الصومال: تقدم غير مقنع

على الرغم من التحديات الهائلة فقد حققت الحكومة الاتحادية الصومالية تقدما متواضعا في عامها الأول. بعد ذلك انخفض أداؤها كثيرا عن سقف التوقعات السائدة، ولا يزال أمام هذه الحكومة سنتان ونصف يتوفر فيها الكثير من الفرص لتصحيح أخطاء الماضي وتحسين سجل أدائها، ويتطلب الأمر نقلة نوعية في التوجهات والممارسات.
2014122101954282734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
يذهب الباحث الصومالي: عبد الرحمن يوسف علي إلى أنه من المرجح أن تستمر الدول المجاورة للصومال في إعاقة جهود إعادة بناء الدولة خوفًا من عودة الصومال قويًا، ولكن على الحكومة الفيدرالية مقاومة تلك المساعي باستخدام الأدوات الدبلوماسية والسياسية المحدودة التي تتوفر لها. وتواجه هذه الحكومة الاتحادية الصومالية تحديات هائلة ومع ذلك فقد حققت هذه الحكومة الاتحادية تقدمًا متواضعًا في عامها الأول. بعد ذلك انخفض أداؤها كثيرًا عن سقف التوقعات السائدة، ولا يزال أمام هذه الحكومة سنتان ونصف يتوفر فيها الكثير من الفرص لتصحيح أخطاء الماضي وتحسين سجل أدائها، ولكن هذا يتطلب نقلة نوعية في التوجهات والممارسات. ولعل من عوامل النجاح الأساسية الإصرار على إعادة بناء مؤسسات الدولة الرئيسية، بدءًا من الأجهزة الأمنية، والسلطة القضائية، وإدارة المالية العامة؛ فالفساد المستشري يدمر مصداقية هذه الحكومة ويقوض قدرتها على توفير الخدمات الأساسية. والأمر الذي لا يقل أهمية هو مراجعة وإصلاح الدستور المؤقت ومعالجة مسألة الفيدرالية في الصومال؛ فالغموض في كلا النظامين يضعف الحكومة الاتحادية مع مرور الوقت؛ مما قد يؤدي إلى تقطيع أوصال البلاد.

مقدمة

في سبتمبر/أيلول 2012، عندما انتُخب حسن شيخ محمود رئيسًا للحكومة الاتحادية الصومالية، كانت التوقعات عالية بشكل غير منطقي.(1) فباعتباره زعيمًا يحظى باحترام واسع في المجتمع المدني ومؤسس جامعة كبيرة وناجحة، اعتُبر الرئيس محمود نوعًا مختلفًا من الزعماء الذي بإمكانه أن يقود البلاد إلى فجر جديد والتغلب على التحديات الهائلة.

كانت هناك أسباب للاعتقاد بأن الرئيس محمود كانت لديه فرصة أفضل للنجاح ممن سبقوه؛ ومن ذلك أن حكومته كانت أول سلطة غير انتقالية في البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 1991. وقد كان انتخابه في العاصمة مقديشو الحدث الأول من نوعه خلال 20 عامًا، وكان الدعم المحلي له غير مسبوق؛ فقد خرجت مظاهرات مؤيدة له في جميع أنحاء البلاد، وفي أوساط الشتات الصومالي في أوروبا وأميركا الشمالية والشرق الأوسط وإفريقيا. وكانت بوادر التعافي واضحة جدًا.(2)

وكان المجتمع الدولي أيضًا قد ألقى بثقله دعمًا له، وأيدته الهيئة الإقليمية للتنمية في إفريقيا (إيغاد) بدون أية تحفظات، ورفع الاتحاد الإفريقي عدد قوات حفظ السلام، المعروفة باسم بعثة الاتحاد الإفريقي، مما يزيد قليلاً عن 17.000 إلى ما يقرب من 24.000 عنصر. وقد التزمت تركيا بدعم شهري مباشر للموازنة يقدم للحكومة، واعترفت الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية بالحكومة الاتحادية الصومالية، فيما خفّف مجلس الأمن الدولي أيضًا من حظر على توريد الأسلحة للبلاد استمر 23 عامًا، بحيث يمكّن الحكومة الاتحادية من تطوير قدرة أجهزتها الأمنية في حربها ضد مقاتلي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.(3)

