أزمة سحب السفراء من الدوحة: البواعث والتداعيات

في حدث هو الأول من نوعه منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي قبل أكثر من ثلاثة عقود، سحبت ثلاث دول خليجية سفراءها من الدوحة، وعللت هذا القرار في بيان مشترك صدر عنها، بتدخل الدوحة في شؤون دول الخليج الداخلية.
201432413732845734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تأتي هذه الأزمة الدبلوماسية غير المألوفة في منطقة الخليج، لاسيما بين الدول الأعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي في سياق التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، والتي يُعتبر أهمها الأحداث الجارية في جمهورية مصر العربية بعد الانقلاب العسكري الذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، على الشرعية التي قادت إحدى حركات التيار الإسلامي "الإخوان المسلمين" إلى قمة هرم السلطة في الدولة وفق ما أفرزته نتائج صناديق الاقتراع بعد مشاركة واسعة من كافة شرائح المجتمع المصري.

إن القراءة الأولى لهذا التصعيد من قبل حكومات السعودية والإمارات والبحرين تكشف عن سعي هذه الدول للحد من التأثير القَطري واضح المعالم في بعض الملفات المحورية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الملف المصري، ورغبة المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى، ومن بعدها الإمارات العربية المتحدة، في العمل بجدية على اجتياز مرحلة ما يُعرف بثورات الربيع العربي، تلك الثورات التي اجتاحت عددًا من الدول العربية وأقلقت العديد من الأنظمة الحاكمة في المنطقة.

للخروج من هذه الأزمة يرجح الباحث "استمرار الوضع على ما هو عليه"؛ فمن غير الوارد أن تغير دولة قطر سياستها الخارجية أو ثوابتها المعلنة، ولا يُتوقع في المقابل أن تتنازل السعودية عن مطالبها. عليه، قد يكون المخرج في التوصل إلى توافق على صيغ ترضي جميع الأطراف، وذلك من خلال وساطة يمكن أن تقودها في المستقبل القريب دولة الكويت بوصفها رئيس قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها في الــ 25-26 مارس/آذار الجاري في العاصمة الكويت. ولكن تبقى الإشكالية الأعمق في "انعدام الثقة" التي تأصّلت بين أطراف الخلاف، والتي تولدت نتيجة السياسات المتناقضة التي أدت إلى الاحتقان حتى تفجر الأزمة.

مقدمة

في حدث هو الأول من نوعه منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل أكثر من ثلاثين عامًا، سحبت ثلاث دول خليجية، هي: السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في الخامس من مارس/آذار الجاري، وعللت هذا القرار في بيان مشترك صدر عنها، بتدخل الدوحة في شؤون دول الخليج الداخلية؛ ما يؤدي إلى تهديد الاستقرار الأمني والسياسي لتلك الدول.

تأتي هذه الأزمة الدبلوماسية غير المألوفة في منطقة الخليج، لاسيما بين الدول الأعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي في سياق التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، والتي يُعتبر أهمها الأحداث الجارية في جمهورية مصر العربية بعد الانقلاب العسكري الذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، على الشرعية التي قادت إحدى حركات التيار الإسلامي "الإخوان المسلمين" إلى قمة هرم السلطة في الدولة وفق ما أفرزته نتائج صناديق الاقتراع بعد مشاركة واسعة من كافة شرائح المجتمع المصري.

إن القراءة الأولى لهذا التصعيد من قبل حكومات الدول الخليجية الثلاث، وفي هذا التوقيت، تكشف عن سعي هذه الدول للحد من التأثير القَطري واضح المعالم في بعض الملفات المحورية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الملف المصري، ورغبة المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى، ومن بعدها الإمارات العربية المتحدة، في العمل بجدية على اجتياز مرحلة ما يُعرف بثورات الربيع العربي، تلك الثورات التي اجتاحت عددًا من الدول العربية وأقلقت العديد من الأنظمة الحاكمة في المنطقة.

