المصدر[أسوسيتد برس] |
ملخص بعد توقف مؤقت للتهجير القسري في مدن العراق المختلفة، عادت هذه العمليات المنهجية في مناطق عدة، وكانت نتيجة مباشرة للصراع السياسي على الأرض الذي تتم ترجمته بعمليات عنف وتهجير قسري، وهي عمليات تهدف إلى استكمال عمليات التهجير القسري التي حدثت بعد الاحتلال عام 2003، والتي أخذت منحى تصاعديًا علنيًا بعد حادثة تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في 22 فبراير/شباط 2006. وما لم يصل الفرقاء السياسيون إلى توافقات الحد الأدنى التي تتيح لهم إنتاج نظام سياسي يقبله الجميع، ومن ثم إنتاج دولة تستمد هويتها من مواطنيها جميعًا، من دون أية تحيزات ذات طبيعة دينية أو إثنية أو مذهبية، أو أية هوية فرعية أخرى، فإن التهجير القسري سيظل "سلاحًا" فاعلاً في حرب الجميع ضد الجميع، يخفت صوته أحيانًا، ويتوارى أحيانًا أخرى، ولكنه يبقى حاضرًا، بالقوة أو بالفعل، عنيفًا أو ناعمًا، لفرض مناطق ذات هوية أحادية، يمكن لها أن تكون لاحقًا مقدمة لأي تقسيم محتمل. |
بعد توقف مؤقت للتهجير القسري في مدن العراق المختلفة، عادت هذه العمليات المنهجية في مناطق عدة، وكانت نتيجة مباشرة للصراع السياسي على الأرض الذي تتم ترجمته بعمليات عنف وتهجير قسري، وهي عمليات تهدف إلى استكمال عمليات التهجير القسري التي حدثت بعد الاحتلال عام 2003، والتي أخذت منحى تصاعديًا علنيًا بعد حادثة تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في 22 فبراير/شباط 2006، بعضها يهدف إلى تصفية بعض المحافظات من أي تنوع ديمغرافي، دينيًا كان أم مذهبيًا أم إثنيًا، كما هي الحال في البصرة وذي قار. وبعضها الآخر يهدف إلى إعادة التوزيع الديمغرافي داخل المحافظة نفسها لإنتاج مناطق صافية طائفيًا، كما هي الحال في ديالى ونينوى وبابل.
أشار التقرير الدوري حول حقوق الإنسان، الذي أصدرته بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI) في أكتوبر/تشرين الأول 2012 إلى أنه "لا يوجد أي مؤشر على حالات نزوح داخلي جديد" في الفترة الممتدة بين الأول من يناير/كانون الثاني و30 يوليو/تموز 2012. (1) ولكن البعثة عادت في تقريرها التالي الصادر في يناير/كانون الثاني 2013 للحديث عن "عدم وجود حالات نزوح بأعداد كبيرة"، (2) وهي أول إشارة إلى العودة إلى حالات نزوح داخلي، ولكن التقرير لم يحدد الأماكن التي شهدت هذا النزوح المحدود. وأغلب الظن أنه كان يشير إلى حالات نزوح الأقليات بوجه خاص.(3)
يمكن الحديث عن سببين رئيسين تسبّبا في موجة التهجير الحالية:
الأول غير مباشر كان نتيجة للحركة الاحتجاجية السنية التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2012 والتي وصلت ذروتها مع المجزرة التي ارتكبتها القوات الحكومية ضد المعتصمين في مدينة الحويجة في 23 إبريل/نيسان 2013 وما تبعها من زيادة مضطردة في أعمال العنف، خاصة مع حدة التصعيد الطائفي الذي استخدمته الأطراف المتصارعة بغرض التحشيد.
والسبب الثاني مباشر تمثل في ما أفرزته نتائج انتخابات ديالى، والتحالفات اللاحقة لتوزيع المناصب في مجلس المحافظة، تحديدًا منصبي المحافظ ورئيس مجلس المحافظة، وقد أفضت إلى عمليات التهجير في المحافظة التي شهدت الموجات الأكبر من عمليات التهجير بين عامي 2006-2007؛ فنسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات (لم تتجاوز نسبة التصويت في محافظة ديالى 51%) عززت الاختلال بين الواقع الديمغرافي للمحافظة ذات الغالبية السنية والنتائج المسجلة، على مستوى عدد الأصوات وعدد المقاعد التي حصل عليها كل مكون. فقد حصل تحالف ديالى الوطني على 170.292 صوتًا من مجموع 461.302 أصوات صحيحة، أي ما نسبته 36.9% من مجموع الأصوات، فيما حصلت قائمة تحالف التآخي والتعايش (ائتلاف الأحزاب الكردية) على 49.415 صوتًا، أي ما نسبته 10.7% من مجموع الأصوات الصحيحة. ولم تحصل القوائم الفائزة التي يمكن تصنيفها بوصفها "قوائم سنية" سوى على 209.120 صوتًا، أي ما نسبته 45.3 من مجموع الأصوات الصحيحة. وهذه النتائج لا تعكس الطبيعة الديمغرافية للمحافظة، والتي عكستها نتائج انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 (القوائم السنية 49.1%، القوائم الشيعية 22.6%، القائمة الكردية 14.4% من مجموع الأصوات)، وانتخابات مجلس النواب العراقي في العام 2010 (القوائم السنية 53.7%، القوائم الشيعية 29.7%، القوائم الكردية 11.2% من مجموع الأصوات). هذه النتائج دفعت التيار الصدري إلى الانشقاق عن تحالف ديالى الوطني الذي ضم القوائم الشيعية الرئيسية، والتحالف مع ائتلاف عراقية ديالى التي ضمت القوائم السنية الرئيسية، ومن ثم تم منح منصب المحافظ إلى قائمة "عراقية" ديالى بخلاف إرادة بقية أعضاء تحالف ديالى الوطني، بل وبخلاف إرادة المرجعية الشيعية؛ فقد أصر مقتدى الصدر على ضرورة منح منصب المحافظ لسني وعدم منحها لشيعي استشعارًا منه للطبيعة الديمغرافية للمحافظة. فبعد تصويت مجلس محافظة ديالى المنتخب في 22 يونيو/حزيران 2013 على منح مرشح عراقية ديالى عمر الحميري منصب المحافظ؛ حيث أدى المحافظ اليمين الدستورية في 2 يوليو/تموز 2013، بدأت الأخبار تترى عن وجود عمليات تهجير في بعض مناطق ديالى.