وبعد شهر من انتخابه، عيّن الرئيس محمود زعيمًا آخر من زعماء المجتمع المدني، وهو عبدي فرح شيردون "سعيد"، في منصب رئيس الوزراء. قام شيردون، وهو رجل أعمال، بتشكيل مجلس وزراء من 10 أعضاء -وهو الأصغر في تاريخ الصومال. تجاهل الرئيس ورئيس الوزراء الاعتراضات الداخلية على هذه الخطوة، وبرّرا صغر حجم مجلس الوزراء باعتباره استراتيجية لبناء فريق أكثر فعالية واستجابة وتماسكًا. وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة أثارت عاصفة سياسية، كانت الغالبية العظمى من الشعب الصومالي والمجتمع الدولي على استعداد لإعطائها فرصة لتحقيق النجاح.

قام الرئيس محمود بصياغة رؤية واسعة أطلق عليها "سياسة المحاور الستة" كإطار توجيهي لإدارته. كانت الركيزة الأولى إقامة مؤسسات عاملة، يليها تحقيق الانتعاش الاقتصادي، والسلام المستدام، وتقديم الخدمات، وبناء علاقات دولية قوية، وتحقيق المصالحة. وقد أثبتت هذه الرؤية أنها تتمتع بحس واضح بالهدف وانطواءها على نهج شامل لحل الأزمة في الصومال. وللمرة الأولى منذ بداية الحرب الأهلية في عام 1991، بدا أن الصومال على الطريق نحو التعافي والمصالحة، والأهم من ذلك، إعادة بناء المؤسسات الوطنية الحيوية وأجهزة الدولة الرئيسية.

وبعد ما يقرب من عام ونصف مضت من فترة ولايته الممتدة لأربع سنوات، نجد أن سجل أداء الرئيس محمود مختلط النتائج، وأن الإنجازات أقل بكثير من المتوقع وأوجه القصور كثيرة جدًا بشكل مزعج. ومع ذلك، فإن احتمال النجاح قائم، ولكن هذا يتطلب تحولاً في التوجه السياسي والنهج الاستراتيجي.

وإن كان لنا أن نستخدم سياسة المحاور الستة كمعيار لتقييم الحكومة؛ سوف نجد أن الإنجازات متواضعة؛ فعلى مستوى البناء المؤسسي، حاولت الحكومة بث الروح في الأجهزة الأمنية من خلال تعيين رؤساء جدد، واتخذت مبادرات مختلفة لمعالجة عيوب جوهرية. لا يزال العمل مستمرًا في هذا المجال، ولكن نكون منصفين إن قلنا: إن جميع الأجهزة الأمنية لا تزال تعاني من ضعف مزمن، والقيادة والسيطرة غير متماسكة. أضف إلى ذلك أن الرواتب تتأخر بشكل روتيني والمعدات غير متوفرة إلا ما ندر، والروح المعنوية بين أفراد الأجهزة الأمنية منخفضة بشكل مخيف.

وبالتالي، فإنه ليس من المستغرب أن حركة الشباب لا تزال قادرة على اختراق وضرب قلب الحكومة، والدليل على ذلك الهجوم المميت الذي استهدف في اليوم الأول من عام 2014 فندق الجزيرة، والذي يمكن القول: إنه ثاني أهم هدف في مقديشو بعد قصر الرئاسة.(4) ومن بين الضحايا الاثني عشر الذين قُتلوا في الهجوم اثنان من مفوضي شرطة المقاطعات. وفي العام الماضي، استطاع مسلحون تنفيذ هجمات داخل حرم القصر الرئاسي الواقع تحت حراسة مشددة في مقديشو، واغتالوا أعضاء في البرلمان ومسؤولين حكوميين آخرين. لم تتراجع القدرة الشاملة لحركة الشباب على شن حرب متنوعة الأنماط على الرغم من خسارتها أراض واسعة كانت تحت سيطرتها على مدى العامين الماضيين. ولا تزال هذه المجموعة تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي في جنوب ووسط الصومال.