تصدع دبلوماسي وسط متغيرات إقليمية

لفهم حقيقة وعمق الخلاف بين قَطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، لا بد من الرجوع إلى التوازنات الاستراتيجية المؤثرة في المنطقة. لقد تفجرت الخلافات بين الطرفين وبشكل علني بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في يوليو/تموز الماضي؛ فبين مؤيد لهذا الانقلاب من قبل أطراف عديدة، أهمها: السعودية والإمارات، إلى معارض له من أطراف أخرى كقطر وتركيا تولّد ما يشبه التكتلات في المنطقة، وعليه بدا وكأن معالم خريطة جديدة لمشهد التحالفات في طور التكوين.

إن الأزمة السياسية التي هزت مصر في صيف عام 2013 أحدثت زلزالًا سياسيًا قسم العالم إلى حليف للحكومة الجديدة في القاهرة، ومعارض لهذا الانقلاب الذي ينافي قيم الديمقراطية التي أوصلت السلطة السابقة إلى مقاليد الحكم من خلال انتخابات تمت تحت رقابة المنظمات الدولية وشاركت فيها شرائح عريضة من المجتمع المصري؛ ما أدّى إلى اشتعال حرب باردة بين الطرفين: المؤيد والمعارض للحدث.

إن خشية بعض الأنظمة في المنطقة من أن تطالها حركة التغيير التي يشهدها العالم العربي، جعلها تعتمد استراتيجيات مواجهة وقائية لتحصين نفسها من ارتدادات رياح الحرية التي تهب في عدد من الدول العربية منذ أواخر العام 2010. في هذا الإطار، تعارض السعودية كل ما من شأنه تغيير التوازنات الإقليمية في المنطقة لغير صالحها، وهي تجد في عودة المؤسسة العسكرية إلى سدة الحكم في مصر ضمانًا لمصالحها وتحالفاتها، وبالتالي ترجيحًا لكفة موازينها. ولعل دعمها غير المحدود للحكومة التي أفرزها الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي يأتي في هذا السياق.

تأتي خطوة سحب السفراء الثلاثة من الدوحة في توقيت يتناغم فيه موقفا الرياض والقاهرة عشية تصنيف حركة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في السعودية وحظر عمل حركة حماس الفلسطينية على الأراضي المصرية، وكذلك بعد إصدار الحكم بالسجن سبع سنوات على الناشط القَطري الدكتور محمود الجيدة في الإمارات، بمثابة تنسيق بين الأطراف الثلاثة (السعودية والإمارات وحكومة الانقلاب العسكري في مصر) لاختيار توقيت تفجير أزمة دبلوماسية مع دولة قَطر، أحد أهم الداعمين لتطلعات الشعوب في تقرير مصيرها.

يمكن إرجاء حساسية السعودية تجاه جماعة الإخوان المسلمين إلى تقارب الجماعة مع التيار السلفي الإصلاحي في الداخل السعودي، وذلك من خلال دعوة كلا الطرفين إلى الإصلاح السياسي كخطوة أولى على درب الوصول إلى الديمقراطية. بيد أن نجاح بعض التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي كحركة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا، ووصولها إلى سدة الحكم من خلال صناديق الاقتراع، ووفق عملية ديمقراطية تمثلت في انتخابات جرت تحت رقابة دولية، لم يَرُق لصانع القرار السعودي على ما يبدو، حيث كانت النتيجة صعود تلك التيارات الإسلامية التي لا تتوافق في منهجها مع التيار السلفي الذي تتزاوج معه السلطة في السعودية.

لا شك في أن الرياض وعواصم خليجية أخرى لا سيما أبو ظبي، تبذل ومنذ تفجر بركان الربيع العربي، قصارى جهدها لاحتواء تأثير دولة قطر على عدد من الفاعلين الدوليين والإقليميين، نتيجة سعي الرياض لتصدر دفة القيادة من جديد في العالم العربي بعد سقوط الأنظمة الأكثر قوةً في عدد من الدول العربية الكبرى، خاصة في مصر (2011) وفي العراق (2003)، والحال في سوريا آخذة بالتدهور منذ اندلاع الثورة فيها قبل أكثر من ثلاث سنوات.