فقد أشارت رئيسة لجنة المهجّرين والمرحّلين النيابية لقاء وردي (نائبة عن القائمة العراقية) يوم 14 يوليو/تموز 2013 إلى قيام ميليشيات مسلحة بعمليات تهجير منظمة وممنهجة في بعض مناطق ديالى. (4) فيما نقلت وكالة أنباء نينا عن صحيفة المستقبل بتاريخ 16 يوليو/تموز 2013 إحصائية لوزارة الهجرة والمهجّرين عن عمليات تهجير قسري في محافظة ديالى شملت قضاء المقدادية وبعض القرى التابعة له (235) عائلة. (5)
وقد انتقلت عمليات التهجير من المقدادية إلى مناطق المحافظة الأخرى؛ فقد أعلن المتحدث باسم محافظة ديالى أن بعض المجاميع المسلحة بدأت بتهديد بعض العوائل في ناحية أبي صيدا (ذات الغالبية الشيعية) لغرض ترك منازلها. (6) كما أعلنت لجنة المهجّرين في مجلس محافظة ديالى في 5 سبتمبر/أيلول 2013 عن نزوح أكثر من 100 أسرة من مناطق متفرقة من قضاء بعقوبة. (7)
وقد دفعت موجة التهجير القسري الأخيرة وزارة الهجرة والمهجّرين إلى إعادة فتح باب التسجيل للعوائل النازحة بعد أن كانت قد أوقفته في وقت سابق. (8) كما دفعت محافظة ديالى بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2013 إلى إعلان امتناعها عن إعطاء أذونات نقل السكن من أجل مواجهة ازدياد حالات النزوح في المحافظة. (9)
وبدأت الاتهامات المتبادلة بين الفرقاء حول أسباب هذا التهجير وهوية القائمين عليه؛ فقد اتهم رئيس اللجنة الأمنية السابق في مجلس محافظة ديالى مثنّى التميمي تنظيم ما يسمى "دولة العراق والشام الإسلامية" بالوقوف وراء تنامي عمليات التهجير القسري للأسر على أساس طائفي في مدينة بعقوبة وضواحيها. (10)
في المقابل تحدثت النائبة عن محافظة ديالى، ناهدة الدايني، عن أن التهجير القسري شمل 60% من مناطق المحافظة، وأن عمليات التهجير هذه تستهدف المكون الأكبر في ديالى. (11) فيما اتهم نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي، صالح المطلك، الأجهزة الأمنية في المحافظة بأنها تقف وراء عمليات التهجير. (12)
إن متابعة التصريحات تكشف بوضوح عن البعد السياسي/الطائفي في مقاربة هذا الموضوع، سواء من خلال تركيز الفرقاء من السنة والشيعة على عمليات التهجير التي تخص مكونهم حصرًا، (13) أو من خلال المعلومات المتناقضة التي تقدمها جهات رسمية في المحافظة حول عمليات التهجير تبعًا لانتماءاتها الطائفية؛ ففي حين أكد المتحدث باسم المحافظة في 18 يوليو/تموز 2013 أن "الوضع بدأ يحتقن في ناحية أبي صيدا في ديالى، وهناك مجاميع مسلحة بدأت بتهديد بعض العوائل لغرض ترك منازلها"، (14) نفى مدير ناحية أبي صيدا وجود عمليات تهجير في الناحية. (15)
وعلى الرغم من محاولة البعض أن يكون أكثر موضوعية من خلال الحديث عن عمليات تهجير تشمل السنة والشيعة معًا في ديالى، إلا أن التقاذف بأرقام المهجّرين من كل طائفة يبقى حاضرًا. (16)
ولم تقف عمليات التهجير عند حدود محافظة ديالى، بل توسعت لتشمل محافظتي البصرة وذي قار ذات الغالبية الشيعية؛ فقد تم تهجير عشيرة السعدون السنية من المحافظتين، فضلاً عن عمليات استهداف مباشرة للسنة في المدينة دفعت الوقف السني في البصرة إلى إغلاق جميع المساجد في المدينة واختصار الشعائر على الأذان بعد محاولات إنكار رسمية لما كان يحدث في المدينتين.(17)
وكانت هناك أيضًا عمليات تهجير في المحمودية واللطيفية جنوب بغداد؛ فقد أعلنت "دائرة الهجرة" في بابل في 15 سبتمبر/أيلول أنه تم تهجير (35) عائلة من مناطق المحمودية واللطيفية إلى شمال محافظة بابل قسرًا لأسباب طائفية. (18) ولكن الرقم تضاعف نهاية الشهر؛ فقد أعلن النائب عن محافظة بابل مظهر الجنابي (القائمة العراقية) يوم 28 سبتمبر/أيلول 2013 نزوح أكثر من مائة عائلة سنية وشيعية من منطقة اللطيفية وحدها. (19) وفي مدينة المسيب الواقعة في شمال محافظة بابل، والمحاذية للمحمودية اللطيفية، أعلنت الشرطة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2013 عن اعتقال قياديين في "الدولة الإسلامية في العراق والشام" متورطين بتفجير المنازل وتهجير العوائل الشيعية. (20)
في المقابل ظلت استجابة الحكومة العراقية بطيئة من جهة، ومسيسة من جهة أخرى، فيما يتعلق بموقفها من عمليات التهجير؛ إذ لم تصدر وزارة حقوق الإنسان العراقية أي بيان حول عمليات التهجير إلا بعد ثلاثة أشهر من وقوعها؛ فقد أصدرت الوزراة بيانًا مقتضبًا في 18 سبتمبر/أيلول 2013 بيانًا أكدت فيه أن ما يحدث "في البصرة والناصرية من قتل وتهجير للسنة وما يجري للعوائل الشيعية من قتل وتمثيل وتهديد لمساكنهم في اللطيفية، والشبك في الموصل، والتركمان في طوزخرماتو وديالى من المكونين" إنما هو "مخطط مدروس". (21)
كما حاولت الأجهزة الأمنية، من جهتها، إنكار عمليات التهجير، أو على الأقل التقليل من حجم انتشارها أو إبعاد العامل الطائفي عنها؛ فقد قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية في تصريح له لصحيفة الدعوة يوم 17 سبتمبر/أيلول 2013: إن "موضوع التهجير الطائفي في جنوب العراق، خصوصًا في محافظتي البصرة وذي قار مبالغ فيه كثيرًا"، وأن هناك "تهويلاً كبيرًا في التعاطي مع هذا الأمر". (22) وفي اليوم التالي 18 سبتمبر/أيلول 2013 كان السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء العراقي يستقبل وفد عشائر السعدون ويبلغهم أن الحكومة "على استعداد لتوفير الحماية اللازمة لكم، ونحن نرفض التهجير ونعمل على ذلك من خلال تركيز جهود الأجهزة الأمنية لحماية المواطنين". (23)
وقد عبّرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في 24 سبتمبر/أيلول 2013 عن قلقها من موجات العنف الطائفي في العراق والتي تهدد "بحدوث موجة نزوح داخلي جديدة". وتحدثت عن نزوح 5000 عراقي من بغداد وديالى ونينوى. فضلاً عن 160 عائلة من البصرة وذي قار. وأشارت المفوضية إلى أن النازحين يمثلون طيفًا عراقيًا واسعًا؛ فهي تضم "سنة وعربًا وأكرادًا وشيعة من الشبك وتركمانًا، فضلاً عن مجموعات من الشيعة العرب ولكن بأعداد أصغر". (24)
التهجير القسري: صراع الديمغرافيا والسياسة
شهد العراق بعد الاحتلال في العام 2003، مباشرة عمليات منهجية لتهجير قسري قائم على أساس الهوية الطائفية، إثنية كانت أم دينية أم مذهبية. وانطوى هذا التهجير القسري المنظم والمنهجي على أغراض تتلخص بمحاولة تصنيع خطوط تماس عرقية وطائفية، تعزل العراقيين فيما بينهم على أساس هذه الهويات الفرعية، ضمن مناطق محددة صافية طائفيًا. وقد تصاعدت عمليات التهجير ووتائر العنف بشكل كبير بعد أحداث تفجير مرقد الإمامين العسكريين في فبراير/شباط 2006، لكن من دون أن يعني ذلك أن عمليات التهجير القسري هذه قد بدأت مع لحظة سامراء، ولكنها تكثفت وأخذت غطاءً سياسيًا وشعبويًا؛ فالمتابعة الميدانية تكشف عن وجود عمليات تهجير ذات طابع إثني، أو طائفي بعد إبريل/نيسان 2003 في الكثير من مناطق العراق، وبشكل خاص في بغداد وكركوك والبصرة.