وبشأن المصالحة، تستحق الحكومة درجة النجاح؛ ففي أغسطس/آب، وقّعت الحكومة الاتحادية صفقة مع ميليشيا تدعمها كينيا حول مدينة كيسمايو ذات الميناء الاستراتيجي. وبحسب هذه الاتفاقية التي توسطت بها إثيوبيا تحت رعاية إيغاد، وافق الطرفان على إقامة ما يُسمى "أرض جوبا" كدولة عضو في الاتحاد في المستقبل. ويعد هذا الاتفاق الذي أصبح يُعرف بـ"اتفاقية أديس" إنجازًا مهمًا في سجل المصالحة التي تسعى إليها الحكومة الصومالية؛ فبعد ترددها في البداية، أظهرت الحكومة الاتحادية نضجًا وقدرة على إجراء حسبة سياسية واقعية؛ حيث إنها بالتوقيع على الصفقة، تجنبت ضم كينيا "لأرض جوبا" تدريجيا.(5)

ولا يزال عنصر حيوي آخر في سياسة المحاور الستة بعيد المنال، وهو السلام المستدام؛ ففي الربع الأخير من عام 2013، اندلعت حرب قبلية في ثلاث مناطق على الأقل: شبيلي السفلى، شبيلي الوسطى وهيران. وقد قُتل العشرات وشُرّد عشرات الآلاف جرّاء هذا القتال. وعلى الرغم من أن الحكومة لا يبدو أن لديها دورًا مباشرًا في القتال؛ فقد تورط فيه مسؤولون كبار في الحكومة، والقبائل المتحاربة تتهم الحكومة بدعم عشيرة واحدة على حساب الأخرى.

ويُعزى الفضل إلى أعضاء في البرلمان ومجلس الوزراء لمساعيهم في إيجاد أرضية مشتركة بين العشائر المتحاربة، ولكن هذه الجهود قد باءت بالفشل في تحقيق نتائج إيجابية حتى الآن، وأخفقت الأطراف المعنية في معالجة العوامل الكامنة للاقتتال مثل النزاعات على الأراضي وانعدام الثقة المتبادلة بين العشائر إلى حد كبير.

وقد سجلت حكومة الرئيس محمود نجاحًا ملموسًا في ميدان العلاقات الدولية؛ فقد تم رفع الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على استيراد الأسلحة، واعترفت الولايات المتحدة بالحكومة، ورُفع عدد قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي، وكلها كانت محصلة للحوار الدبلوماسي الفعال الذي اضطلعت به الحكومة. وفي الأيام الأخيرة من عام 2013، حققت الصومال أعجوبة عندما نجحت من بين عدد قليل من الدول في إخلاء مواطنيها من جنوب السودان عندما تعمق الصراع هناك.(6) وكان وزير الخارجية الصومالي أيضًا عضوًا في بعثة إيغاد التي أُرسلت إلى جوبا لإيجاد حلول للأزمة في جنوب السودان.

ومن حيث تقديم الخدمات، حققت الحكومة الفيدرالية أيضًا بعض التقدم؛ فجنبًا إلى جنب مع الأمم المتحدة، أطلقت برنامج "الذهاب إلى المدرسة" الذي يهدف إلى إرسال مليون طفل إلى المدارس في جميع أنحاء البلاد. على الرغم من كون هذا البرنامج مفرطًا في التفاؤل؛ فقد نجح في تسجيل الآلاف من الطلاب في المدارس وتوظيف المئات من المعلمين للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية.(7)

ومع ذلك، فإن واقع تقديم الخدمات من قِبل الحكومة الفيدرالية غير مشجع عمومًا؛ فالمرافق الصحية الأساسية غير موجودة أو تُدار بطريقة ضعيفة، والوظائف الحكومية الحيوية مثل المياه والكهرباء محتكرة من قبل القطاع الخاص وكلفتها باهظة، أما البنية التحتية الأساسية فتقبع في حال من الفوضى، على الرغم من التحسن الذي طرأ مؤخرا بمساعدة من تركيا، وإمكانية الوصول إلى الخدمات الحكومية البدائية محدودة. ولا يزال معدل الفساد مرتفعًا جدًا؛ حيث يتم منح العقود الرئيسية عمليًا بدون تنافس بين المقاولين أو أية رقابة.