مطالب سيادية في زمن متغير

يُفهم من البيان المشترك للدول الثلاث الخاص بسحب السفراء من الدوحة، غضب تلك الدول نتيجة "عدم التزام الدوحة بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواءً عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي"، كما جاء في نص البيان. ولعلّ أهم المطالب السعودية التي قُدّمت إلى الحكومة القطرية كما تم تسريبه لاحقًا هو "إغلاق قناة الجزيرة، وإغلاق المراكز البحثية في الدوحة، وتسليم المطلوبين". لم يرد في نص البيان شيء يُذكر عن إغلاق قناة الجزيرة، ولكن ورد "عدم دعم الإعلام المعادي"، وفي ذلك إشارة إلى قناة الجزيرة التي لم تتوقف عن تغطية المشهد المصري حتى بعد الانقلاب العسكري الذي قاده المشير السيسي في يوليو/تموز الماضي، ولم تمتنع الجزيرة كذلك عن منح منبرها إلى جميع أطراف النزاع بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين، وهذا ما لم يتناسب وتوجهات السياسة الخارجية لبعض الأنظمة العربية في المنطقة.

وإن صحّ أن السعودية والإمارات تطالبان دولة قطر بتسليم بعض الناشطين المقيمين على أراضيها؛ فإن ذلك يتعارض دون أدنى شك مع مبادئ سيادة الدول التي تحفظها مواثيق القانون الدولي العام ومعاهدات المنظمات الدولية. ويبدو أنَّ المناورة التي قامت بها الدول الخليجية الثلاث من خلال سحب سفرائها من الدوحة لم تحقق هدفها الرئيس في إرغام دولة قطر على التراجع عن المنهج الذي تتبناه في دعمها للتغيير الذي يجتاح العالم العربي.

لقد راهن السعوديون وغيرهم على أن السياسة الخارجية لدولة قطر سوف تنحى في اتجاه آخر بوصول الأمير الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الحكم بعد تسليم مقاليد الحكم له من قبل والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في الخامس والعشرين من يونيو/حزيران 2013، ولكن تأكيد الأمير الشيخ تميم في كلمته التي ألقاها بمناسبة توليه حكم البلاد على أنه سيواصل المسيرة التي سار عليها "الأمير الوالد"، وأن قطر ستبقى "كعبة المضيوم"، وتطبيقه ذلك على أرض الواقع، جعل بعض الأطراف الخارجية المختلفة جوهريًا مع دولة قطر في نهج سياستها الخارجية، تحاول ممارسة الضغوط عليه ولكن دون جدوى؛ ما أثار غضب تلك الأطراف وأدى إلى أن تقوم بخطوة تصعيدية رقت إلى مستوى سحب السفراء، تلك الخطوة التي لقيت ردة فعل هادئة من قبل دولة قطر، من خلال اتخاذ قرار عدم الرد بالمثل، والتأكيد على أن أسباب الخلاف مع الأشقاء الخليجيين لا تمت بصلة إلى شؤون البيت الخليجي الداخلي، وإنما ترتبط بقضايا ذات بُعد إقليمي.

توشك هذه الأزمة أن تؤثر بعمق على أداء منظومة مجلس التعاون الخليجي، بعد أن زعزعت الثقة بين أعضائه، ذلك أنه ومنذ إنشاء هذه المنظومة الإقليمية، والرياض تسعى إلى الهيمنة عليها، رغم أن التفاعلات الإقليمية والدولية أدت إلى تغير التوازنات والمفاهيم على حد سواء، ومن هذا المنطلق يأتي رفض الدول الصغيرة في المنظومة الخليجية أن تُملى عليها سياسات الشقيقة الكبرى (السعودية)، وهذا ما يمكن رصده في هذا السياق؛ حيث لم تحذُ دولة الكويت وسلطنة عُمان حذو الرياض وأبو ظبي والمنامة في سحب سفرائها من الدوحة. ومن البديهي أن موقف هاتين الدولتين يمثل مؤشرًا على رفض الانسياق للموقف السعودي، ويبرز وجود انشقاق حقيقي في داخل المنظومة الخليجية ما يؤدي إلى عدم القدرة على اتخاذ قرار خليجي موحد.