لقد كانت مناطق حزام بغداد، التي تنفتح على مناطق الضواحي، تشهد عمليات تهجير ذات طبيعة طائفية؛ فمنطقة المدائن المنفتحة على مناطق شرق القناة كانت منطقة صراع ذي طبيعة طائفية منتصف العام 2005. وقد أشار الكثير من التصريحات السياسية إلى حقيقة أساسية في ظل ما يمكن تسميته الصراع على مدينة بغداد؛ حيث تم الحديث صراحة عن مشكلة حزام بغداد "السني"، وتم توصيف الأمر بأنه جزء من استراتيجية الحكومات "السنية" المتعاقبة لفرض واقع طائفي محدد لمدينة بغداد، ثم انتقل الصراع بشكل أو بآخر إلى منطقة النهروان. بل إن الصراع السياسي حول ما أُطلق عليه "هوية بغداد" بين النخب السياسية انتقل إلى نص الدستور الدائم نفسه، وتحديدًا في المادة 11، خاصة مع التصريحات السياسية، وعلى أعلى المستويات، من أن نتائج الاستفتاء على الدستور في العام 2005 قد أفرزت "هوية محددة" لها.
وكانت مناطق الكرخ التي تنفتح على حزام بغداد تشهد تصنيع خطوط تماس مضادة؛ فمناطق الدورة والغزالية والعامرية التي تنفتح على مناطق هور رجب وأبو غريب كانت تشهد أيضًا عمليات تهجير ذات طابع طائفي.
أما بعد حادثة سامراء فإن سياسة التهجير، ورسم خطوط التماس، أخذت بُعدًا استراتيجيًا بشكل واضح؛ حيث تشكّلت مناطق صافية طائفيًا وبشكل منهجي. ولم يكن للدولة/الحكومة في حينها أي دور في وقف هذه العمليات، بل إتهمت عدة أطراف الجهات الرسمية، وعلى أعلى المستويات في هذه العملية، وتحديدًا القوات الأمنية، بالضلوع فيها. وكانت هناك عمليات متبادلة لمد خطوط التماس هذه إلى وسط بغداد الذي لم يشهد أية أعمال عنف، أو عمليات تهجير واسعة النطاق. الخط الأول يمتد بالعمق من أبو غريب والغزالية والعامرية وحي الخضراء وحي العدل وحي الجامعة وحي القضاة وحي الداؤودي واليرموك والمنصور، وصولاً إلى مركز العاصمة، وتحديدًا شارع حيفا، وساحة الطلائع والمشاهدة، وهذه المناطق كانت ذات أغلبية سنية. هذا العمق كان يحده من جهة شارع المطار، ومن الجهة الثانية منطقة الشعلة والكاظمية، وكانت مناطق التماس التي تفصل بين المناطق المتقدمة، والمناطق ذات الأغلبية الشيعية في الكرخ، مناطق مختلطة إلى حد بعيد، هذه المناطق كانت مدار صراع بشع ودام لفرض إرادة أحد الأطراف عليها، وكانت مدينة الحرية نموذجًا لهذه المناطق.
أما مناطق شرق بغداد، فكانت هناك محاولات منهجية لتهجير طائفي لجعل مناطق شرق قناة الجيش منطقة صافية طائفيًا، ثم مد هذا الخط بالعمق ليصل إلى أقرب نقطة ممكنة من نهر دجلة، وكانت مناطق خطوط التماس المختلطة تشهد أيضًا محاولات فرض الإرادة، وكانت مدينة الشعب نموذجًا لهذه المناطق. وكانت هناك خطوط أخرى تحاول الامتداد لربط نفسها مع مناطق ذات مثلية طائفية، وما جرى في مناطق الجهاد، وحي العامل، والبياع، والكرخ، والفضل، ومناطق أخرى عديدة هي نتاج لهذا الصراع المفتوح للهيمنة على الأرض.
بعد إعلان خطة فرض القانون التي أعلنها رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي في 14 فبراير/شباط 2007، وتضمنت توزيع 50 ألف عسكري عراقي بدعم من 35 ألف فرد من القوات الأميركية، وتقسيم مدينة بغداد إلى عشر مناطق عسكرية، والقيام بتقطيع أوصال المدينة بوساطة الكتل الكونكريتية التي تطوق الأحياء السكنية بالكامل؛ بحيث تترك لكل منطقة منفذًا واحدًا للخروج والدخول. لم تمنع الخطة محاولات "تصفية" بعض البؤر التي لم تتم تصفيتها من قبل. (25) وكان النموذج الأوضح هو ما حدث في منطقة البياع وحي العامل في قاطع الرشيد جنوب غرب بغداد؛ فقد تم نشر قوات اللواء الأول من الفرقة الثانية التابعة للبشمركة الكردية في شمال وغرب هذا القاطع، ولكن التوتر بين هذا القوات وعناصر الميليشيات أدى بعد مرور قرابة ثلاثة أشهر إلى إبدال قوات البشمركة بقوات مغاوير الداخلية مما أدى إلى اندلاع موجة من القتل والتهجير الطائفي، وإلى تفجير بعض الجوامع السنية في المنطقة، فضلاً عن احتلال أخرى. (26)
لقد كانت مدينة بغداد تشكّل بؤرة العنف الطائفي، ومن ثم فإنها شهدت الكم الأكبر من عمليات النزوح القسري وذلك بسبب ضراوة التهديدات التي تطول سكانها، سواء بسبب عمليات التهجير القسري المباشرة، أو بسبب الخوف على الحياة، أو حتى بسبب الخوف من الاعتقال العشوائي.
