلامية، وتغاضت في نفس الوقت عن رفع علم طالبان على المبنى. واعتبر بعض المحللين ذلك اعترافًا من أميركا بحكومة المنفى لحركة طالبان، وعندما تعطي هذه الامتيازات لحركة طالبان فإنها تتوقع أن تدخل حركة طالبان في محادثات جادة معها وأن تتنازل عن مواقفها السابقة، هنا ستكون معركة العزيمة وقوة الإرادة، فإلى أي مدى يمكن أن تتنازل الإدارة الأميركية عن مصالحها، وإلى أي مدى ستصر حركة طالبان على مبادئها.

أثيرت تساؤلات عدة عن تأثير هذا المكتب على انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان، ومما لاشك فيه أن الولايات المتحدة الأميركية لها مصالحها الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، وتلك المصالح تتطلب بقاءها في المنطقة عامة وفي أفغانستان خاصة، وفي نفس الوقت لا تريد مواصلة هدر أموالها وازهاق أرواح جنودها في حرب طويلة لا يعرف أحد نهايتها. وللأسباب السابقة تريد أن تدخل في مفاوضات مع حركة طالبان وتريد أن تقنعها على مائدة المحادثات بالانضمام إلى النظام السياسي القائم في أفغانستان مع القبول بتواجد قواعدها في أفغانستان، فهي ستسحب معظم قواتها وستُبقي على بعض الكتائب في القواعد التي أقامتها في مختلف مناطق أفغانستان، وما ترنو إليه الإدارة الأميركية أن تعترف حركة طالبان بما سبق وتقبله. أما حركة طالبان فكما أعلنت في حفل افتتاح المكتب فهي تريد من خلال المحادثات وضع حد للاحتلال. وهذان الموقفان من أصعب ما يمكن التوفيق بينهما، فإدارة أوباما إن انسحبت وتركت أفغانستان لتعود كما كانت الولايات المتحدة قبل 2001م ستكون قد ضيعت كل ما صرفته من أموال وما دمرت من آليات، وما أزهقت من أرواح جنودها بحجة القضاء على البؤر التي تهدد أمنها القومي، وفي نفس الوقت تكون قد خسرت مكانتها العالمية وتكون قد خسرت مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في أفغانستان وفي المنطقة. فهل يُتوقع أن تتنازل الولايات المتحدة عن كل هذه المصالح وأن تضحي بكل ما سبق؟ ومن هنا ستدخل الإدارة الأميركية في المفاوضات للحفاظ على مصالحها جميعًا.

وإن تنازلت حركة طالبان واعترفت بالتواجد الأميركي في قواعدها الدائمة في أفغانستان فإنها ستلغي مبرر وجودها ونشأتها، وقتالها لمدة عشر سنوات، ومن هنا ستدخل حركة طالبان للوصول إلى مكاسب من خلال المفاوضات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتمكن حركة طالبان من خلال المفاوضات من الوصول إلى النتائج التي تتطلع إليها؟ ومن هنا يبدو أن الموقف صعب جدًا، ولن يكون لهذا المكتب أثر كبير في انسحاب القوات الأميركية أو عدم انسحابها من أفغانستان، وقد يكون لهذا المكتب بعض المكاسب على صعيد تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة الأميركية وبين حركة طالبان، وإطلاق سراح بعض المعتقلين.

مشاكل تعترض الطريق

إن افتتاح المكتب في الدوحة سيؤدي إلى بعض المشاكل التي يجب التنبيه إليها لاستدراكها إن أمكن ذلك، ومن تلك المشاكل:

  1. أولاً: الأزمة الأفغانية لا تتلخص في قتال بين القوات الأميركية وبين حركة طالبان، بل أزمة بأبعاد متعددة، فهي حرب ضد القوات الأميركية وهي كذلك حرب وخلاف بين الأطراف الأفغانية، وما لم تدخل هذه الأطراف كلها في التسوية والحوار والمفاوضات فلن تصل إلى نتيجة مرضية، وخاصة إذا استُبعدت جهة قوية مثل الحكومة الأفغانية من المحادثات. إن إبعاد الحكومة الأفغانية بهذه الصورة من الألغام التي يمكن أن تفجر عملية المصالحة والتفاوض التي بدأت في مكتب قطر من الأساس. وتستطيع الحكومة الأفغانية أن تُفشل هذه العملية، وفي نفس الوقت يمكن أن يكسب كرزاي تعاطف الشعب الأفغاني بالتصريحات الوطنية التي يصدرها ضد الادارة الأميركية، وهذا ما سيجعل الشعب يقف وراءه.
  2. ثانيًا: يرى بعض المحللين أن سيناريو "بون" الأول يتكرر في مكتب قطر لحركة طالبان، حين جرى إهمال عدد من القوى المؤثرة في ذلك المؤتمر، وكانت النتيجة سنوات طويلة من الحرب، وجرى إهمال بعض القوى المتواجدة في ساحة المقاومة المسلحة، منها الحزب الإسلامي. وقد أصدر الحزب الإسلامي بيانًا صرح فيه بالاستمرار في القتال ضد القوات الأجنبية. وإذا بقي الحزب الإسلامي خارج التسوية فإنه من الممكن أن تنضم  مجموعات حركة طالبان المسلحة إلى الحزب الإسلامي، وخاصة المجموعات غير الراضية عن التسوية السياسية والمفاوضات من خلال مكتب طالبان في الدوحة.
  3. ثالثًا: من الممكن أن تزداد حوادث استهداف المدنيين وحوادث الاغتيالات والتفجيرات، وذلك لإفشال المفاوضات التي بدأت في مكتب قطر لحركة طالبان. وستقوم بتنفيذ بعض هذه التفجيرات جهات داخلية، ويمكن كذلك أن تقوم ببعضها مجموعات من مقاتلي حركة طالبان الذين يعارضون التسوية السياسية، ولا يخضعون لقرارات القيادة السياسية لحركة طالبان.
  4. رابعًا: إن تاريخ حركة طالبان يقلل من فرص نجاح المحادثات في مكتب قطر؛ لأن الأفراد الموجودين في المكتب المذكور لا يمثلون القيادات العليا الذين بيدهم القرار النهائي، ومن هنا سيعودون في كل صغيرة وكبيرة إلى قياداتهم عن طريق قنواتهم الخاصة وهذا الأمر يأخذ وقتًا طويلاً ويقلل من نجاح الحوار، إلا إذا جرى استبدال الطاقم الموجود بقيادات أخرى أعلى من الموجودين لكن الأمر الذي يحول دون ذلك هو إدراج أسمائهم في القوائم السوداء التي تمنعهم من السفر.

مع كل ما سبق يمكن النظر إلى فتح المكتب السياسي لحركة طالبان كطاقة نور فُتحت أمام السعي لتحقيق الأمن في أفغانستان، ويعول الشعب الأفغاني على أمنياته بأن تنجح المحادثات بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان ليبدأ الحوار الأفغاني الذي سيؤدي إلى التسوية النهائية لمعضلة أفغانستان.
______________________________________
د. مصباح الله عبد الباقي - أستاذ مشارك بجامعة سلام، كابول-أفغانستان

الهوامش والمصادر
1. مصباح الله عبد الباقي، حقيقة الغزو الأميركي للكاتب الفصل الأول (أهداف الغزو الأميركي لأفغانستان) دار التوزيع والنشر الإسلامية، ( القاهرة عام 2005م).
2. افتتاح دفتر قطر، اميد ها وچالش ها (افتتاح مكتب قطر.. الآمال والتحديات):
http://zhman.net/?p=4924#comment-149
3. راجع لتفصيل خارطة الطريق "نقش? راه براي پروسه صلح تا 2015" (خارطة الطريق من أجل السلام حتى 2015)، 26 قوس 1391 خورشيدي: http://bostnews.com/details_dr.php?id=13409&cid=56
4. کرزي: در مذاکرات با طالبان در قطر شرکت نمي‌کنيم (كرزاي: لن نشارك في المحادثات مع طالبان في قطر، بي بي سي الفارسية، چهارشنبه 19 ژوئن 2013 - 29 خرداد 1392:
http://www.bbc.co.uk/persian/afghanistan/2013/06/130618_zs_karzai_taliban.shtml
5. افتتاح دفتر قطر، اميد ها و چالش ها (افتتاح مكتب قطر.. الآمال و التحديات):
http://zhman.net/?p=4924#comment-149
6. افغانستان مذاکرات موافقتنامه امنيتي با آمريکا را به حالت تعليق در آورد (أفغانستان تعلق اتفاقيتها الأمنية مع أميركا)، بي بي سي الفارسية، چهارشنبه 19 ژوئن 2013 - 29 خرداد 1392 :
http://www.bbc.co.uk/persian/afghanistan/2013/06/130619_k04_afghan _ چهارشنبه 19 ژوئن 2013 - 29 خرداد 1392 us_security_agreement_talks.shtml

نبذة عن الكاتب