لقد ظهر هذا التمايز في الفترة القريبة الماضية من خلال رفض مسقط بشكل خاص، القبول باقتراح سعودي لتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد حقيقي، وهو ما قد يعزز سعي الرياض لهيمنتها على شبه الجزيرة العربية. وانطلاقا من هذا، يمكن الاستنتاج بأن هذه الأزمة لن تؤدي إلى عزلة دولة قطر في المنظور البعيد بل قد تؤدي إلى تقارب بينها وبين شركاء خليجيين آخرين.

ثمة فرضية أخرى تقوم على أساس أن التصعيد الذي بادرت به السعودية وأيدته الإمارات والبحرين ما هو إلاَّ موقف سعودي يعبّر عن خيارات لترتيب البيت السعودي الداخلي نفسه. فنظرًا إلى اعتلال صحة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، واستبعاد ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود من خيارات تولي مقاليد الحكم في المملكة كخلف للملك عبد الله لاعتبارات صحية أيضًا؛ فإن هناك جناحًا قويًا يمتلك أدوات القوة الصلبة داخل العائلة المالكة السعودية، ويُدعى بفريق "الصقور"، ويتمثل في القائمين على مؤسستي وزارة الداخلية من جهة، ووزارة الحرس الوطني من جهة أخرى. وعليه، يبقى واردًا تفجر الصراع على من سيخلف الملك عبدالله في الحكم؛ لذا فإن افتعال أزمة دبلوماسية مع دولة قطر التي تدعم التغيرات نحو الديمقراطية في العالم العربي، وفي هذا التوقيت بالذات يصب في اتجاه فرض خيارات داخل البيت الملكي السعودي نفسه لتحديد ملك البلاد المحتمل في المستقبل.