الدولة/الحكومة العراقية وتعاملها مع الأزمة
لقد هيمنت المقاربة السياسية/الطائفية على تعامل الحكومة العراقية مع مسألة التهجير القسري في العراق، سواء أكان نزوحًا داخليًا، أو خارجيًا، ولم يتم النظر إليها من وجهة نظر إنسانية، أو أخلاقية، أو حتى قانونية، تفرض عليها بالضرورة مجموعة من الالتزامات والواجبات؛ فقد تعاملت الدولة/الحكومة العراقية مع حالات التهجير القسري والنزوح الداخلي قبل لحظة سامراء بنوع من الانتقائية غير المسوغة؛ حيث تركز الحديث عن المهجّرين قبل إبريل/نيسان 2003 ولم يتم التعامل مع أي من حالات النزوح الداخلي، أو الهجرة بعد هذا التاريخ، بل تم تجاهل هذه الحالات تمامًا، كما حدث في محافظة كركوك مثلاً. باستثناء بعض الحالات التي تم التعاطي معها من منظور سياسي بحت، بوصفها واحدة من أوراق صراع الهويات الذي برز بقوة، كما حدث مع بعض حالات التهجير في مدينة المدائن في منتصف العام 2005.
وكان المثال الأبرز لتجاهل الدولة/الحكومة لمسؤولياتها في هذا المجال، طريقة التعامل مع النازحين من مدينة النجف، ومع ما يقرب من 250 ألف نازح عن مدينة الفلوجة نهاية العام 2004 بسبب العمليات العسكرية؛ فالبروتوكول الثاني الملحق باتفاقية جنيف يحظر الترحيل القسري للمدنيين، ويفرض إذا تطلبت أسباب عسكرية مثل هذا الترحيل، اتخاذ الإجراءات الممكنة كافة لاستقبال السكان المدنيين في ظروف مرضية، من حيث المأوى والأوضاع الصحية والعلاجية والسلامة والتغذية (مادة 17). ولكن هذا لم يحدث. وإذا ما تم الدفع بأن هذا لا ينطبق على الوضع حينها، لأن قوات الاحتلال تحولت إلى قوات متعددة الجنسية ونزعت عنها صفة الاحتلال، فإن الواجبات نفسها ستكون مبادئ توجيهية للدولة/الحكومة الوطنية بالضرورة.
وقد استمرت السياسة نفسها على مدى الأشهر الأربعة التي أعقبت تفجير سامراء في 22 فبراير/شباط 2006، ولم تبدأ وزارة المهجّرين والمهاجرين بإعلان بيانات عن النزوح الداخلي إلا في نهاية شهر يوليو/تموز، ولكن الوزارة توقفت بعد أقل من ثلاثة أشهر عن إصدار هذه البيانات، وكان آخر بيان رسمي قد صدر في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2006 قبل أن تعود مرة أخرى بعد عدة أشهر إلى نشر مثل هذه البيانات.
ولم تخل هذه البيانات من بعد سياسي؛ إذ إن البيانات الأربعة الأولى للوزارة تضمنت، تحديدًا، مناطق النزوح، وكلها تشير إلى مناطق ذات أغلبية تنتمي إلى مذهب معين؛ مما يعطي الانطباع بأن التهجير تقوم به جهة واحدة محددة، وأن المهجّرين ينتمون إلى طائفة محددة أيضًا. وهذا يخالف تمامًا الوقائع على الأرض. إن التسييس والبعد الطائفي الذي تعكسه هذه البيانات يؤشران على طبيعة السياسة التي اتبعتها الدولة/الحكومة العراقية في التعامل مع هذه الأزمة الحقيقية، التي اعتمدت السكوت والتغاضي، أو في أحسن الأحوال التقليل من أهميتها، (27) أو توظيفها سياسيا. (28)
إن الأرقام التي غالبًا ما تُذكر من جهات متعددة لا تمثل إلا أولئك المقيمين في مخيمات لجان الهلال الأحمر، أو الذين قاموا بتسجيل أنفسهم عند وزارة المهجّرين والهجرة عبر فروعها المختلفة، أو تسجيلهم من خلال السلطات المحلية أو المنظمات ذات العلاقة. ومن ثم فهي لا تتضمن أولئك النازحين الذين فروا إلى أقاربهم، أو انتقلوا من حي إلى آخر في مدينتهم الأصلية، أو إلى مدينة أخرى، أو إلى خارج العراق، من دون أن يقوموا بتسجيل أنفسهم بوصفهم نازحين داخليًا. وقد تحكمت عوامل طائفية وسياسية واقتصادية في هذه المسألة؛ فالكثير من العوائل كانت تخشى تسجيل نفسها خوفًا من الملاحقة، خاصة مع أزمة الثقة العميقة في الدولة/الحكومة، وأجهزتها المختلفة، وتحديدًا الأجهزة الأمنية.كما أن العوائل ذات الإمكانات المادية التي تمكّنها من إيجاد مأوى بديل لها لا تبدو حريصة على تسجيل نفسها. ومن ثم لا يمكن معرفة الأرقام الحقيقية باستثناء القول: إنها أكبر بالفعل من هذه الأرقام المعلنة بكثير، كما أنها عمليات تهجير قسري متبادل تشمل الجميع دون استثناء.
التهجير القسري: أرقام ودلالات
في النشرة الإخبارية ربع السنوية التي تصدرها منظمة الهجرة الدولية IOM للأشهر الثلاثة الأخيرة للعام 2006 وصفت المنظمة ما يجري في العراق بأنه "واحدة من أسوأ حركات النزوح في التاريخ". وقد كانت الإحصائيات أو التقديرات التي قدمتها جهات محلية ودولية عدة، تؤشر إلى حقيقة أساسية، هي أن أعداد النازحين ظلت تتصاعد باستمرار، ولم يكن هناك أي ثبات أو انخفاض في أعدادهم، وأن معدلات النزوح سجلت تذبذبًا بسيطًا، لكنها ظلت ضمن حدودها المرتفعة على مدى سنوات بعد حادثة سامراء.