وفيما يخص محور الانتعاش الاقتصادي، فإن أداء حكومة الصومال الفيدرالية غير مثير للإعجاب؛ حيث إنها لم تنفذ إجراءات قابلة للقياس في هذا المجال. يقود القطاع الخاص انتعاشًا اقتصاديًا متواضعًا ولكن مشجعًا كما هو واضح في العاصمة مقديشو. ولكن غياب التنظيم يعرّض هذا القطاع لمخاطر مختلفة. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات موثوق بها بشأن الانتعاش الاقتصادي، تشير الأدلة المنقولة شفويًا إلى أن النمو المتواضع يتحقق بدون دعم حكومي.

الاقتتال الداخلي

وبغضّ النظر عن كل تقدم تحقق في العام الماضي؛ فقد دمرت الحكومة الاتحادية الصومالية معظمه بسبب الصراع الشرس داخل السلطة التنفيذية؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني، طلب الرئيس محمود من رئيس الوزراء شيردون الاستقالة، ملقيًا باللوم عليه لعجزه عن ترجمة رؤية الرئيس إلى مكاسب قابلة للقياس. وفي رد فعله غير المفاجِئ، رفض شيردون الاستقالة، ونقل المعركة التي تلت ذلك إلى البرلمان الذي لديه صلاحيات دستورية لإقالة رئيس الوزراء وحكومته. دعم أكثر من 150 عضوًا من البرلمان الرئيس وطرحوا تصويتًا لحجب الثقة عن شيردون، متهمين إياه، من بين أمور أخرى، بـ"عدم الكفاءة" وعدم "القيام بواجباته الدستورية".

وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 2013، خسر رئيس الوزراء شيردون التصويت على الثقة في البرلمان، وأُطيح به مع مجلس وزرائه. كانت إقالة رئيس الوزراء الجزء الأسهل، وجاءت تتويجًا لأسابيع صاخبة من الصراع السياسي بين الرئيس وحلفائه الرئيسيين وأغلبية البرلمان من جهة، ورئيس الوزراء بدعم عدد أقل من أعضاء البرلمان من جهة أخرى. وكانت تلك هي المرة الثامنة منذ عام 2000 التي يؤدي فيها الاقتتال الداخلي بين أكبر مسؤولين في الدولة إلى شلل الحكومة التام لمدة أسابيع. وعلاوة على ذلك، فإن الصراع الداخلي "قد شغل الحكومة عن المهمة العاجلة المتمثلة في بناء الدولة".(8)

لعب الصراع الداخلي دورًا مركزيًا في تقييم الأداء؛ فقد عدَّ الرئيس محمود وحلفاؤه أداء شيردون في السنة الأولى باهتًا، وبالتالي كان لا يستحق من وجهة نظرهم الاستمرار في منصبه. ومما يُفهم في هذا الموقف ضمنًا، مع ذلك، اعتراف الرئيس بأنه أساء الاختيار لمنصب رئيس الوزراء في المقام الأول. وفي الواقع، كان الرئيس محمود مستاءً من شيردون، الذي كان يُعد على نطاق واسع ضعيفًا وغير فعال.

وبعد عشرة أيام من الإطاحة بشيردون، عيّن الرئيس محمود عبد الولي شيخ أحمد رئيسًا للوزراء، وهو اقتصادي آخر مع خبرة دولية كبيرة. ويُتوقع من رئيس الوزراء الجديد أن ينجح فيما فشل سلفه أن يكون: الزعيم الذي يرفع الصومال من الهاوية ويقودها إلى حقبة جديدة، لكنه يواجه التحديات القديمة نفسها.

التحديات النظامية

سوف يضطر رئيس الوزراء الجديد إلى التركيز بشدة على تحديين يعزز أحدهما الآخر: أولاً: لابد له ولوزارته من ترجمة المحور الأول في رؤية الرئيس محمود -بناء المؤسسات- إلى واقع ملموس؛ فبدون مؤسسات دولة فعالة، فإن قدرة حكومته على تنفيذ واجباتها ستكون محدودة بشكل كبير وسوف يكون التقدم بطيئًا للغاية.(9) لقد أدى أكثر من 20 عامًا من غياب الدولة إلى تلاشي المؤسسات الصومالية أو تحولها إلى كيانات هشة. آلية الدولة لا تعمل لأن المؤسسات الرئيسية تفتقر إلى القدرة الأساسية، والحس بالاتجاه، والموارد المطلوبة عمومًا.