خلاصات

  • إن هذه الأزمة وإن كانت ستلقي بظلالها سلبًا على مستقبل كينونة منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلاَّ أنه من المتوقع أن تخرج دولة قطر منها أكثر قوة، لا سيما أن هناك شرائح كبيرة في المجتمعات الخليجية تحديدًا لا ترى أن اتخاذ خطوة سحب السفراء تصب في مصلحة الشعوب، التي تربطها أساسًا وشائج القربى والنسب "القبيلة والعائلة الواحدة"، كما أنّ الرأي العام العربي يتعاطف عمومًا مع السياسات التي تتبناها الدوحة في ما يخص دعم خيارات الشعوب في تقرير مصيرها، لا سيما في الدول التي عصفت بها رياح التغيير كمصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن.
  • إنّ انسحاب أية دولة عضو من مجلس التعاون الخليجي كنتيجة لعدم توافق سياسات دوله سيؤدي دون أدنى شك إلى تصدعه ومن ثم إلى تفككه، لا سيما أن المجلس يمر بمرحلة غير مستقرة بعد طرح السعودية لمشروع الاتحاد الذي جُوبه بالرفض من قبل سلطنة عُمان له، بل وتهديدها بالانسحاب منه في حال تم اعتماد المشروع.
  • إن المتضرر الرئيس من هذه الأزمة هو "الديمقراطية" في العالم العربي؛ حيث لن تكون هذه التجاذبات في صالح نضوج ونجاح تجارب الدول التي تخوض ممارسات نحو تعزيز الديمقراطية فيها.
  • يبقى الموقف الأميركي عائمًا ولا يميل صراحةً لطرف على حساب طرف آخر، وهذا غير مستغرب بحكم المصالح التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بحلفائها في منطقة الخليج، ولا يُتوقع أن يقوم الرئيس الأميركي باراك أوباما بأي نوع من الوساطة في هذه الأزمة خلال زيارته المرتقبة إلى المنطقة أواخر شهر مارس/آذار الجاري والتي سيعرّج فيها على الرياض.
  • ستبقى لقطر أهمية بالغة كلاعب وفاعل ووسيط في كل ما يتعلق بـ "الإسلام السياسي"، نظرًا لتمتعها بعلاقات جيدة مع مكونات هذا التيار في دول الربيع العربي.
  • إنّ رغبة السعودية في استيعاب قطر وضمّها تحت نفوذها يوازيه إرادتها تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الجار الشرقي "إيران"، وفي هذا الصدد تقف كل من سلطنة عُمان ودولة قطر موقف الممانع من هذا التوجه؛ حيث بقيت الدولتان حريصتين على إقامة علاقات حسن جوار مع إيران، رغم تشنج العلاقات بين الرياض وطهران.
  • يبقى الموقفان: السعودي والقطري متطابقين إلى حد كبير فيما يتعلق بدعم المعارضة السورية، وإفشال جهود ومحاولات النظام السوري إجهاض الثورة، ذلك أنّ مصالح كلا البلدين تصب في هذا الاتجاه. وعليه، يُتوقع أن يستمر الطرفان في تقديم الدعم المادي والعسكري للأطراف التي يؤيدانها من أطياف المعارضة السورية.
  • فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ فإن الاختلاف في المواقف يتجه نحو التوسع، لا سيما بعد أن أدرجت السعودية جماعة الإخوان المسلمين على قوائم المنظمات الإرهابية؛ ما سيقود إلى إحتمال صعوبة التعاون مستقبلًا مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تحكم سيطرتها على قطاع غزة منذ صيف عام 2007. بينما تحتفظ دولة قطر بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف الفلسطينية في غزة وفي رام الله؛ ما سيمنحها مساحة أكبر للعب دور الوسيط مستقبلًا من أجل الوصول إلى المصالحة بين كافة الأطراف الفلسطينية، لا سيما أن مبدأ الوساطات هو أحد أهم محددات السياسة الخارجية القطرية التي نصت عليها المادة السابعة من الدستور القطري.

سيناريوهات تطور مجريات الأزمة

يمكن أن يكون أحد السيناريوهات المطروحة هو "التصعيد" من قبل السعودية وحلفائها، من خلال العمل على شيطنة الدور القطري في الملفات المحورية في المنطقة، ولكن تبقى مقومات نجاح هذه الشيطنة إن اعُتمدت كخيار غير صلبة، نظرًا لأن مواردها ضحلة؛ فالتداخل الجغرافي لدول الخليج والتلاحم الأسري بين شعوب المنطقة يشكّلان حائط صد لهذه الشيطنة.

السيناريو الآخر يكمن في "استمرار الوضع على ما هو عليه" ولكن إلى أجل؛ فمن غير المرجح أن تغير دولة قطر من سياستها الخارجية أو من ثوابتها ومواقفها المعلنة، ولا يُتوقع في المقابل أن تتنازل السعودية عن مطالبها. عليه، سيكون السبيل للخروج من هذه الأزمة هو التوصل إلى توافق على صيغ يمكن أن ترضي أطراف الأزمة، وذلك من خلال وساطة يمكن أن تقودها في المستقبل القريب دولة الكويت بوصفها رئيس اجتماع قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها في الــ 25-26 مارس/آذار الجاري في العاصمة الكويت. ولكن تبقى الإشكالية الأعمق في "انعدام الثقة" التي تأصّلت بين أطراف الخلاف، والتي تولدت نتيجة السياسات المتناقضة التي أدت إلى الاحتقان حتى تفجر الأزمة.
__________________________________________
د. جمال عبد الله - باحث مختص في الشأن الخليجي

نبذة عن الكاتب