الآن، وبعد ما يزيد عن سبع سنوات ونصف على حادثة سامراء، وبعد الفصل المذهبي الذي حصل نتيجة لأعمال العنف الأهلي في العامين 2006 و2007، صرنا بإزاء مناطق شبه صافية مذهبيًا، تحديدًا في بغداد وديالى، ولم تكن مظاهر العودة المعلنة، في الغالب، إلا من أجل ترتيب أوضاع الممتلكات الشخصية المتبقية، والعمل على بيع العقار في المناطق المحسوبة على الآخر المذهبي، واستبداله بآخر في مناطق أخرى أكثر أمنًا، ولو سيكولوجيًا، وهو ما يمكن أن نسميه بالتهجير الناعم، والذي نادرًا ما يتم الالتفات إليه ومحاولة تحليله، لأنه قد يكشف أن جميع المعطيات المتعلقة بأرقام العائدين من النزوح تتعلق بهذه الفئة؛ ومن ثم يمكن الحديث عن تكريس نتائج التهجير القسري عمليًا.
بلغ عدد النازحين داخليًا في العراق أعلى تقدير له في نهاية العام 2009؛ فقد أشارت مفوضية ا?مم المتحدة السامية لشؤون ال?جئين إلى أن عدد النازحين بلغ 2.764.111 نازحًا في يناير/كانون الثاني 2009. (29) ولكن الرقم بدأ بالانخفاض بداية من عام 2010، فتبعًا لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) فقد بلغ عدد النازحين داخليًا 1.343.568 نازحًا نهاية العام 2010، (30) ثم انخفض إلى 1.258.934 نازحًا في 30 يونيو/حزيران 2011، (31) ولكن الرقم عاد إلى الارتفاع في إحصائية يناير/كانون الثاني 2012 ليصل إلى 1.332.382 نازحًا، (32) لينخفض مرة أخرى إلى 1.131.810 نازحين في إحصائية يناير/كانون الثاني 2013. (33) وهذا يعني عمليًا أن عدد النازحين داخليًا في العراق وفقًا لهذه الأرقام، يشكّل 3.3% من مجموع سكان العراق. (34)
أما وزارة الهجرة والمهجرين فإنها تقدِّر عدد العوائل النازحة داخليًا لغاية 25 يونيو/حزيران 2012، من دون محافظات كردستان (أربيل والسليمانية ودهوك)، بـ 181702 عائلة، وبمجموع 1074909 أفراد. وتحدثت حكومة كردستان في أحدث إحصائيات لها عن 37941 عائلة، بمجموع 208675 فردًا نزحت إلى الإقليم بعد عام 2003.(35) وهذا يعني أن مجموع النازحين داخليا بلغ 1283584 فردا، أي ما يشكل 4.3% من مجموع سكان العراق البالغ عددهم 29775350 نسمة في العام 2012 وفقا لأرقام وزارة التخطيط العراقية. وسجلت محافظة نينوى، التي تضم أقليات إثنية ودينية عديدة، أعلى نسبة نزوح حاليًا بلغت 6.2% من مجموع سكانها.(36)
أما مجموع العائدين؛ فقد بلغ وفقًا للتقرير نفسه 885151 من مجموع النازحين، وهذا يعني عمليًا أن عدد الذين اضطروا للنزوح داخليًا قد بلغ 2168735 نازحًا، أي ما نسبته 7.2% من مجموع سكان المحافظات الخمس عشرة في عام 2012. أما إذا عدنا إلى تقديرات السكان لعام 2007، وهو العام الذي شهد تراكم موجات النزوح الأكبر، فإن هذه النسبة ستصل إلى ما نسبته 8.27% من مجموع سكان هذه المحافظات. (37)
وقد شهدت محافظتا بغداد وديالى العدد الأكبر من العائدين، بمجموع 85163 و31963 عائلة على التوالي. وهذه الأرقام في حال جمعناها مع أرقام العائلات التي لا تزال نازحة في هاتين المحافظتين والبالغة 58285 و14029 عائلة، سنكون أمام رقم يصل إلى 143448 و45992 عائلة، تضم 817653 و271352 فردًا، (38) أي ما نسبته 11.6% و20% من سكانهما تبعًا لتقديرات السكان فيهما في العام 2007، (39) وهو ما يكشف أنهما شهدتا حالات النزوح الأكبر على مستوى العراق. لاسيما أن هذه الأرقام تتعلق بالنازحين داخليًا حاليًا، والعائدين من النزوح الداخلي، أو من خارج العراق فقط، ولا تشمل أرقام العوائل والأفراد الذين لا يزالون خارج العراق من المحافظتين.
اللاجئون العراقيون: موجات اضطرارية
واجه العراقيون في السنوات الثلاثين الأخيرة ما يمكن أن يطلق عليه عمليات هجرة اضطرارية على شكل موجات؛ بدأت الأولى في العقد الثاني من السبعينيات، وكانت لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، تلتها موجة ثانية في العقد التاسع من القرن العشرين، وكانت لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، ثم تلتها موجة أخيرة بدأت بعد إبريل/نيسان 2003، وكانت هذه المرة هروبًا من العنف الذي بدأ مبكرًا بعد الحرب، لأسباب سياسية في البداية، وهربًا من العمليات العسكرية وأعمال العنف المتصاعدة، والجريمة المنظمة، وأخيرًا بسبب العنف الطائفي والتهجير القسري الذي تكثف بعد حادثة سامراء.
لم يتم التعامل مع الهاربين إلى الخارج بوصفهم لاجئين (40)؛ فقد تجاهلتهم الدولة/الحكومة العراقية (41) بشكل غريب، ولأسباب سياسية في الغالب، ولم يتم التعامل مع ملف اللاجئين من منظور إنساني إلا نادرًا؛ إذ تركَّز الحديث عن المهجّرين قبل إبريل/نيسان 2003، ولم يتم الحديث عن حالات الهجرة بعد هذا التاريخ. كما تجاهلهم المجتمع الدولي، فمن دول الجوار الستة، كانت سوريا والأردن البلدين الأكثر تفضيلاً بالنسبة لهؤلاء، ثم بدرجة محدودة جدًا إيران وتركيا، أما المملكة العربية السعودية والكويت فقد ظلّتا تمنعان دخول العراقيين إليهما. وقد استقبلت مصر ولبنان اللاجئين العراقيين بأعداد أكبر مما استقبلته دول الجوار الأربعة الأخيرة. إن الملمح الرئيس لطريقة تعامل هذه الدول مع اللاجئين إليها، هو أنها جميعًا لا تعترف بهم بوصفهم لاجئين وفق ميثاق 1951 وبروتوكول 1967، إما لأنها ليست من الدول الأعضاء فيهما (سوريا والأردن ولبنان وإيران)، أو لأنها تأخذ بالتأويل الذي لا يعد المدنيين الفارين من الصراعات، لاجئين، أي أنها لا تلتزم بالتأويل الذي تعتمده المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (مصر وتركيا)، الذي يرى أن الذين يفرون جرّاء مثل هذه الظروف، والذين تكون دولتهم غير مستعدة لحمايتهم أو عاجزة عن ذلك، ينبغي اعتبارهم لاجئين. ومن ثم، ظل التعامل مع اللاجئين العراقيين خاضعًا لمقتضيات خاصة بهذه الدول، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية، وتحولاتها، أكثر من خضوعه لمعايير قانونية عامة تحكم الجميع دون استثناء. وهو ما يصدق أيضًا على طريقة تعامل هذه الدول مع اللاجئين المسجلين رسميًا لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من طالبي اللجوء من الذين حصلوا على بطاقات طالبي اللجوء، أو اللاجئين المعترف بهم، أو الذين تم رفض طلباتهم، خاصة فيما يتعلق بإجراءات ترحيل المخالفين منهم للمدة المحددة للإقامة.