ويجب أن تُعطى الأولوية لثلاثة أنواع من المؤسسات: أولاً: تحتاج الأجهزة الأمنية لإعادة تنشيط لضمان حسن القيادة والسيطرة، وتوضيح المسؤوليات المؤسسية. وحاليًا يبدو أن الأجهزة الأمنية الرئيسية الثلاثة (الشرطة والجيش والاستخبارات) تقوم بنفس المهام أحيانًا. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تخلقت أجنة لهذه المؤسسات بشكل أو بآخر، ولكن الوقت قد حان لتحقق الدرجة المطلوبة من المهنية. وتحتاج مراكز الشرطة المحلية ووحدات الاستخبارات إلى إعادة بناء.

أما ثاني أولويات بناء القدرات المؤسسية فهي إدارة المالية العامة وتحصيل الإيرادات؛ فالفساد يأكل هذه الحكومة وهي حية، ولم يحاسَب أحد على سرقة الأموال العامة، على الرغم من أن الصومال يحتل باستمرار قمة مؤشر الشفافية الدولية كأكثر الدول فسادًا.(10) وقد يكون إفلات المسؤولين الفاسدين من العقاب في بعض الأحيان أسوأ من سرقة الأموال العامة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، استقالت محافظة البنك المركزي بعد سبعة أسابيع فقط من تعيينها، مستشهدة بالفساد المستشري كسبب لرحيلها المفاجئ.(11)

وبقدر كون الفساد مشكلة عميقة، هناك فشل عميق مماثل في القدرة على إبداع وسائل لزيادة الإيرادات المحلية. على مدى سنوات، فرضت الحكومات المتعاقبة ضرائب متواضعة فقط على السلع المستوردة عند نقطتي دخول رئيسيتين، هما: الميناء البحري والمطار في مقديشو. وفي عام 2013، جمعت الحكومة حوالي 100 مليون دولار من كل من المصادر، وهذا المبلغ يغطي ما يقرب من 40? من الميزانية السنوية العامة للحكومة (تشير التقديرات إلى أن حجم الموازنة الحكومية يبلغ حوالي 240 مليون دولار في السنة المالية 2014)، ومع ذلك فإن الإيرادات المحتملة من أشكال الضرائب الأخرى هائلة.

والنوع الثالث من بناء المؤسسات يكمن في إصلاح العدالة والمؤسسة القضائية. لا يمكن للمؤسسات الأمنية أن تكون فعالة إلا عندما تتكامل مع قطاع عدلي قوي ومستقل. وعلى شاكلة الكثير من مؤسسات الدولة الأخرى، فإن السلطة القضائية تعد ضعيفة جدًا ويخترقها الفساد؛ حيث يحصل من يدفع أكثر على الحكم الذي يريده. وعليه، فإن هذا القطاع يحتاج إلى إصلاح شامل، بدءًا من تشكيل هيئة الخدمات القضائية، على النحو المنشود في الدستور المؤقت.

وإلى جانب بناء المؤسسات، على الحكومة الجديدة أن تركز على تعزيز النظم التي توجه المؤسسات. وهناك نظامان رئيسيان يجب إصلاحهما على وجه السرعة: أولاً: يجب أن تبدأ إعادة النظر في الدستور المؤقت على الفور، فهذه الوثيقة مصوغة بشكل سيء ومليئة بالثغرات والمتناقضات؛ ومن ذلك أنها تضع مستقبل الولايات الأعضاء في النظام الفيدرالي والحكومة المركزية على مسار تصادمي، وسوف تؤدي كذلك إلى تعميق الصراعات الدائمة بين الرئيس ورئيس وزرائه.(12) وقد تأخر تشكيل لجنة مستقلة لمراجعة الدستور لأكثر من سنة، ويُعد الدستور المؤقت الصفقة الأهم بالنسبة لهذه الحكومة، ويعتمد نجاحها -أو فشلها- في جزء منه على كيفية معالجة الثغرات في هذه الوثيقة المهمة.