ولإعطاء صورة حقيقية عن طريقة مقاربة المجتمع الدولي لملف اللاجئين العراقيين؛ فقد تم وضع ميزانية قدرها 154 مليون دولار عام 2003 ضمن الخطط التي سبقت الغزو الأميركي للعراق؛ وذلك لمواجهة نزوح محتمل من العراق إلى دول الجوار هربًا من العمليات العسكرية، لكن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لم تستطع جمع مبلغ 29 مليون دولار لمواجهة موجات النزوح الكبيرة التي وُصفت بأنها "واحدة من أسوأ حركات النزوح في التاريخ"؛ إذ لم تستطع المفوضية الحصول إلا على 60% من هذه الميزانية المتواضعة للعام 2006. وكانت الميزانية المقترحة للعام 2007 هي 59,707,288 دولار لمواجهة تدفق فعلي لأكثر من 2 مليون لاجئ.
ليست هناك إحصاءات دقيقة، أو أرقام موثقة لأعداد اللاجئين العراقيين في كل من البلدان المتقدمة، كما أنه ليست هناك أرقام رسمية عراقية لهؤلاء، بل إن وزارة المهجّرين والمهاجرين المسؤولة عن (جميع الأمور المتعلقة باللاجئين والمبعدين العراقيين)، كما ينص على ذلك أمر إنشائها، لم تصدر أية بيانات أو إحصاءات عن اللاجئين العراقيين، كما كانت تفعل أحيانًا فيما يتعلق بالنازحين داخليًا، بل بدا واضحًا أنها غير مهتمة بالمسألة أصلاً.
ليست ثمة إحصاءات دقيقة، أو أرقام موثقة لأعداد اللاجئين العراقيين في كل من البلدان المتقدمة، كما أنه ليست هناك أرقام رسمية لهم من الجهة العراقية. ولا تقدم لنا الدول المستقبلة للعراقيين أيضًا، أية أرقام لأعداد اللاجئين إليها. (42) وتقدم المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، أيضًا أرقامًا تقريبية لعدد اللاجئين العراقيين؛ إذ لم يقم أي منها بإجراء إحصاء دقيق لهم؛ فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين قدرت عدد اللاجئين العراقيين بـ 1.683.577 في بداية العام 2011، انخفض إلى 1.428.308 لاجئين في نهاية العام.(43) أما في نهاية العام 2012 فقد بلغ عدد اللاجئين 936290 لاجئًا (موزعين على 746,440 لاجئًا، و165921 لاجئًا قامت المفوضية بمساعدتهم، و23929 طالب لجوء بانتظار إعادة التوطين). (44) من دون أن تقدم المفوضية أي تعليق على التباين غير الطبيعي في أرقام اللاجئين العراقين بين عامي 2011 و2012.
حرب الجميع ضد الجميع
في النهاية لا يمكن فصل عمليات التهجير التي تجري حاليًا في محافظات عدة في العراق، عن عمليات التهجير واسعة النطاق التي تمت في الأعوام 2006 و2007، وعمليات التهجير المحدودة قبلها وبعدها. كما لا يمكن الفصل بين عمليات التهجير هذه وطبيعة الصراع السياسي في العراق بعد عام 2003. وما لم يصل الفرقاء السياسيون إلى توافقات الحد الأدنى التي تتيح لهم إنتاج نظام سياسي يقبله الجميع، ومن ثم إنتاج دولة تستمد هويتها من مواطنيها جميعًا، من دون أية تحيزات ذات طبيعة دينية أو إثنية أو مذهبية، أو أية هوية فرعية أخرى، من دون ذلك سيبقى التهجير القسري "سلاحًا" فاعلاً في حرب الجميع ضد الجميع، يخفت صوته أحيانًا، ويتوارى أحيانًا أخرى، ولكنه يبقى حاضرًا، بالقوة أو بالفعل، عنيفًا أو ناعمًا، لفرض مناطق ذات هوية أحادية، يمكن لها أن تكون لاحقًا مقدمة لأي تقسيم محتمل.
____________________________________________
*يحيى الكبيسي، باحث في الشؤون السياسية العراقية.
المراجع
1- يونامي، تقرير حقوق الإنسان في العراق 1يناير/كانون الثاني-30 يوليو/تموز 2012، ص 24.
2- يونامي، تقرير حقوق الإنسان في العراق يوليو/تموز-ديسمبر/كانون الأول 2012، ص 50.
3- لقد ظلت الأقليات أهدافًا مباشرة معلنة لبعض الجماعات المسلحة، وكان الهجوم الذي تعرضت له كنيسة سيدة النجاة في بغداد في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2010 سببًا مباشرًا لهجرة واسعة للمسيحيين من مدينة بغداد، ووفقًا لحكومة إقليم كردستان، فقد فرّ منذ حادثة كنيسة سيدة النجاة ما مجموعه 1112 أسرة مسيحية من بغداد (يونامي: تقرير أوضاع حقوق الإنسان في العراق 2011 الصادر في مايو/أيار 2012 ، 65). كما أن استمرار استهداف المسيحيين والشبك واليزيديين في محافظة نينوى، والتركمان الشيعة في طوزخرماتو في محافظة صلاح الدين، سبب مباشر في استمرار نزوحهم إلى مناطق أكثر أمنًا.