أما النظام الثاني الذي يحتاج إلى عناية عاجلة فهو الفيدرالية؛ فقد اعتمد الصومال النظام الفيدرالي قبل 10 سنوات، ولكن حجم سوء فهم هذا النظام من قبل كل من صنّاع القرار والجمهور أمر يبعث على الدهشة. كان انعدام الثقة العميق بين العشائر والضغوط الخارجية قد أدّيا إلى اعتماد نظام اتحادي للصومال، ولكن لا الدستور المؤقت ولا القوانين اللاحقة أوضحت نوع الفيدرالية المطبقة في البلاد، وهناك غموض في الدستور وعدم وضوح بين النخبة دفعا بمختلف الأطراف الفاعلة في البلاد لتفسير الدستور بالطريقة التي يراها كلٌّ ملائمة. وتسعى الولايات الأعضاء في الفيدرالية الناشئة إلى تطبيق أضعف شكل من أشكال الفيدرالية، والمعروف باسم الكونفيدرالية. وحسب هذا النموذج، تتراكم السلطة في نهاية المطاف بيد الولايات الأعضاء على حساب الحكومة المركزية، التي تنحصر مهمتها فقط في تنسيق المصالح الاتحادية.

وهناك جهود تجري حاليًا بهدف إنشاء ولاية كعضو جديد في الاتحاد في بلدة جنوب غرب بيدوا. الحكومة الاتحادية غائبة بشكل واضح من هذه العملية، والتي يمكن أن تؤدي إلى منطقة حكم ذاتي مع علاقات ضعيفة أو معدومة مع الحكومة الاتحادية في مقديشو. وكانت عملية مماثلة تجري إلى الجنوب من تلك المنطقة، في كيسمايو تحديدًا، لتشكيل ولاية أخرى عضو في الاتحاد، والمعروفة باسم "أرض جوبا". وعلى الرغم من أن الحكومة الفيدرالية قد اختارت المشاركة في هذه العملية في إطار اتفاق أديس، قد تكون النتيجة النهائية منطقة حكم ذاتي مستقلة إلى حد كبير عن الحكومة الاتحادية. وفي شمال شرق البلاد، بقيت بونتلاند مستقلة عمليًا عن الحكومة الفيدرالية منذ تأسيسها في عام 1998.

وإن لم تستطع الحكومة احتواء هذه المبادرات التي تتشكل في كافة أنحاء البلاد وإدارتها بشكل سليم، ستكون النتيجة الصافية ضعف الحكومة الاتحادية تحت وطأة الدويلات ذات النزعة الكونفيدرالية القوية وعلاقات بنفس القوة مع جهات خارجية.

التحديات الخارجية

لعبت الدول المجاورة للصومال دورًا محوريًا في تشكيل التفاعلات الداخلية للبلاد منذ الحرب الأهلية عام 1991. وكانت إثيوبيا وكينيا وجيبوتي تعتبر الصومال تاريخيًا جزءًا من مسرح عملياتها. ومنذ عام 2007، حين ساهمت أوغندا بأكبر وحدة ضمن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي، انضمت هذه الدولة التي لا تشترك في الحدود مع الصومال إلى هذا النادي بقوة. وتساهم هذه الدول الأربع حاليًا بوحدات في قوات الاتحاد الإفريقي، وعلى الرغم من أنها غالبًا ما تتصرف وكأنها جبهة موحدة، إلا أن لكل منها مصلحتها الخاصة في الصومال.

وباعتبارها قوة إقليمية، ظلّت إثيوبيا خصمًا لدودًا للصومال منذ خاض البلدان نزاعًا حدوديًا عام 1964 ثم في عام 1977. وكان الهدف الاستراتيجي لإثيوبيا إضعاف الدولة الصومالية. وحالما انهارت الدولة في عام 1991، كانت السياسة الخارجية لإثيوبيا تجاه الصومال منع عودة حكومة مركزية قوية هناك، وبالتالي قامت أديس أبابا بدعم مختلف الجماعات المسلحة، وكانت من كبار مؤيدي فكرة "الصومال الفيدرالية". واليوم تحافظ إثيوبيا على علاقات دافئة مع الجماعات المتناحرة في الصومال، مثل أرض الصومال وبونتلاند. أما الهدف الآخر لإثيوبيا فهو إعادة توجيه الصومال للخروج من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ليعتنق هوية إفريقية أكبر كعضو في إيغاد. وإلى حد ما، نجحت في كل من هذه المساعي.

وتتشابه كينيا مع إثيوبيا في بعض النواحي، وتختلف عنها في نواح أخرى؛ فبعد أن فقدت إلى حد ما اهتمامها بالصومال منذ ما يقرب من 20 عامًا، بدأت كينيا تتدخل في شؤون الجارة في عام 2010 بعد سلسلة من الهجمات داخل كينيا نفذتها حركة الشباب. وقد وضعت كينيا استراتيجية جديدة لإنشاء منطقة عازلة داخل الصومال بهدف حماية المجتمعات الساحلية في كينيا، وهو أمر حيوي بالنسبة لقطاع السياحة فيها.(13) في سبتمبر/أيلول 2012، تصرفت كينيا منفردة واحتلت مدينة كيسمايو من حركة الشباب، ولم تسعَ إلى عضوية قوات حفظ السلام إلا بعد أن حصلت على "منطقة عازلة" بالقرب من حدودها. وبعد فترة وجيزة، ضغطت كينيا لتشكيل ولاية "أرض جوبا" في محاولة لخلق منطقة صومالية صديقة تكون تحت حمايتها بالقرب من حدودها. وبعد شهور من الصراع، لم يتقدم مشروع أرض جوبا وفقًا للخطة؛ حيث غلبت إثيوبيا بدهائها كينيا في النهاية وسرقت منها مشروعها وتمت تسوية الخلاف حول أرض جوبا في أديس أبابا. ولا تزال كينيا تحتفظ بأكثر من 4000 من قواتها في كيسمايو وحولها، وتحافظ على ممر مفتوح على طول الطريق إلى حدودها.

أما جيبوتي فتختلف نوعيًا عن كل من إثيوبيا وكينيا؛ فهذا البلد الصغير الذي يقطنه حوالي نصف مليون نسمة فقط ويحكمه العِرق الصومالي؛ قد فعل ما في وسعه لإحياء الدولة الصومالية على مر السنين؛ فقد نظّم مؤتمرين تاريخيين للمصالحة نجم عنهما الحكومتان الانتقاليتان في عامي 2000 و2009. ومن الناحية الاستراتيجية، تكسب جيبوتي أكثر من انتعاش الصومال، الشقيقة الكبرى والأكبر. وفي غياب الدولة الصومالية القوية في القرن الإفريقي، تقع جيبوتي تحت هيمنة إثيوبيا وبلطجة إريتريا.

ودور أوغندا في الصومال فريد من نوعه؛ إذ ليس لكمبالا مصلحة واضحة في الصومال كما لا تشترك معها بحدود، ولا توجد علاقات تاريخية بين البلدين، ولكن كقوة إقليمية متنامية تزداد حزمًا وتحديًا لهيمنة إثيوبيا، فإن أوغندا ترى في الصومال مسرحًا مثاليًا للعمليات يمكن من خلاله تعزيز مكانتها. وقد استخدمت أوغندا بحذق دورها في حفظ السلام لممارسة الضغط على الدول الغربية لتأمين التنازلات؛ فعندما اتهمت لجنة تابعة للأمم المتحدة أوغندا بدعم متمردي (إم 23) في جمهورية الكونغو الديمقراطية، هددت كمبالا بسحب قواتها من الصومال إذا لم يتم إلغاء التقرير، وترك حركة الشباب تسيطر على الوضع.(14) وتحت ضغط من الولايات المتحدة، منع مجلس الأمن نشر النتائج التي توصل إليها التقرير.

خلاصة

على الرغم من التحديات الهائلة، حققت الحكومة الاتحادية الصومالية تقدمًا متواضعًا في عامها الأول. بعد ذلك انخفض أداؤها كثيرًا عن سقف التوقعات السائدة، ولا يزال أمام هذه الحكومة سنتان ونصف يتوفر فيها الكثير من الفرص لتصحيح أخطاء الماضي وتحسين سجل أدائها، ولكن هذا يتطلب نقلة نوعية في التوجهات والممارسات.