4- المدى برس في 19 يوليو/تموز 2013
http://www.almadapress.com/ar/news/15330
5- http://www.ninanews.com/arabic/News_Details.asp?ar95_VQ=GIMEID
6- http://www.skynewsarabia.com/web/article/344905
7- http://www.alsumaria.tv/news/83970
8- http://www.momd.gov.iq/Articles_View.aspx?q=QXJ0aWNsZUlEPTEwMjk4Jg%3d%3d-6r74KSKnqec%3d
9- http://www.alsumaria.tv/news/83970
10- http://www.albaghdadianews.com/security/item/40502
11- http://www.alsumaria.tv/news/83689
12- صحيفة الحياة الثلاثاء 16 يوليو/تموز 2013: http://alhayat.com/Details/533009
13- أشار النائب أحمد الجلبي في بيان على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" نقلته البغدادية نيوز بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول 2013 إلى عمليات التهجير في مناطق الكاطون وحي المعلمين والتحرير في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى http://www.albaghdadianews.com/politics/item/40384 كما أشارت النائبة في التحالف الوطني عن محافظة ديالى منى العميري في مؤتمر صحافي يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول 2013 في قضاء الخالص، ذي الغالبية الشيعية، إلى أن "أكثر من 400 عائلة هُجّرت من مناطق، المفرق والكاطون، حي المعلمين والتحرير، في بعقوبة" http://almadapress.com/ar/news/19663. أي أن النائبين يتحدثان عن تهجير عوائل شيعية من مناطق ذات غالبية سنية. أما النائب عن القائمة العراقية عن محافظة ديالى رعد الدهلكي فقد أشار إلى "أن الأهالي النازحين من المقدادية أبلغوا وفد اللجنة الوزارية أن الأجهزة الأمنية وقوات الجيش الحكومي هي من تعمل على تنفيذ عمليات التهجير الطائفي هناك لأهل السنة"، وإلى أن عدد العوائل المهجرة من المقدادية وصل لأكثر من 400 عائلة من خمس قرى متجاورة http://www.ninanews.com/arabic/News_Details.asp?ar95_VQ=GIMGHG
14- http://www.skynewsarabia.com/web/article/344905
15- السومرية نيوز 24 سبتمبر/أيلول 2013 http://www.alsumaria.tv/news/83214
16- أشار النائب عن التيار الصدري حاكم الزاملي إلى أن "عمليات التهجير استهدفت المكون الشيعي في محافظة ديالى بحسب الإحصائيات الرسمية، والمكون السني تعرض لعمليات تهجير في مناطق أخرى، لكن بشكل عام فإن المكون الشيعي كان أكبر المتضررين في ديالى" http://www.almalaf-news.com/ar/index.php?action=new&id=1566&title على الرغم من أن السيد مقتدى الصدر كان أكثر موضوعية عندما تحدث في بيان صدر عن مكتبه في 20 يوليو/تموز 2013 عن "تهجير متبادل" في ديالى "فصار الشيعي يُهجّر من المناطق السنية ويُهجّر السني من المناطق الشيعية ويصار إلى قتل شيعي هنا وسني هناك وما الأقليات ببعيدة عن ذلك». وعَدّ الصدر "ما يحدث فكرة خبيثة سوف تخسر فيها جميع الطوائف" [الشرق الأوسط 21 يوليو/تموز 2013 http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=737031&issueno=12654#.UnDEAPljVi0.
17- نقلت صحيفة الزمان يوم 16 سبتمبر/أيلول 2013 عن السيد خلف عبد الصمد رئيس مجلس المحافظة أنه لا علم له بعمليات قتل على الهوية الطائفية وتهجير طائفي من المدينة، ينظر: http://www.azzaman.com/?p=44399
18- http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=18083
19- http://www.shafaaq.com/sh2/index.php/news/iraq-news/6493210012-.html
20- http://www.shafaaq.com/sh2/index.php/news/iraq-news/65579--qq-qq-.html
21- http://www.humanrights.gov.iq/ArticleShow.aspx?ID=2706 وكانت الوزارة قد أصدرت بيانًا في 26 أغسطس/آب 2013 حول استهداف الشبك الشيعة في الموصل؛ وهو ما دفع رئيسة لجنة المهجّرين والمرحّلين في مجلس النواب العراقي النائبة، لقاء وردي، إلى اتهام الوزارة بأنها تحولت لمؤسسة تعمل بتوجه طائفي يميز بين مكونات الشعب الواحد، وطالبت الوزارة بمتابعة جميع ملفات حقوق الإنسان للعراقيين دون النظر إلى مذاهبم وقومياتهم http://www.almustaqbalnews.net/news/world/item/18697
22- http://www.adawaanews.net/ArticleShow.aspx?ID=20601
ونقلت السومرية نيوز عن مصدر استخباري برتبة عقيد في محافظة ديالى على سبيل المثال في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2013 أن 30% من عمليات التهجير تقف وراءها عوامل ثلاثة، هي: الخصومات العائلية، أو ضنك العيش، أو أنها نتيجة أفعال صبيانية ومحاولة البعض منهم نشر الخوف والرعب في مناطقهم السكنية. http://www.alsumaria.tv/mobile/news/83879
23- موقع رئاسة مجلس الوزراء العراقي http://www.pmo.iq/press/2013/9/18092013_3.htm
24- http://www.unhcr-arabic.org/5242968a6.html
25- الجهاز المركزي للإحصاء، سكان العراق للسنوات 1977-2011. ينظر بيان الحزب الإسلامي رقم 154 المؤرخ في 1 يونيو/حزيران 2007 حول ما أسماه البيان "عودة نشاط الجماعات الإرهابية على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال والحكومة" http://www.iraqiparty.com/news_item/455
26- تم تفجير جامعي الجنابي والكوثر في مارس/آذار 2007، فضلاً عن منارة جامع فتاح باشا يوم 8 يونيو/حزيران 2007، كما تمت مهاجمة جامعي الصديق والهدى، والاستيلاء على جامعي الصادق الأمين وعمر بن الخطاب في هذا القاطع.
27- صرّح رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري في 26 فبراير/شباط 2003 في مؤتمر صحفي بأن "الفتنة الطائفية قد وُئدت في مهدها"، كما رفض رفضًا قاطعًا إعلان حظر التجول في بغداد كما طالبت جبهة التوافق السنية وقتها.
28- تحدث السيد وزير الهجرة والمهجّرين في يوم 23 يوليو/تموز 2009 عن عودة أكثر من 72 ألف عائلة إلى أماكن سكناهم، بضمنهم 12 ألف عائلة عادت من سوريا. فضلاً عن عودة 35 ألف عائلة إلى بغداد، و13 ألف عائلة إلى ديالى. وهي أرقام تختلف عن الأرقام التي أعلنتها الوزارة عبر تقريرها الصادر عن دائرة المعلومات في الوزارة في 6 يوليو/تموز 2009 عن العائدين في اثنتي عشرة محافظة، حيث تحدث التقرير عن عودة 26.560 عائلة عائدة من النزوح الداخلي والخارجي تم تسجيلها فعليًا لغاية 14 يونيو/حزيران 2009. وقدّر التقرير أن هناك 60 ألف عائلة أخرى عادت ولم تُسجّل في فروع الوزارة ومراكز العودة التابعة لها، وأن بغداد سجلت أكبر عدد من العوائل العائدة من الداخل بواقع 15471 عائلة، ومن الخارج 3338 عائلة عائدة. كما سجلت عودة 5710 عائلة إلى ديالى من الداخل، و344 من الخارج. وبعد شهرين، أي في 9 سبتمبر/أيلول 2009، يتحدث السيد الوزير نفسه عن توقعاته بمشاركة أكثر من 850 ألف نازح داخليًا في الانتخابات البرلمانية، وتحدث أيضًا عن عودة 80 ألف عائلة نازحة إلى مناطق سكناها الأصلية. وسيقدم تقرير لاحق للوزارة أرقامًا مغايرة مرة أخرى؛ ففي التقرير الذي أصدرته دائرة المعلومات بالوزارة عن العائدين لغاية 31 مارس/آذار2010 سيكون الرقم 62185 عائلة مسجلة فعليًا ضمن قاعدة بيانات الوزارة، وأن هناك أعدادًا أخرى لم تسجل عودتها في مراكز العودة وفروع الوزارة. منها 41852 عائدة من الداخل، و 7241 عائدة من الخارج. أما بغداد فسجلت أعلى نسبة من العائدين، وهي 28451 عائلة من الداخل، و5218 من الخارج. ثم ديالى بواقع 11881 عائلة من الداخل، و847 عائلة من الخارج.