ومن عوامل النجاح الأساسية الإصرار على إعادة بناء مؤسسات الدولة الرئيسية، بدءًا من الأجهزة الأمنية، والسلطة القضائية، وإدارة المالية العامة؛ فالفساد المستشري يدمر مصداقية هذه الحكومة ويقوض قدرتها على توفير الخدمات الأساسية.

والأمر الذي لا يقل أهمية هو مراجعة وإصلاح الدستور المؤقت ومعالجة مسألة الفيدرالية في الصومال؛ فالغموض في كلا النظامين يضعف الحكومة الاتحادية مع مرور الوقت؛ مما قد يؤدي إلى تقطيع أوصال البلاد.

ومن المرجح أن تستمر الدول المجاورة في إعاقة جهود إعادة بناء الدولة خوفًا من عودة الصومال قويًا، ولكن على الحكومة الفيدرالية مقاومة تلك المساعي باستخدام الأدوات الدبلوماسية والسياسية المحدودة التي تتوفر لها.
___________________________________
عبد الرحمن يوسف علي - رئيس معهد التراث لدراسة السياسات بمقديشو.

الهوامش
1 - دينيس ك. "التوقعات العظيمة: هل يستطيع الرئيس محمود تحقيق استقرار أكبر في الصومال؟" يناير 2013
http://www.consultancyafrica.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1182:great-expectations-can-president-mohamud-create-a-more-stable-somalia-in-2013-&catid=57:africa-watch-discussion-papers&Itemid=263
2 - هاربر م. "هل يستطيع الرئيس محمود ترويض الصومال؟" سبتمبر 2012
http://www.bbc.co.uk/news/world-africa-19556377
3 - "الأمم المتحدة تخفف حظر استيراد السلاح المفروض على الصومال"، مارس 2013
http://www.aljazeera.com/news/africa/2013/03/20133751121188693.html
4 - "حركة الشباب تتبنى تفجيرات الفندق في الصومال" يناير 2014
http://www.aljazeera.com/news/africa/2014/01/al-shabab-claim-somali-hotel-bombing-20141292311985982.html
5 - "أزمة كيسمايو: خيارات التنازل"، يونيو 2013
http://www.heritageinstitute.org/kismaayo-crisis /
6 - "الصومال تخلي مواطنيها من مناطق الصراع في السودان الجنوبي"، ديسمبر 2013
http://www.globalpost.com/dispatch/news/afp/131230/somalia-evacuates-ci…
7 - "مبادرة الالتحاق بالمدرسة الصومالية تبدأ بداية بطيئة"، أكتوبر 2013
http://sabahionline.com/en_GB/articles/hoa/articles/features/2013/10/07/feature-01
8 - "عواقب الصراع الداخلي"، ديسمبر 2013
http://sabahionline.com/en_GB/articles/hoa/articles/features/2013/10/07/feature-01
9 - "الطريق الطويل أمام الصومال لإعادة بناء المؤسسات"، نوفمبر 2012، التقرير الإفريقي
http://www.theafricareport.com/News-Analysis/somalias-long-hard-road-of-institution-building.html
10 - "أفغانستان والصومال وكوريا الشمالية تتصدران مؤشر الدول الأكثر فسادا في العالم"، ديسمبر 2013- وكالة الأنباء الفرنسية
http://sg.news.yahoo.com/afghanistan-n-korea-somalia-top-world-graft-index-052842893.html
11 - "محافظ بنك الصومال المركزي تستقيل بسبب قلقها من الفساد" نوفمبر 2013
http://www.voanews.com/content/somali-central-bank-chief-quits-over-graft-concerns/1783161.html
12 - إيلمي ا. و آرمان ا.، "الصومال: شبح الانهيار السياسي" ديسمبر 2013
http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2013/12/somalia-spectre-political-meltdown-20131211595397884.html
13 - "قوات حفظ السلام الكينية متهمة بإقامة منطقة عازلة داخل الصومال"، يونيو 2013
http://www.csmonitor.com/World/Africa/2013/0705/Kenyan-peacekeepers-accused-of-creating-buffer-state-inside-Somalia
14 - "أوغندا تهدد بسحب قواتها من الصومال"، نوفمبر 2012
http://www.bbc.co.uk/news/world-africa-20187369

نبذة عن الكاتب