29- يونامي: تقرير حقوق الإنسان للفترة 1 يوليو/تموز-31 ديسمبر/كانون الأول 2009؛ وهو الرقم الذي أكده التقرير الذي أصدرته (NRC's) Narwegian Refugee Council في نهاية 2009 حول النزوح الداخلي في العالم، وأشار التقرير إلى أن عدد النازحين العراقيين حتى نهاية العام 2009 بلغ 2.76 مليون نازح.
30- يونامي: تقرير حقوق الإنسان للفترة 1 يناير/كانون الثاني-31 ديسمبر/كانون الأول 2010، ص 32.
31- يونامي: تقرير أوضاع حقوق الإنسان في العراق 2011 الصادر في مايو/أيار 2012، ص 63.
32- يونامي: تقرير حقوق الإنسان 1 يناير/كانون الثاني-30 يونيو/حزيران 2012، ص 24.
33- يونامي: تقرير حقوق الإنسان في العراق يوليو/تموز-ديسمبر/كانون الأول 2012، ص 50.
34- بلغ عدد سكان العراق 34.207.248 نسمة في العام 2013 وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء، وهو الرقم الذي تم اعتماده في انتخابات مجالس المحافظات لعام 2013. يُنظر: http://www.ihec.iq/ihecftp/public%20relations/numbers.pdf
35- يونامي: تقرير أوضاع حقوق الإنسان في العراق 2011 الصادر في مايو/أيار 2012 بغداد، ص 65.
36- وزارة الهجرة والمهجرين، التقرير نصف السنوي، الإصدار السادس، ص4.
37- بلغ عدد سكان العراق وفقًا لتقديرات وزارة التخطيط العراقية 30098000 نسمة في عام 2007، وبلغ عدد مواطني محافظات إقليم كردستان الثلاثة 3878000 نسمة؛ مما يعني أن عدد سكان المحافظات الخمس عشرة الأخرى بلغ 2622000. ينظر: العراق-التقرير الوطني لحالة التنمية البشرية 2008، وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي وبيت الحكمة، بغداد، 2009، ص 204.
38- اعتمادًا على الأرقام التي قدمتها وزارة الهجرة والمهجرين لأعداد العوائل النازحة وعدد أفرادها، فإن عدد أفراد العائلة بلغ 5.7 في محافظة بغداد، و5.9 في محافظة ديالى.
39- تقرير التنمية البشرية، مصدر سابق، ص 204.
40- اللاجئ هو كل شخص "يوجد خارج بلد جنسيته، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأى سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف، أو لا يريد، أن يستظل بحماية ذلك البلد...". (المادة 1/أ /2 من اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين).
41- ظل دور وزارة المهجّرين والمهاجرين هامشيًا وسلبيًا فيما يتعلق باللاجئين؛ فالوزارة التي أُنشئت بموجب الأمر 50 الصادر عن سلطة الائتلاف في 11 يناير/كانون الثاني 2004 باسم "وزارة المرحّلين والنازحين "Ministry of Displacement and Migration، ثم تحول اسمها إلى وزارة " الهجرة والمهجّرين"، حُدّدت مسؤولياتها بـ "جميع الأمور المتعلقة باللاجئين العراقيين والأشخاص المهجّرين". ولكن الوزارة، كما يبدو، لها تأويلها الخاص لهذه المسؤولية. فالسيدة حمدية أحمد نجف، وكيل الوزارة، وصفت مهام الوزارة بأنها "تنسيقية وليست تنفيذية"، من دون أن توضح كيف يمكن لوزارة ضمن السلطة التنفيذية مسؤولة عن النازحين واللاجئين، أن تكون ذات مهمة "تنسيقية". ومن دون معرفة الجهات التي تتولى التنسيق معها، أو بينها. وعلى الرغم من صدور قانون وزارة الهجرة والمهجرين رقم 21 لسنة 2009، والذي نصت مادته الثانية على "رعاية المشمولين بأحكام هذا القانون من الفئات التالية ومساعدتهم وتقديم الخدمات المطلوبة لهم في مختلف المجالات المطلوبة والسعي إلى تأمين الحلول لمعالجة أوضاعهم وفقًا للقانون". والمشمولون هم: النازحون لتجنب آثار نزاع مسلح أو حالات عنف عام أو انتهاك الحقوق الإنسانية أو كارثة طبيعية أو بفعل الإنسان أو جرّاء تعسف السلطة أو بسبب مشاريع تطويرية، والمرحّلون نتيجة سياسات أو قرارات أو ممارسات حكومية، والعراقيون العائدون إلى الوطن من الخارج أو من النزوح الداخلي، والمهجّرون الذين أُسقطت عنهم الجنسية العراقية، واللاجئون وطالبو اللجوء الذين يعيشون خارج العراق بسبب الهجرة القسرية. إلا أن دور الوزارة ظل ملتبسًا ومحدودًا فيما يتعلق باللاجئين العراقيين. كما تعكس الميزانية المحدودة جدًا المخصصة للوزارة، طبيعة سياسات الدولة/الحكومة ومجلس النواب في التعاطي مع هذا الملف؛ إذ كانت ميزانية وزارة المهجّرين والمهاجرين الميزانية الأقل ليس بالقياس إلى الوزارات فحسب، وإنما إلى الهيئات المستقلة أيضًا. وهذا يعكس إشكالية وعي الدولة/الحكومة بمسؤولياتها تجاههم، والتي تبدو ملتبسة وغير واضحة أيضًا.
42- كان الأردن الدولة الوحيدة التي قبلت بإجراء مسح للعراقيين في الأردن منتصف العام 2007 قامت به FAFO بالتعاون مع الحكومة الأردنية وUNFPA وانتهت إلى أن عدد العراقيين فيها بين 450 و500 ألف لاجئ.
43- UNHCR Statistical Yearbook 2911, P. 74.
44- Displacement-The New 21st Century Challenge, UNHCR Global Trends 2012, P. 43